قتل النساء يتزايد في لبنان... 21 سيدة أنهى أزواجهنّ حياتهنّ عام 2023

قانون الأحوال الشخصية والأزمة الاقتصادية خلف ارتكاب الجرائم

تحرّك سابق لجمعيات تُعنى بحقوق النساء في لبنان بعنوان «للصبر حدود» (جمعية كفى)
تحرّك سابق لجمعيات تُعنى بحقوق النساء في لبنان بعنوان «للصبر حدود» (جمعية كفى)
TT

قتل النساء يتزايد في لبنان... 21 سيدة أنهى أزواجهنّ حياتهنّ عام 2023

تحرّك سابق لجمعيات تُعنى بحقوق النساء في لبنان بعنوان «للصبر حدود» (جمعية كفى)
تحرّك سابق لجمعيات تُعنى بحقوق النساء في لبنان بعنوان «للصبر حدود» (جمعية كفى)

«10 سنوات من العذاب عاشتها أختي مع زوجها، وعندما قرّرت الانفصال عنه قتلها!»، بهذه الكلمات تختصر أم علي، شقيقة اللبنانية أميرة مغنيّة، معاناة أختها المقتولة على يد زوجها بأستراليا في يونيو (حزيران) الماضي، ليُيَتّم بذلك أطفالهما الثلاثة.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «تزوّجت أختي في سنّ الـ19، وسافرت مع زوجها إلى أستراليا. طوال تلك السنوات مارس عليها شتّى أنواع الضغوط، حدَّ منعها من مغادرة المنزل والتواصل مع أحد. وعندما طلبت الطلاق، رفض، فتدخّلت أطراف من العائلتين للوساطة بلا نتيجة... إلى أن قرّرت الانفصال عنه والعيش في منزل آخر مع أولادها. هنا بدأ يُصعّد بتهديداته، ويرفض إعطاءها المال لرعاية الأولاد، لكن لم نتوقّع أن تتأزّم الأمور حد القتل».

بعد انفصالها عنه، كانت أميرة قد بدأت بإجراءات طلب الطلاق، «وهذا الأمر لم يكن سهلاً، كأنّ المطلوب موت المرأة لتنال طلاقها»، وفق شقيقتها. وتضيف: «عندما تسلّم بلاغاً من المحكمة يفيد بأنّ إجراءات الطلاق ستبدأ، قتلها. حتى الآن، لم نعرف كيف استدرجها إلى منزله حيث وُجدت مقتولة خنقاً... وها هو موقوف في السجن بانتظار نتائج التحقيقات»، مشيرة إلى أنه لا يزال ينكر فعلته، ويحاول الظهور بأنه ليس بكامل قواه العقلية.

أميرة ليست الأولى التي قتلها زوجها، ولا تبدو أنها الأخيرة. هي واحدة من 21 امرأة لبنانية قُتلن على أيدي أزواجهن في لبنان وخارجه عام 2023، كما سُجّلت جريمة إضافية في الشهر الأول من العام الحالي، وفق جمعية «كفى عنف واستغلال». هذا، إلى عدد من محاولات القتل والانتحار، نتيجة ضغوط تتعرّض لها السيدات.

ورغم أنّ معظم الجرائم العائلية المكشوف عنها في لبنان تستهدف النساء، تُسجَّل، وإنْ بنسبة ضئيلة جداً، جرائم ضدّ الرجال كان آخرها نهاية العام الماضي، قتل سيدة لزوجها عبر دسّ السم في طبق الملوخية قبل حرقه بالأسيد. وإذ لقيت هذه الجريمة إدانة واسعة من المجتمع اللبناني، ترى جمعية «كفى» أنّ المشكلة في ردة الفعل التمييزية بين الجرائم، وهو ما أشارت إليه عبر حسابها في «فيسبوك» قائلة: «في 18 سبتمبر (أيلول)، ارتكبت امرأة جريمة غير مبرَّرة ومدانة بحقّ زوجها، لكنّ ردة الفعل الإعلامية والاجتماعية لم نشهد مثيلها في جرائم قتل النساء؛ إذ تصدّرت نشرات الأخبار، وجرى تناقلها بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ كأنّ الهدف ليس الإضاءة على جريمة القتل في ذاتها، بقدر الإضاءة على أنّ المرتكبة هي امرأة»، مذكرةً بأنّ القضاء يبحث دائماً في الجرائم ضدّ النساء عن أسباب تخفيفية غير مبرّرة لتبرئة الزوج، كما حصل مع رنا بعينو، الضحية التي قتلها زوجها المراقب الجمركي شربل الهبر عام 2019.

في هذا السياق، تتحدّث مديرة «كفى» زويا جريديني لـ«الشرق الأوسط» عن أسباب زيادة عدد الجرائم ضدّ النساء، فهي إضافة إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والتفلّت الأمني، يكمن سبب جوهري هو قانون الأحوال الشخصية الذي يكرّس سلطة الرجل على المرأة والأسرة، ليعدّ نفسه المسؤول المباشر، وله الحقّ بالتصرّف.

وتؤكد أنّ «عدد الجرائم ارتفع عام 2023 مقارنة مع السنوات الماضية»، لافتة في الوقت عينه إلى الإضاءة أكثر على هذه الجرائم والتوعية حولها، حتى بات يُحكى عنها في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

أمهات يتظاهرن للمطالبة بحق بناتهن اللواتي قتلهنّ أزواجهن (جمعية كفى)

تتوقّف جريديني عند حالات الانتحار في صفوف النساء بلبنان، «التي توضع كلها في خانة المشكلات النفسية، مما يحيطها وأسبابها بشكوك»، لكنها ترى في المقابل أنه بات هناك وعي أكثر في المجتمع اللبناني، بدليل عدد الحالات التي تلجأ إلى الجمعيات المعنية بهذه القضايا لطلب المساعدة بعد تعنيف النساء.

وإذ تلفت إلى مشكلة في المحاكمات المرتبطة بهذه الجرائم، تتمثّل بالمماطلة في الجلسات والتحقيقات، مما يؤدّي إلى زيادة هذه الجرائم بدل الحدّ منها؛ تعطي قضية اللبنانية رلى يعقوب مثالاً، بعدما استغرق التحقيق 7 سنوات قبل صدور الحكم، وتؤكد: «لذا لا نزال نطالب بمحاكمات خاصة بالأسرة لتردع هؤلاء».

وعما إذا كان محامو «كفى» يتابعون هذه القضايا، تردّ: «هذا الأمر يعود إلى عائلة الضحية، فنحن نتواصل معهم ونعرض المساعدة، فيتجاوب بعضهم، ويفضّل البعض الآخر المتابعة مع محامٍ خاص، بينما آخرون يختارون (عدم التورّط بمزيد من المتاعب)».

من جهته، يتحدّث رئيس مؤسّسة «جوستيسيا» المحامي الدكتور بول مرقص عن الأسباب المؤدّية إلى زيادة هذه الجرائم، وما المطلوب من الناحية القانونية للحد منها، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «تزايُد حالات العنف الأسري ضدّ النساء حدّ القتل، مشكلة خطيرة تواجهها مجتمعات عدّة، ولا تزال تتفاقم في لبنان من دون أن يعني ذلك تعميماً وإدانة لجميع الأزواج»، لافتاً إلى «عوامل تلعب دوراً في تفاقم هذه الجرائم والتشجيع عليها، منها، التمييز الجنسي، وسوء استخدام السلطة، وقلة الوعي والعلم والثقافة، والضغوط الاقتصادية، ورجعية الوعي الاجتماعي والديني وغيرها من الظروف».

ومن الناحية القانونية، يلفت مرقص إلى أنه رغم تشريع لبنان لقوانين تحمي المرأة عموماً، لا سيما من العنف الأسري، منها قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من هذا العنف، فإنه لا بدّ من اتّخاذ خطوات وإجراءات عدّة لمكافحته على نحو فعّال، أهمها، «العمل على تطبيق القوانين مرعيّة الإجراء، وتنفيذ الآليات المنصوص عليها، مثل إنشاء ومتابعة والوحدات المعنية بقضايا العنف الأسري، وتشديد العقوبات لزيادة الرادع، وتوعية المجتمع بجميع فئاته وتثقيفه، إضافة إلى تمكين النساء، ودعم الضحايا مادياً ومعنوياً، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتغيير العقائد الثقافية اللبنانية التي تشجّع على العنف ضدّ النساء، وغيرها من المسائل التي تختلف وفق البيئة الاجتماعية». من هنا يؤكد أنّ «العنف الأسري ضدّ النساء مشكلة اجتماعية عالمية خطيرة، وتعترض مكافحتها تحدّيات عدّة، فتتطلّب جهوداً متكاملة ومستدامة من مختلف الجهات للتصدّي وتمكين النساء والفتيات. وهذا يقتضي أن تتعاون الدول والحكومات والمجتمعات للقضاء عليه، وتوفير الحماية للنساء الضحايا ودعمهنّ».


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
TT

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة، وسط بيروت فجر الجمعة، ذات طابع عسكري فقط، بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثّل في ضرب منطقة أضحت من البيئات الشعبية المؤيدة لـ«حزب الله»، وتماهت معه منذ تأسيسه في عام 1982 يوم انشق عن حركة «أمل» بصفته تنظيماً مسلّحاً حمل اسم «حركة أمل الإسلامية».

يكفي الحديث عن تاريخ هذه المنطقة لإدراك أن استهدافها وتدميرها لا يقفان عند حدود تعقّب قيادات «الحزب» واغتيالهم وترويع بيئته في قلب العاصمة بيروت فقط، بل الأمر يتعدى ذلك إلى تدمير أحياء ومبانٍ ما زالت تحفظ على جدرانها وفي ذاكرتها كثيراً من تاريخ بيروت الجميل، رغم تغيّر هويتها، لا سيما شارع المأمون الذي تحمل عقاراته ومبانيه أسماء عائلات بيروتية سنيّة ومسيحية رغم انتقال ملكيتها في السنوات الماضية إلى أسماء أشخاص من الطائفية الشيعية الذين يدورون في فلك «حزب الله»، بعد أن عزز الأخير وجوده ونفوذه في البسطة وامتداداً منها إلى مناطق أخرى، سواء بفعل استملاك العقارات، أو بنقل سجلات قيد عائلات من الجنوب إلى بيروت لغايات سياسية انتخابية وأحياناً أمنية.

لا يختلف اثنان من أبناء بيروت على أن الهوية الطائفية والسياسية لمنطقة البسطة تغيّرت كثيراً، ويشير مختار المصيطبة، صائب كلش، إلى أن «المنطقة التي استهدفتها الغارة الإسرائيلية، وتحديداً شارع المأمون، ذات غالبية سنيّة بامتياز، وأغلب سكانها من عائلات: عيتاني، وشاتيلا، والنويري، وعيدو، والتنير، ومنيمنة، ومغربل، وسوبرة، وكان فيها عدد لا بأس به من العائلات المسيحية مثل: مجدلاني، وجنحو، ومنيّر، والمطران، وعودة... وغيرها».

وأوضح كلش لـ«الشرق الأوسط» أنه «على أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، والتهجير من الجنوب إلى بيروت، استوطنت عائلات شيعية في هذه المنطقة، وآثرت البقاء فيها، واستملكت عقارات وشققاً سكنية، ورفضت مغادرتها حتى بعد انسحاب إسرائيل إلى خلف ما كان يعرف بالشريط العازل في الجنوب».

مجزرة «فتح الله»

اللافت أن دور «حزب الله» ووجوده بدأ يتعزز مع اكتشاف ارتباطه بإيران، واتخذ في بداياته من منطقة البسطة مكاناً لقياداته وتقوية نفوذه، وحوّل ثكنة «فتح الله» الواقعة في شارع المأمون مقراً لقيادته. لكن بعد أشهر قليلة من عام 1987، وفي ظلّ تمدده عسكرياً بالمنطقة، اصطدم مع القوات السورية إثر دخول الأخيرة إلى «بيروت الغربية» على أثر إقدام «الحزب» على قتل جندي سوري، عندها عمد الجيش السوري إلى تصفية 27 عنصراً من مقاتلي «الحزب» داخل هذه الثكنة وسيطر عليها، وعرفت العملية يومها بـ«مجزرة فتح الله»، لينقل على أثرها «الحزب» مركز قيادته إلى الضاحية الجنوبية.

اتخذ «حزب الله» من تلك المجزرة عبرة لإعادة صوغ علاقته بالجيش السوري، خصوصاً في ظلّ العلاقات المتنامية بين إيران وسوريا. وأكد المختار كلش أنه «بعد سيطرته عسكرياً على بيروت، سمح الجيش السوري لـ(الحزب) بأن يتمدد في منطقة البسطة شعبياً، وهذا سهّل عليه وعلى مؤيديه استملاك الشقق والمنازل، خصوصاً بين عامي 1988 و1990عندما أطلق العماد ميشال عون ما سماها (حرب التحرير) ضدّ الجيش السوري، وتسبب ذلك في هجرة المئات من أبناء العائلات البيروتية السنيّة والمسيحية من المنطقة، والخشية من استهداف منطقتهم من الجيش اللبناني الذي كان تحت إمرة ميشال عون، كما شمل التهجير النهائي غالبية المسيحيين، وبقي وجود بعضهم رمزياً».

رجال أمن لبنانيون في وسط بيروت... وتبدو خلفهم صورة الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)

صحيح أن شوارع وأحياء المصيطبة، القريبة من البسطة، لا تزال تحمل أسماء شخصيات بيروتية سنيّة، إلّا إن وجهها تبدّل أيضاً، وهذا تظهّر بشكل كبير بعد انخراط «حزب الله» في العمل السياسي؛ بدءاً من الانتخابات النيابية في عام 1992 وحصوله على كتلة وازنة، كما تعزز أكثر بعد تحرير الجنوب في عام 2000، لكنّ التحوّل الأكبر انطلق في عام 2005 على أثر خروج الجيش السوري من لبنان على خلفية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتصدّر «الحزب» المشهد السياسي ليأخذ الدور الذي كان يمارسه السوريون في لبنان.

نقل نفوس

ويلفت كلش إلى أن «عدد الشيعة المسجلين في دوائر النفوس ببيروت كان ضئيلاً جداً، لكن بعد عام 2005 نُقلت نفوس آلاف العائلات من الجنوب إلى بيروت، وسُجلوا في مناطق مثل المصيطبة، والباشورة، والمرفأ، امتداداً إلى ميناء الحصن وعين المريسة، والسبب في ذلك تعزيز حضور (الحزب) في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، بدليل أن نائب (الحزب) عن بيروت، أمين شرّي، حصد 33 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، بينها 28 ألف صوت شيعي، مقابل 6 آلاف صوت فقط لنائب حركة (أمل) محمد خواجة».

ذاكرة المصيطبة

لم يُكتب الكثير عن منطقة المصيطبة، إلّا إن أبناءها المتجذرين فيها يحملون في ذاكرتهم ووجدانهم تاريخ منطقتهم، ويشير المحامي مروان سلام، رئيس جمعية «بيروت منارتي»، إلى أن البسطة «مصنّفة ضمن قائمة أشهر المناطق التراثية، لكن العوامل التي دخلت عليها غيّرت كثيراً من مزاياها». ويؤكد سلام لـ«الشرق الأوسط» أن المنطقة «تميزت بما تحتوي من مراكز إدارية وتعليمية وطبية، بالإضافة إلى عدد من الحدائق والمتنزهات التي جرى تشويه وجهها؛ إما عمداً، وإما تقصيراً»، لافتاً إلى أنها «غنيّة بالمطاعم والمقاهي الواقعة في مبانٍ تراثية قديمة». ويردّ سلام تسمية المنطقة «البسطة» إلى أنها «اعتُمدت مقراً لسلطة المماليك، وحملت هذا الاسم نسبة إلى الكرسي الخشبي التي كان يجلس عليه السلطان».

أكثر من ذلك، حملت المنطقة اسم «البسطة الشريفة»، كما يقول المحامي مروان سلام؛ «ففيها كانت تقام حلقات تلاوة القرآن الكريم ورواية الأحاديث النبوية الشريفة، وكان لأهل بيروت في ذلك الحين مكانان يتحلقون فيهما للغرض المذكور؛ هما (البسطة الفوقا) و(البسطة التحتا)، ويعنون بهما الحلقات الدينية».

محطة القبضايات

ويتحدث عن مزايا أبناء المنطقة؛ «إذ كانت محطة دائمة للقبضايات الذين يرتادون مقاهيها، وكانت معبراً لـ(ترامواي بيروت) الذي ينطلق من البربير إلى النويري ثم البسطتين الفوقا والتحتا، والباشورة، وصولاً إلى محطته في (ساحة رياض الصلح)». ويضيف سلام أن البسطة «رغم صغر مساحتها، فإنها كات تحوي عدداً من المستشفيات منها: (البربير)، و(الإسلامي)، و(مليح سنو) و(مستشفى الدكتور محمد خالد)، إضافة إلى مدارس: (الشيخ نور)، و(عزيز مومنة)، و(شريف خطاب)، و(العلماوي) و(مكارم الأخلاق). كما خرّجت عدداً كبيراً من الفنانين، منهم: نجاح سلام، ومحمد سلمان، وأنطوان كرباج، وشوشو، ومحمد شامل، ومحيي الدين سلام، والرسام مصطفى فروخ... وغيرهم. وهؤلاء جميعاً من أبنائها وكانت تفخر بهم ويفخرون بها وبتاريخها».