توسعت الاشتباكات المسلحة في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين الفلسطينيين، بعدما غيّر جيش الاحتلال أسلوب عمله في القطاع، وتحوّل إلى هجمات مركزة في مناطق محددة، وشمل ذلك خان يونس التي يعتبرها عاصمة مسلحي «حماس».
وقالت مصادر في الفصائل الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن اليوم الـ119 للحرب شهد اشتباكات ضارية في شمال القطاع ووسطه وجنوبه. وأكدت أن مواجهات اندلعت في مناطق تل الهوى وحي الرمال والصناعة والجامعات، وعند مدينة عرفات للشرطة جنوب غربي مدينة غزة، وفي غرب خان يونس جنوباً.
وأضافت المصادر أن المواجهات تركزت في المناطق التي عاد إليها الجيش الإسرائيلي لتنفيذ عمليات. وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي غيّر أسلوبه القتالي في كل مناطق القطاع، وانسحب من العمق سواء في الشمال أو خان يونس جنوباً، ويشن هجمات في مناطق محددة ثم ينسحب.
وهاجم الإسرائيليون مع بداية الحرب البرية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مناطق شمال القطاع، وانتقلوا مع بداية ديسمبر (كانون الأول) إلى مهاجمة وسط وجنوب القطاع، ويخططون الآن لمهاجمة مدينة رفح على الحدود مع مصر.
وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي، الجمعة، إن فرقة الكوماندوز واصلت «ترسيخ سيطرتها على غرب خان يونس، وسط منطقة حضرية تشكل أحد المعاقل الأساسية التابعة لـ(حماس)، حيث توجد في المنطقة مجمعات قتالية تشمل مواقع القناصة، ومواقع الاستطلاع والمساجد». وأكد أن القوات اشتبكت مع مسلحين وقتلتهم من مسافة قصيرة.
كما أكد الناطق أن القوات تستمر في تدمير بنى تحتية في غزة، وقد هاجمت أهدافاً في شمال القطاع كذلك، وخاضت قتالاً في منطقة النصيرات بوسط القطاع.
وقال قائد «الفرقة 99»، البريغادير باراك حيرم، مخاطباً مقاتلي الاحتياط التابعين للواء «يفتاح» في غزة: «الثمن باهظ، وقد سقط بعض زملائنا، في حين أصيب آخرون بجروح لكن لا توجد هناك حروب مجانية. سنستمر في اتخاذ الإجراءات اللازمة استعداداً للمهام المقبلة، كلما وأينما لزم الأمر».
ويخطط الجيش الإسرائيلي للتوجه إلى رفح بعد الانتهاء من خان يونس. وكان الجيش أعاد تموضعه في خان يونس استعداداً كما يبدو للانتقال نحو رفح، بحسب ما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الخميس.
مقابل ذلك، أكدت «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس»، و«سرايا القدس» التابعة لـ«الجهاد»، خوضهما اشتباكات مع القوات المتوغلة في محاور متعددة، واستهدافهما جنوداً، وتدميرهما آليات ودبابات.
وبثت «القسام» صوراً لمعارك خان يونس تظهر هجمات من مسافات قريبة ضد الجيش الإسرائيلي و«قنص» جنود.
وإذا ما استمر الجيش الإسرائيلي في هجومه نحو رفح الحدودية، فهذا يعني قراراً بالمضي في مواجهة مع مصر التي تخشى أن الهجوم على رفح قد يشمل سيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي، وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين إلى مصر، وهي قضايا حذرت مصر من أنها لن تسمح بها.
ورفح هي آخر معقل لـ«حماس» لم تدخله القوات الإسرائيلية، واجتياحها من قبل الجيش سيعني نهاية المناورة البرية الواسعة، ثم الانسحاب إلى مناطق عازلة، بانتظار اتفاق شامل.
وأظهرت صور التقطتها أقمار اصطناعية عملية هدم جديدة على طول مسار بعمق كيلومتر واحد على حدود قطاع غزة مع إسرائيل، وفق تحليل أجرته وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، وتقارير خبراء.
وتأتي عملية الهدم هذه في وقت تقول إسرائيل إنها ترغب في إنشاء منطقة عازلة هناك، رغم اعتراضات المجتمع الدولي، ما يزيد من تمزيق الأراضي الفلسطينية.
ولا يمثل الهدم على طول هذا المسار سوى جزء صغير من الضرر الأكبر الذي خلّفته الحرب على غزة، والذي يشير تقييم إلى أنه ألحق أضراراً أو دماراً كاملاً بنصف مباني القطاع الساحلي.
وأشار مسؤولون في إسرائيل مؤخراً إلى رغبتهم في إنشاء منطقة عازلة بوصفه إجراء دفاعياً قد يمنع تكرار هجوم 7 أكتوبر، رغم التحذيرات الأميركية بعدم تقليص مساحة غزة.
ورفض الجيش الإسرائيلي الإجابة عما إذا كان بصدد إقامة منطقة عازلة، عندما وجهت إليه «أسوشييتد برس» سؤالاً حول ذلك، واكتفى بقول إنه «يتخذ العديد من الإجراءات اللازمة لتنفيذ خطة دفاعية من شأنها توفير أمن أفضل لجنوبي إسرائيل». إلا أنه أقر بهدم مبان في جميع أنحاء القطاع.
وقال مسؤول حكومي إسرائيلي، لم تورد الوكالة اسمه، إن «منطقة أمنية عازلة مؤقتة» قيد الإنشاء.
وتبلغ حدود غزة مع إسرائيل نحو 60 كيلومتراً، ويقتطع إنشاء هذه المنطقة العازلة نحو 60 كيلومتراً مربعاً من قطاع غزة، الذي تبلغ مساحته الإجمالية ما يقرب من 360 كيلومتراً مربعاً.
وتظهر الصور دماراً هائلاً للمباني، وأراضي تم تجريفها في منطقة تبلغ مساحتها نحو ستة كيلومترات مربعة في مناطق، وما يزيد قليلاً على أربعة كيلومترات في مناطق حدودية أخرى.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، في بيان، إن «إسرائيل ماضية في تنفيذ احتلالها ومشاريعها الاستعمارية في قطاع غزة، وبرز منها في الآونة الأخيرة شروعها في تنفيذ مخطط ما تسميه بالمناطق العازلة على حدود القطاع»». أما المسؤول البارز في «حماس»، باسم نعيم، فقال إن الحركة «عازمة على عدم السماح بحدوث ذلك».