التعليم في غزة يواجه مصيراً مجهولاً

استبدال حلم النجاة بأحلام الدراسة

طفلتان تحملان أغراضهما وسط منزل دمرته غارة إسرائيلية في رفح السبت (د.ب.أ)
طفلتان تحملان أغراضهما وسط منزل دمرته غارة إسرائيلية في رفح السبت (د.ب.أ)
TT

التعليم في غزة يواجه مصيراً مجهولاً

طفلتان تحملان أغراضهما وسط منزل دمرته غارة إسرائيلية في رفح السبت (د.ب.أ)
طفلتان تحملان أغراضهما وسط منزل دمرته غارة إسرائيلية في رفح السبت (د.ب.أ)

يواجه مئات آلاف الطلاب الفلسطينيين في قطاع غزة، مصيراً مجهولاً مع اقتراب الحرب الإسرائيلية من شهرها الخامس، بلا آفاق واضحة لليوم الذي ستنتهي به هذه الحرب، ولا اليوم التالي لها.

ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حُرم أكثر من 625 ألف طالب وطالبة، في غزة، من التعليم، بعد أن اندلعت حرب غير مسبوقة هناك، قتلت آلاف الطلاب ومعلميهم، ودمرت مدارسهم، وحولت البقية لمراكز إيواء.

ويخشى كثير من الأهالي والطلاب من أن هذا العام قد انتهى، ولا يعرفون ماذا سيحل بهم مع تهديدات الحكومة الإسرائيلية بمواصلة الحرب لأشهر أخرى، وغياب خطة واضحة لوزارة التربية والتعليم، التي تنتظر انتهاء الحرب قبل أن تقرر ماذا ستفعل.

عائلات فلسطينية تحتمي في إحدى مدارس «الأونروا» بغزة في ظل استمرار القصف الإسرائيلي (أرشيفية - يونيسيف)

وإذا كان يمكن اتخاذ قرار بترفيع الطلاب إلى صفوف أعلى في ظروف استثنائية، يفهم طلاب الثانوية العامة أن ذلك معقد بالنسبة لهم، ويعتقدون أن العام الدراسي ضاع بالفعل.

وقالت غيداء الدسوقي، والدة الطالب في الثانوية العامة نادر الدسوقي لـ«الشرق الأوسط» إنها قلقة على مصير ابنها الذي كان يخطط أن يصبح طبيباً. أضافت: «قلبي يحترق عليه وعلى مستقبله. لقد ضاع هذا العام على الأغلب ولا أعرف ماذا سيحل بنا العام المقبل. لقد اجتهد من أجل الوصول إلى حلمه وتعب وسهر الليالي. والآن كل شيء تبخر».

وتعتقد الدسوقي أنه حتى إذا انتهت الحرب، فلن يعود التعليم بسرعة «لأن كل شيء دُمر. البلد دُمر وليس فقط المدارس... لقد قتلوا الناس، قتلوا الطلاب والمعلمين، وقصفوا المدارس والجامعات. مئات الآلاف في المدارس نازحون، ولا يوجد مكان يؤويهم، أين سيذهبون بعد الحرب؟ كم يجب على ابني أن ينتظر حتى يعود لمقاعد الدراسة؟».

نازحون يتحركون من خان يونس باتجاه رفح قرب الحدود المصرية السبت (إ.ب.أ)

ومثل الدسوقي، يعتقد جميع الأهالي الذين التقتهم «الشرق الأوسط» أن المسألة طويلة ومعقدة، وليست مرتبطة بانتهاء الحرب وحسب، وأبدوا قلقاً كبيراً من فقدان أبنائهم العام الدراسي الحالي.

لكن قد لا يفكر الطلاب مثل أهاليهم، وربما تحولوا إلى أكثر واقعية، ولا يناقشون الأمر برمته.

قال نادر دسوقي، الذي نزح من حي الشجاعية إلى مجمع «الشفاء» الطبي، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد اجتهدت طيلة الأعوام الماضية بانتظار هذا العام. كنت أخطط وأسعى للحصول على درجات كبيرة. كنت أحلم بالتفوق وبالسفر للالتحاق بجامعة كبيرة. كنت أريد أن أصبح طبيباً. لكن الآن لا أفكر بكل ذلك. لا أحلم إلا بالنجاة».

فلسطينيون يقيمون في خيام بملعب إحدى مدارس «الأونروا» (أرشيفية - د.ب.أ)

أضاف: «إذا نجونا فسنرى ماذا سيحدث. لا أعرف ماذا سيحدث. لم ندرس. لا يوجد كتب ندرسها. لا يوجد مكان ندرس به. لا يمكن أن نفكر بذلك. يوجد موت ونزوح وجوع وتعب. وحتى إذا انتهت الحرب، لا يوجد شيء. لا توجد مدارس ولا طلاب ولا معلمون، ولا راحة بال. لا أتخيل نفسي أجلس وأدرس مع زملائي. ما بعرف مين عايش ومين مات».

ويعتقد دسوقي أن مصيرهم، إذا نجوا، مرتبط باستعادة الحياة في غزة وليس نهاية الحرب، وهذا بحاجة إلى وقت طويل.

وأدت الحرب الإسرائيلية حتى الآن إلى تضرر 75 بالمائة من المباني المدرسية في قطاع غزة.

وقال بيان أصدرته «أونروا» ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم (يونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن عودة آمنة للتعليم في غزة، مرتبطة بإنهاء الصراع هناك.

وقتلت الحرب الإسرائيلية نحو 4 آلاف و327 طالباً وطالبة، بينما أصيب 7 آلاف و819 آخرون، كما قتلت 231 معلماً وإدارياً، وأصيب 756 منهم بجروح مختلفة.

فلسطينيون بعد القصف الإسرائيلي على مدرسة تابعة لـ«أونروا» في غزة (أرشيفية - رويترز)

وحتى اليوم لم تصدر وزارة التعليم أي قرارات أو تقديرات بشأن العام الدراسي في القطاع.

وقالت مصادر إن ذلك ليس متاحاً قبل انتهاء الحرب وتقييم الضرر والوضع على الأرض.

لكن المعلمين يتفقون مع الطلاب، ويعتقدون أن الأمر طويل، وأنه بعد وقف النار، يحتاج القطاع إلى أشهر طويلة من أجل العودة إلى العملية التعليمية.

وقال نهاد العطل، الذي يعمل في مدرسة حكومية في مدينة غزة، لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يمكن إنقاذ الموسم الدراسي الحالي بأي شكل من الأشكال. أضاف: «المدارس لم تعد صالحة. غزة لم تعد صالحة للحياة. المسألة معقدة».

واتهم العطل، الذي فقد مثل 22 ألف مدرس مثله مصدر رزقهم الوحيد، إسرائيل باستهداف ممنهج للتعليم. وقال: «ليست المدارس فقط. دمروا الجامعات عن عمد وقتلوا قامات علمية كثيرة. إنها حرب على التعليم كذلك».

ويرسم كثير من المتخصصين صورة قاتمة للوضع التعليمي، إذ لا يتعلق الأمر بطلاب الثانوية العامة وحسب، وإنما يواجه الطلاب الأصغر مشكلة كبيرة تتعلق بخسارتهم المحتملة لعام من أعمارهم، أو ترفيعهم إلى صفوف أعلى مع فاقد تعليمي كبير، بينما خسر طلاب الجامعات عاماً دراسياً كاملاً، وربما أكثر في ظل قصف وتدمير الجامعات الكبيرة في غزة، تدميراً كاملاً.

وقالت ياسمين النمر لـ«الشرق الأوسط» إن الضرر بالغ، وأضافت: «منذ أعوام يعاني أبناؤنا من فاقد تعليمي كبير. حروب و(كورونا)، والآن حرب غير مسبوقة».

وكانت النمر تنتظر بفارغ الصبر إرسال طفلتها البالغة من العمر 5 أعوام لبدء مرحلة جديدة في حياتها. أضافت: «كنت أريد أن أفرح بها... الآن لا أعرف. إذا نجونا من هذه الحرب فسنرى ماذا سيحدث. أنا أرى معاناة لا تنتهي هنا. حتى لو انتظمت العملية التعليمية. لا يوجد تعليم حقيقي».


مقالات ذات صلة

الشرق الأوسط وأوكرانيا على جدول أعمال اجتماع مجموعة السبع

أوروبا الأمن يقف في حراسة قبل اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع بأناني بمنطقة لاتسيو بإيطاليا (إ.ب.أ)

الشرق الأوسط وأوكرانيا على جدول أعمال اجتماع مجموعة السبع

يجتمع وزراء خارجية مجموعة السبع قرب روما، اليوم، لإجراء محادثات تركز على النزاع في الشرق الأوسط، بحضور نظرائهم الإقليميين، وكذلك على الحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض صاروخاً في مدينة نهاريا شمال إسرائيل في 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجومين بالمسيرات على جنوب إسرائيل

أعلنت فصائل عراقية مسلحة، يوم أمس (الأحد)، مسؤوليتها عن هجومين بالمسيرات على مواقع في جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شؤون إقليمية سيدة تغلق فمها وتربط يديها بحبل خلال مظاهرة في تل أبيب تطالب بإعادة المحتجزين في غزة (رويترز)

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

بعد عام على إطلاق سراحهم خلال الهدنة الوحيدة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، دعا رهائن سابقون في غزة إلى تأمين الإفراج عمن لا يزالون محتجزين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صبي فلسطيني ينقذ دراجة هوائية تالفة من بين أنقاض منزل دُمر في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة الأحد (الفرنسية)

استيطان غزة... هدف لا تُعلنه إسرائيل لكنها تنفذه

تشير تصريحات إسرائيلية لمسؤولين حاليين وسابقين وحملات لقادة مستوطنين، إلى احتلال طويل لغزة واستئناف الاستيطان، حتى بات ذلك هدفاً غير معلن للحرب لكنه يُنفذ بدقة.

كفاح زبون (رام الله)
العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
TT

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اليوم الأحد، إن مصر قد تكون الأكثر تضرراً بالتصعيد الحالي في البحر الأحمر.

وأوضح الوزير، في مؤتمر صحافي بالكويت، إن «مزيداً من العسكرة في البحر الأحمر يضر ضرراً بالغاً بالتجارة العالمية والاقتصاد المصري»، وفقاً لوكالة «رويترز».

وتابع عبد العاطي: «خاصة أن هناك تراجعاً كبيراً في عائدات قناة السويس نتيجة التصعيد (غير المقبول) في البحر الأحمر».

وقال عبد العاطي إنه تحدث مع وزير خارجية الكويت عن الأوضاع «الكارثية» في البحر الأحمر والتصعيد الحالي، الذي يؤثر على حركة الملاحة الدولية.

وأضاف: «إذا كانت هناك جدية لمنع التصعيد، لا بد من معالجة جذور المشكلة وهي بطبيعة الحال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وأيضا على لبنان حتى لا نعطي الذريعة لأي طرف».

وأكد أن «الاستقرار أمر هام جداً ولن يتحقق الاستقرار إلا بمعالجة جذور المشكلة ووقف هذا العدوان الغاشم».

وتشن جماعة «الحوثي» اليمنية هجمات تستهدف السفن في مدخل البحر الأحمر تقول إنها ضد سفن متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.