العراق: الفصائل إلى «النزال الأكبر»... وقلق من «عداوة واشنطن»

فصيل يهدد بالإطباق على البحر المتوسط... والحكومة تدرس تدابير الرد على استهداف «جرف الصخر»

تشييع عناصر من «كتائب حزب الله» قُتلوا بغارة أميركية على «جرف الصخر» في بغداد في نوفمبر الماضي (رويترز)
تشييع عناصر من «كتائب حزب الله» قُتلوا بغارة أميركية على «جرف الصخر» في بغداد في نوفمبر الماضي (رويترز)
TT

العراق: الفصائل إلى «النزال الأكبر»... وقلق من «عداوة واشنطن»

تشييع عناصر من «كتائب حزب الله» قُتلوا بغارة أميركية على «جرف الصخر» في بغداد في نوفمبر الماضي (رويترز)
تشييع عناصر من «كتائب حزب الله» قُتلوا بغارة أميركية على «جرف الصخر» في بغداد في نوفمبر الماضي (رويترز)

تتسارع الأحداث في العراق نحو مزيد من التصعيد مع الولايات المتحدة في أعقاب قصف الجيش الأميركي موقعَين لـ«كتائب حزب الله» في القائم (غرب) وجرف الصخر (جنوب بغداد)، ويتوقع خبراء أن تتحول بغداد إلى «نظام غير صديق» لواشنطن لو انسحبت قواتها مضطرة تحت وطأة التوتر.

وإثر القصف، قالت الحكومة العراقية إنها «ستتخذ جميع التدابير لحماية الشعب العراقي»، وصنفت الهجوم على «الجيش والحشد الشعبي» بأنه «عمل عدواني»، بينما أكدت مصادر مطلعة أن «أوساط الفصائل المسلحة تتحدث بعد هذا الهجوم عن تحضيرات مكثفة للنزال الأكبر مع الأميركيين».

ماذا حدث؟

فجر الأربعاء، شنّت القوات الأميركية ضربات جوية على مواقع لـ«كتائب حزب الله» في العراق؛ «رداً على هجمات هذه الميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك الهجوم على قاعدة عين الأسد الجوية غربي البلاد في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي».

وقالت القيادة المركزية، في بيان صحافي، إن قواتها شنّت ضربات جوية أحادية الجانب ضد 3 منشآت تستخدمها الميليشيا المرتبطة بإيران في العراق.

وأعلن الجيش الأميركي، السبت الماضي، أن فصائل مدعومة من إيران أطلقت «صواريخ باليستية عدة» على قاعدة عين الأسد الجوية غربي العراق، ما أدى إلى إصابة عراقي واحد وإصابات محتملة في صفوف القوات الأميركية.

قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية)

وتكتمت الفصائل المسلحة على الخسائر التي تعرضت لها خلال الهجوم في الموقعَين، لكن مصادر محلية أكدت أن مستشفى في مدينة النجف (جنوب) تلقى عدداً من الجرحى، أُصيبوا في موقع جرف الصخر.

أما في بلدة القائم (غرب)، فقد أكدت هيئة «الحشد الشعبي» مقتل عنصر واحد جراء الهجوم.

وتداولت منصات رقمية معلومات عن مقتل مسلحين عراقيين وآخرين من جنسيات عربية كانوا في معسكر جرف الصخر جراء الهجوم الأميركي، لكن من الصعب التحقق من هذه المزاعم.

مع ذلك، قال ضابط عراقي برتبة نقيب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخسائر المادية والبشرية في معسكر جرف الصخر كبيرة جداً».

وكانت هذه المنطقة، التي تقع شمالي محافظة بابل، مسرحاً لمعارك ضارية بين مسلحي تنظيم «داعش» وقوات عراقية من الجيش والحشد الشعبي.

واضطر سكانها إلى النزوح جراء المعارك، ولم يتمكنوا من العودة إليها في أعقاب سيطرة فصائل مسلحة على البلدة الزراعية، التي تغير اسمها إلى «جرف النصر».

وتتكتم الفصائل المتمركزة هناك على طبيعة نشاطها، كما تمنع الصحافيين من دخول المنطقة باستثناء مَن يحملون موافقات أمنية خاصة.

وتعتقد الولايات المتحدة أن «جرف الصخر» تحوّلت إلى مركز عمليات للفصائل العراقية الموالية لإيران، وتقول إنها تضم مراكز تدريب ومخازن سلاح ومنشآت للصواريخ.

 الصديق... العدو

بعد ضربة «عين الأسد» بيوم واحد، بدت السفيرة الأميركية لدى العراق إلينا رومانسكي مرتاحة من اللقاءات التي أجرتها مع ثلاثة من قادة الإطار التنسيقي؛ رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، ورئيس ائتلاف «النصر» حيدر العبادي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم.

وفي إطار تلك اللقاءات، كتبت رومانسكي في منصة «إكس»، إنها أجرت مباحثات ناجحة مع القادة الثلاثة، فضلاً عن تطلعها لـ«صداقة» راسخة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية.

الآن، انقلب الوضع، وأظهرت ردود الفعل العراقية على استهداف «كتائب حزب الله» في القائم وجرف الصخر أن «الصداقة تنحدر سريعاً إلى عداوة».

وقال اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، إن «العراق سيتعامل مع مثل هكذا عمليات على أنها أفعال عدوانية».

وأضاف رسول: «في إصرار واضح على الإضرار بالأمن والاستقرار في العراق، تعود الولايات المتحدة لتنفيذ ضربات جوية ضد أماكن وحدات عسكرية عراقية من الجيش والحشد الشعبي، في منطقتي جرف النصر والقائم».

ورأى المتحدث العسكري أن الضربات قوّضت التفاهمات العراقية على دور ومهام عناصر التحالف الدولي ومستشاريه الموجودين في العراق، بعدما قطعت شوطاً إيجابياً على طريق تنظيم العلاقة المستقبلية».

وقال: «هذه الأفعال تعرقل المسار، وتسيء لكل الاتفاقات ومحاور التعاون الأمني المشترك».

وفي فورة المواقف العراقية الغاضبة، اضطر هشام الركابي، وهو أحد مستشاري رئيس الوزراء، إلى حذف بيان نشره على منصة «إكس»، أكد فيه نية العراق «تقديم شكوى دولية لدى مجلس الأمن الدولي»، وإعادة نشر بيان آخر تحدث فيه عن «استنكار الهجوم، واتخاذ جميع التدابير لحماية العراق»، دون الإشارة إلى الشكوى.

في السياق، أكد مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي أن «على الجانب الأميركي الضغط لإيقاف استمرار العدوان على غزة بدلاً من استهداف وقصف مقار مؤسسة وطنية عراقية».

وجدد هادي العامري أحد قادة الإطار التنسيقي مطالبته «الحكومة العراقية بالتحرك الفوري والحازم لإنهاء وجود جميع القوات الأجنبية من العراق»، معتبراً أن «هذا الوجود بات يشكل خطراً على أمن وسلامة الشعب العراقي، وتعدياً صارخاً على السيادة العراقية».

«كتائب حزب الله العراقي» خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

النزال الكبير

بعد الهجوم، دعت «حركة النجباء»، وهي من الفصائل الشيعية الموالية لإيران، إلى طرد السفارة الأميركية من بغداد، وتوعدت بـ«ردٍ قوي ومباغت».

وقالت الحركة، في بيان صحافي، إن الهجوم الأميركي على جرف الصخر أسفر عن مقتل وجرح عدد من العراقيين.

وتابعت: «بالنسبة للرد فبإذن الله سيكون قوياً وسريعاً ومباغتاً ولن يكون الأخير حتى طرد آخر جندي من جنود الاحتلال».

في السياق، قالت مصادر عراقية مطلعة، إن قادة فصائل مسلحة بحثوا التحضير لـ«النزال الأكبر» مع القوات الأميركية في العراق، مشيرة إلى أن «تلك النقاشات تتخذ منحى جدياً بتوسيع رقعة الهجمات».

وأعلن مسؤول «كتائب سيد الشهداء»، أبو آلاء الولائي، أن «المقاومة في العراق تشرع بالمرحلة الثانية من عملياتها».

وقال الولائي عبر منصة «إكس»، إن هذه المرحلة «تتضمن إطباق الحصار على الملاحة البحرية في البحر المتوسط وإخراج موانئ الكيان (إسرائيل) عن الخدمة».

تشييع عناصر من «كتائب حزب الله» قُتلوا بغارة أميركية على «جرف الصخر» في بغداد في نوفمبر الماضي (رويترز)

ماذا بعد الانسحاب؟

وبينما تدفع قوى شيعية باتجاه إخراج القوات الأميركية من العراق، يتخوف خبراء من ضريبة هذا القرار فيما لو اتُّخذ تحت ضغط التصعيد والمواجهات المباشرة.

وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام فيلي، إن من المبكر الحديث عن انسحاب أميركي وشيك من العراق.

وقال فيلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار الانسحاب الأميركي من العراق لا يحظى بإجماع سياسي وطني في الداخل، رغم وجود قرار سابق من البرلمان العراق يوصي بذلك.

ويتخوف فيلي من مرحلة ما بعد الانسحاب لو حصل بالفعل، بسبب الضريبة الاقتصادية المتعلقة بأزمة الدولار، إذ تتحكم واشنطن بعوائد النفط المالية، والسياسية التي قد تكلف العراق خساراته العلاقات مع الغرب.

وقال فيلي: «مع الأميركيين، قد تنسحب سفارات عربية وأجنبية، إلى جانب قوات حلف الناتو، وقد نصل إلى فرض عقوبات على العراق بصفته بلداً منشقاً عن النظام الدولي».

 

 

 



عشرات آلاف اللبنانيين يتهافتون إلى بلداتهم الجنوبية

TT

عشرات آلاف اللبنانيين يتهافتون إلى بلداتهم الجنوبية

نازحون عائدون إلى البقاع في شرق لبنان بعد إعلان وقف إطلاق النار (أ.ب)
نازحون عائدون إلى البقاع في شرق لبنان بعد إعلان وقف إطلاق النار (أ.ب)

لم ينتظر آلاف الجنوبيين بزوغ الفجر ليتوجهوا إلى بلداتهم وقراهم التي تركوها مرغمين نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الذي دخل مَنْحى تصعيدياً غير مسبوق، في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي.

المشهد في ذلك اليوم على أوتوستراد بيروت - الجنوب بعد عشرات إنذارات الإخلاء التي وجهها الجيش الإسرائيلي بدا معاكساً تماماً لمشهد 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، اليوم الأول لوقف إطلاق النار.

وحدها زحمة السير الخانقة كانت عنصراً مشتركاً بين المشهدين. في يوم «النزوح الكبير»، علق عشرات الآلاف وقد اعتصرت قلوبهم الحسرة والحزن أكثر من 8 ساعات على الطريق بحثاً عن مأوى. أما في يوم «العودة الكبير»، فهؤلاء أنفسهم عادوا مبتهجين رغم قناعة قسم كبير منهم بأن منزله دمر بالكامل، وأن رحلة الإعمار قد تكون طويلة.

لبنانيون يحملون صور رئيس البرلمان نبيه بري وأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله في جنوب لبنان (أ.ب)

وبدأت قوافل السيارات تتجه نحو الجنوب مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الساعة الرابعة من فجر الأربعاء، وكانت الزحمة تزداد مع تقدم ساعات النهار. بعض الوافدين إلى الجنوب توجه حصراً للاطمئنان إلى حال منزله ليحدد بعد ذلك ما إذا كان سيعود مع عائلته خلال الساعات اللاحقة، أما القسم الأكبر فصعد وكامل أفراد عائلته إلى سيارته التي حمّلها ما استطاع من أغراض، ولسان حاله: «حتى ولو كانت منازلنا مدمرة فسننصب الخيم في قرانا وبلداتنا ونعيد إعمارها».

وبينما وضع المئات الفرش على أسطح السيارات، ورفع آخرون مبتهجين أعلام «حزب الله» و«حركة أمل» وشارات النصر، أقفل آخرون شبابيكهم أمام الكاميرات، وبدت وجوههم مرهقة وحزينة، الأرجح لفقدانهم أحبة ونتيجة رحلة التهجير الصعبة التي استمرت لمعظمهم شهرين وأسبوعاً، ولقسم منهم أكثر من عام.

وأصرّ أحد العائدين على الحديث إلى إحدى الكاميرات قائلاً: «ها نحن نعود إلى أرضنا صامدين منتصرين رغم أنوف كل من عولوا على تهجيرنا. لا همّ إذا كان منزلنا صامداً أو مدمّراً، فكل البيوت في الجنوب بيوتنا، وسنعيد بناء بلداتنا وقرانا أجمل مما كانت».

لبنانيون يحتفلون بالعودة إلى ديارهم بعد إعلان وقف إطلاق النار (أ.ب)

وشهدت طريق الأوتوستراد الساحلي بين صيدا وبيروت، وتحديداً عند مدخل صيدا الشمالي على ساحل إقليم الخروب - المسرب الغربي، زحمة كبيرة للسيارات المتجهة إلى الجنوب، في حين رصدت «الوكالة الوطنية للإعلام» قوافل النازحين العائدة منذ الرابعة فجراً إلى النبطية، حيث غصت الطرق من صيدا إلى الزهراني، وصعوداً نحو النبطية، وهي ترفع الأعلام اللبنانية وأعلام «حزب الله».

وأقام عدد من المواطنين على طريق العودة نقاطاً وزعوا فيها الحلوى والمياه، ووضعوا أغاني وطنية وحزبية صدحت في الأرجاء عبر مكبرات للصوت.

وانتشر أكثر من فيديو صوّره جنوبيون عائدون إلى قراهم لدبابات وجنود إسرائيليين موجودين فيها، إذ إن قرار وقف إطلاق النار لم ينص على خروج إسرائيلي فوري منها، وإنما أعطى مهلة 60 يوماً لإتمام الانسحاب. وسمعت طلقات نارية خلال محاولات لجنود إسرائيليين إبعاد العائدين إلى القرى من مواقع ونقاط وجودهم.

وظهر شبان وصلوا إلى بلداتهم وهم ينزعون أعلام إسرائيلية رُفِعت على أعمدة وأبنية، على وقع هتافات «النصر».

واستبقت قيادة الجيش عودة المواطنين بدعوتهم إلى التريّث في العودة إلى القرى والبلدات الأمامية التي توغّلت فيها قوات العدو الإسرائيلي بانتظار انسحابها وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وشددت على أهمية الالتزام بتوجيهات الوحدات العسكرية المنتشرة في المنطقة حفاظاً على سلامتهم.

كما دعت الأهالي العائدين إلى سائر المناطق لتوخي الحيطة والحذر من الذخائر غير المنفجرة والأجسام المشبوهة من مخلّفات العدو الإسرائيلي، والاتصال بغرفة عمليات قيادة الجيش على الرقم (١١٧) للإفادة عنها، أو إبلاغ أقرب مركز للجيش أو للقوى الأمنية الأخرى.