القضاء الهولندي يحكم 12 سنة على قيادي في «لواء القدس» بـ«جرائم حرب»

بناءً على ثبوت مشاركته في عمليتي اعتقال عنيفتين لمدنيين اثنين على الأقل

القضاء الهولندي يحكم 12 سنة على قيادي في «لواء القدس» بـ«جرائم حرب»
TT

القضاء الهولندي يحكم 12 سنة على قيادي في «لواء القدس» بـ«جرائم حرب»

القضاء الهولندي يحكم 12 سنة على قيادي في «لواء القدس» بـ«جرائم حرب»

أدانت محكمة جزئية في لاهاي بهولندا، اليوم (الاثنين)، مقاتلاً سورياً فلسطينياً مؤيداً للحكومة في دمشق، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بسبب أعمال تعذيب واحتجاز غير قانوني في سوريا، وأصدرت عليه حكماً بالسجن 12 سنة.

والمحكوم هو «مصطفى . أ»، فلسطيني سوري عضو ميليشيا «لواء القدس» سابقاً، اعتُقل في مدينة كيركراد الهولندية في مايو (أيار) 2022، بناءً على شكوى مقدمة من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (سوري فرنسي).

وقد وُجهت للمدعى عليه تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، فضلاً عن انتمائه إلى ميليشيا «لواء القدس» ومشاركته في أنشطتها، وهو متهم بالتورط في عمليتي اعتقال عنيفتين على الأقل لمدنيين، في يناير (كانون الثاني) 2013. وبحسب النيابة العامة الهولندية، فإن «مصطفى . أ» متورط في إساءة معاملة المدنيين أثناء الاعتقالات، ويحمل المسؤولية الجنائية عن تعرض الضحايا للتعذيب في مراكز الاحتجاز، حيث تم نقلهم بعد اعتقالهم.

وأشار بيان المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية (سوري ألماني) إلى أن المحكمة استهلت إلقاء الحكم بشرح عن بداية الثورة السورية، ومواجهة النظام الاستبدادي لها بالعنف والاعتقال والتعذيب الممنهج، «وبأوامر عليا للأمن ومجموعات الشبيحة». ومن ثم سردت المحكمة بداية تأسيس ميليشيا «لواء القدس» ودورها في منهجية قمع النظام، وفي النهب والقتل والاعتقال، وعلاقتها بالمخابرات الجوية في سوريا.

ومن ثم انتقلت المحكمة لمناقشة دور المتهم (مصطفى) في «لواء القدس»، ومركزه فيها بوصفه قيادياً، ودوره في اعتقال وتعذيب المدعي يوسف، ودوره في اعتقال مدعٍ آخر توفي قبل البدء بإجراءات الادعاء.

وناقشت بعدها المحكمة الجانب القانوني، وشددت على أن مواد القانون الدولي يجب أن تطبق بوصفها «جرائم ضد الإنسانية، وليست جرائم عادية، مع معرف المجرم الأكيد بما يقوم به، فضلاً عن انتمائه ومشاركته في أنشطة ميليشيا (لواء القدس) التي صنفتها المحكمة بقرارها (منظمة إجرامية)». وقد أدانت المحكمة المتهم بناء على ثبوت مشاركته في عمليتي اعتقال عنيفتين لمدنيين اثنين على الأقل في يناير 2013، كما ثبت لها مشاركته في إساءة معاملة المدنيين أثناء الاعتقالات.

وحملت المحكمة المتهم، المسؤولية الجنائية عن تعرض الضحايا للتعذيب في مراكز الاحتجاز، حيث تم نقلهم بعد اعتقالهم. وقالت الهيئة القضائية المولج لها الحكم في القضية، إن «إدانة المتهم بالمشاركة بجرائم ضد الإنسانية في هولندا، هو نصر جديد بالغ الأهمية في سياق مسيرة العدالة للسوريين، إثبات جديد أن النظام السوري كله والميليشيا التابعة له، مدانون بارتكاب جرائم الحرب. فالجرائم ضد الإنسانية لا يرتكبها شخص، وإنما هي ترتكب بناء على أوامر من أعلى المستويات، وقرار الحكم اليوم يؤكد ذلك».

المحامي السوري أنور البني رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية

المحامي أنور البني، مدير المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، الذي حضر جلسة اليوم، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكم اليوم بإدانته الصريحة إنجاز قضائي هولندي تاريخي، واعتبر أن ما يرتكب في سوريا «جرائم ضد الإنسانية»، وانضمت هولندا بذلك إلى دول أخرى، مثل ألمانيا، في إدانة النظام في سوريا، لافتاً إلى أن «الجرائم ضد الإنسانية» ترتكب عادة من قبل أنظمة وليس الأفراد، وهذا ما كان حاضراً في قرار المحكمة اليوم، التي أوضحت أن ميليشيا (لواء القدس) كانت تعمل بقرارات من أعلى هرم النظام».

ورأى المحامي ومعتقل الرأي السابق الذي أسهم في تقديم سوريين شاركوا في جرائم حرب للمحاكمة في ألمانيا في سياق ما عرف بمحاكمات كوبلنز، أن قرار المحكمة الهولندية «مهم جداً لنا نحن السوريين، وللدول الأوروبية عموماً، في التصدي لإعادة التطبيع مع النظام السوري. وشدد المحامي السوري الفائز بـ«الجائزة الألمانية الفرنسية لحقوق الإنسان وحكم القانون» عام 2018 على أن «حكم اليوم، حلقة من مسلسل مقبل سيستمر في عدد آخر من الدول الأوروبية، بمحاكمات جديدة واعتقالات جديدة»، لافتاً إلى أن مسار العدالة الذي بدأ بملاحقة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، مسار طويل يبعث برسالة لكل المجرمين بأن «لا ملاذ آمناً لكم في أي مكان».

وقفة لسوريين أمام محكمة كوبلنز يناير 2022 يوم حكمها بقضية الضابط السوري أنور رسلان المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية (د.ب.أ)

يذكر أن المتهم الذي انطلقت جلسة محاكمته الأولى يوم 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رفض الإجابة عن أي أسئلة من محققي النيابة العامة ثم القضاة بشأن التهم الموجهة له، مردداً أنه يتمسك بحق الصمت وعدم الإجابة.

كما تجدر الإشارة إلى أن ميليشيا «لواء القدس» تشكلت في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 من قبل المهندس الفلسطيني محمد سعيد، المعروف بارتباطه مع المخابرات الجوية، بحسب «مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا»، التي ذكرت على موقعها الرسمي، أن محمد سعيد استقطب بعض الشباب من أبناء مخيمي النيرب وحندرات في محافظة حلب، لقمع مظاهرات الطلاب اليومية المنطلقة في جامعتها آنذاك، مستغلاً الظروف المعيشية الصعبة لبعض العائلات الفلسطينية في المحافظة.


مقالات ذات صلة

تحقيقات ألمانية - سويدية تقود لاعتقال 8 متهمين بجرائم حرب في سوريا

المشرق العربي فيديو مسرب نشرته صحيفة «الغارديان» مايو الماضي لمجزرة التضامن عام 2013

تحقيقات ألمانية - سويدية تقود لاعتقال 8 متهمين بجرائم حرب في سوريا

أوقفت ألمانيا والسويد 8 متهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا خلال الانتفاضة الشعبية عام 2011، بينهم ضابط مخابرات سوري وأعضاء من ميليشيات «حركة فلسطين الحرة».

راغدة بهنام (برلين)
المشرق العربي صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير دفاعه يوآف غالانت (رويترز)

قانون إسرائيلي يعاقب المحكمة الجنائية الدولية

يدفع حزب «الليكود» الحاكم في إسرائيل بمشروع قانون يهدف إلى تقويض تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب إسرائيلية محتملة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا رئيس «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» مازن درويش يتحدث إلى الإعلاميين بعد قرار محكمة الاستئناف في باريس حيال محاكمة الرئيس السوري على جرائم حرب (إ.ب.أ)

القضاء الفرنسي يثبت مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوري

صادقت محكمة الاستئناف في باريس على مذكرة التوقيف التي أصدرها قضاة تحقيق بحق الرئيس السوري و3 من نظامه بالمسؤولية عن هجمات كيماوية استهدفت الغوطة الشرقية 2013

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا محكمة استوكهولم حيث عقدت جلسة محاكمة ضابط سوري سابق بتهمة ارتكاب جرائم حرب 20 يونيو 2024 (إ.ب.أ)

السويد: براءة ضابط سوري سابق من تهمة ارتكاب جرائم حرب

برّأت محكمة في ستوكهولم الخميس ضابطاً سورياً سابقاً من تهمة ارتكاب جرائم حرب في سوريا عام 2012 معتبرة أنّ الأدلّة بشأن ضلوعه غير كافية.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك (أرشيفية - أ.ف.ب)

ارتفاع عدد القتلى المدنيين بسبب النزاعات المسلحة في العالم

ارتفاع عدد القتلى المدنيين بسبب النزاعات المسلحة حول العالم بنسبة 72 في المائة خلال عام 2023.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دعوات عراقية لعقد المؤتمر الأول لـ«الإقليم السني» في سبتمبر المقبل

السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)
السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)
TT

دعوات عراقية لعقد المؤتمر الأول لـ«الإقليم السني» في سبتمبر المقبل

السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)
السوداني خلال استقباله شيوخ عشائر من الأنبار في مناسبة سابقة (مكتب رئاسة الوزراء)

على الرغم من تواصل الحديث عن قضية «الإقليم السني» منذ سنوات طويلة نسبياً، فإن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تصاعداً غير مسبوق في المطالبة بإقامته وصل حتى تحديد الشخصية العشائرية رعد السليمان شهر سبتمبر (أيلول) المقبل موعداً لانعقاد المؤتمر العام في محافظة الأنبار لمناقشة قضية الإقليم بحضور عدد كبير من ممثلي المحافظات ذات الأغلبية السنية (الأنبار، ونينوى، وديالى، وصلاح الدين).

ومع ذلك، تشير مصادر سياسية مطلعة إلى أن القوى السنية الرئيسية لا تتداول موضوع الإقليم حتى في «كواليسها الخاصة».

وحتى مع عدم تعويل معظم المصادر والاتجاهات السنية على الحملة «الترويجية» التي «يشنها» رعد السليمان حول موعد «مؤتمر الإقليم»، إلا إنهم يقرون ضمناً بترحيب معظم السكان السنّة بفكرة الإقليم، لكنهم يعترفون بأن فكرة الإقليم غير قابلة للتحقيق ما لم تتوفر فيها عناصر كثيرة؛ في مقدمتها موافقة الشريك الشيعي الذي يهيمن على معظم مفاصل القوة والنفوذ في البلاد، إلى جانب أهمية العوامل الإقليمية والدولية.

ويلاحظ سياسي سني تحدث لـ«الشرق الأوسط» أن «القادة السياسيين السنة يحجمون عن الحديث علناً حول قضية الإقليم، ولعلهم يبدون قدراً من الاستياء العلني من تحركات السليمان، لكنهم يضمرون سعادة خفية، و(يريدون) التعبير عن رغباتهم الدفينة ورغبات مواطنيهم شبه العلنية».

ويعزو السياسي ذلك إلى «معرفة القادة السنة الدقيقة بممانعة الفاعل الشيعي رغم إقرار الدستور بحق المحافظات في إقرار إقليمها. فضلاً عن الانقسامات الشديدة داخل البيت السني التي تعدّ من بين الأسباب التي تحول دون تحقيق مطلب الإقليم».

وتعطي «المادة 119» من دستور البلاد الدائم الحق لكل محافظة أو أكثر في إنشاء إقليمها الخاص من خلال استفتاء ينفذ بطريقتين: «أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم».

محمد الحلبوسي مع شيوخ العموم لعشائر محافظة الأنبار العام الماضي (البرلمان العراقي)

ورغم حماس القوى الشيعية لـ«المادة 119» والإصرار على تثبيتها في دستور البلاد الذي أُقر عام 2005، فإنها اليوم تعارض علناً إنشاء الأقاليم، ولا تسمح به حتى في المناطق ذات الأغلبية الشيعية مثل محافظة البصرة الجنوبية التي ما زالت تتردد فيها دعوات لإعلانها إقليماً.

وتقول مصادر سياسية متطابقة ومقربة من كواليس القوى السنية إن «قضية الإقليم باتت معقدة جداً، رغم معرفة جميع القوى السنية بأنه (إنشاء الإقليم) بات مطلباً جماهيرياً ولا بديل غيره، بالنظر إلى ملامح التغول التي تبديها القوى الشيعية في معظم مفاصل الدولة».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «موقف القوى السنية من الرغبة الشعبية يقع في منطقة الحيرة، وهذا ربما ما لا تعرفه القوى الشيعية، ذلك أن تحقيق مطلب الإقليم صعب إن لم يكن مستحيلاً خلال هذه السنوات».

وبشأن الدعوات المتكررة التي يطلقها رعد السليمان مؤخراً، ترى المصادر أن «السليمان لا يعد شخصية فاعلة أو مؤثرة في المشهد السني رغم امتداداته العشائرية، لكن القادة السنة يدركون صعوبة تحقيق ذلك راهناً».

ولا يستبعد أن تكون قضية الإقليم «(مورد صدام جديداً للقوى السنية) في حال سار البعض على هذه الطريق، بالنظر إلى الصراعات الحاصلة بين أطرافها. نعم الفكرة موجودة، لكن لا وجود لجهة سياسية معتبرة تدعمها وتخطط لتجسيدها على الأرض».

ويعتقد أحد المصادر أن «الدعوات الجديدة للإقليم تدفع باتجاهها أطراف تبحث عن مساحة سياسية ما ضمن الفضاء السني والعراقي بشكل عام، لكن الزعامات الرئيسية تستبعد فكرة الإقليم حالياً ولا تناقشها حتى في كواليسها السياسية».

ويعتقد أيضاً أن قضية الأقاليم بشكل عام «مرتبطة بالفاعل السياسي الشيعي، الذي يدفع بقية الأطراف إلى حافة الهاوية من خلال سلوكه السلطوي الذي يفتقر إلى النضوج والاستقامة».

من جانبه، حذّر محافظ نينوى الأسبق والقيادي في حزب «متحدون»، أثيل النجيفي، الثلاثاء، من إثارة موضوع الإقليم السُني في محافظة الأنبار.

وقال النجيفي في تدوينة عبر منصة «فيسبوك»: «هناك تحرك إعلامي متسرع في الأنبار لإثارة موضوع الإقليم السني، يتزعمه شيوخ عشائر».

وأضاف أن «إقامة الإقليم أكثر تعقيداً من مجرد الدعوة له، أو الاستماع لمشجعين من خارج الحدود، أو تقديم دعم إعلامي يفتقد الإجماع الوطني، ويفتقد القدرة الأمنية على حماية نفسه، والقدرة الاقتصادية على استمراره، فضلاً عن عدم قناعة مناطق وجماعات سنية كثيرة بالمشروع أو الاختلاف في بعض تفاصيله».

ويؤيد النجيفي «فكرة الأقاليم الإدارية وليست المذهبية، وحتى هذه الفكرة تحتاج إلى قناعة عراقية شاملة بأهميتها وليست الدعوة إليها من جانب واحد، ولا أجد الوقت مناسباً لإثارتها».