لبنان يعزّز جزئياً فرصة التعافي الاقتصادي بالتشريع وإجراءات مصرفية

ترقبات لإقرار الموازنة وتصحيح السحوبات النقدية

مودعون يطالبون بصرف ودائهم العالقة في البنوك منذ خريف 2019 (إ.ب.أ)
مودعون يطالبون بصرف ودائهم العالقة في البنوك منذ خريف 2019 (إ.ب.أ)
TT

لبنان يعزّز جزئياً فرصة التعافي الاقتصادي بالتشريع وإجراءات مصرفية

مودعون يطالبون بصرف ودائهم العالقة في البنوك منذ خريف 2019 (إ.ب.أ)
مودعون يطالبون بصرف ودائهم العالقة في البنوك منذ خريف 2019 (إ.ب.أ)

يُرتقب أن يحقّق لبنان خطوة نوعية في مهمة العودة إلى انتظام إدارة المالية العامة للدولة تحت السقف التشريعي، وعبر إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي، ضمن المهلة الدستورية القصوى والمحدّدة بنهاية الشهر الحالي.

وتوازياً، تعكف قيادة البنك المركزي على بلورة الصياغة النهائية لخطوة نقدية تفضي إلى محاكاة موجبات العدالة في إيفاء الحقوق للمودعين في البنوك اللبنانية، عبر تعميم جديد يرجح صدوره منتصف الأسبوع المقبل عقب الاجتماع الدوري للمجلس المركزي، ويقضي بتمكين أصحاب الحسابات بسحب حصة شهرية بمبلغ 150 دولار نقدي (بنكنوت)، ومما يلغي تماماً مفاعيل التعميم رقم 151 الذي يفرض السحب بالليرة شاملاً اقتطاعات بنسبة تناهز 84 في المائة من القيمة الدفترية للحصة.

ومع توالي المعطيات التي تشير إلى توافقات سياسية مسبقة تتيح تأمين نصاب الهيئة العامة للمجلس النيابي، بادر رئيس المجلس نبيه برّي لدعوة الهيئة العامة للانعقاد في جلسات متتالية منتصف الأسبوع المقبل، ومخصصة حصراً لمناقشة وإقرار مواد الموازنة بعد تحديث نصوصها وأرقامها الأصلية من قبل وزارة المال، طبقاً للتعديلات الواسعة التي أدخلتها لجنة المال والموازنة النيابية.

ويشكل غياب قطع الحسابات للسنوات المالية السابقة وخلو المشروع من تدابير إصلاحية صريحة، ثغرة محورية ومستمرة في استهداف إعادة الهيكلة المنشودة لمالية الدولة، حسب مسؤول مالي معني، وبحيث يمكن أن تشكل محفزاً لأصوات اعتراضية من قبل كتل نيابية وازنة، إنما لا يتوقع أن تعطّل الإقرار التشريعي لقانون الموازنة، وبما يفضي إلى قطع الطريق على إصداره بمرسوم من قبل مجلس الوزراء.

كما يتوقع أن تلقى الخطوة تأييداً مشروطاً بالتحفظ من قبل مؤسسات مالية دولية معنية بأزمات لبنان المالية والنقدية، بحيث يتم تقييمها إيجابياً في البعد القانوني البحت لإعادة انتظام الواردات والإنفاق الحكومي، مع عدم إسقاط الاتهام الأساسي بالتنصل المستمر من التزام البنود الواردة في الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي، والتي تفرض ضمن الموجبات الشرطية للاتفاق النهائي، تنفيذ إصلاحات مالية تضمن إلى جانب إعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي، إبقاء الدين في حدود مستدامة وخلق حيز للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار والبنية التحتية.

وبمعزل عن الأرقام النهائية التي ستستقر عليها البيانات النهائية للواردات والإنفاق، وما ستظهره من انقلاب محتمل للعجز في المشروع الأساسي للحكومة إلى فائض جزئي غير مؤكد ربطاً بغياب الإفصاحات الشهرية لأداء المالية العامة، تبرز ثغرة إضافية في تجنّب المسألة الشائكة المتعلقة بتوحيد أسعار الصرف، وهو ما يتعارض أيضاً مع توصية صندوق النقد بوجوب اتساق الموازنة مع عملية توحيد سعر الصرف. كذلك تجنب منح تفضيلات لبعض دافعي الضرائب على حساب الآخرين. ويجب أيضاً أن تتضمن موارد كافية لإعادة بناء إدارة الضرائب لتعزيز الامتثال وزيادة عدالة الضرائب.

ويمكن للتدبير النقدي المرتقب أن يشكل، وفقاً للمسؤول المالي، دعامة جديدة إلى جانب التعميم رقم 158 والذي يتيح لأكثر من مائة ألف مودع سحب 400 أو 300 دولار شهرياً، بحيث يتم الاستناد إلى سريان البدلات المحدثة لموارد الخزينة بالسعر الواقعي للدولار بوصفه منطلقاً لتوحيد أشمل للسعر الرسمي لليرة على قاعدة السعر الواقعي.

وريثما يتم البتّ بالمرجعية الصالحة لتحديد السعر الجديد للعملة، ووسط توقعات بأن يكون ثمرة تنسيق بين وزارة المال وحاكمية البنك المركزي، ومعززاً بموافقة مجلس الوزراء، يظل السعر الرسمي الحالي، والذي قرّره الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وجرى سريانه اعتباراً من أول فبراير (شباط) من العام المنصرم، سارياً في الإفصاحات المالية والموازنات الدورية لمكونات القطاع المالي، ولا سيما البنك المركزي والجهاز المصرفي والشركات المالية.

وبذلك، يؤكد المسؤول المالي أن تحقيق خطوتي إقرار الموازنة وتصحيح بدلات حصص السحوبات الشهرية للمودعين، من شأنه إنتاج أجواء أفضل للسلطتين التشريعية والتنفيذية لاستكمال الاستجابة للموجبات المنشودة التي يشترطها صندوق النقد، وبما يشمل اتساقها بإصدار قانون الضوابط على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) وتصحيح أوضاع المصارف وقانون استعادة الانتظام المالي.


مقالات ذات صلة

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
TT

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، الأحد، عن فقدان المنظومة الكهربائية 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، ما سيؤدي إلى تراجع توفير الطاقة الكهربائية للمؤسسات الحكومية والمواطنين بنحو 20 في المائة. وأوضحت الوزارة أن إنتاجها من الكهرباء تجاوز 27 ألف ميغاواط في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ورغم أن الوزارة عزت «التوقف المفاجئ» إلى «أغراض الصيانة»، فإن مصادر مطلعة على ملف الكهرباء ترجح أن السبب الرئيسي يعود إلى «أسباب مالية»، حيث إن بغداد مدينة لطهران بأكثر من 10 مليارات دولار، لكنها تجد نفسها غير قادرة على سدادها بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

وأكدت وزارة الكهرباء في بيان، الأحد، «توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوماً (وفقاً للجانب الإيراني) عن بغداد والمنطقة الوسطى ومحافظات الفرات الأوسط، مما أدى إلى فقدان المنظومة 5500 ميغاواط».

وأضافت الوزارة أنه «كان من المتفق عليه أن تكون إمدادات الغاز اليوم الأحد بواقع 25 مليون متر مكعب يومياً، ولكن الكمية المدفوعة حالياً هي 7 ملايين متر مكعب، تم تحويلها من بغداد والوسط إلى المنطقة الجنوبية».

أكدت الوزارة أنها «ستعزز التنسيق مع وزارة النفط لتعويض ما فقدته المنظومة من الغاز، وأنها تنفذ حالياً خططها الاستراتيجية والطارئة لرفع قدرات المنظومة الكهربائية الوطنية في جميع قطاعاتها (الإنتاج، والنقل، والتوزيع)».

كما أشارت الوزارة إلى أنها «تعيد العمل بالمشاريع المتلكئة والمتوقفة منذ سنوات عديدة لاستحصال طاقات توليدية كانت ضائعة وغير مستغلة لتحسين الإنتاج ورفع معدلاته بما يناسب استقرار التجهيز، معتمدة في ذلك على جزء من تشغيل محطاتها الإنتاجية بالغاز الوطني، وجزء آخر بالوقود الوطني، وآخر بالغاز المستورد، ريثما تكتمل مشاريع الحكومة العاملة على تأهيل حقول الغاز الوطنية».

وتحدثت عن أنها «ستنسق مع وزارة النفط بشكل أكبر لتعويض ما خسرته المنظومة من غاز». ومعروف أن الغاز المستثمر في الحقول العراقية لا يغطي حاجة محطات توليد الكهرباء.

العقوبات الأميركية

ويميل مصدر مطلع على ملف الكهرباء إلى «الاعتقاد بأن القرار الإيراني المفاجئ مرتبط بمطالبات إيران المالية من العراق».

ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إيران لا تقوم بإيقاف إمدادات الغاز في هذه الأوقات من السنة في العادة، لأنها ليست أوقات الذروة والأحمال بسبب اعتدال الأجواء المناخية حتى الآن، أغلب الظن أن الأمر مرتبط بالأموال، خاصة ونحن نعلم أن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأخيرة إلى العراق لم تنجح في حل هذه المشكلة».

ولا يستبعد المصدر أن «يرتبط الضغط الإيراني الجديد على العراق بهدف الحصول على أموالها لمواجهة أزمتها الاقتصادية واستثمارها في الحرب مع إسرائيل، وكذلك مواجهة تداعيات عملتها الأخيرة».

كانت أخبار تحدثت عن مفاوضات صعبة خاضها بزشكيان خلال زيارة إلى بغداد في سبتمبر (أيلول) الماضي، وذكرت أنه «عرض على العراق أن يتم تسليم الديون عبر عُملة مشتركة»؛ الأمر الذي رفضته بغداد لخشيتها من العقوبات الأميركية، وجراء هذه الخشية يلتزم العراق بالاتفاقيات السابقة التي تتضمن تسليم الديون، من خلال «شراء سلع غير خاضعة للعقوبات مثل النفط الأسود ومنتجات أخرى».

وتراكمت ديون إيران بذمة العراق، التي تتراوح بين 10 و15 مليار دولار منذ أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران نهاية عام 2018، إثر انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي، لكن واشنطن أعطت بعض الاستثناءات للجانب العراقي خلال السنوات الماضية لتسديد بعض من تلك الديون وخاصة في فترات الصيف التي يتصاعد فيها الطلب على الكهرباء، ومع عدم قدرة المحطات العراقية العمل من دون الغاز الإيراني.

وبهدف التغلب على مشكلة العقوبات المفروضة ضد إيران وتنويع العراق لمصادر استيراده للغاز، أعلنت وزارة الكهرباء في أكتوبر الماضي أنها «وقعت عقداً مع تركمانستان لتوريد 20 مليون متر مكعب من الغاز إلى العراق يومياً، بيد أن العقد لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن».

وقال وزير الكهرباء، زياد علي فاضل، نهاية أكتوبر الماضي، إن «كميات الغاز المستوردة تصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً خلال فصل الصيف، سوف تؤمن من تركمانستان 20 مليون متر مكعب يومياً، والمتبقي من ضمن عقد الغاز الإيراني الذي مدته 5 سنوات».

نقص إمدادات الطاقة بإيران

في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أعلنت السلطات الإيرانية عن خطة لترشيد استهلاك الكهرباء في طهران وعدة محافظات أخرى، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات. وتشمل الخطة قطع الكهرباء في مناطق مختلفة من العاصمة لمدة ساعتين يومياً بين الساعة السابعة صباحاً والخامسة مساءً، حسبما أوردت وكالة «إرنا» الرسمية.

وأوضحت الشركة العامة لتوزيع الكهرباء أن القرار جاء نتيجة «محدودية إمدادات الغاز المستخدم وقوداً في المحطات»، إضافة إلى مرسوم حكومي يمنع استخدام المازوت في بعض المحطات الكهربائية. ولم تُحدّد السلطات مدة تطبيق الخطة.

على مدى السنوات الأخيرة، واجهت العديد من المدن الإيرانية الكبرى مشكلة التلوث الناتج عن رداءة المازوت المستخدم في المحطات، وفقاً لخبراء. وللحد من هذه الأضرار، أمرت الحكومة بوقف استخدام المازوت في ثلاث محطات كهرباء في أراك وأصفهان (وسط البلاد) وكرج (غرب طهران) حفاظاً على صحة المواطنين.

يُذكر أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء، خاصة خلال فصل الصيف، أثارت استياءً شعبياً واسعاً. ففي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت السلطات عن تقليص ساعات العمل في المؤسسات العامة إلى النصف لعدة أيام لتوفير الطاقة.