خيمة... أقصى أماني «الناجين من الموت» جنوب قطاع غزة

العريش على بساطته تجاوزت تكلفته 400 دولار أميركي مع توفير الحد الأدنى من متطلبات إقامته (وكالة أنباء العالم العربي)
العريش على بساطته تجاوزت تكلفته 400 دولار أميركي مع توفير الحد الأدنى من متطلبات إقامته (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

خيمة... أقصى أماني «الناجين من الموت» جنوب قطاع غزة

العريش على بساطته تجاوزت تكلفته 400 دولار أميركي مع توفير الحد الأدنى من متطلبات إقامته (وكالة أنباء العالم العربي)
العريش على بساطته تجاوزت تكلفته 400 دولار أميركي مع توفير الحد الأدنى من متطلبات إقامته (وكالة أنباء العالم العربي)

يتنقل محمد حمدان (58 عاماً) بين الباعة على الطريق الرئيسية لمواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، يسأل عن مدى توفّر مكونات العريش الذي ينوي إقامته لعائلته، فيجد أسعارها قد تضاعفت؛ يحاول التفاوض مع بعض البائعين، علّه يفلح في تخفيض السعر ولو قليلاً، لكن دون جدوى، بحسب تقرير لوكالة «أنباء العالم العربي».

قبالة التقاطع الرئيسي للشارع، يجد الخمسيني بائعاً شاباً توسّم فيه خيراً، فيتجدد أمله في شراء مستلزماته بأسعار أقل تُناسب احتياجاته الكثيرة، فهو لا يملك أياً من مكونات العريش، وقدرته المالية محدودة كونه متعطلاً عن العمل؛ لكنه يسمع الأسعار ذاتها، فيجلس على الرصيف ليقدح زناد فكره بحثاً عن وسيلة يتدبر بها أمره، أو باب يطرقه طلباً للعون.

لم يطل انتظار محمد، الذي نزح من مخيم المغازي قبل نحو أسبوعين فقط، حتى عاد إلى البائع نفسه يطلب منه المساعدة في كيفية تجاوز هذه الأسعار وتوفير الحد الأدنى من متطلبات إقامة العريش، ليقترح الشاب شراء مكونات أقل جودة، وشطر الألواح الخشبية طولياً إلى نصفين؛ لتقليل العدد المطلوب منها ومن ثم التكلفة.

محمد حمدان لديه من الأبناء والأحفاد 13 (وكالة أنباء العالم العربي)

اضطر الرجل، الذي لديه من الأبناء والأحفاد 13، إلى القبول بهذا الخيار، فانطلق البائع يجمع متطلبات العريش الكثيرة؛ لكن على الرغم من الاقتصاد في الطلب بهذه الحيلة المبتكرة، فإن التكلفة ظلت كبيرة وبعيدة عن أن تكون في متناول يد الخمسيني النازح مع بنيه، فطلب من البائع أن يسد المبلغ المتبقي لاحقاً إذا تمكّن من استدانته من آخرين.

حمل الرجل بضاعته وانطلق بها إلى أبنائه الذين كانوا ينتظرونه لإقامة العريش في مواصي خان يونس؛ فهم يريدون الفكاك بأسرع وقت ممكن من تكدسهم في عريش يسكنونه مع أقارب لهم منذ النزوح إلى هذه المنطقة.

حلم صعب المنال

لجأ محمد إلى إقامة العريش بعدما فشل مسعاه للحصول على خيمة من المؤسسات الإنسانية التي توزعها، رغم بحثه وسؤاله ورجائه القائمين على التوزيع بمنحه الخيمة التي كان يأمل في أن توفر عليه الجهد والمال، وتريحه من «عذاب» العريش، سواء من حيث إقامته أو العيش فيه.

وقال الرجل إنه يئس من الطلب والرجاء في كل مكان معروف تُوزّع فيه هذه الخيام، رغم مشاهدته كثيرين يحصلون على خيمة وأحياناً أكثر ثم يبيعونها بعيداً عن السوق، مشيراً إلى أن العريش على بساطته تجاوزت تكلفته 400 دولار أميركي، مع توفير الحد الأدنى من متطلبات إقامته.

يتنقل محمد حمدان بين الباعة على الطريق الرئيسية لمواصي خان يونس جنوب قطاع غزة ليسأل عن مدى توفّر مكونات العريش (وكالة أنباء العالم العربي)

وبحسبه، فإن شراء خيمة من تلك التي تُرسل ضمن تبرعات من الخارج بحجم مناسب يكلف ما يصل إلى 650 دولاراً، وهو ما يقول إنه سعر لا يطيقه معظم النازحين، حيث إن أغلبهم متعطلون عن العمل ولم يحصلوا على أي دخل مالي خلال فترة الحرب.

على الرغم من ذلك، فإن الرجل أكد أن الحصول على الخيمة ضمن التبرعات يعد أكبر إنجاز يمكن تحقيقه بالنسبة للنازحين؛ لحماية أطفالهم من البرد والمطر، فضلاً عن أنها توفّر المال والجهد في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات العريش.

وطالب محمد بوجود «طريقة أو نظام للجميع للحصول على الخيمة، ولو بشكل متدرج؛ أما أن يحصل البعض عليها ولا يحصل آخرون، فهذا لا يمكن وصفه إلا بالمحاباة واستخدام العلاقات الشخصية والمصالح المتبادلة».

وأضاف: «نحن في حرب ونزوح، ويجب تحرّك الجهات المسؤولة عن توزيع الخيام والمساعدات بشكل أقوى، والأهم العدالة في التوزيع، حتى لا نشعر بالقهر والظلم المضاعف مرتين، من الاحتلال ومن أبناء وطننا».

لا منظومة محددة

وبينما تتنوع طرق تعامل المؤسسات الإغاثية مع توزيع الخيام، بين منحها للنازحين لإقامتها في أي مكان يفضلونه، أو إقامة مخيمات جماعية يعيش فيها النازحون بشكل موحد من حيث نوعية الخيام وبعض المساعدات التي يتلقونها، فإن الجهات القائمة على توزيع هذه الخيام متعددة، وتتنوع بين مؤسسات دولية ومحليّة، وجهات حكومية، في ظل غياب منظومة محددة واحدة يمكن للنازحين التوجه إليها.

ويشكو نازحون، على منصات التواصل الاجتماعي، من صعوبة الحصول على الخيام وعدم معرفة الجهة التي يمكن الطلب منها.

لجأ محمد إلى إقامة العريش بعدما فشل مسعاه للحصول على خيمة من المؤسسات الإنسانية التي توزعها (وكالة أنباء العالم العربي)

وقال أحد هؤلاء: «بدنا خيمة أبات فيها أنا وأولادي وبناتي وبقية العيلة، 28 نفر (شخصاً)، والله متنا من البرد والجوع والعطش»، بينما تسأل أخرى: «وين ممكن نلاقي خيمة جاهزة أو شادر نايلون وخشب بسعر معقول في رفح؟!».

وأكد ثالث: «أريد خيمة بأي طريقة يكفي لفلفة»، في إشارة إلى ما يوصف بـ«توزيعها بطرق غير عادلة أو متوازنة».

في السياق ذاته، كتب الناشط المجتمعي هاني أبو عكر عبر صفحته على «فيسبوك»: «يجب إقالة كلّ مَن هم على رأس المساعدات؛ الكل عامل رباطية ويعمل لحزبه وناسه مع غياب نظام موحد أو استراتيجية تشاركية واحدة للتخفيف عن الناس... قلّة تجد كل شيء وغيرهم جوعى في العراء، يجب وجود نظام موحد معلن بدلاً من عمل الكل لوحده منفرداً، لتضارب المصالح».

ويعزو الناشط في مجال العمل الإغاثي محمد عمر، شكاوى النازحين الكثيرة من النقص في الخيام والاحتياجات الأخرى إلى محدودية أعداد تلك الخيام التي تصل من الخارج مقارنة مع الأعداد الكبيرة للنازحين والكارثة التي يعيشونها.

وقال عمر: «إن واقع الحرب والنزوح يفوق قدرات دول كبيرة وليس مؤسسات، سواء دولية أو محلية لا تمتلك سوى قليل، الذي تقدمه للمنكوبين بالنزوح الذين يحتاجون كل شيء تقريباً؛ كونهم بعيدين عن منازلهم وأماكن سكنهم».

وبينما أقرّ بحصول بعض النازحين على أكثر من خيمة ومن جهات عدة، وبيع بعض المستفيدين الخيام بأسعار تختلف باختلاف الأماكن وحتى مواصفات الخيام نظراً لحاجة هؤلاء المالية لشراء مستلزمات أخرى، فقد عدّ أن الأوضاع الميدانية الخطرة تَحول دون ضبط الأمور بطريقة محكمة.

وقال إن هذا يجعل «من البديهي» حدوث بعض التجاوزات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن «كلّ مَن يعمل لمساعدة النازحين يهمه بشكل أساسي وصول المساعدات لأكبر عدد ممكن وبأي طريقة» وفق تقديره.

وأضاف: «أوضاع النازحين لا تحتمل الصبر والانتظار؛ فمن غير المنطقي التباطؤ في التوزيع خشية استفادة البعض أكثر من غيرهم أو بيعهم بعض المساعدا... الأهم التوزيع بصورة توفر للمنكوبين مقومات البقاء على قيد الحياة، وهذا ما يجتهد الكل لتحقيقه».

وتابع: «نحن في حرب مميتة، وكارثة غير مسبوقة تتجاوز كل الحدود. والآن يجب العمل على مساعدة النازحين بكل الوسائل الممكنة، مع الحرص على الشفافية والعدالة بطريقة لا تؤخّر وصول المساعدات لمستحقيها».


مقالات ذات صلة

مستشار بايدن يزور الشرق الأوسط في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة

المشرق العربي فلسطينية تطعم طفلها وسط أنقاض مبانٍ بخان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

مستشار بايدن يزور الشرق الأوسط في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة

قال مصدران إنه من المتوقع أن يسافر مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، إلى إسرائيل ومصر وقطر، هذا الأسبوع، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق حول غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الخليج السفير نايف السديري مستقبلاً الرئيس محمود عباس (السفارة السعودية بعمّان)

عباس يثمّن مواقف السعودية تجاه فلسطين

ثمّن الرئيس محمود عباس دعم السعودية قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (واس)

محمد بن سلمان وترودو يبحثان تطورات فلسطين وسوريا

أكد ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الكندي ضرورة دعم الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص طفل يحمل أشياء تم انتشالها من مكب النفايات في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

خاص وفد إسرائيلي بالقاهرة... توقعات بـ«اتفاق وشيك» للتهدئة في غزة

زار وفد إسرائيلي رفيع المستوى القاهرة، الثلاثاء، لبحث التوصل لتهدئة في قطاع غزة، وسط حراك يتواصل منذ فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنجاز الصفقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية خلال احتجاجات إسرائيلية في تل أبيب ضد حكومة بنيامين نتنياهو للإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة «حماس» 7 ديسمبر 2024 (أ.ب)

مسؤول إسرائيلي يرجّح تغيير «حماس» موقفها بشأن صفقة الرهائن

قال مسؤول إسرائيلي كبير، إن إسرائيل كانت حتى وقت قريب تعتقد بأن «حماس» لا تريد إبرام صفقة إطلاق سراح رهائن، لكن هذا الموقف تغيّر، وارتفعت فرص التوصل إلى صفقة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«حكومة الجولاني» تتسلم سوريا بـ«جيش بلا مخالب»


صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)
صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)
TT

«حكومة الجولاني» تتسلم سوريا بـ«جيش بلا مخالب»


صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)
صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)

أعلن رئيس الوزراء الجديد في «حكومة الجولاني»، محمد البشير، توليه مهامه رسمياً، أمس الثلاثاء، وذلك غداة غارات إسرائيلية ليلية، قدر عددها بنحو 300، واستهدفت مواقع عسكرية استراتيجية سورية، مما جعل السلطة الجديدة بـ«جيش من دون مخالب». وأفاد البشير، في بيان بثه التلفزيون، بأنه تم تكليفه رسمياً برئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى الأول من مارس (آذار) 2025.

وعُقد في دمشق أمس الاجتماع الأول للحكومة الجديدة برئاسة القائد العام لإدارة العمليات أحمد الشرع (محمد الجولاني)، وضم الاجتماع رئيس الحكومة السابق محمد غازي الجلالي، ورئيس الحكومة المؤقتة، ووزراء من الحكومة السابقة، مع نظرائهم من السلطة الجديدة.

وبينما انشغل السوريون بالصور والمعلومات الصادمة القادمة من معتقلات ومشارح النظام السابق، أعلن الشرع، قرب نشر «قائمة أولى بأسماء كبار المتورّطين بتعذيب الشعب السوري» لملاحقتهم ومحاسبتهم.

وأوضح في بيان، أنّ الحكومة المقبلة ستقدّم «مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب».

وتابع الجولاني: «لقد أكّدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطّخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية»، مؤكّداً أنّ «دماء وحقوق» القتلى والمعتقلين الأبرياء «لن تُهدر أو تنسى».

في غضون ذلك، عقد عدد من كبار الدبلوماسيين الأميركيين، اجتماعات في كل من تركيا والأردن ولبنان والعراق وإسرائيل، في سياق جهود تهدف للحفاظ على الاستقرار في سوريا ومحاولة دعم عملية الانتقال السياسي بمساعدة من الأمم المتحدة.

وفي الأثناء، أمرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد تنظيم «داعش»، في سوريا، سعياً لمنعه من استغلال الفوضى التي تلت إطاحة حكم الأسد، إلا أنها غضت الطرف عن تقدم القوات الإسرائيلية إلى المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان والغارات على كل الأراضي السورية.

وحذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القادة الجدد لسوريا من السير على خطى بشار الأسد، ومن السماح لإيران «بإعادة ترسيخ» وجودها في البلاد.