لازاريني يحذّر عبر «الشرق الأوسط» من «مجاعة وشيكة» في غزة

أطلق «مراجعة مستقلة» حول اتهامات إسرائيل باستخدام «حماس» منشآت «الأونروا»

المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني (صور الأمم المتحدة)
المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني (صور الأمم المتحدة)
TT

لازاريني يحذّر عبر «الشرق الأوسط» من «مجاعة وشيكة» في غزة

المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني (صور الأمم المتحدة)
المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني (صور الأمم المتحدة)

كشف المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني، في حوار مع «الشرق الأوسط» غداة عودته من رحلته الرابعة إلى غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنه قرر إجراء «مراجعة مستقلة» عبر طرف ثالث ستبدأ «في أقرب وقت ممكن» للتحقق من صحة أو خداع ادعاءات إسرائيل بشأن استخدام «حماس» وغيرها من الفصائل منشآت الوكالة في سياق الحرب الحالية، على غرار استخدام المدنيين «دروعاً بشرية»، معترفاً بأن السكان «محاصرون بين أنواع مختلفة من الأجندات».

وأسهب المفوض العام في وصف رحلته التي استمرت 3 أيام، وتزامنت مع مضي 100 يوم على الحرب، وما عاينه من الأوضاع المزرية التي يعيشها السكان، محذراً من أن المجاعة صارت «وشيكة». وأكد أن «المأساة» كلّفت حتى الآن أكثر من 20 ألف قتيل، بينهم ما بين 60 في المائة والثلثين من الأطفال والنساء، ونحو 150 من العاملين لدى الوكالة الأممية. ولم يستبعد ارتكاب جرائم حرب من إسرائيل وكذلك «حماس»، ولكنه شدد على أنه يجب الآن «وضع حد لهذه المعاناة، ولهذا البؤس»، مؤكداً أن المنظمات الإنسانية في «سباق مع عقارب الساعة سعياً إلى عكس تدهور الوضع الإنساني، والتأكد من أننا لا نضطر إلى التعامل في الأسابيع المقبلة مع حالة من المجاعة». وطالب بـ«تدفق واسع النطاق» للمساعدات الإنسانية والسلع بنسبة أكبر كثيراً مما كانت عليه الحال قبل الحرب، وهي زهاء 700 من الشاحنات يومياً بسبب الوضع الإنساني المتردي.

ووصف لازاريني عمل الصحافيين في غزة بأنه «استثنائي في ظل ظروف مستحيلة»، بل إنهم «دفعوا ثمناً باهظاً»، مشيراً إلى أن «الأونروا» فقدت «أكثر من 150 موظفاً قُتلوا منذ بداية الحرب»، وهم معلمون أو ممرضون أو مهندسون أو موظفو موارد بشرية أو سائقون. وأكد «مقتل أكثر من 20 ألف شخص» في هذه «المأساة»، مضيفاً أن التقديرات تفيد بأنه «بين جميع الذين قتلوا، لدينا ما بين 60 في المائة إلى الثلثين من النساء والأطفال». واستطرد أنه «ليست لدينا آلية لمراجعة الرقم بشكل مستقل»، قال إن هذا «بالتأكيد أفضل تقدير متاح حتى اليوم»، علماً أيضاً بأنه «لا يزال هناك عدد من الأشخاص لا يزالون تحت الأنقاض في شمال غزة، وجنوبها».

ذروة الحرب

ورأى لازاريني أن ما تواجهه غزة اليوم هو «ذروة الحرب» إذا ما قورنت بالحروب في أفغانستان أو اليمن أو أفريقيا، مستخدماً القياس في «عدد الأشخاص الذين قُتلوا في مثل هذا الوقت القصير نسبة إلى إجمالي عدد السكان، وعدد الأطفال الذين قُتلوا نسبة إلى إجمالي عدد الأشخاص الذين قُتلوا، وعدد الأشخاص الذين سيصابون نسبة إلى إجمالي السكان في مثل هذا الوقت القصير، وحقيقة أن 90 في المائة من السكان اضطروا إلى الفرار أكثر من مرة، حقيقة أن 60 المائة من البنية التحتية في قطاع غزة تضررت أو دُمرت بالكامل في مثل هذا الوقت القصير، وحقيقة أننا نتحدث أيضاً عن مجاعة وشيكة واسعة النطاق، لديك مجاعة محتملة تلوح في الأفق - قد تلوح في الأفق جيوب أيضاً في مثل هذا الوقت القصير، وهو أمر من صنع الإنسان بالكامل؛ لذا، ففي غزة، فإن الكثافة والعدد الذي نتحدث عنه مذهلان للغاية».

نازحون فلسطينيون فروا من شمال غزة يقفون في أروقة مدرسة يستخدمونها مأوى في دير البلح بوسط القطاع (إ.ب.أ)

وعما إذا كان قلقاً من احتمال ارتكاب جرائم حرب أو جريمة ضد الإنسانية من إسرائيل أو «حماس» أو أي جهة أخرى، أجاب الموظف الدولي الذي باشر العمل مع الأمم المتحدة منذ عام 2003 أنه «سيجري تحديد ذلك لاحقاً من الهيئة القانونية الدولية للمجتمع الدولي». بيد أنه أضاف أن «ما رأيناه خلال الأشهر القليلة الماضية هو أن مجتمعاً بأكمله تأثر»، مؤكداً أن «جريمة الحرب هذه يمكن أن تكون قد ارتكبت من الإسرائيليين، ولكن أيضاً من (حماس)». وقال إن «المهم في الوقت الحاضر هو محاولة وضع حد لهذه المعاناة، لهذا البؤس».

صراع من أجل البقاء

بعد رحلته الأخيرة التي شملت رفح وخان يونس ودير البلح، عبّر لازاريني عن «ذهوله» من «الطريقة التي يستسلم بها الناس، والإرهاق، وكيف يحاولون أن يكونوا في وضع البقاء التلقائي على قيد الحياة»، موضحاً أن السكان «لا ينامون» و«يتقاسمون» ما لديهم، إذ إن بعضهم «يعيش على وجبة واحدة كل يومين»، في ظل «صراع للعثور على المياه». وقال: «يشعر الناس بالقذارة الشديدة أيضاً. إنهم يعيشون في حال صحية مزرية للغاية»، مضيفاً أنه «إلى جانب عدد الأشخاص الذين يقتلون بسبب استمرار العملية العسكرية والأعمال العدائية والقصف، الناس بدأوا يموتون أيضاً بسبب تفشي الأمراض، أو بسبب الجوع، أو بسبب ضعف المناعة، أو لأنه لا يمكنهم التعافي أيضاً من إصاباتهم في غزة».

شعر لازاريني بما سماه «رهاب الانحباس» في إحدى المدارس المكتظة للغاية التابعة للوكالة في دير البلح، حيث تواصل مع اللاجئين فيها «لمحاولة فهم كيف يكافحون يوماً بعد يوم من أجل الاستمرار والبقاء على قيد الحياة»، وسمع قصصاً عن «نساء قررن تناول أقل قدر ممكن من الطعام، وشرب أقل قدر ممكن من المياه حتى لا يضطررن إلى الذهاب إلى المرحاض. الناس يرتدون الملابس نفسها لأسابيع، ويعانون أمراضاً جلدية، والقمل يملأ شعرهم»، ويضطرون إلى النوم على الأرض الخرسانية من دون فراش وبطانيات مناسبة في ظل الشتاء، ووسط القلق من القصف المحتمل.

سكان ينزحون من مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

المنظمات الإنسانية

وأكد أن «الأونروا» هي المنظمة الرئيسية العاملة في قطاع غزة، بالإضافة إلى برنامج الغذاء العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر» الفلسطيني، مضيفاً أن «ما نستطيع تقديمه من مساعدة أبعد ما يكون عن أن يتمشى أو يتناسب مع ضخامة الحاجات». وأكد أن أزمة نقص الوقود «أثرت في الواقع على كل جوانب الحياة اليومية والبقاء في قطاع غزة»، موضحاً أن المنظمات الإنسانية في «سباق مع عقارب الساعة سعياً إلى عكس تدهور الوضع الإنساني، والتأكد من أننا لا نضطر إلى التعامل في الأسابيع المقبلة مع حالة من المجاعة». وكرر أن «المساعدات ليست كافية. ونحتاج أيضاً إلى تدفق السلع إلى غزة على نطاق واسع وبطريقة مجدية»، مذكراً بأنه قبل الحرب «كانت لدينا نحو 500 شاحنة تجارية تدخل، وما بين 100 إلى 200 شاحنة من المساعدات الإنسانية لدعم السكان. أما اليوم، فنتحدث عن إجمالي 200 أو أكثر من الشاحنات، وهذا حصل بعد الزيادة الحديثة أخيراً، لكن الحاجة صارت أعلى بعشر مرات مما كانت عليه من قبل. وهذا يدل على أننا بعيدون كل البعد عن توفير المساعدة الأساسية ذات المغزى التي يحتاج إليها السكان».

الاتهامات ضد «الأونروا»

المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى «الأونروا» فيليب لازاريني (صور الأمم المتحدة)

وفي ظل الاتهامات المتكررة من إسرائيل ضد الوكالة الأممية الأقدم على الإطلاق بأنها تستخدم من «حماس» والفصائل والمقاتلين الآخرين الذين «يتخذون من (الأونروا) والسكان دروعاً بشرية»، أقر لازاريني بأن «هناك عدداً لا بأس به من الادعاءات ذات الطبيعة المتنوعة، حول الأنفاق، وحول الأسلحة، وحول النشاطات»، مضيفاً أنه «في مثل هذه البيئة المكتظة، ليس هناك شك في أن السكان المدنيين يدفعون الثمن، كما أن السكان المدنيين محاصرون بين أنواع مختلفة من الأجندات، والعمل في هذه البيئة المكتظة يعرض المدنيين دون داعٍ». وكشف أنه اتخذ قراراً بـ«إجراء مراجعة مستقلة» بشأن هذه الادعاءات بغية «معرفة ما وراءها، وما هو الجزء المخادع الذي يهدف إلى النيل من الوكالة، وما يمكن أن يكون الجزء الحقيقي، ولننظر بعد ذلك كيف تتعامل الوكالة مع ذلك»، مشدداً على أنه في الوكالة «لا نعمل في بيئة خالية من المخاطر. إنها بيئة عاطفية مثيرة للخلاف بشكل استثنائي. ولكن كوكالة، نعمل بشكل كامل بما يتمشى ومبادئ الأمم المتحدة وقيمها، وسنتأكد من أنه إذا لم يمتثل أحد الموظفين بأي حال من الأحوال لهذه القيم، سننفذ سياسة عدم التسامح مطلقاً». وأمل في أن تبدأ المراجعة المستقلة «في أقرب وقت ممكن»، مضيفاً: «انتهينا الآن من الشروط المرجعية. وأنا الآن أبحث عن تحديد أفضل طرف ثالث لإجراء مثل هذه المراجعة».

إلغاء «الأونروا»؟

وحيال ما يردده الجانب الإسرائيلي عن إلغاء «الأونروا» نهائياً، ذكّر لازاريني الذي يحمل الجنسيتين السويسرية والإيطالية بأن الوكالة «لديها تفويض من الجمعية العامة والدول الأعضاء فيها؛ لذا، فإن الأمر متروك للجمعية العامة ودولها الأعضاء». لكنه تساءل: «إن لم تكن (الأونروا) موجودة، من الذي سيوفر التعليم غداً لـ300 ألف طفل، فتياناً وفتيات، في مدارسنا». وكذلك ذكر بأنه «كان يفترض أن تكون (الأونروا) وكالة مؤقتة (...) حتى يأتي اليوم الذي يجري فيه التوصل إلى حل سياسي دائم وعادل. الآن، للأسف، منذ ما يقرب من 75 عاماً، لم يحدث حل سياسي عادل ودائم، ولم يُقَدَّم بديل بشأن من يجب أن يتولى مسؤولية وكالة مثل وكالتنا». وقال إنه «إذا أردنا تعزيز السلام والأمن في المنطقة مستقبلاً، فنحن بحاجة أيضاً إلى الاستثمار الحقيقي في عملية سلام مناسبة» تفضي إلى ذلك الحل، وبالتالي فإن «المشروع السياسي وخريطة الطريق في نهاية هذا الاتجاه من السفر، هو الوقت الذي ينبغي أن تكون فيه (الأونروا) قادرة على الإنهاء التدريجي، لأن دولة جديدة، أو سلطة جديدة، ستتولى الخدمات التي تقدمها الوكالة». وأضاف أن «الاعتقاد في بعض الأحيان بأنه إذا جرت تصفية الوكالة سيعالج وضع اللاجئين الفلسطينيين، ما هو إلا اختصار ساذج»، لأنه «حتى لو لم تقدم الوكالة خدماتها، فإن وضع اللاجئين الفلسطينيين سيبقى حتى يأتي اليوم الذي يجري فيه التوصل إلى حل سياسي مناسب ودائم وعادل».

الدعم المالي واليوم التالي

ووجه لازاريني رسالة إلى الغزيّين بأن «الأونروا ستبقى في غزة، وستواصل تقديم الدعم لكم، ولن تعبّر عن تضامنها فحسب، بل ستستمر في تقديم المساعدة»، مضيفاً أنه بالنسبة للمنطقة «من المهم تقديم الدعم للوكالة مالياً - فهو أمر أساسي للغاية» لمواصلة توفير الخدمات العامة مثل التعليم أو الرعاية الصحية الأولية أو شبكة أمان الحماية الاجتماعية في ظل «أزمة إنسانية غير مسبوقة». وقال: «نحتاج إلى الموارد، وإلى حشد المنطقة والعالم العربي والتعبير عن تضامنها مع الوكالة، بما يتجاوز الدعم السياسي، ولكن أيضاً من خلال توفير الموارد اللازمة».

وإذ تجنب التكهن باحتمال حدوث تهجير قسري للسكان البالغ عددهم نحو 2.2 مليون شخص، ذكر بأن الغالبية تتركز الآن في جنوب القطاع عند رفح، الواقعة على الحدود. وعبر عن «القلق أيضاً من أن سكان غزة لن يتمكنوا في أي وقت قريب من رؤية كيف سيبدو مستقبلهم. نواصل الحديث عن اليوم التالي، لكن الخوف هنا هو أن اليوم ذاته لم ينته بعد، وقد تكون فترة طويلة للغاية بين اليومين»، أي بين اليوم والغد، في «فترة من البؤس واليأس والضيق» لأنه «حتى الآن ليس لدينا على الطاولة مشروع سياسي مناسب». وكذلك أكد أنه «قلق للغاية» بشأن مصير نصف مليون فتاة وفتى «ليسوا في المدرسة اليوم، ويعانون صدمة عميقة بسبب هذه الحرب، ليس فقط هم، ولكن أيضاً عائلاتهم، وكذلك المعلمون»، محذراً من أنه «كلما انتظرنا أكثر، خاطرنا بخسارة جيل كامل، ولكن يوجد أيضاً جيل كامل آخر بعد ذلك سيتربّى على الاستياء والمرارة. وهذا بالتأكيد ليس ما تحتاج إليه المنطقة في المستقبل».


مقالات ذات صلة

غالانت محذّرا إيران: من يحاول أذيتنا فلينظر إلى غزة وبيروت

شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (أ. ف. ب)

غالانت محذّرا إيران: من يحاول أذيتنا فلينظر إلى غزة وبيروت

حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إيران اليوم الأحد من أنها قد تتعرّض لدمار يشبه ما يحصل في غزة وبيروت في حال ألحقت الأذى ببلاده.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفله وأغراضه على كرسي متحرك بعد إخلائه منزله في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي: قصفنا «مجمع قيادة وسيطرة» داخل مدرسة شمال غزة

قال الجيش الإسرائيلي، الأحد، إنه شنّ غارة على ما وصفه بأنه «مجمع قيادة وسيطرة في منطقة استُخدمت سابقاً مدرسة خليفة بن زايد بشمال قطاع غزة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)

سماع دوي انفجار بمصنع في حمص السورية

ذكرت «الوكالة العربية السورية للأنباء» الرسمية أن دوي انفجار سُمع بمصنع في المدينة الصناعية بمدينة حمص السورية، وأنه يجري التأكد من سببه.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يفحصون أنقاض مسجد شهداء الأقصى في دير البلح بعدما تعرض للتدمير في غارة إسرائيلية (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن «تطويق» جباليا في شمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن قواته «تطوق» منطقة جباليا في شمال قطاع غزة بعد تقييم يفيد بأن حركة «حماس» تعيد بناء قدراتها هناك بعد أشهر من القتال.

«الشرق الأوسط» (غزة)

امرأة عرضت الصفقة على «حزب الله»... صحيفة تكشف تفاصيل جديدة في انفجار «البيجر»

مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)
مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)
TT

امرأة عرضت الصفقة على «حزب الله»... صحيفة تكشف تفاصيل جديدة في انفجار «البيجر»

مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)
مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)

كشف تقرير صحافي عن أن عملية تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية «البيجر» في بيروت، هي واحدة من أكثر عمليات الاختراق نجاحاً وإبداعاً التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في التاريخ الحديث.

وأفادت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بأن عملية تفجير «البيجر» هي نتيجة خطة استمرّت لسنوات، بدأت في مقر الموساد في تل أبيب، وشاركت فيها في نهاية المطاف مجموعة من العملاء في بلدان متعددة.

وقد قُتل أو أُصيب ما يصل إلى 3 آلاف ضابط وعضو في «حزب الله»، إلى جانب عدد غير معروف من المدنيين، عندما قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بتفجير الأجهزة عن بُعد في 17 سبتمبر (أيلول).

وأفاد تقرير الصحيفة، استناداً لمسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين مطلعين على الأحداث، بأن هجوم «البيجر» لم يدمر صفوف قيادة «حزب الله» فحسب، بل شجّع إسرائيل أيضاً على استهداف وقتل الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله.

وذكرت الصحيفة :«عملية (البيجر) ينظر لها، بوصفها عملاً من أعمال التجسس لا مثيل له، ولكن التفاصيل الرئيسية للعملية - بما في ذلك كيفية التخطيط لها وتنفيذها، والجدل الذي أثارته داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وبين الحلفاء - لم تخرج إلى النور إلا الآن».

ووفقاً للصحيفة، فإن قادة «حزب الله» أُعجبوا بأجهزة الاتصال «البيجر»، وطلبوا منها نحو 5 آلاف جهاز، وبدأوا في توزيعها على أفراد الحزب من المستوى المتوسط ​​وأفراد الدعم في فبراير (شباط)، والتي أنتجتها شركة «غولد أبولو».

وكان المسؤولون الإسرائيليون يتابعون بقلق متزايد كيف أضاف «حزب الله» أسلحة جديدة إلى ترسانته القادرة بالفعل على ضرب المدن الإسرائيلية بعشرات الآلاف من الصواريخ الموجهة بدقة.

«حصان طروادة»

وأفادت الصحيفة بأنه وسط قلق قادة «حزب الله» من المراقبة الإسرائيلية والقرصنة، فقد كان الحزب يبحث عن شبكات إلكترونية مقاوِمة للاختراق، وتوصّل الموساد إلى حيلة «حصان طروادة» التي دفعت الحزب إلى شراء أجهزة تبدو مثالية، وهي المعدات التي صممها الموساد، وقام بتجميعها في إسرائيل.

وبدأ الموساد في تفعيل الجزء الأول من الخطة، بإدخال أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان، منذ نحو عقد من الزمان، في عام 2015.

وتحتوي أجهزة الراديو المحمولة ثنائية الاتجاه على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات غير مرئية، ونظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات «حزب الله».

وقال مسؤولون للصحيفة إنه على مدى 9 سنوات، اكتفى الإسرائيليون بالتنصت على «حزب الله»، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية. ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة ومنتج جدي: جهاز «بيجر» صغير مزود بمتفجرات قوية.

وفي مفارقة لم تتضح إلا بعد أشهر عدة، انتهى الأمر بـ«حزب الله» إلى دفع أموال غير مباشرة للإسرائيليين مقابل القنابل الصغيرة التي من شأنها أن تقتل أو تصيب كثيراً من عناصره.

امرأة عرضت على «حزب الله» الصفقة

ولأن قادة «حزب الله» كانوا على دراية بالتخريب المحتمل، فلم يكن من الممكن أن تأتي أجهزة الاتصال اللاسلكي من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف آخر لإسرائيل. لذلك، في عام 2023، بدأت المجموعة تتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تحمل علامة «أبولو» التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة، وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم، ولا توجد للشركة روابط واضحة مع المصالح الإسرائيلية، وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

وجاء عرض المبيعات من مسؤول تسويق موثوق به من قبل «حزب الله» وله صلات بـ«أبولو». وكانت المسؤولة التسويقية، وهي امرأة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثلة مبيعات سابقة في الشرق الأوسط للشركة التايوانية، التي أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة «البيجر» التي تحمل العلامة التجارية «أبولو». في وقت ما من عام 2023، عرضت على «حزب الله» صفقة لشراء أحد المنتجات التي تبيعها شركتها: «إيه آر 924» المتين والموثوق به.

وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: «كانت على اتصال بـ(حزب الله)، وشرحت لقادته لماذا كان جهاز النداء الأكبر حجماً والمزود ببطارية أكبر أفضل من النموذج الأصلي»، مضيفاً أن «إحدى نقاط الإقناع الرئيسية كانت أن الجهاز يمكن شحنه بكابل، والبطاريات تدوم لفترة أطول».

وكما اتضح، تمت الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج الأجهزة الفعلية، ولم يكن لدى المسؤولة التسويقية أي علم بالعملية، ولم تكن على علم بأن أجهزة النداء تم تجميعها فعلياً في إسرائيل تحت إشراف الموساد، كما قال المسؤولون.

قنبلة غير مرئية

وقال المسؤولون إن مكون القنبلة تم إخفاؤه بعناية شديدة في إنجاز هندسي، لدرجة أنه كان غير قابل للكشف تقريباً، حتى لو تم تفكيك الجهاز. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون بأن «حزب الله» فكّك بعض أجهزة «البيجر» وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

وكان من الممكن لإشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات أن تؤدي إلى انفجار آلاف الأجهزة دفعة واحدة. ولكن لضمان أقصى قدر من الضرر، كان من الممكن أيضاً أن يتم إحداث الانفجار من خلال إجراء خاص، من خطوتين، مطلوب للاطلاع على الرسائل الآمنة التي تم تشفيرها.

وقال أحد المسؤولين للصحيفة: «كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة، وفي الممارسة العملية، كان هذا يعني استخدام كلتا اليدين، وبالتالي ستضرر أيدي المستخدمين وسيكونون غير قادرين على القتال».

عملية سرية

لم يكن معظم كبار المسؤولين في إسرائيل على علم بهذه التفاصيل حتى 12 سبتمبر. وقال مسؤولون إسرائيليون إن ذلك هو اليوم الذي استدعى فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة العمل المحتمل ضد «حزب الله».

وفقاً لملخص الاجتماع بعد أسابيع من قبل المسؤولين المطلعين على الحدث، قدم مسؤولو الموساد لمحة أولى عمّا كانت إحدى أكثر عمليات الوكالة سريةً. وبحلول ذلك الوقت، كان الإسرائيليون قد زرعوا أجهزة استدعاء مفخخة في أيدي وجيوب الآلاف من عناصر «حزب الله».

ومع تصاعد الأزمة في جنوب لبنان، كان هناك قلق متزايد من اكتشاف المتفجرات، واحتمال أن تسفر سنوات من التخطيط الدقيق، بسرعة عن لا شيء.

وقال مسؤولون إن نقاشاً حاداً اندلع في مختلف أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول العملية ورد الفعل المحتمل من «حزب الله»، وفي نهاية المطاف، وافق نتنياهو على العملية.

«رسالة مشفرة»

قال المسؤولون إن الموساد كان على علم بمكان وجود حسن نصر الله في لبنان لسنوات، وتتبع تحركاته من كثب. ومع ذلك، امتنع الإسرائيليون عن محاولة اغتياله؛ خوفاً من أن يؤدي الاغتيال إلى حرب شاملة، وربما مع إيران أيضاً.

وأفاد التقرير بأنه في السابع عشر من سبتمبر، رنّت أو ارتجت آلاف أجهزة «البيجر» في وقت واحد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا. وظهرت جملة قصيرة باللغة العربية على الشاشة: «لقد تلقيت رسالة مشفرة».

واتبع عناصر «حزب الله» التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين. وفي المنازل والمحلات التجارية، وفي السيارات وعلى الأرصفة، مزقت الانفجارات الأيدي وأطاحت بالأصابع. وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة «البيجر» عن بُعد، بغض النظر عمّا إذا كان المستخدِم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي، أي في الثامن عشر من سبتمبر، انفجرت مئات من أجهزة اللاسلكي بالطريقة نفسها، مما أسفر عن مقتل وإصابة المستخدمين والمارة.

كانت هذه أول عملية في سلسلة من الضربات التي استهدفت «حزب الله»، وبينما كان الحزب يترنح، وجهت إسرائيل ضربةً أخرى، فقصفت مقر الجماعة وترساناتها ومراكزها اللوجيستية بقنابل تزن ألفَي رطل.

ووقعت أكبر سلسلة من الضربات الجوية في 27 سبتمبر، بعد 10 أيام من انفجار أجهزة «البيجر»، وقد أمر نتنياهو بالهجوم، الذي استهدف مركز قيادة مدفوناً على عمق كبير في بيروت، في أثناء سفره إلى نيويورك لحضور خطاب في الأمم المتحدة. وفي اليوم التالي، 28 سبتمبر، أكد «حزب الله» مقتل نصر الله.