العراق يندّد بـ«عدوان» ويستدعي سفيره في طهران بعد شنّ إيران ضربات بإقليم كردستان

وتنديد من إسلام آباد بالاستهداف الإيراني لمنطقة بلوشستان بباكستان

خدمات الطوارئ تقوم بإزالة أنقاض منزل أصيب بضربات صاروخية إيرانية في أربيل بالعراق الثلاثاء 16 يناير 2024 (أ.ب)
خدمات الطوارئ تقوم بإزالة أنقاض منزل أصيب بضربات صاروخية إيرانية في أربيل بالعراق الثلاثاء 16 يناير 2024 (أ.ب)
TT

العراق يندّد بـ«عدوان» ويستدعي سفيره في طهران بعد شنّ إيران ضربات بإقليم كردستان

خدمات الطوارئ تقوم بإزالة أنقاض منزل أصيب بضربات صاروخية إيرانية في أربيل بالعراق الثلاثاء 16 يناير 2024 (أ.ب)
خدمات الطوارئ تقوم بإزالة أنقاض منزل أصيب بضربات صاروخية إيرانية في أربيل بالعراق الثلاثاء 16 يناير 2024 (أ.ب)

ندّدت بغداد بـ«عدوان» ضد سيادتها، واستدعت سفيرها في طهران للتشاور بعد ضربات إيرانية بصواريخ بالستية في إقليم كردستان العراق وسوريا المجاورة، وضعتها إيران في ما اعتبرته «حقاً مشروعاً في الدفاع» عن أمنها بعد هجمات طالتها في الآونة الأخيرة، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

مساء الثلاثاء، في المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس»، اعتبر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن «الضربة الإيرانية في أربيل كانت عملاً عدوانياً واضحاً ضد العراق». وتابع في تصريحات، أوردتها وكالة الأنباء العراقية (واع): «هذا الفعل بالتأكيد تطور خطير يقوض العلاقة القوية بين العراق وإيران».

وأعلن «الحرس الثوري» الإيراني، ليل الاثنين - الثلاثاء، أنه استهدف «مقرات تجسس وتجمع الجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في المنطقة»، و«أكّد» تدمير «مقر لجهاز الموساد الصهيوني» في إقليم كردستان العراق، وتجمعات لتنظيم «داعش» في سوريا.

خدمات الطوارئ تقوم بإزالة أنقاض منزل أُصيب بضربات صاروخية إيرانية في أربيل بالعراق الثلاثاء في 16 يناير 2024 (أ.ب)

واستدعت وزارة الخارجية العراقية سفيرها في طهران للتشاور «على خلفية الاعتداءات الإيرانية الأخيرة على أربيل، التي أدت إلى سقوط عدد من الشهداء والمصابين».

وأفادت سلطات الإقليم بمقتل «4 مدنيين» على الأقلّ، وإصابة 6 آخرين. ومن بين القتلى رجل الأعمال البارز في مجال العقارات بشراو دزيي وزوجته.

وأفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ الصواريخ أصابت منطقة سكنية راقية في الضاحية الشمالية الشرقية لأربيل. وأظهرت صور من المكان مبنى على الأقل من طبقتين مدمّراً بشكل شبه كامل.

واعتبرت بغداد أن الضربات «عدوان على سيادة العراق وأمن الشعب العراقي»، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات، منها «تقديم شكوى إلى مجلس الأمن» الدولي.

وندّد رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بـ«هذه الجريمة ضد الشعب الكردي». ودعا الحكومة الاتحادية إلى اتّخاذ «موقف صارم ضدّ هذا الانتهاك للسيادة العراقية».

والتقى بارزاني وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس» السويسرية، الثلاثاء.

وأكد المسؤول الكردي أن «هذه الهجمات غير مبرّرة وغير مشروعة، وعلى المجتمع الدولي ألّا يظل يلتزم الصمت» تجاهها، بحسب بيان لحكومة الإقليم.

«الرد على مصادر التهديد»

في طهران، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن إيران «لن تتردد في استخدام حقها المشروع للتعامل الرادع مع مصادر تهديد الأمن القومي والدفاع عن أمن مواطنيها».

وأوضح أن القصف «جزء من ردّ إيران على أولئك الذين يتخذون إجراءات ضد الأمن القومي الإيراني وأمن المواطنين»، ويأتي في إطار «العقاب العادل» ضد «المعتدين على أمن البلاد».

وسبق لـ«الحرس الثوري» أن قصف أربيل بصواريخ بالستية في مارس (آذار) 2022، وأشار في حينه إلى استهداف «مقر» لجهاز الموساد. ونفت سلطات الإقليم يومها أي وجود للاستخبارات الإسرائيلية.

وفي بيانه، ليل الاثنين - الثلاثاء، أكد «الحرس الثوري» تدمير مقر للموساد أيضاً، وذلك في إطار الردّ «على الأعمال الشريرة الأخيرة للكيان الصهيوني التي أدّت إلى استشهاد قادة من (الحرس الثوري) ومحور المقاومة».

وقُتل خلال الأسابيع الماضية القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي، قرب دمشق، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، في ضاحية بيروت الجنوبية، والقيادي العسكري في «حزب الله» وسام الطويل، في جنوب لبنان، في عمليات نسبت إلى الدولة العبرية.

وبحسب بيان «الحرس الثوري»، فإنّ المقرّ المستهدف «كان مركزاً لتوسيع العمليات التجسّسية والتخطيط للعمليات الإرهابية بالمنطقة وداخل إيران على وجه الخصوص».

لكن مسؤولاً عراقياً بارزاً اعتبر أن وجود مقر للموساد هو ادعاء «باطل».

وقال مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، بعد تفقده المكان: «تجولنا في كل زاوية من هذا البيت، وكل شيء يدل على أنه بيت عائلي للسيد رجل الأعمال العراقي من أهالي أربيل، وبالتالي هذا الادعاء باطل وغير صحيح».

سيارة مدمرة تظهر أمام منزل أُصيب بضربات صاروخية إيرانية في أربيل بالعراق الثلاثاء 16 يناير 2024 (أ.ب)

تنديد أميركي

تجد حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الحليف لطهران، نفسها في موقع دقيق لموازنة علاقتها بين العدوين اللدودين، أي إيران والولايات المتحدة.

وندّدت المتحدّثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أدريان واتسون، بـ«سلسلة ضربات متهوّرة وغير دقيقة»، مؤكّدة أنّه «لم يتمّ استهداف أيّ طواقم أو منشآت أميركية» في كردستان.

وأدان المتحدّث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الهجمات «بشدة»، مضيفاً: «نحن نعارض الضربات الإيرانية الصاروخية المتهوّرة التي تقوّض استقرار العراق».

واعتبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أن «هذه الأعمال غير المبررة وغير المسوغة هي انتهاك غير مقبول لسيادة العراق وسلامة أراضيه».

وأدانت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) الضربات الإيرانية «بشدة». وشددت عبر «إكس» على «ضرورة أن تتوقف الهجمات التي تنتهك سيادة العراق وسلامة أراضيه من قبل أي جانب».

ويجد العراق نفسه في خضم التوترات الإقليمية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة. وتعرضت قواعد عسكرية على أراضيه، حيث توجد قوات أميركية أو من التحالف الدولي لمكافحة المتطرّفين، لهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ تبنّتها فصائل موالية لطهران.

وسبق للولايات المتحدة أن نفّذت ضربات في العراق استهدفت هذه الفصائل، آخرها في مطلع يناير (كانون الثاني)، أسفرت عن مقتل قيادي عسكري في «حركة النجباء» التي تشكل جزءاً من قوات «الحشد الشعبي».

ردّ على هجوم كرمان

كذلك، تتبنى هذه الفصائل العراقية توجيه ضربات عبر الحدود نحو قواعد في سوريا. وطالت الصواريخ الإيرانية سوريا كذلك.

وأكد «الحرس الثوري» أنه استهدف «أماكن تجمّع القادة والعناصر الرئيسية للإرهابيين (...) وخصوصاً (تنظيم داعش)، في الأراضي المحتلّة في سوريا».

وقال إنّ قصفه هذا أتى «ردّاً على الفظائع الأخيرة للجماعات الإرهابية التي أدّت إلى استشهاد مجموعة من مواطنينا الأعزاء في كرمان وراسك».

وفي 3 يناير، وقع تفجيران انتحاريان في مدينة كرمان بجنوب إيران قرب مقبرة مسؤول العلميات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني، وذلك خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الرابعة لمقتله بغارة أميركية في العراق.

والتفجيران اللذان تبنّاهما «تنظيم داعش» أوقعا نحو 90 قتيلاً وعشرات الجرحى.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، قُتل 11 شرطياً إيرانياً في محافظة بلوشستان في جنوب شرقي إيران، بهجوم تبناه تنظيم «جيش العدل» البلوشي المعارض.

سوريون ينظرون إلى منشأة طبية مدمرة تعرضت لقصف صاروخي إيراني في وقت متأخر من ليلة الاثنين في قرية تلتيتا بريف إدلب بسوريا الثلاثاء 16 يناير 2024 (أ.ب)

انتهاك المجال الجوي الباكستاني

في سياق متّصل، ندّدت وزارة الخارجية الباكستانية بشدة، اليوم (الثلاثاء)، بانتهاك طهران غير المبرر للمجال الجوي لباكستان، وذلك بعد استهداف إيران قاعدتين لجماعة «جيش العدل» المعارضة في منطقة بلوشستان بباكستان.

وقالت وزارة الخارجية الباكستانية إنها استدعت القائم بالأعمال الإيراني إلى مقر الوزارة.

وأشارت الوزارة إلى أنّ الضربة الإيرانية التي وقعت داخل الأراضي الباكستانية أسفرت عن وفاة طفلين.

وكانت وسائل إعلام رسمية ذكرت أن إيران دمرت اليوم (الثلاثاء) قاعدتين لجماعة «جيش العدل» البلوشية المعارضة في باكستان بعد استهدافهما بالصواريخ والمسيّرات.

وأفادت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» بأن الهجوم استهدف الجبل الأخضر في منطقة بلوشستان في الأراضي الباكستانية.


مقالات ذات صلة

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

الاقتصاد جانب من جلسات غرفة جدة حول ريادة الأعمال (الشرق الأوسط)

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

تشهد مدينة جدة، غرب السعودية، حراكاً كبيراً في القطاعات الاقتصادية والسياحية كافة، فيما يدفع قطاع اللوجيستيات المدينة للوصول لمستويات عالية في تقديم هذه الخدمة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق التنوع البيئي وجماليات الشعب المرجانية في البحر الأحمر (واس)

ابيضاض الشعب المرجانية يضرب العالم... والبحر الأحمر الأقل تضرراً

تعدّ الشُّعَب المرجانية رافداً بيئياً واقتصادياً لكثير من الدول؛ فقد نمت فيها عوائدها لمليارات الدولارات؛ بسبب تدفّق السياح للاستمتاع بسواحلها وبتنوع شعبها.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي خلال مباحثاته مع نظيره البريطاني جون هيلي في الرياض (واس)

نقاشات سعودية - بريطانية لتطوير التعاون الدفاعي

استعرض الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع نظيره البريطاني جون هيلي، الخميس، الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها عسكرياً ودفاعياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.