لبنان يبدأ رحلة التعافي من الأزمة الاقتصادية

رصد دولي إيجابي... ونمو الناتج المحلي مشروط بعدم اندلاع حرب

مصرف لبنان المركزي (أرشيف - رويترز)
مصرف لبنان المركزي (أرشيف - رويترز)
TT

لبنان يبدأ رحلة التعافي من الأزمة الاقتصادية

مصرف لبنان المركزي (أرشيف - رويترز)
مصرف لبنان المركزي (أرشيف - رويترز)

يُرتقب أن تشكل المؤشرات المالية والنقدية الواعدة، محفزات مناسبة لإعادة وضع الاقتصاد الوطني اللبناني على مسار النمو الإيجابي بعد أربع سنوات ونيف من التدهور الحاد الذي أفضى في حصيلته التراكمية إلى خسارة تناهز 35 مليار دولار في احتساب القيمة التقديرية لإجمالي الناتج المحلي، عقب انحدارها الحاد من مستوى 55 إلى نحو 20 مليار دولار.

ومن المتوقع، حسب التقرير السنوي الأحدث للأمم المتحدة، أن يعود الاقتصاد اللبناني للنمو بنسبة 1.7 في المائة خلال العام الحالي، لترتفع النسبة إلى 3.8 في المائة في العام المقبل، بينما عمد البنك الدولي إلى حجب ترقباته لمؤشرات لبنان الاقتصادية بسبب حالة «عدم اليقين» السياسية الطاغية داخلياً، التي زادت ضبابية بالفعل، ربطاً باحتمالات توسع العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية للبلاد.

حقائق

1.7 % نمو متوقع

أن يسجله لبنان خلال عام 2024

وفي المقابل، يحتفظ مؤشر التضخم بقوة الاندفاع السلبي، ليسجل وفق الترقبات الدولية، مستوى 78 في المائة هذا العام، لتنخفض النسبة إلى نحو 31 في المائة خلال العام المقبل، علماً بأن مستويات التضخّم قد ارتفعت من 171.2 في المائة المسجلة في عام 2022 إلى 230.4 في المائة في عام 2023.

مخاطر الحرب وأزمات سياسية

وتتقاطع الترقبات المحلية والدولية على بلوغ لبنان قعر الانهيارات وترجيح الانطلاق التلقائي إلى النمو الإيجابي رغم الضبابية الكثيفة التي تكتنف الأجواء العامة، سواء في أبعادها المرتبطة بمخاطر توسّع الحرب والمترافقة مع تهديدات إسرائيلية متوالية، أو في وقائعها الداخلية الهشة في ظل الفراغات السياسية واستمرار تنامي العجز والشلل في أداء السلطات، وبما يشمل خصوصاً التمادي بتأخير الإصلاحات الهيكلية التي يشترطها «صندوق النقد الدولي» لإبرام اتفاق نهائي مع الحكومة يتضمن البرنامج التمويلي بقيمة 3 مليارات دولار، وفق مندرجات الاتفاق الأولي الذي يشرف بعد شهرين على ختام السنة الثانية لتوقيعه.

ويمثل النمط المستمر لتدفق تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين، النواة المتينة والمستدامة لإعادة الاقتصاد إلى مسار النمو. وقد اكتسبت قيمة مضافة كبيرة في ظل جفاف التدفقات الاستثمارية الوافدة إلى البلاد، والارتفاع الصاروخي في احتساب حجمها قياساً بالناتج المحلي، إذ أصبحت، ورغم ثباتها قريباً من رقم 7 مليارات دولار سنوياً، تناهز 33 في المائة القيمة التقديرية للناتج القائم، مقارنة بنحو 13 في المائة، قبل انفجار الأزمات المالية والنقدية في خريف عام 2019.

وبينما يقدّر البنك الدولي حجم التحويلات الوافدة من «لبنانيي الخارج» بما يناهز 6.4 مليار دولار، أي بالمستوى عينه لأعوام سابقة التي يجري رصدها عبر قنوات القطاع المالي، فقد تكفلت المواسم السياحية، ولا سيما الصيفي بينها الذي سبق اندلاع حرب غزة، بتحقيق تدفقات دولارية زادت على مستوى 3 مليارات دولار.

 

حقائق

6.4 مليار دولار

قيمة المبالغ التي يحولها لبنانيو الخارج وفق تقديرات البنك الدولي

وساهمت هذه التدفقات فعلياً في تصويب مؤشرات الميزان التجاري وميزان المدفوعات اللذين عانيا من اختلالات حادة في السنوات الأخيرة، وخصوصاً جراء الزيادات الاستثنائية للمستوردات توخياً للاستفادة من الفوارق السعرية للدولار الجمركي، الذي شهد إرباكات لا تقل حدّة قبيل استقراره على سعر الصرف الساري على منصة البنك المركزي. كما حجزت هذه التحويلات دوراً مفصلياً في إرساء استقرار نقدي، رغم هشاشته عند حدود 90 ألف ليرة لكل دولار أميركي.

ووفق أحدث البيانات المالية التي رصدتها «الشرق الأوسط»، ارتفع صافي الموجودات الخارجيّة لدى القطاع المالي اللبناني (ميزان المدفوعات) بحوالي 1.65 مليار دولار حتى نهاية الشهر الحادي عشر من العام المنصرم، مقارنة بعجز بلغ نحو 3.2 مليار دولار في فترة القياس عينها من العام الأسبق.

ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة صافي الموجودات الخارجيّة لدى المصارف والمؤسَّسات الماليّة بمبلغ قدره 2.59 مليار دولار، مما طغى على انخفاض صافي الموجودات الخارجيّة لدى مصرف لبنان المركزي بنحو 944.5 مليون دولار.

ارتفاع موجودات «المركزي»

توازياً، أظهرت ميزانيّة البنك المركزي تقلصاً مشهوداً في حجم الانخفاض السنوي لموجوداته بالعملات الأجنبيّة، لتبلغ نحو 660 مليون دولار وما نسبته 4.3 في المائة بحصيلة العام المالي، مع التنويه بنجاح حاكمية البنك في عكس مؤشر مسار مخزون العملات الصعبة من الاستنزاف المستمر، إلى النمو المتواصل، بحصيلة ناهزت 750 مليون دولار خلال النصف الثاني من العام الماضي، لترتفع بذلك السيولة النقدية إلى نحو 9.32 مليار دولار، تُضاف إليها محفظة سندات دولية مصدرة من وزارة المال وتبلغ قيمتها الاسمية نحو 5.2 مليار دولار، فيما تنحدر قيمتها السوقية إلى 6 سنتات للدولار الواحد.

وفي سياق متصل، زادت قيمة احتياطات الذهب لدى مصرف لبنان بنسبة 15.1 في المائة، لتناهز مستويات قياسية بلغت نحو 19.2 مليار دولار، ولتحقّق زيادة نوعية في القيمة التقديرية بنحو 2.51 مليار دولار على صعيد سنوي، عند مقارنتها بالمستوى المُسَجَّل للقيمة السوقية المخزون في الفترة نفسها من عام 2022، والبالغ حينها 16.65 مليار دولار، علماً بأنه ممنوع التصرف أو الاستخدام بأي وسيلة لهذا الاحتياط الثمين بموجب تشريع صادر منتصف الثمانينات من القرن الماضي.

 


مقالات ذات صلة

نتنياهو يتفقد القوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان

المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قائد القيادة الشمالية الإسرائيلية أوري غوردين خلال حضورهما تمارين عسكرية في الجليل، 26 يونيو (حزيران) 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)

نتنياهو يتفقد القوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأحد، إن بنيامين نتانياهو أجرى زيارة للقوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي نار ودخان يظهران من موقع تعرض لقصف إسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

​الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيراً جديداً بالإخلاء لمناطق في جنوب لبنان

أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي تحذيراً جديداً لإخلاء نحو 25 منطقة في جنوب لبنان وطالب السكان بالتوجه فوراً إلى شمال نهر الأولي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رويترز)

ميقاتي يطالب «بالضغط على إسرائيل» لوقف إطلاق النار في لبنان

دعا رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الأحد، إلى «الضغط على إسرائيل» من أجل «وقف إطلاق النار» بعد ليلة من الغارات العنيفة هزّت الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي لبناني يشاهد الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت بعد قصف إسرائيلي (أ.ب)

30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية الليلة الماضية

شهدت الضاحية الجنوبية لبيروت ليل السبت - الأحد أعنف ليلة منذ بداية القصف الإسرائيلي، إذ استهدفت بأكثر من 30 غارة، سمعت أصداؤها في بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد اللهب وسحب الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

غارات إسرائيلية عنيفة «تشعل» الضاحية الجنوبية لبيروت

شن الطيران الإسرائيلي غارات عنيفة، ليل السبت-الأحد، على الضاحية الجنوببة لبيروت أدت إلى ارتفاع كرات ضخمة من اللهب من المواقع المستهدفة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

امرأة عرضت الصفقة على «حزب الله»... صحيفة تكشف تفاصيل جديدة في انفجار «البيجر»

مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)
مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)
TT

امرأة عرضت الصفقة على «حزب الله»... صحيفة تكشف تفاصيل جديدة في انفجار «البيجر»

مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)
مقاتلو «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا يوم الثلاثاء بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)

كشف تقرير صحافي عن أن عملية تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية «البيجر» في بيروت، هي واحدة من أكثر عمليات الاختراق نجاحاً وإبداعاً التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في التاريخ الحديث.

وأفادت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بأن عملية تفجير «البيجر» هي نتيجة خطة استمرّت لسنوات، بدأت في مقر الموساد في تل أبيب، وشاركت فيها في نهاية المطاف مجموعة من العملاء في بلدان متعددة.

وقد قُتل أو أُصيب ما يصل إلى 3 آلاف ضابط وعضو في «حزب الله»، إلى جانب عدد غير معروف من المدنيين، عندما قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بتفجير الأجهزة عن بُعد في 17 سبتمبر (أيلول).

وأفاد تقرير الصحيفة، استناداً لمسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين مطلعين على الأحداث، بأن هجوم «البيجر» لم يدمر صفوف قيادة «حزب الله» فحسب، بل شجّع إسرائيل أيضاً على استهداف وقتل الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله.

وذكرت الصحيفة :«عملية (البيجر) ينظر لها، بوصفها عملاً من أعمال التجسس لا مثيل له، ولكن التفاصيل الرئيسية للعملية - بما في ذلك كيفية التخطيط لها وتنفيذها، والجدل الذي أثارته داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وبين الحلفاء - لم تخرج إلى النور إلا الآن».

ووفقاً للصحيفة، فإن قادة «حزب الله» أُعجبوا بأجهزة الاتصال «البيجر»، وطلبوا منها نحو 5 آلاف جهاز، وبدأوا في توزيعها على أفراد الحزب من المستوى المتوسط ​​وأفراد الدعم في فبراير (شباط)، والتي أنتجتها شركة «غولد أبولو».

وكان المسؤولون الإسرائيليون يتابعون بقلق متزايد كيف أضاف «حزب الله» أسلحة جديدة إلى ترسانته القادرة بالفعل على ضرب المدن الإسرائيلية بعشرات الآلاف من الصواريخ الموجهة بدقة.

«حصان طروادة»

وأفادت الصحيفة بأنه وسط قلق قادة «حزب الله» من المراقبة الإسرائيلية والقرصنة، فقد كان الحزب يبحث عن شبكات إلكترونية مقاوِمة للاختراق، وتوصّل الموساد إلى حيلة «حصان طروادة» التي دفعت الحزب إلى شراء أجهزة تبدو مثالية، وهي المعدات التي صممها الموساد، وقام بتجميعها في إسرائيل.

وبدأ الموساد في تفعيل الجزء الأول من الخطة، بإدخال أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان، منذ نحو عقد من الزمان، في عام 2015.

وتحتوي أجهزة الراديو المحمولة ثنائية الاتجاه على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات غير مرئية، ونظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات «حزب الله».

وقال مسؤولون للصحيفة إنه على مدى 9 سنوات، اكتفى الإسرائيليون بالتنصت على «حزب الله»، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية. ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة ومنتج جدي: جهاز «بيجر» صغير مزود بمتفجرات قوية.

وفي مفارقة لم تتضح إلا بعد أشهر عدة، انتهى الأمر بـ«حزب الله» إلى دفع أموال غير مباشرة للإسرائيليين مقابل القنابل الصغيرة التي من شأنها أن تقتل أو تصيب كثيراً من عناصره.

امرأة عرضت على «حزب الله» الصفقة

ولأن قادة «حزب الله» كانوا على دراية بالتخريب المحتمل، فلم يكن من الممكن أن تأتي أجهزة الاتصال اللاسلكي من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف آخر لإسرائيل. لذلك، في عام 2023، بدأت المجموعة تتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تحمل علامة «أبولو» التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة، وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم، ولا توجد للشركة روابط واضحة مع المصالح الإسرائيلية، وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

وجاء عرض المبيعات من مسؤول تسويق موثوق به من قبل «حزب الله» وله صلات بـ«أبولو». وكانت المسؤولة التسويقية، وهي امرأة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثلة مبيعات سابقة في الشرق الأوسط للشركة التايوانية، التي أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة «البيجر» التي تحمل العلامة التجارية «أبولو». في وقت ما من عام 2023، عرضت على «حزب الله» صفقة لشراء أحد المنتجات التي تبيعها شركتها: «إيه آر 924» المتين والموثوق به.

وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: «كانت على اتصال بـ(حزب الله)، وشرحت لقادته لماذا كان جهاز النداء الأكبر حجماً والمزود ببطارية أكبر أفضل من النموذج الأصلي»، مضيفاً أن «إحدى نقاط الإقناع الرئيسية كانت أن الجهاز يمكن شحنه بكابل، والبطاريات تدوم لفترة أطول».

وكما اتضح، تمت الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج الأجهزة الفعلية، ولم يكن لدى المسؤولة التسويقية أي علم بالعملية، ولم تكن على علم بأن أجهزة النداء تم تجميعها فعلياً في إسرائيل تحت إشراف الموساد، كما قال المسؤولون.

قنبلة غير مرئية

وقال المسؤولون إن مكون القنبلة تم إخفاؤه بعناية شديدة في إنجاز هندسي، لدرجة أنه كان غير قابل للكشف تقريباً، حتى لو تم تفكيك الجهاز. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون بأن «حزب الله» فكّك بعض أجهزة «البيجر» وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

وكان من الممكن لإشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات أن تؤدي إلى انفجار آلاف الأجهزة دفعة واحدة. ولكن لضمان أقصى قدر من الضرر، كان من الممكن أيضاً أن يتم إحداث الانفجار من خلال إجراء خاص، من خطوتين، مطلوب للاطلاع على الرسائل الآمنة التي تم تشفيرها.

وقال أحد المسؤولين للصحيفة: «كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة، وفي الممارسة العملية، كان هذا يعني استخدام كلتا اليدين، وبالتالي ستضرر أيدي المستخدمين وسيكونون غير قادرين على القتال».

عملية سرية

لم يكن معظم كبار المسؤولين في إسرائيل على علم بهذه التفاصيل حتى 12 سبتمبر. وقال مسؤولون إسرائيليون إن ذلك هو اليوم الذي استدعى فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة العمل المحتمل ضد «حزب الله».

وفقاً لملخص الاجتماع بعد أسابيع من قبل المسؤولين المطلعين على الحدث، قدم مسؤولو الموساد لمحة أولى عمّا كانت إحدى أكثر عمليات الوكالة سريةً. وبحلول ذلك الوقت، كان الإسرائيليون قد زرعوا أجهزة استدعاء مفخخة في أيدي وجيوب الآلاف من عناصر «حزب الله».

ومع تصاعد الأزمة في جنوب لبنان، كان هناك قلق متزايد من اكتشاف المتفجرات، واحتمال أن تسفر سنوات من التخطيط الدقيق، بسرعة عن لا شيء.

وقال مسؤولون إن نقاشاً حاداً اندلع في مختلف أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول العملية ورد الفعل المحتمل من «حزب الله»، وفي نهاية المطاف، وافق نتنياهو على العملية.

«رسالة مشفرة»

قال المسؤولون إن الموساد كان على علم بمكان وجود حسن نصر الله في لبنان لسنوات، وتتبع تحركاته من كثب. ومع ذلك، امتنع الإسرائيليون عن محاولة اغتياله؛ خوفاً من أن يؤدي الاغتيال إلى حرب شاملة، وربما مع إيران أيضاً.

وأفاد التقرير بأنه في السابع عشر من سبتمبر، رنّت أو ارتجت آلاف أجهزة «البيجر» في وقت واحد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا. وظهرت جملة قصيرة باللغة العربية على الشاشة: «لقد تلقيت رسالة مشفرة».

واتبع عناصر «حزب الله» التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين. وفي المنازل والمحلات التجارية، وفي السيارات وعلى الأرصفة، مزقت الانفجارات الأيدي وأطاحت بالأصابع. وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة «البيجر» عن بُعد، بغض النظر عمّا إذا كان المستخدِم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي، أي في الثامن عشر من سبتمبر، انفجرت مئات من أجهزة اللاسلكي بالطريقة نفسها، مما أسفر عن مقتل وإصابة المستخدمين والمارة.

كانت هذه أول عملية في سلسلة من الضربات التي استهدفت «حزب الله»، وبينما كان الحزب يترنح، وجهت إسرائيل ضربةً أخرى، فقصفت مقر الجماعة وترساناتها ومراكزها اللوجيستية بقنابل تزن ألفَي رطل.

ووقعت أكبر سلسلة من الضربات الجوية في 27 سبتمبر، بعد 10 أيام من انفجار أجهزة «البيجر»، وقد أمر نتنياهو بالهجوم، الذي استهدف مركز قيادة مدفوناً على عمق كبير في بيروت، في أثناء سفره إلى نيويورك لحضور خطاب في الأمم المتحدة. وفي اليوم التالي، 28 سبتمبر، أكد «حزب الله» مقتل نصر الله.