الدولة اللبنانية وسيط تفاوض بين «حزب الله» ودول القرار

معارضوه يرون أنه يأخذ الدولة رهينة... والمسؤولون يتعاطون مع «أمر واقع»

الوسيط الأميركي آموس هوكستين قبيل لقائه رئيس البرلمان نبيه بري في بيروت قبل يومين (مجلس ألنواب)
الوسيط الأميركي آموس هوكستين قبيل لقائه رئيس البرلمان نبيه بري في بيروت قبل يومين (مجلس ألنواب)
TT

الدولة اللبنانية وسيط تفاوض بين «حزب الله» ودول القرار

الوسيط الأميركي آموس هوكستين قبيل لقائه رئيس البرلمان نبيه بري في بيروت قبل يومين (مجلس ألنواب)
الوسيط الأميركي آموس هوكستين قبيل لقائه رئيس البرلمان نبيه بري في بيروت قبل يومين (مجلس ألنواب)

يخوض لبنان حالياً سباقاً بين التصعيد والتهدئة على وقع ارتفاع مستوى التهديد من قبل إسرائيل، والجهود المبذولة داخلياً وخارجياً لعدم جر البلاد إلى حرب واسعة. لكن هذا السباق يصطدم بانقسام وانتقادات تُوجَّه للمسؤولين في لبنان الذين يتولون المفاوضات مع الدول المعنية وموفديهم إلى لبنان، في ظل الواقع السياسي والفراغ الرئاسي الذي يعيشه منذ أكثر من سنة، والذي جعل أيضاً «حزب الله» الذي يملك قرار الحرب والسلم يمسك بسياسة لبنان الخارجية، ما أدى إلى تحوّل السلطة إلى وسيط بين الحزب وهذه الوفود التي تحمل طروحات من جهة وتحذيرات من جهة أخرى لإيجاد حل للأزمة في أسرع وقت ممكن.

وهذا الواقع يعكسه الحراك السياسي الداخلي واللقاءات التي تعقدها الوفود مع المسؤولين اللبنانيين؛ إذ في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية يملك صلاحية التفاوض، فإن هذه المهمة تتوزع بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس البرلمان نبيه بري، إضافة إلى دخول بعض الأطراف على الخط، على غرار نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب، بحيث إن جميعهم يتحولون إلى صلة وصل بين هؤلاء و«حزب الله» الذي أبدى أمينه العام حسن نصر الله مرونة في خطابه الأخير لجهة المفاوضات، عادّاً أن «لبنان اليوم أمام فرصة تاريخية».

ويجمع كل من النائب في حزب «القوات اللبنانية» والنائب في كتلة «تجدد»، أشرف ريفي، على وصف الدولة اللبنانية بأنها ليست اليوم فقط وسيطاً بين دول القرار و«حزب الله»، إنما هي رهينة بيد الأخير، معوّلين على المفاوضات التي تحصل في هذه المرحلة لتغيير هذا الواقع وتطبيق القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701 ونزع سلاح «حزب الله».

ويقول ريفي لـ«الشرق الأوسط»: «بكل أسف، حزب قوى الأمر الواقع، أي (حزب الله)، هو الدولة العميقة. والدولة الظاهرة هي دمى أو وسطاء لا يملكون القرار بالقضايا الأساسية». من هنا يلفت إلى أن «تطبيق القرارات الدولية بيد (حزب الله) ومن خلفه إيران التي تملك القرار وتستخدم كل أدواتها في لبنان وسوريا واليمن والعراق لتحقيق مصالحها وتسخيرها لصالحها، لذا المطلوب اليوم تحرير لبنان من القبضة الإيرانية». ورغم كل ما يحصل منذ بدء الحرب على غزة، يرفض ريفي اعتبار أن «حزب الله» بات في موقع أقوى «بل هو أضعف من ذي قبل، ولن تُترجم انتصاراته الوهمية باللعبة الداخلية حيث إن هناك مواجهة له».

من جهته، يرى النائب رازي الحاج أن لبنان اليوم أمام مرحلة مفصلية، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بعد حرب تموز في عام 2006، تركت الدولة التي لم تستطع أن تفرض سيطرتها على كامل أراضيها، (حزب الله) يتمادى باتخاذ البلد رهينة وامتلاكه قرار السلم والحرب، واليوم في ظل ما يجري لم يعد لبنان فقط وسيطاً إنما رهينة بيد (حزب الله)، وهو مهدَّد بحرب إن لم يتمكن من إعادة بسط سلطته على كامل أراضيه وتطبيق القرار (1701)».

ويتوقف عند رسالة بعثة لبنان إلى الأمم المتحدة، حيث رأى أنها «عبَّرت بوضوح عن أنه، في حال تمَّت تسوية الترسيم البري وانسحاب إسرائيل من البقع التي لا تزال تحتلها في الجنوب، فإن لبنان ملتزم ببسط سلطته وسيطرته وبعدم وجود سلاح غير شرعي، وتحديداً سلاحاً غير سلاح الحكومة، وبالتالي يعني أن سلاح الحزب لا يمكن أن يجد غطاء له».

وفي ظل الضغوط والجهود التي تُمارَس لتجنيب لبنان هذه الحرب، يقول الحاج: «من الواضح أن قرار الحزب مرتبط بقرار وحدة الساحات التي تحركه إيران، وهذا الأمر يجعلنا نطالب ونؤكد دائماً أن القضية الفلسطينية المحقة طبعاً لا يمكن أن يخدمها لبنان بتحويله إلى ساحة الحرب، بل أن يعود إلى ساحة للدبلوماسية الدولية ونتمنى أن يكون الحل المطروح باباً لهذا الحل».

وإذا كان معارضو الحزب ينتقدون مسار الأمور، ويذهبون إلى حد اعتبار أن الدولة ليست فقط اليوم وسيطاً بين الدول المعنية و«حزب الله»، إنما هي أيضاً رهينة بيده ومن خلفه إيران، فإن المسؤولين في لبنان لا ينفون هذا الأمر، إنما يتعاملون معه بوصفه أمراً واقعاً، بانتظار أن تتبدل المعطيات الإقليمية والدولية، وهو ما يظهر جلياً في تعاطيهم مع المستجدات الحاصلة منذ بدء الحرب على غزة، حيث قال صراحة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن قرار الحرب والسلم ليس بيد الحكومة، مع تأكيده أن «حزب الله» يتعاطى بعقلانية في هذا الموضوع.

وهذا الأمر تعبِّر عنه مصادر وزارية بالقول لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس الحكومة كان صريحاً وواقعياً منذ البداية بالقول إن قرار الحرب ليس بيده، لكن مسؤوليته تحتم عليه التعاطي بالمعطيات الموجودة بين يديه، وأن يختار المسار الذي يضمن، ضمن الإمكانيات المتوفرة، التوافق اللبناني وحماية لبنان قدر الإمكان. وتضيف: «في نهاية المطاف المسؤولية تقع على الحكومة، وهي مَن سيُحاسب وليس (حزب الله)»، مطالبة من جهة أخرى من ينتقدون الحكومة بالإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية.

من جهتها، ترد مصادر في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري بالتذكير على أنه سبق للبنان أن مرّ بموقف ووضع مشابه في عام 2006، خلال حرب إسرائيل «واستطعنا بالتكاتف والتضامن الوصول إلى صيغة جنّبت البلد الكثير، واليوم، لا بد أن نتكاتف ونتضامن للوصول إلى نتيجة تحمي لبنان». وفي رد على سؤال عما إذا كان القرار بيد الدولة أو «حزب الله»، تقول المصادر: «هناك واقع أن المقاومة هي في الخطوط الأمامية، لكن المواقف التي أعلنها (حزب الله) ليست خارج إطار الدولة، وبالتالي هذه المرحلة تقتضي العمل على تأمين كل المناخات الإيجابية على قاعدة الوحدة الوطنية».



«أقرب إلى التمنيات»... ماذا يمنع توفر شروط وقف النار في لبنان؟

آثار غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الأحد الماضي (أ.ب)
آثار غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الأحد الماضي (أ.ب)
TT

«أقرب إلى التمنيات»... ماذا يمنع توفر شروط وقف النار في لبنان؟

آثار غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الأحد الماضي (أ.ب)
آثار غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الأحد الماضي (أ.ب)

قالت مصادر مطلعة في بيروت لـ«الشرق الأوسط»، إن الدعوات إلى تطبيق القرار 1701 على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، لا تزال «أقرب إلى التمنيات»، ذلك أن العناصر الضرورية للتوصل إلى وقف جدي لإطلاق النار لا تزال غير متوافرة.

وأوضحت المصادر الصعوبات التي تعترض وقف النار على الجبهة الدولية أولاً، كما يلي:

  • ليس سراً أن مجلس الأمن الدولي يعاني وبشدة من تشرذم الإرادة الدولية الجامعة بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا والتوتر في العلاقات الأميركية-الصينية.
  • أظهرت الحرب التي بدأت قبل عام في غزة أن دور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أصيب بعطب كبير يقارب الشلل.
  • لم يظهر أن الإدارة الأميركية أطلقت حتى الآن تحركاً فاعلاً وضاغطاً للتعجيل بوقف النار في جنوب لبنان.
  • واضح أن أميركا، ومعها الدول الغربية، تحمل «حزب الله» اللبناني مسؤولية الانخراط في الحرب عبر «جبهة الإسناد» التي أعلنها غداة اندلاع «طوفان الأقصى».

مروحية إسرائيلية تقصف جنوب لبنان (أ.ب)

  • أظهرت تصريحات عدة أن واشنطن تؤيد محاولة إسرائيل ضرب قدرات «حزب الله» العسكرية وتكتفي بمطالبة حكومة بنيامين نتنياهو بتجنب ضرب البنية التحتية في لبنان وإيقاع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
  • لا تبدو أوروبا قادرة على لعب دور مؤثر في الأحداث وقد سارع نتنياهو إلى افتعال أزمة مع الرئيس إيمانويل ماكرون لتعطيل دور فرنسا في استعجال وقف النار.

وتطرقت إلى الموقف على صعيد «حزب الله» قائلة:

  • أي وقف للنار على الجبهة اللبنانية وحدها يعني تكريس الانطباع بأن «حزب الله» اتخذ قراراً خاطئاً ومكلفاً حين سارع إلى إعلان «جبهة الإسناد».
  • التطبيق الصارم للقرار 1701 والقرارات الأخرى المتعلقة به تخرج جبهة جنوب لبنان من المواجهة الحالية وتعني عملياً تعطيل الدور الإقليمي لـ«حزب الله» وقدرته على ممارسة ضغوط عسكرية على إسرائيل.
  • التطبيق الصارم يعني أيضاً حرمان إيران من ورقة جنوب لبنان، وهي ورقة تفوق أهميتها وبكثير أهمية العلاقات مع «الحشد الشعبي» العراقي والحوثيين.
  • في موازاة ذلك أظهرت الضربات الصاروخية الأخيرة التي وجهها الحزب إلى حيفا ومناطق أخرى أن آلته العسكرية لا تزال تعمل وقادرة على خوض معارك قاسية على الحدود على رغم ما مني به هيكله القيادي.
  • لغة الانتصار التي يستخدمها نتنياهو وإصراره على قلب المعادلات في المنطقة يضاعف مخاوف الحزب من أن تسوية تتضمن تنازلات ستؤثر بالضرورة على صورة الحزب ورصيده وموقعه.

نازحون يفرون من الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان وضاحية بيروت (إ.ب.أ)

  • إشادة نائب الأمين العام لـ«حزب الله» بـ«الأخ الأكبر» نبيه بري، رئيس المجلس النيابي اللبناني، ودعم جهوده لوقف النار لا تعني بالضرورة تفويض الأخير الموافقة على تطبيق جدي لبنود الـ1701.
  • يعرف «حزب الله» أن أكثرية اللبنانيين لم تؤيد «جبهة الإسناد» التي أعلنها من دون التشاور مع أحد. وبالتالي فإن قبوله بتطبيق جدي للقرار 1701 سيدفع كثيرين إلى تحميل الحزب مسؤولية الخسائر التي لحقت ببيئته وبلبنان عموماً.
  • لا يملك «حزب الله» في الوقت الحاضر شخصية قيادية بحجم أمينه العام الراحل حسن نصر الله قادرة على تسويق موقف صعب إلى هذه الدرجة.

وتوقعت المصادر «فصولاً أكثر دموية» ومزيداً من الخسائر البشرية والاقتصادية قبل جنوح أطراف النزاع إلى الحد الضروري من الواقعية للخروج من المحنة، خصوصاً أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تتصرف بوحشية تعيد إيقاظ مشاهد غزة. ودعت المصادر إلى رصد ما يجري على خط واشنطن وطهران، خصوصاً بعد تنفيذ إسرائيل ردها المتوقع على إيران.