الشمال السوري أمام فرار مشغلي الأموال وإفلاس شركات التحويل

تداولات تجارية وشخصية بملايين الدولارات

أكوام من الليرات السورية داخل محل صرافة (رويترز)
أكوام من الليرات السورية داخل محل صرافة (رويترز)
TT

الشمال السوري أمام فرار مشغلي الأموال وإفلاس شركات التحويل

أكوام من الليرات السورية داخل محل صرافة (رويترز)
أكوام من الليرات السورية داخل محل صرافة (رويترز)

أعلنت شركة تعمل في مجال الصرافة وتحويل الأموال في مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غربي البلاد، تعثرها المالي؛ ما سبَّب لغطاً كبيراً ومخاوف بين المودعين الذين يستثمرون أموالهم في هذا القطاع.

وتشهد المناطق التي تديرها المعارضة المتحالفة مع تركيا ازدياداً في هذه الحوادث، بالإضافة إلى تكرار هروب مشغلي الأموال، في ظل ضعف البيئة القانونية وعجزها عن ضبط الاستثمار وحماية المودعين والمتعاملين، ما يجعل تهم الفساد تحوم حول مسؤولين في القوى الحاكمة.

وتُعدّ «شركة الريّس» التي أعلنت عن عجزها، الثلاثاء، من أهم مراكز الاعتماد المعترف بها لدى مكاتب تحويل الأموال في الشمال السوري؛ ما سبب حالة من الذعر لدى التجار والمتعاملين.

وتعتمد غالبية السوريين في مناطق الشمال على هذه المكاتب الصغيرة والمتوسطة؛ سواء لإرسال حوالات إلى ذويهم، أو لإتمام معاملات تجارية تتعلق بالاستيراد والتصدير، في ظل غياب شركات تحويل كبرى.

ورغم تكرار حوادث فرار بعض جامعي ومشغلي الأموال سابقاً، فإنها المرة الأولى التي تعلن شركة تحويل بهذا الحجم تعرُّضها لمشاكل مالية؛ ما أدى لانتشار مخاوف من ضياع أموال المتعاملين معها أو مع مكاتب التحويل المعتمدة لديها، وسط معلومات عن حجم تداول يبلغ ملايين الدولارات في محافظة إدلب وحدها.

وعانت الشركة في الأشهر الأخيرة من مشكلات أثَّرت على تسليم الحوالات للمستحقين في مدينة إسطنبول التركية؛ ما دفع المكاتب المتعاملة معها في إدلب إلى مطالبتها بالإفصاح عن رأس المال، وضمان المبالغ المالية المستحقة عليها، لكن المفاجأة كانت بإعلان الإفلاس.

وبينما جرى حديث عن استحقاقات مترتبة على الشركة بنحو 16 مليون دولار، أكدت «إدارة النقد» في «حكومة الإنقاذ» التابعة لـ«هيئة تحرير الشام» المسيطرة على المنطقة، أن الرقم أقل من ذلك، ويتم العمل على جدولته.

ووفق تصريحات لمدير المؤسسة، فإن هناك أملاكاً لدى «شركة الريس» تصل قيمتها إلى 600 ألف دولار، بالإضافة إلى مستحقات لدى بعض شركات الحوالات العالمية؛ ما يقلص المبلغ المفقود، مشيراً إلى أنه يتم العمل على تشكيل لجنة خماسية بين صرَّافين في الشمال السوري والخارج، لحصر أموال وممتلكات «الريس»، وتوزيعها بحسب نسب المستحقين.

قصور قانوني أم فساد؟

ويحمّل كثيرون الجهات الرسمية مسؤولية الأضرار التي تلحق بالمتعاملين والمودعين، بسبب قصور البيئة القانونية وعدم فاعلية الإجراءات المطبَّقة، مشيرين إلى دور المتنفذين في هذا الأمر.

ويقول الخبير الاقتصادي السوري أحمد عزوز لـ«الشرق الأوسط» إن التعاملات المالية في مناطق سيطرة المعارضة تقوم بالدرجة الأولى على «مبدأ الثقة، بسبب غياب آليات فعالة للمحاسبة والضبط القانوني؛ ما يؤدي إلى تكرار حالات النصب والاحتيال أو الإفلاس بالفعل». ويضيف: «جميع القطاعات الاقتصادية في تلك المناطق معرَّضة لهذا النوع من الإشكالات، بسبب قصور البيئة القانونية»، لافتاً إلى أن شركات التحويل وتشغيل الأموال تبقى «الأكثر عرضة بسبب غياب الضابط الحقيقي لعملها».

وينبّه عزوز إلى أن «المتابع لعمل هذه الشركات يلاحظ أن الأرباح لا تتناسب غالباً مع المصاريف التشغيلية، ما يضع القائمين عليها أمام خيارين؛ إما الإفلاس وإما الاستثمار غير المضمون في قطاعات أخرى تؤدي بدورها إلى تفاقم المشكلة، بالإضافة طبعاً إلى سهولة النصب والاحتيال، لأن أنشطة هذه الشركات تتم خارج أي نظام مصرفي، وبلا مرجعية قانونية رسمية تراقب وتضبط نشاطها، خصوصاً إذا كان مركزها الرئيسي خارج سوريا، أو كانت مرتبطة بشخصيات نافذة من القوى العسكرية المسيطرة».

ولا يستبعد البعض أن يكون إفلاس «شركة الريس» مرتبطاً بخلافات داخل «هيئة تحرير الشام»، خصوصاً أن أطراف الخلاف تبادلوا تهم فساد والدخول في شراكات مع تجار ومستثمرين.

ولا يستبعد عزوز هذه الفرضية، متسائلاً إذا ما كانت «شركة الريس» على علاقة بشخصية منشقة أو معتقلة؛ ما دفع قيادة «الهيئة» للاستحواذ على الشركة، الأمر الذي يؤكد ضرورة وجود بنية قانونية صارمة تحكم النشاط الاقتصادي والاستثمار في هذه المناطق.

عجز وفوضى

ويتحمل كل من «حكومة الإنقاذ» في منطقة إدلب، و«الحكومة السورية المؤقتة» التابعة لـ«الائتلاف الوطني المعارض» المسؤولة عن إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة «الجيش الوطني» المتحالف مع تركيا، إدارات خاصة بالتراخيص والتعاملات النقدية والمالية، لكن هذه المؤسسات لا تستطيع القيام بدورها حتى الآن بسبب سلطاتها المحدودة.

وبينما لم تعلق «حكومة الإنقاذ» على أسئلة وجهتها لها «الشرق الأوسط»، أكد وزير الاقتصاد في «الحكومة المؤقتة» عبد الحكيم المصري، أن غياب السيطرة الأمنية الرسمية، يسبب الفوضى في القطاع المالي، ويسهل عمليات الاختلاس والإفلاس والفساد.

وقال: «لدينا في الحكومة مجلس التسليف والنقد، لكن بكل أسف ليس لدى المجلس سلطة فعلية على القطاع الاقتصادي في المناطق التي نديرها؛ ما يجعل أي أحد قادراً على مزاولة النشاط التجاري دون الخضوع للضوابط التي وضعناها، وتحديداً المتعلقة بقطاع الصيرفة والتحويل، وهو قطاع يتطلب وجود مصرف معتمد، وربط إلكتروني لجميع الشركات والمكاتب التي تعمل في هذا المجال، لكن حتى الآن لم نمنح أي ترخيص رسمي بهذا الخصوص».

في أثناء ذلك، تكتفي الجهات الرسمية المسؤولة عن إدارة مناطق المعارضة بالمطالبة بالحذر في التعامل مع الشركات ومشغلي الأموال، بينما يحمّل كثيرون المتنفذين في القوى العسكرية والأمنية، مسؤولية تكرار هذه الحوادث، وتعطيل عمل المؤسسات المعنية بضبط النشاط التجاري والاستثماري أو تجاوزها، مع تنامي حصتهم في هذا القطاع، على حساب السكان والتجار المضطرين للتعامل، مع ما يتيحه الأمر الواقع.


مقالات ذات صلة

غارات تركية على مواقع لـ«العمال» في كردستان العراق

شؤون إقليمية تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)

غارات تركية على مواقع لـ«العمال» في كردستان العراق

نفذت القوات التركية غارات جوية استهدفت مواقع لحزب «العمال» الكردستاني في مناطق شمال العراق، أسفرت عن تدمير 25 موقعاً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جندي تركي يسير بجوار مركبة عسكرية خلال دورية مشتركة مع الولايات المتحدة في سوريا (أرشيفية - رويترز)

تركيا: تحييد 4 من «العمال الكردستاني» جنوب شرق البلاد

أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، اليوم (السبت)، تحييد 4 «إرهابيين» مطلوبين في عملية ضد تنظيم «حزب العمال الكردستاني».

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية أهالي الباب بريف حلب الشرقي احتجوا على دخول القوات الروسية مؤخراً إلى معبر أبو الزندين (إكس)

​تركيا تناقش مع روسيا عودة الدوريات المشتركة على طريق «إم 4»

كشفت تركيا عن مفاوضات مستمرة مع روسيا لإعادة تسيير الدوريات المشتركة على طريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4) في إدلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جانب من السياج الحدودي بين اليونان وتركيا في ألكسندروبوليس باليونان في 10 أغسطس 2021 (رويترز)

اليونان تنفي اتهامات أنقرة بدفع مهاجرين إلى الأراضي التركية

نفى خفر السواحل اليوناني اتهامات من وزارة الدفاع التركية، الاثنين، بأنه دفع مهاجرين من قبالة جزيرة ليسبوس إلى تركيا.

«الشرق الأوسط» (أثينا )

الجيش الإسرائيلي: نجهز ردا على «حزب الله» بعد ضربة مجدل شمس

عناصر أمنية إسرائيلية في موقع سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم في الجولان (أ.ف.ب)
عناصر أمنية إسرائيلية في موقع سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم في الجولان (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي: نجهز ردا على «حزب الله» بعد ضربة مجدل شمس

عناصر أمنية إسرائيلية في موقع سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم في الجولان (أ.ف.ب)
عناصر أمنية إسرائيلية في موقع سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم في الجولان (أ.ف.ب)

أعلن الجيش الإسرائيلي علن أنه «يجهز ردا» على «حزب الله» بعد القصف الدامي على الجولان، بعد مقتل عدد من الأشخاص وإصابة أكثر من 30 نتيجة سقوط صاروخ على الجولان.

وقالت خدمات الطوارئ الإسرائيلية إن 9 أشخاص قتلوا على الأقل وأصيب أكثر من 34 شخصاً، بينهم أطفال، بجروح خطيرة من جراء سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم بقرية في هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل، اليوم السبت.

وقالت خدمة الإسعاف الإسرائيلية إن الجرحى تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و20 عاماً، وفقاً لوكالة «رويترز».

ووصف الجيش الإسرائيلي قصف الجولان بأنه «الهجوم الأكثر دموية على مدنيين إسرائيليين» منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول).

دراجات نارية محترقة في موقع سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم في الجولان (أ.ف.ب)

وقال أحد المسعفين إن حريقاً اندلع ودماراً هائلاً لحق بالموقع، وهو ملعب كرة قدم في قرية مجدل شمس الدرزية.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه يساعد في إجلاء المصابين.

ونفى مسؤول في «حزب الله» اللبناني، لوكالة «رويترز» مسؤولية جماعته عن الضربة على مجدل شمس، بينما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن اجتماع أمني في أعقاب الحادث.

وأضاف الجيش الإسرائيلي، في بيان لاحق، أن التقييم الأولي للجيش والاستخبارات يشير إلى أن الصاروخ الذي سقط على قرية مجدل شمس أطلقه «حزب الله» اللبناني.

وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان: «إن رئيس الأركان وقائد المنطقة الشمالية ورئيس هيئة العمليات وقائد القوات الجوية وأعضاء آخرين من هيئة الأركان يجتمعون الآن لتقييم الوضع عقب سقوط صاروخ على ملعب كرة قدم في هضبة الجولان».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتلقى تقييما أوليا للوضع بعد سقوط صاروخ في الجولان (حساب مكتب رئيس الوزراء على منصة «إكس»)

ونقل موقع «أكسيوس» عن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس قوله: «نقترب من لحظة حرب شاملة ضد حزب الله ولبنان».

من جانبه، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، في منشور على منصة «إكس»، «من أجل الأطفال الذين ماتوا، يجب أن يدفع لبنان الثمن، وكذلك رأس نصر الله»، مضيفا: «يجب أن يعود رئيس الوزراء فورا، حان وقت العمل».

وأفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه تلقى تقييما أوليا للوضع من مساعده للشؤون العسكرية بشأن سقوط الصاروخ على ملعب كرة قدم في قرية مجدل شمس بالجولان.