غزيون لا يأبهون بمن يحكمهم... لكنهم يتطلعون إلى «حياة كريمة»

يسخرون من فكرة «سلطة العشائر» ويتفقون على رفض إسرائيل وأذرعها

أقارب قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي على منزل بخان يونس اليوم السبت (إ.ب.أ)
أقارب قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي على منزل بخان يونس اليوم السبت (إ.ب.أ)
TT

غزيون لا يأبهون بمن يحكمهم... لكنهم يتطلعون إلى «حياة كريمة»

أقارب قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي على منزل بخان يونس اليوم السبت (إ.ب.أ)
أقارب قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي على منزل بخان يونس اليوم السبت (إ.ب.أ)

لا يبدو أن أي طرف معني بالنزاع الدائر حول قطاع غزة، سواء كان أميركياً أو إسرائيلياً أو عربياً أو أوروبياً أو حتى فلسطينياً، فكّر في أخذ رأي الناس في غزة حول مستقبلهم، برغم أنهم الذين دفعوا أكبر ثمن في الحرب الحالية.

وبينما يضع الأميركيون والإسرائيليون والسلطة الفلسطينية و«حماس» ودول عربية خططاً محتملة لـ«اليوم التالي» للحرب، ويجرون المداولات حول من يحكم القطاع، يريد الناس الذين فقدوا أحبتهم وبيوتهم وأحلامهم وما يملكون في الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، أن تتوقف الحرب وحسب، ثم لكل حادث حديث، بحسب ما ظهر من جولة أجرتها «الشرق الأوسط» في القطاع.

ولا يملك الغزيون العاديون ترف التفكير في ما إذا يريدون لحكم «حماس» أن يستمر أو لا، أو يريدون للسلطة أن تعود، أو أي شيء آخر. حتى إنهم يسخرون أحياناً من ذلك، باعتبار أنه لم يبق هناك شيء لأحد حتى يحكمه.

نازحون بجانب خيمتهم في رفح الشهر الماضي (رويترز)

قال عاطف حنون (74 عاماً) من سكان منطقة اليرموك في غزة، لـ«الشرق الأوسط»: «نفكر الآن في كيف ننجو من الموت. نفكر في تأمين لقمة عيشنا يوماً بيوم، وننتظر إذا ما كنا سنموت أو نصاب أو نعتقل. هذا ما نفكر فيه. وليس من يحكمنا».

أضاف: «لم يعد يهمني من يحكمني، لكنني أرفض بكل تأكيد بقاء الاحتلال. إذا كان ما زال هناك ما سيحكمونه، أعتقد أنه يجب أن تكون هناك أي جهة غير إسرائيلية أو متعاونة معها، توفر لنا قوت يومنا، وتعيد لنا الحياة والأمل والأمن... حتى لو كانت جهة دولية».

وفكرة وجود جهات أو قوات دولية واحدة من بين أفكار كثيرة تطرح على الطاولة، من بينها سلطة مؤهلة وحكومة تكنوقراط وعشائر محلية.

وتخطط إسرائيل لتقسيم القطاع إلى محافظات وتسليم عشائر محلية السلطة المدنية هناك، فيما تبقى السلطة الأمنية بيد الجيش الإسرائيلي، وهو طرح رفضه الفلسطينيون بشكل عام.

وقال المختار العشائري صلاح أبو عواد لـ«الشرق الأوسط»: «فكرة تولي العشائر مسؤولية الحكم والأمن بغزة، غير مقبولة، ولن تنجح. لن يجدوا أي عشيرة أو عائلة ستقبل أن تكون تحت جناح الاحتلال وتخدم أهدافه».

أقارب قتلى نقلوا إلى المستشفى الأوروبي في خان يونس اليوم السبت (أ.ف.ب)

وأضاف: «التفكير الإسرائيلي لا يمكن أن يطبق في قطاع غزة، ربما (ينجح) في بلاد أخرى... لكن العشائر الفلسطينية في كل أماكن وجودها تحمل الهم الوطني وتعمل لأن تكون شريكة في كل مراحل النضال والتحرر».

وكانت السلطة الفلسطينية رفضت الطرح الإسرائيلي كما رفضته «حماس»، وعدتا أن المسألة شأن فلسطيني داخلي. لكن السلطة و«حماس» لا تملكان، في المقابل، رؤية مشتركة لحكم القطاع.

أما الأميركيون فيريدون مثل إسرائيل أن تكون «حماس» خارج المشهد، ويتطلعون لسلطة فلسطينية مؤهلة.

وقال غزيون لـ«الشرق الأوسط» إنهم يتفقون على شيء واحد وهو أنه يجب ألا تحكم إسرائيل القطاع في المستقبل، لكنهم اختلفوا حول من يجب أن يحكم.

قال أيسر مطر، الطالب في كلية الاقتصاد بالجامعة الإسلامية في غزة، إن «الحل يجب أن يكون فلسطينياً. صحيح أن الذي كنا نرفضه قبل الحرب يمكن أن يقبل به كثيرون الآن، لكن أعتقد انه في نهاية الأمر يجب أن يكون الحل فلسطينياً. أنا مع حل سياسي شامل وتشكيل حكومة تكنوقراط (ليست فصائلية). لا نريد المزيد من الحروب. نريد إنهاء الصراع».

وقالت بيسان شرف وهي خريجة صحافة وإعلام: «المهم ألّا تكون الجهة الحاكمة وفق تدخلات إسرائيل والولايات المتحدة. يجب أن تكون هناك جهة قادرة على الحكم تحقق مطالب أهالي غزة التي تتلخص بتحقيق أمنهم ورفع الحصار عنهم».

خيام للنازحين في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)

وقال محمد الغلبان، وهو تاجر وصاحب أحد المحال التجارية في خان يونس بجنوب القطاع: «بعد الحرب ستكون هناك حروب أخرى. ستكون هناك كوارث، ولذلك نحتاج إلى حكومة قادرة على تلبية احتياجات السكان. حماس لن تكون قادرة على ذلك. الناس ما زالوا مع خيار المقاومة رغم كل ما حل بهم من دمار، لكن لا بد من إعادة ترتيب الأوضاع السياسية وخيارات المقاومة بما يتناسب مع تحسين واقع حياة المواطن وعدم المغامرة بحروب مكلفة».

وأضاف: «في الحقيقة لم نعد نأبه بمن يحكمنا في الوقت الحالي... لكن الحديث عن عشائر تديرها إسرائيل تجربة فشلت في أماكن أخرى وستفشل هنا قبل أن تبدأ. إنه اقتراح مثير للسخرية».

وقالت نيرمين الشريف، وهي خريجة محاسبة، وأم لأربعة أطفال (ربة بيت)، إنه يجب أن تحكم السلطة الفلسطينية القطاع، باعتبارها «الجهة القادرة على إعادة إعماره وتحسين ظروف حياة السكان».

وأضافت: «أي اقتراحات أخرى مجرد وهم لا يمكن تطبيقه على الأرض».

وقال الناشطة والمدونة أمل الوادية من غزة: «لا يهمنا بعد وقف الحرب من سيحكمنا، لكن بكل تأكيد ليس الاحتلال ولا قوات دولية، إنما نريد حكماً فلسطينياً يضمن حياة كريمة لنا ويعيد لنا مستقبلنا الذي سحقته الدبابات الإسرائيلية».


مقالات ذات صلة

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأوضحت الوزارة في بيان أن 35 شخصاً قُتلوا، وأصيب 94 خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأكدت الوزارة أن هناك عدداً من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة للسكان في مناطق بأحد الأحياء الواقعة في شرق مدينة غزة؛ ما أدى إلى موجة نزوح جديدة، الأحد، في الوقت الذي أعلن فيه مسعفون فلسطينيون إصابة مدير مستشفى في غزة خلال هجوم بطائرة مسيَّرة إسرائيلية.

وفي منشور على منصة «إكس»، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة في حي الشجاعية، وعزا ذلك إلى القذائف الصاروخية التي يطلقها مسلحون فلسطينيون من تلك المنطقة الواقعة في شمال قطاع غزة. وأضاف المتحدث: «من أجل أمنكم، عليكم إخلاؤها فوراً جنوباً».

وأعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، السبت، وقالت إن الهجوم استهدف قاعدة للجيش الإسرائيلي على الحدود، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

أحدث موجة نزوح

أظهرت لقطات مصورة منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام فلسطينية سكاناً يغادرون حي الشجاعية على عربات تجرها حمير وعربات أخرى صغيرة، بينما كان آخرون يسيرون على الأقدام من بينهم أطفال.

وقال سكان ووسائل إعلام فلسطينية إن العائلات التي تعيش في المناطق المستهدفة بدأت في الفرار من منازلها منذ حلول الظلام، السبت، وحتى الساعات الأولى من صباح الأحد، وهي أحدث موجة نزوح منذ بدء الحرب قبل 13 شهراً.

وفي وسط قطاع غزة، قال مسؤولون في قطاع الصحة إن 10 فلسطينيين على الأقل قُتلوا في غارات جوية إسرائيلية على مخيمي المغازي والبريج منذ الليلة الماضية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية بمقتل وإصابة عدد من الفلسطينيين، ظهر الأحد، في قصف إسرائيلي لمخيمي جباليا والنصيرات، في شمال ووسط قطاع غزة.

إصابة مدير مستشفى

في شمال غزة، حيث تعمل القوات الإسرائيلية منذ أوائل الشهر الماضي ضد مسلحي «حماس» الذين يحاولون إعادة تنظيم صفوفهم، قال مسؤولون بوزارة الصحة إن طائرة مسيرة إسرائيلية أسقطت قنابل على «مستشفى كمال عدوان»؛ ما أدى إلى إصابة مدير المستشفى حسام أبو صفية.

وقال أبو صفية في بيان مصور وزعته وزارة الصحة، الأحد: «لكن والله هذا شيء لن يوقفنا عن إكمال مسيرتنا الإنسانية، وسنبقى نقدم هذه الخدمة مهما كلفنا».

وأضاف من سريره في المستشفى: «(بيستهدفوا) الكل لكن والله هذا شيء لن يوقفنا... أنا أصبت وأنا في مكان عملي نحن نُضرب يومياً استهدفونا قبل هيك استهدفوا مكتبي وأمس 12 إصابة لأطبائنا العاملين وقبل قليل استهدفوني، ولكن هذا لن يثنينا سنبقى نقدم الخدمة».

وتقول القوات الإسرائيلية إن المسلحين يستخدمون المباني المدنية ومنها المباني السكنية والمستشفيات والمدارس غطاءً لعملياتهم. وتنفي «حماس» ذلك، وتتهم القوات الإسرائيلية باستهداف المناطق المأهولة بالسكان بشكل عشوائي.

نسف مئات المنازل

و«كمال عدوان» هو أحد المستشفيات الثلاثة في شمال غزة التي لا تزال بالكاد تعمل؛ إذ قالت وزارة الصحة إن القوات الإسرائيلية احتجزت وطردت الطاقم الطبي، ومنعت الإمدادات الطبية الطارئة والغذاء والوقود من الوصول إليهم.

وقالت إسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية إنها سهلت توصيل الإمدادات الطبية والوقود ونقل المرضى من مستشفيات شمال غزة بالتعاون مع وكالات دولية مثل منظمة الصحة العالمية.

وقال سكان في 3 بلدات محاصرة في شمال غزة، جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية نسفت مئات المنازل منذ تجدد العمليات في منطقة قالت إسرائيل قبل أشهر إنها جرى تطهيرها من المسلحين.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تبدو عازمة على إخلاء المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الشمالية لغزة، وهو اتهام تنفيه إسرائيل.