ماكرون يسعى لتجنب حرب شاملة بين «حزب الله» وإسرائيل

باريس تخشى أن يدفع لبنان ثمناً غالياً في حال خروج المناوشات الحدودية عن السيطرة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توجه إلى الفرنسيين بكلمة بمناسبة العام الجديد مساء 31 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توجه إلى الفرنسيين بكلمة بمناسبة العام الجديد مساء 31 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يسعى لتجنب حرب شاملة بين «حزب الله» وإسرائيل

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توجه إلى الفرنسيين بكلمة بمناسبة العام الجديد مساء 31 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توجه إلى الفرنسيين بكلمة بمناسبة العام الجديد مساء 31 ديسمبر (أ.ف.ب)

عجَّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد ساعات قليلة على الضربة الصاروخية الإسرائيلية التي قتلت، عصر الثلاثاء، في قلب الضاحية الجنوبية في بيروت، صالح العاروري، نائب رئيس حركة «حماس» واثنين من قادة فصائل عز الدين القسام في لبنان وعدة مرافقين، بالاتصال مع بيني غانتس، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي لإيصال رسالة إلى السلطات الإسرائيلية مفادها أنه «يتعين تجنب أي سلوك تصعيدي بخاصة في لبنان وأن فرنسا ستستمر في إيصال هذه الرسائل إلى كل الجهات الفاعلة المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر في المنطقة». ولم توضح مصادر قصر الإليزيه التي أفصحت عن الاتصال الهاتفي، الجهات التي يقصدها ماكرون في إشارته إلى «الجهات الفاعلة». لكن من الواضح أن المقصود بها بالدرجة الأولى «حزب الله» المعنيّ بـ«شكل مباشر» بالضربة العسكرية وإيران «بشكل غير مباشر».

أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله ونائب رئيس «حماس» صالح العاروري في اجتماعهما 2 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

وليس سراً أن التواصل بين باريس و«حزب الله» لم ينقطع منذ اندلاع حرب غزة على أثر العملية العسكرية الواسعة التي نفّذتها «حماس» وتنظيمات فلسطينية أخرى في غلاف غزة صبيحة يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وآخر من أوصل الرسائل إلى الجانب اللبناني الرسمي وغير الرسمي كان وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الذي زار لبنان مرتين خلال شهرين آخرهما بداية العام الجاري، إذ التقى مرتين قائد الجيش العماد جوزف عون، وقائد الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار القوة الدولية «يونيفيل» في جنوب لبنان. واللافت أن الضربة الإسرائيلية في بيروت جاءت مباشرة عقب عودة لوكارنو من لبنان.

ودأبت باريس على التحذير من انجرار لبنان إلى الحرب مع إسرائيل كما سعت إلى نزع فتيل التفجير من خلال الدفع باتجاه تفعيل العمل بقرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر في أغسطس (آب) من عام 2006، وأهم ما فيه الدعوة لإخلاء المنطقة الواقعة بين الحدود اللبنانية - الإسرائيلية ومجرى نهر الليطاني من السلاح والمسلحين، في إشارةٍ خصوصاً إلى «حزب الله».

ثمة تساؤل يفرض نفسه حول اتصال ماكرون الهاتفي الذي لم يجرِ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بل مع بيني غانتس الذي يعد المنافس الأول لنتنياهو. وليس سراً أن علاقات ماكرون مع الأخير قد توتّرت بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي، في مقابلة شهيرة مع قناة «بي بي سي» البريطانية، في 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، أن استهداف مدنيّي غزة «غير مبرَّر ولا أساس شرعياً له».

بيني غانتس عضو مجلس الحرب الإسرائيلي ومحاورالرئيس ماكرون في صورة أرشيفية (د.ب.أ)

وفي العشرين من الشهر الماضي، رأى ماكرون أن الحرب على الإرهاب «لا تعني محو غزة». وبعد تردُّدٍ دامَ أسابيع كانت باريس تكتفي خلالها بالدعوة إلى «هدنة إنسانية يمكن أن تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار»، تخلّى ماكرون عن تردده وأخذ يدعو مباشرةً إلى وقف إطلاق النار. وفي اتصال هاتفي مع نتنياهو يوم 28 ديسمبر (كانون الأول)، شدد ماكرون على «ضرورة العمل من أجل وقف مستدام لإطلاق النار بمساعدة جميع الشركاء الإقليميين والدوليين». كذلك عبَّر ماكرون عن «قلقه العميق إزاء الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين» والحالة الإنسانية المزرية التي يواجهونها والتي تندد بها المنظمات الدولية العاملة في غزة يوماً بعد يوم.

تعي باريس أن الأوراق التي تمتلكها للتأثير في القرار الإسرائيلي محدودة للغاية، كما أنه يتعين على الرئيس الفرنسي، لأسباب سياسية، أن يأخذ بعين الاعتبار الوضع الداخلي الفرنسي والقوى المؤثرة فيه. ولأن باريس تعرف أن قرار وقف إطلاق النار يتعين البحث عنه بالدرجة الأولى في واشنطن، فإنها تركز على الوضع اللبناني، إذ تقدر أنها معنية به بالدرجة الأولى. من هنا، فإن الرسالة الرئيسية التي أراد ماكرون إيصالها إلى الجانب الإسرائيلي تتناول لبنان والمخاوف الفرنسية من اشتعال حرب واسعة بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» تكون بمثابة الكارثة على لبنان الذي يعاني فراغاً مؤسساتياً، وأوضاعاً اقتصادية واجتماعية رثّة، وانقسامات سياسية عمودية. وهذه الرسالة بالتحديد تُشدد عليها باريس منذ 3 أشهر. وحسب أوساط واسعة الاطلاع، فإن الطرف الفرنسي يُبدي «دهشته» إزاء الخفة التي تتسم بها ردة الفعل اللبنانية على المستوى الرسمي لجهة جدية التهديدات الإسرائيلية التي جاءت العملية العسكرية في الضاحية الجنوبية لتبيّن أن إسرائيل لا تتردد في ضرب أهداف تقع في قلب العاصمة اللبنانية. وهي المرة الأولى التي تُنفّذ فيها، منذ عام 2006، عملية عسكرية في بيروت. من هنا، فإن أنظار العاصمة الفرنسية تركز على ردة فعل «حزب الله» الذي أصدر بياناً عَدَّ فيه اغتيال العاروري ورفاقه الخمسة «اعتداءً خطيراً على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته، وما فيه من رسائل سياسية وأمنية بالغة الرمزية والدلالات، وتطوراً خطيراً في مسار الحرب...».


مقالات ذات صلة

هل هناك تنسيق تركي أميركي روسي لإبعاد الأسد عن إيران؟

تحليل إخباري جثمان المصور الصحفي السوري أنس الخربوطلي خلال جنازته في إدلب بعد مقتله بغارة جوية على مدينة مورك بريف حماة (إ.ب.أ)

هل هناك تنسيق تركي أميركي روسي لإبعاد الأسد عن إيران؟

رغم ما يراه معلقون أن تركيا قد تكون هي التي تقف وراء اندلاع هجوم المعارضة المسلحة في سوريا، فإنهم يلاحظون وجود «غض نظر» من إدارة بايدن على الحدث.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يحملون أغراضهم عائدين إلى إسرائيل بعد اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

الجيش اللبناني يبدأ انتشاره جنوباً وسط استمرار الخروقات

يستمر التوتر على الحدود الجنوبية للبنان مع الخروقات الإسرائيلية التي تجاوزت 80 خرقاً منذ اتفاق وقف إطلاق النار في موازاة جهود تبذل لعدم تجدد الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مبانٍ مدمَّرة عند الحدود الجنوبية (رويترز)

الجهود الدبلوماسية تنجح باحتواء تجدد التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل

نجحت الجهود والاتصالات الدبلوماسية في احتواء التصعيد الذي شهده جنوب لبنان، ليل الاثنين، وكاد ينذر بتفلّت الأمور مجدداً.

يوسف دياب
المشرق العربي صورة أرشيفية من استهداف إسرائيلي في منطقة كفر سوسة بالعاصمة السورية دمشق يوم 21 فبراير 2024 (رويترز)

غارة إسرائيلية قرب دمشق تقتل مسؤول اتصال «حزب الله» بالجيش السوري

قال مصدر أمني لبناني إن غارة جوية إسرائيلية على دمشق، يوم الثلاثاء، قتلت سلمان جمعة، وهو شخصية بارزة في «حزب الله» مسؤول عن الاتصال بالجيش السوري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سيارات في حي السلم في ضاحية بيروت الجنوبية حيث المباني المدمرة والمتضررة نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

ترنح الهدنة يقلق اللبنانيين ويوقظ مخاوف تهجير ثانٍ

عاش أهالي جنوب لبنان ليلة رعب (الاثنين - الثلاثاء) مع ترنح الهدنة، وتوسيع إسرائيل عمليات قصفها؛ رداً على عملية «تحذيرية» نفَّذها «حزب الله».

بولا أسطيح (بيروت)

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
TT

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب

نشرت الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، دارين خليفة، تصريحات قائد «هيئة تحرير الشام» الجولاني للمجموعة، قال فيها إن حلب «ستحكمها هيئة انتقالية».

وقالت دارين خليفة، على حسابها في «إكس»، إنه على الرغم من أنه من السابق لأوانه أن نقول كيف ستتعامل «هيئة تحرير الشام» والفصائل المعارضة مع تحديات الحكم في حلب، فإنه يبدو أن المناقشات الداخلية جارية بالفعل، داخل تلك التنظيمات.

ونقلت دارين خليفة عن الجولاني، قوله إنه سيتم توجيه المقاتلين، بمَن فيهم المنتمون إلى «هيئة تحرير الشام»، لمغادرة المناطق المدنية في الأسابيع المقبلة، وإنه ستجري دعوة البيروقراطيين لاستئناف وظائفهم. وسيكون هناك احترام للمعايير الاجتماعية والثقافية المتميزة للمدينة، المسلمين والمسيحيين بكل تنوعهم».

ونقلت دارين خليفة عنه قوله إن «هيئة تحرير الشام تفكر حتى في حل نفسها من أجل تمكين ترسيخ البنى المدنية والعسكرية بشكل كامل، في مؤسسات جديدة تعكس اتساع المجتمع السوري».

وأضافت أنه علينا الانتظار لنرى إن كانت «هيئة تحرير الشام»، ستنفذ هذه الأفكار أم ستضغط على فصائل أخرى لتطبيقها. «لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان سيتم الامتثال له أم لا». الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، شددت على أنه نظراً لتاريخهم وجذورهم الجهادية، فسوف يواجهون تحدياً هائلاً في معالجة المخاوف المفهومة التي يشعر بها العديد من السوريين فيما يتصل بتوسع هيمنة «هيئة تحرير الشام»، وتداعياتها على حرياتهم الشخصية والدينية.

وكان زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني فد زار قلعة مدينة حلب في شمال سوريا، وفق ما أظهرت لقطات على تطبيق للتنظيم نشرها على «تلغرام»، الأربعاء، حساب للفصائل المعارضة التي تشن هجوماً منذ أسبوع ضد القوات الحكومية في شمال سوريا.

وبثّ الحساب مجموعة لقطات يظهر فيها الجولاني، المقلّ في إطلالاته العامة، وهو يقف على درج أمام قلعة المدينة التاريخية، وأخرى يحيي فيها عدداً من مناصريه اجتمعوا حوله.

وأكد مصدر من الهيئة لوكالة الصحافة الفرنسية أن الزيارة جرت الأربعاء، بعد أيام من خروج المدينة بالكامل عن سيطرة القوات الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع عام 2011.