«حزب الله» يخشى ضغط «اليونيفيل» عليه لتطبيق القرار 1701

القوات الدولية طالبت السلطات اللبنانية بضمان سلامتها

دورية لـ«اليونيفيل» قرب بلدة الخيام في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
دورية لـ«اليونيفيل» قرب بلدة الخيام في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
TT

«حزب الله» يخشى ضغط «اليونيفيل» عليه لتطبيق القرار 1701

دورية لـ«اليونيفيل» قرب بلدة الخيام في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
دورية لـ«اليونيفيل» قرب بلدة الخيام في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

عاد التوتر ليطبع علاقة «حزب الله» بالقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل»، ما أدى لتعرض دوريات تابعة للقوات لأكثر من اعتداء، خلال الأيام القليلة الماضية.

وكالعادة، يتفادى «حزب الله» إرسال عناصره لمواجهة القوات الدولية، ويُرسل مجموعات من الأهالي لاعتراض دوريات يعتبر أنها تقوم بأعمال «مشبوهة».

وتقول مصادر مطّلعة على جو الحزب إن «ممارسات عدة لهذه القوات أثارت الريبة مؤخراً، فبعد أن كانت مراكزها تلتزم، منذ بدء المواجهات، عادت لتقوم بحركة لافتة توحي بأنه يتم استخدامها أداة جديدة للضغط للعودة لتطبيق القرار 1701». وتضيف المصادر، لـ«الشرق الأوسط»: «مواصلة هذه السياسة ستحمل تداعيات كثيرة وتؤدي لوضع خطير».

وفي الوقت الذي أصدرت فيه «اليونيفيل» بيانين شرحت فيهما تفاصيل الاعتداءات التي تعرضت لها، لم يصدر عن «حزب الله» أي بيان رسمي. إلا أن المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، المقرَّب من الحزب، طالب، في بيان، «اليونيفيل في جنوب نهر الليطاني بأن تكون قوة عدالة وحسابات وطنية فقط»، لافتاً إلى أن «قوة اليونيفيل بمقدار دورها الدولي الذي يخدم سيادة لبنان الوطنية مرحَّب بها، وضمن هذا الحد، وأي انتهاك لدورها بحساباتنا الوطنية ممنوع ومردوع، وهو بمثابة انتحار، وأي مغامرة تحت أي جنسية أو ذريعة ستواجَه بقبضات شعبنا الذي يُعلّم العالم معنى الحرية والسيادة والاستقلال». وشهدت العلاقة بين القوات الدولية وأهالي منطقة عملها توتراً في السنوات القليلة الماضية، ما أدى للاعتداء المتكرر عليها من عدد من المدنيين، وهو ما دفع قيادتها لمطالبة القوات المسلحة اللبنانية بضمان سلامتها وأمنها أكثر من مرة.

ورفعت العمليات العسكرية، التي شهدها جنوب لبنان بين إسرائيل و«حزب الله»، منسوب التوتّر القائم بين الأخير وقوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل»، حيث اتهم الحزب القوات الدولية بـ«تجاهل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان التي أودت بحياة مدنيين وإعلاميين».

ويعتبر مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية»، الدكتور سامي نادر، أن «التوتر الحالي ليس بين اليونيفيل وأهالي الجنوب، كما يحاول حزب الله تصويره، لكنه عملياً بينه وبين هذه القوات»، لافتاً إلى أنه ولفهم أبعاده، «يفترض العودة للأساسيات، ولكون قوات (اليونيفيل) تمثل القرارات الدولية، ورمزياً وعملياً القرار 1701 الذي يحتدم الصراع حوله راهناً باعتباره الإطار المتفَق عليه دولياً لإقفال الجبهة المفتوحة بين لبنان وإسرائيل». ويضيف نادر، لـ«الشرق الأوسط»: «يتم الضغط، اليوم، دبلوماسياً للعودة للالتزام بهذا القرار، قبل اللجوء للحل العسكري، ولكن إقفال جبهة الجنوب اللبناني لن تقبل به طهران دون ثمن باعتبارها تدفع لتكون أول الجالسين على الطاولة لصياغة أي تسوية، وهي لا شك تعتبر تطبيق القرار 1701 في ظل الظروف والمعطيات الراهنة أشبه بمسعى لإسقاط هذه الورقة من يديها دبلوماسياً».

من جهتها، أشارت كتلة «تجدد»، التي تضم النواب ميشال معوض، وأشرف ريفي، وفؤاد مخزومي، وأديب عبد المسيح، إلى أنه «في وقت يحتاج لبنان إلى اتخاذ كلّ الإجراءات لحماية نفسه من الخطر المتعاظم من تعرّضه للحرب، تتكرّر الاعتداءات التي تستهدف قوّات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب المكلّفة بحفظ الاستقرار، بما يوحي وكأنّ هناك قراراً لدى قوى الممانعة، بتهديد عمل هذه القوّات ومنعها من القيام بمهامّها، وبالتّالي إرسال رسالة عبر بريد (اليونيفيل) إلى المجتمع الدولي، بأن السعي لتطبيق القرار 1701 سيواجَه بإثارة الفوضى والعنف».

وفي مطلع يونيو (حزيران) الماضي، أماط القضاء العسكري في لبنان اللثام عن ملابسات حادثة الاعتداء على دورية تابعة للكتيبة الآيرلندية العاملة ضمن قوات «اليونيفيل» في بلدة العاقبية بجنوب لبنان، في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، وأسفرت عن قتل أحد عناصر الدورية، ومحاولة قتل ثلاثة من رفاقه، واتهم قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان، الموقوف الوحيد في القضية محمد عيّاد، وأربعة آخرين فارّين من وجه العدالة، بـ«تأليف جماعة من الأشرار أقدمت على قتل الجندي الآيرلندي عمداً».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب) play-circle 00:33

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي كشف تقرير للبنك الدولي أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان جراء الحرب تقدر بنحو 2.8 مليار دولار (أ.ف.ب)

ما حجم الخسائر البشرية والمادية جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان؟

قد يتوقف قريباً إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية بموجب اتفاق يستهدف إنهاء أكثر من عام من قتال أشعلته حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي النائب عن «حزب الله» حسن فضل الله يغادر البرلمان اللبناني وسط بيروت 14 يونيو 2023 (رويترز)

نائب عن «حزب الله»: الجماعة ستبقى بعد نهاية الحرب

قال حسن فضل الله، النائب في مجلس النواب اللبناني والعضو في جماعة «حزب الله»، اليوم الثلاثاء، إن «حزب الله» سيبقى بعد انتهاء حربه مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تتحدث في مؤتمر صحافي في ختام اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع (د.ب.أ)

مجموعة السبع: الآن الوقت المناسب لوقف إطلاق النار في لبنان

كثف وزراء خارجية مجموعة الدول السبع اليوم (الثلاثاء)، الضغوط على إسرائيل لقبول اتفاق وقف إطلاق النار مع «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (روما)

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

TT

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب، فيحاول الطرفان تحقيق المكاسب العسكرية والمعنوية أمام جمهوره قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار المتوقع، ليبقى السؤال؛ لمن ستكون الطلقة الأخيرة في هذه الحرب التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في لبنان ودمّرت آلاف المنازل وهجّرت أكثر من مليون نازح، معظمهم لا يعرف الوجهة التي سيسلكها بعد وقف آلة الحرب؟!

وكانت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أعلنها الأخير تحت عنوان «إسناد غزة» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد اتخذت منحى تصعيدياً في 23 سبتمبر (أيلول) 2024 بقرار من تل أبيب، لتتوسع وتشمل كل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، أي بشكل أساسي المناطق المحسوبة على «حزب الله» والطائفة الشيعية، واستمرت بالوتيرة نفسها لمدة أكثر من شهرين، قبل أن يبدأ العمل جدياً على وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

تصعيد متدرج وساعات صعبة على اللبنانيين

ومع بدء ملامح التوافق على الحلّ الذي يرتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن 1701، رفع الطرفان راية التصعيد في المشهد الأخير للحرب مستفيدين من الساعات الأخيرة «لتحقيق الإنجازات» العسكرية والسياسية.

ومنذ بدء الحديث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، شهدت المواجهات تصعيداً غير مسبوق، بحيث ارتكبت إسرائيل مجزرة في منطقة البسطة القريبة من وسط بيروت، صباح السبت، أدت إلى مقتل 29 شخصاً، وكانت المواجهات أكثر حدّة يوم الأحد بإطلاق «حزب الله» أكثر من 300 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال حيث سُجل سقوط جرحى، ووصل منها إلى تل أبيب، معيداً بذلك تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في موازاة الغارات والقصف المتنقل بين الجنوب والبقاع والضاحية التي تعرضت ليلاً لزنار نار عبر استهدافها بأكثر من 11 غارة، ما أدى إلى دمار هائل في المباني.

كذلك، شهدت بلدة الخيام ليلة عنيفة، في استمرارٍ لمحاولة التوغل الإسرائيلية وتفخيخ الجيش للمنازل والأحياء.

وفيما استمر التصعيد يوم الاثنين بارتكاب إسرائيل عدداً من المجازر في البقاع والجنوب، عاش اللبنانيون ساعات صعبة على وقع المعلومات التي تشير إلى تحديد موعد وقف إطلاق النار، وشنّت سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية بعد إصدار أوامر إخلاء هي الأكبر من نوعها منذ بداية الحرب ، بحيث طال زنار نار 20 مبنى في الحدث وحارة حريك والغبيري وبرج البراجنة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 20 هدفاً إرهابياً خلال 120 ثانية.

 

الدخان يغطي سماء الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفت الثلاثاء بأكثر من 20 غارة (رويترز)

وفي الجنوب، حيث تدور مواجهات شرسة في محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل إلى بلدة الخيام، نشر المتحدث باسمه صوراً لجنود قال إنها عند «نهر الليطاني»، وأشارت المعلومات إلى أن الجنود وصلوا إلى مجرى النهر من دير ميماس، التي دخلوا إليها قبل أيام .

وعلى وقع هذا التصعيد، بدأ الطرفان بترويج فكرة «الانتصار» أمام جمهورهما، فـ«حزب الله» ربط «التقدم في اتصالات وقف إطلاق النار بالصواريخ التي أطلقها السبت على تل أبيب ومستوطنات الشمال»، فيما يقول المسؤولون الإسرائيليون، في «رسالة طمأنة» لسكان الشمال الذين يتخوفون من وجود «حزب الله» على الحدود، إن الدولة العبرية ستتصرف بحزم عند أي خرق، مثل إعادة تسلح الحزب.

 

تحقيق آخر الأهداف لـ«إعلان النصر»

ويربط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور عماد سلامة، التصعيد العسكري من قبل إسرائيل بالإسراع بتحقيق الأهداف المؤجلة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما يحاول «حزب الله» عبر إطلاق الصواريخ أن يثبت أن قدراته العسكرية لا تزال قوية وأنه لم يهزم.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط»: «في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، يسعى كل طرف إلى إعلان النصر كوسيلة أساسية لتسويق التسوية كمكسب، وليس كتنازل أو هزيمة، وهو يهدف إلى تعزيز شرعية الاتفاق أمام القواعد الشعبية والبيئة السياسية لكل طرف، ومحاولة جس النبض المحلي لقياس ردود الفعل وحجم المعارضة المحتملة»، مضيفاً: «هذه الديناميكية تجعل من إعلان النصر أداة تكتيكية لتهيئة الساحة الداخلية والتعامل مع أي تطورات في اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن وقف الحرب».

من هنا، يرى سلامة أن «هذا الأمر يعكس حاجة كل طرف لتعزيز مواقعه داخلياً ولجم الانتقادات والحفاظ على التأييد السياسي»، موضحاً: «بالنسبة لإسرائيل، يمكنها اعتبار إنجازاتها سبباً لإعلان النصر، حيث حققت أهدافاً عسكرية استراتيجية. منها تدمير البنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، واغتيال قياداته البارزة، ومنعه من الوجود الفاعل على الحدود مع إسرائيل. كما تمكنت من فصل المسار اللبناني عن القضية الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشمالية بأمان، ما يشير إلى تحقيق كامل أهداف حملتها العسكرية بنجاح. هذا الإعلان يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية أمام المعارضة الداخلية ويظهر قوة الردع الإسرائيلية».

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فيقول سلامة: «سيصرّ على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تتمكن من تدمير قوته العسكرية بالكامل أو وقف الهجمات الصاروخية والمسيرات. كما سيؤكد الحزب أنه نجح في التصدي لأي توغل إسرائيلي في الجنوب، وأجبر إسرائيل على التراجع دون تحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية»، مضيفاً: «بالنسبة لـ(حزب الله)، هذا الإعلان ضروري لترسيخ شرعيته أمام بيئته الحاضنة ومؤيديه، وللردّ على الانتقادات التي قد تطوله نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال المواجهة»، ويؤكد: «في النهاية، إعلان النصر لكلا الطرفين يعكس أهمية تأطير الأحداث بما يخدم مواقفهما الداخلية والدولية».

الساعات والأيام الأخيرة لحرب «تموز 2006»

يبدو من الواضح أن سيناريو حرب «تموز 2006» يتكرر اليوم، حيث إنه قبيل أيام وساعات من اتفاق وقف إطلاق النار، صعّدت تل أبيب من عملياتها العسكرية، وأطلقت قبل يومين عملية برية حملت عنوان «تغيير اتجاه 11»، وتوغّل الجيش الإسرائيلي عبر إنزال جوي في بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل مقتحماً وادي الحجير، ومنها إلى منطقة جويا (شرق صور)، ما أدى إلى مواجهة شرسة من قبل «حزب الله». وأشارت المعلومات إلى تدمير الحزب 25 دبابة إسرائيلية، إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف العسكريين.

كذلك، عمدت إسرائيل إلى رمي القنابل العنقودية قبل انتهاء الحرب بيومين فقط بشكل عشوائي، على أهداف غير محددة، ما حال دون القدرة على الحصول على خرائط دقيقة لإزالتها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة، أدت حتى عام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً، وجرح نحو 400 آخرين، أصيب كثير منهم بإعاقات وعمليات بتر لأقدامهم، وغالبيتهم فقدوا عيونهم وهم من المزارعين والرعاة.

وفي الساعات الأخيرة لإعلان وقف إطلاق النار، تكثّف القصف الجوي ليشمل بلدات عدة في الجنوب، مستهدفاً مباني وأحياء سكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فيما أمطرت المقاتلات الحربية الضاحية الجنوبية بوابل من الغارات حيث استهدفت ما يعرف بمجمع الإمام حسن السكني، المؤلف من 8 مبانٍ، بأكثر من 20 غارة خلال أقل من دقيقتين، ما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

في المقابل، أطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً عدداً من المستوطنات، منها حيفا وكريات شمونة ومسكاف عام.