تقول الحكومة العراقية إنها تتجه إلى إعادة ترتيب العلاقة مع قوات التحالف الدولي، بوجود «قوات عراقية متمكنة» بمقدورها نفي الحاجة إلى القوات الأجنبية.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يتحدث خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد، اليوم (الخميس)، مع نظيره الإسباني بيدرو سانشيز، عن العلاقة بين البلدين، ودور مدريد في المهمة الدولية التي يقودها التحالف الدولي لمحاربة «داعش».
ومن المفترض أن تعكس تصريحات السوداني جانباً من الضغط السياسي المحلي بشأن وجود القوات الأميركية، لكن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية قد تعني «البحث عن وضع أكثر أمناً للجنود الإسبان في العراق، في ظل التصعيد المتزايد»، وفقاً لخبير سياسي تحدث مع «الشرق الأوسط».
وقبل ذلك، كان سانشيز الذي وصل إلى بغداد، ليلة أمس (الأربعاء)، في زيارة رسمية قصيرة، التقى بعسكريين إسبان في قاعدة داخل المنطقة الخضراء المحصَّنة في بغداد، وشكرهم «باسم المجتمع الإسباني على الجهود والتضحيات» التي يقدمونها «من أجل الأمن والاستقرار الدوليين».
وقال بيان حكومي عراقي، الليلة الماضية، إن «مراسم استقبال رسمية أُجريت لرئيس الحكومة الإسبانية في بغداد، قبل انطلاق مباحثات ثنائية لتنسيق المواقف إزاء التحديات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وأوجه التعاون والشراكة في مختلف المجالات، وسبل تنمية العلاقات في الاستثمار وتعزيز الفرص الاقتصادية وصولاً إلى شراكة استراتيجية بناءة».
وتحدث السوداني مع سانشيز عن «دور» التحالف «في دعم جهود العراق لمواجهة (داعش) الإرهابية»، وقال إن «بغداد في طور إعادة ترتيب العلاقة مع هذا التحالف».
وتابع السوداني: «في ظل وجود قوات عراقية متمكنة فإن الحكومة العراقية ماضية باتجاه إنهاء وجود التحالف الدولي».
وصحيح أن العراق يشهد منذ سنوات قليلة استقراراً أمنياً وسياسياً، بعدما كان يعاني من حروب ونزاعات دامية، لكن تداعيات الحرب في قطاع غزة ألقت بظلالها على البلاد، بعدما تصاعدت هجمات فصائل موالية لإيران ضد «التحالف الدولي»، على رأسها القوات الأميركية.
وأحصت واشنطن أكثر من مائة هجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ ضدّ القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي المنتشرة في العراق، منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول).
وتبنّت معظم الهجمات جماعة تطلق على نفسها «المقاومة الإسلامية في العراق» وتضمّ مسلحين في فصائل شيعية على الأغلب لديها صلة بمجموعات سياسية داخل «الإطار التنسيقي» الحاكم.
التزام عراقي
وجدّد السوداني، خلال المؤتمر الصحافي، موقف الحكومة والقوى السياسية الرافض لهذه «الأعمال العدائية»، لكنه شدّد على «الالتزام بالتفويض القانوني الممنوح من الحكومات العراقية» لوجود التحالف الدولي «ضمن إطار دعم القوات الأمنية في مجالات التدريب والمشورة».
ولفت إلى أن «الحكومة العراقية واعية وملتزمة وقادرة على القيام بواجباتها لحفظ أمن البعثات الدبلوماسية وأماكن وجود المستشارين الأمنيين».
في السياق، أعرب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن «التزام» بلاده بدعم «استقرار وسيادة» العراق.
ضمانات لحلف «الناتو»
وقال سانشيز، خلال المؤتمر الصحافي، إن هذا «الالتزام متجسّد بوجود القوات الإسبانية في البلاد»، حيث تنشر إسبانيا أكثر من 320 جندياً في إطار مهمة «حلف شمال الأطلسي» التي يقوها منذ مايو (أيار) 2023 الجنرال الإسباني خوسيه أنطونيو أغييرو مارتينيز، والتحالف الدولي لمكافحة «داعش» بقيادة واشنطن.
وأضاف سانشيز أن بلاده «ستدعم دائماً، بطلب من السلطات العراقية، وحدة وسيادة واستقرار العراق».
وقال رئيس الوزراء الإسباني إن «إسبانيا تظهر منذ سنوات التزامها الجاد بأمر يبدو أنه بات محطّ تساؤل في السنوات الأخيرة: تعددية الأطراف».
تؤكد الحكومة العراقية أنها تتعامل، عبر قواتها الأمنية بكل صنوفها ومؤسساتها الدستورية وسلطاتها القانونية كافة، بحزم إزاء قيام بعض العناصر بالاعتداء على مقارّ البعثات الدبلوماسية الأجنبية أو الأماكن التي يتواجد فيها المستشارون العسكريون من الدول الصديقة، وقد سبق أن تمّ تشخيص هذه... pic.twitter.com/2aXV1q7Q2B
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء (@IraqiPMO) December 26, 2023
ويعتقد أحمد الياسري، وهو مراقب للشأن السياسي العراقي، أن رئيس الحكومة الإسبانية حاول، خلال زيارته لبغداد «البحث عن ضمانات لحماية قوات (حلف الأطلسي) من هجمات الفصائل».
وقال الياسري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مدريد تريد الحصول على فهم أكثر لما يجري ميدانياً في العراق لتقييم مهمة (حلف الناتو) الذي تقوده في البلاد»، كما تسعى لاستثمار موقفها السياسي من الحرب على غزة برفع مستوى الشراكات الاقتصادية في الدول المتأثرة بتداعيات الأزمة، على رأسها العراق».
وتقول بعثة «الناتو»، التي يقودها الجنرال الإسباني خوسيه أنطونيو، إنها موجودة في العراق «لإصلاح هيكلية القوات الأمنية بغرض جعلها أكثر مهنية وفاعلية واستدامة على المديين المتوسط والبعيد».
وبشأن الأزمة المستمرة في قطاع غزة، فإن «جهود الحكومة العراقية مستمرة ومتواصلة لإيقاف الحرب المدمرة التي كشفت عن فشل المنظومة الدولية ومؤسساتها ومنظماتها في الحفاظ على قوانينها والاتفاقيات ذات العلاقة في تحقيق الأمن والاستقرار».
وأعرب عن أمله في «المزيد من الجهود؛ بالضغط على دول العالم لإيقاف الحرب المدمرة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وكذلك إطلاق سراح الأسرى والرهائن».
وثمَّن السوداني «دور إسبانيا وموقفها الشجاع في إدانة هذه الاعتداءات التي ارتقت إلى مستوى الجرائم والإبادة الجماعية، وتجاوزت كل القوانين الدولية وقوانين الحرب».