الترويج لموجات من التفاؤل يضع لبنان على «لائحة الانتظار»

جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)
جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)
TT

الترويج لموجات من التفاؤل يضع لبنان على «لائحة الانتظار»

جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)
جنود من الوحدة الفرنسية في «يونيفيل» يحتفلون بأعياد الميلاد في جنوب لبنان (أ.ب)

يستعد اللبنانيون لاستقبال العام الجديد وسط ارتفاع منسوب المخاوف من أن يطل عليهم بمزيد من الأزمات، ويكون امتداداً للأزمات الموروثة عن سلفه الذي لم يبق منه سوى أيام، ما لم تَلُح في الأفق بوادر انفراج ليست مرئية حتى الساعة، رغم أن مصادر وزارية بدأت تروّج لموجات من التفاؤل بِرِهانها على عودة الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان إلى بيروت في محاولة لتثبيت الخيار الثالث لانتخاب رئيس للجمهورية، بالتلازم مع تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن انتخابه سيكون شغله الشاغل فور انتهاء عطلة الأعياد لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزُّم.

وكشفت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» أن لودريان، وإن كان قد تعهّد بعودته إلى بيروت في الشهر المقبل، فإنه لا يزال يتريّث بطلب مواعيد للقائه الكتل النيابية لتحريك الملف الرئاسي على خلفية ترجيحه الخيار الثالث، وكذلك الأمر بالنسبة للموفد القطري.

وتوقفت المصادر نفسها أمام ما أخذت تروّج له جهات لبنانية رسمية نافذة بأن الوساطة التي تتولاها سلطنة عُمان بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران لا تزال قائمة ولم تتوقف رغم تبادلهما التهديدات التي بلغت ذروتها، وتتعلق بتأمين الحرية للملاحة البحرية في البحر الأحمر، وقالت إنها تتعامل معها من زاوية ما يترتب عليها من انفراج من شأنه أن يدفع باتجاه توفير بوادر حلحلة للأزمة اللبنانية لما لإيران من نفوذ في لبنان توظّفه لحماية مصالحها في المنطقة والإقرار بدورها.

لكن مصادر في المعارضة رأت أنه من السابق لأوانه ركوب موجات التفاؤل التي ستبقى عالقة على ما سيؤول إليه الوضع في غزة في ظل استمرار الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل، وما يمكن أن تحمله من تطورات انطلاقاً من ارتباطها بالجبهة الشمالية في جنوب لبنان مع مواصلة «حزب الله» مساندته لـ«حماس» التي أخذت وتيرتها تتصاعد يوماً بعد يوم.

لذلك فإن الترويج المفتعل لموجة التفاؤل يضع لبنان - كما تقول مصادر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» - على لائحة الانتظار الذي من شأنه أن يزيد من أثقال الأزمات الملقاة على عاتق اللبنانيين، بخلاف ما تدعيه المصادر الوزارية بأنه يضع لبنان أمام مرحلة جديدة، ويفتح الباب لإعادة انتظام مؤسساته الدستورية، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية. وسألت المصادر في المعارضة عن صحة ما يشاع ويتردد على أكثر من صعيد رسمي حول عزم مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوغشتاين التوجه إلى بيروت سعياً لوساطة بين لبنان وإسرائيل لإعادة تحديد الحدود البرية استكمالاً لمهمته السابقة التي أدت إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

ومع أن جهات رسمية لبنانية رفيعة لم تؤكد حتى الساعة موعد عودته، فإن عدداً من السياسيين اللبنانيين نقلوا، عن لسان السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي تستعد لمغادرة لبنان، ما يؤكد عودة الموفد الأميركي للقيام بوساطة بتكليف من الرئيس جو بايدن لتحديد الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل لإعادة الاعتبار لتطبيق القرار 1701 تحسباً لقطع الطريق على احتمال لجوء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للاستفراد بلبنان باستهدافه الجنوب فور انتهاء الحرب في غزة.

وما يعزز استعداد واشنطن لتوليها مهمة الوساطة، مبادرة أكثر من جهة غربية إلى إسداء نصائح لحكومة تصريف الأعمال بالطلب من «حزب الله» بعدم توسيعه رقعة المواجهة على امتداد الجبهة الشمالية، وصولاً للدخول في حرب مفتوحة تأتي استكمالاً لتلك الدائرة في غزة.

حتى أن هذه الجهات تحذّر، لما لديها من مخاوف، من قيام نتنياهو باستفراد لبنان فور انتهاء الحرب في غزة، وتدعو الحكومة إلى إعداد تصوّر يتعلق بتطبيق القرار 1701 لأن الظروف الدولية لا تسمح بتعديله، وأن هناك صعوبة في التوصل إلى قرار بديل، ومن ثم لا بد من توفير الظروف لإعادة تفعيله بما يمكّن الحكومة من بسط سلطتها في الجنوب لئلا يتفرّد الحزب بقرار السلم والحرب.

ويبقى السؤال: ما مدى صحة ما يتناقله عدد من السياسيين عن لسان السفيرة شيا بأن الموفد الأميركي كان قد ألمح في زيارته الأخيرة إلى استعداده للقيام بوساطة لتحديد الحدود على امتداد الجبهة الشمالية بين لبنان وإسرائيل بدءاً بحل الخلاف المتعلق بعدد من النقاط التي كان قد سبق للحكومة اللبنانية أن تحفّظت عليها، وطالبت إسرائيل بالانسحاب منها بوصفها تابعة لخط الانسحاب الذي لا يزال تثبيته عالقاً منذ صدور القرار 1701 في نهاية حرب يوليو(تموز) 2006، وهذا ما يفسّر عدم اعترافها بالخط الأزرق خطاً نهائياً لتحديد الحدود كبديل عن خط الانسحاب الشامل.

وينقل هؤلاء عن لسان شيا أن هناك إمكانية لإيجاد حل لاستمرار احتلال إسرائيل مزارع شبعا بوجود إمكانية لتوسيع مهمة القوات الدولية «يونيفيل» لتشملها إلى جانب تلال كفرشوبا والجزء اللبناني لبلدة الغجر، مع أن هناك من يتعاطى مع العرض الأميركي على أنه محاولة للضغط على «حزب الله» الذي يشترط أولاً وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ولا يلتفت إلى ما يسمى بالعرض الأميركي الذي ينظر إليه، كما تقول مصادره، على أنه محاولة للإيقاع بين الحزب وأطراف لبنانية لا تتفق وإياه في مقاربتهما للوضع المشتعل في الجنوب على أساس أن الحزب لا يعترض على تطبيقه.

وعليه لا بد من السؤال عن موقف حكومة تصريف الأعمال، وما مدى صحة ما يقال إنها تعد العدة لوضع تصور شامل تحت عنوان التزامها بالقرار 1701 وتحميل إسرائيل مسؤولية إعاقة تطبيقه.

في ضوء كل ما يروّج له البعض من موجات تفاؤلية تفتقد إلى ما يدعمها من أدلة وبراهين فإن الهم الأبرز للحكومة يكمن حالياً، كما تقول مصادر وزارية، في استكمال ملء الشغور في المجلس العسكري الذي سيأخذ طريقه إلى التنفيذ، نقلاً عن رئيسها نجيب ميقاتي في أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء فور انتهاء عطلة الأعياد.

وقد يكون الجديد في تشكيل مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي الذي انتهت ولايته منذ فترة طويلة، وحالت الخلافات دون تحييده عن التجاذبات السياسية، وذلك بإصدار مرسوم عادي يوقّع عليه الرئيس ميقاتي ووزيرا الداخلية والمالية، إلا إذا ارتأى ميقاتي إصداره عن مجلس الوزراء كونه ينوب عن رئيس الجمهورية بغيابه الذي يفترض أن يحمل المرسوم توقيعه قبل نشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً.


مقالات ذات صلة

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والحالي نجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)

«الاشتراكي» يتبنى ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية اللبنانية

أعلنت كتلة «اللقاء الديمقراطي» تأييدها لقائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية في خطوة لافتة ومتقدمة عن كل الأفرقاء السياسيين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مستقبلاً رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

تركيا ولبنان يتفقان على «العمل معاً» في سوريا

أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأربعاء، أن أنقرة وبيروت «اتفقتا على العمل معاً في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
TT

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

عند تقاطع مروري في منطقة أبو رمانة بدمشق، يبذل متطوعون شباب بلباس مدني كلّ ما في وسعهم؛ لتنظيم السير في مدينتهم التي تختنق بازدحام السيارات والفوضى المرورية منذ إسقاط بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وفرّ أفراد شرطة السير وتنظيم المرور جميعهم من نقاط تمركزهم في المدينة قبيل ساعات من إعلان سقوط النظام. ونزع بعضهم ملابسه الرسمية ورماها في الشارع، وترك البعض الآخر دراجاتهم النارية المخصّصة لشرطة السير.

وتسبّب ذلك في اختناقات مرورية، لا سيما عند النقاط التي تعطّلت فيها إشارات السير، أو الساحات التي تحوَّلت إلى أماكن لتجمّع المتظاهرين المحتفلين بإسقاط النظام.

متطوعان سوريان يساعدان الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

وبعد أيام على تلك الفوضى، انتشر أكثر من 50 متطوعاً يرتدون سترات برتقالية مصنوعة محلياً، وكُتبت عليها كلمة «الشرطة»، عند الساحات العامة ومفارق الطرق الرئيسية بتنظيم من مؤسسة تطوعية محلية.

ويقول براء كردزلي (24 عاماً): »لدينا محبة لبلدنا، ورغبنا في التطوع لتنظيم السير. لقد أصبح البلد لنا جميعاً بعد أن كان لشخص واحد».

وخضع براء مع زملائه المتطوعين لدورة مكثفة في إدارة المرور بإشراف «هيئة تحرير الشام»، التي تقود السلطة الجديدة في دمشق. وزوّدتهم الهيئة بمعدّات بسيطة مثل صافرة، وعصا صغيرة؛ للتلويح للسيارات.

الطريق المؤدي إلى مدخل دوما بريف دمشق الشرقي من الأوتوستراد الدولي (الشرق الأوسط)

ويُضيف الشاب: «الناس لُطفاء للغاية، ويلتزمون معنا بالتعليمات بكل لطف، وليس لدينا أساساً أيّ سلطة سوى أن نبتسم للسائقين، ونطلب منهم الوقوف أو التحرك».

وفتحت مؤسسة «سند للشباب» التنموية باب التطوع للشباب، ونظَّمتهم في مجموعات متخصصة بين المساعدة الطبية للمشافي، والمساعدة التنظيمية للبلدية، ومساعدة شرطة السير.

ويقول عمر مرعي، المسؤول في المؤسسة: «ينتشر متطوعونا من التاسعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، كل حسب وقته، واستطعنا خلال يومين حلّ أكثر من 50 في المائة من مشكلة السير في دمشق».

وفي محيط ساحة السبع بحرات وسط العاصمة، افترش عدد من الأطفال زاوية، ووضعوا عبوات بنزين ومازوت للبيع بشكل مباشر للسائقين، في حين ظهر أطفال آخرون باعةً للعلم السوري الجديد وساروا بين السيارات.

وقرب حديقة السبكي بدمشق، توقفت إشارة المرور عن العمل منذ أسبوع بعد انقطاع الكهرباء عنها. ويشير محمّد موفق العوا إلى أحد السائقين طالباً منه التريث قبل العبور، ويستجيب السائق مباشرة.

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

وبعد غياب لسنوات، شاهد سكان دمشق سيارات تحمل لوحات من إدلب وحلب ومناطق أخرى بقيت خارج سيطرة قوات النظام، وانقطعت حركة العبور منها وإليها.

وصار مألوفاً أن تشاهَد في دمشق سيارات جديدة، مقارنة مع السيارات المهترئة التي تنتشر في مناطق سيطرة النظام الذي كان يفرض ضرائب عالية للغاية على استيراد السيارات.

ويقول العوا (25 عاماً): «لم يحدث معنا أي موقف غير متوقع، وغالبية الناس تساعدنا بالاستجابة».

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

ولم يكن هذا الشاب، خريج كلية إدارة الأعمال، يتخيل يوماً أن يعمل في تنظيم السير، ومع ذلك فهو لا يخفي فرحته بهذا العمل التطوعي.

ويقول: «سعادتي اليوم لا توصف بأنني أسهم ولو بجزء صغير في مساعدة هذا البلد على النهوض مجدداً. علينا أن نتكاتف جميعاً مهما كان حجم العمل كبيراً أو صغيراً، وعلينا أن نقف مرة أخرى».