سكان غزة الظماء يصفون المياه الممدودة من مصر بأنها «زي السكر»

فلسطينيون يصطفّون للحصول على المياه بينما يحتمون في مخيم تديره «الأمم المتحدة» في خان يونس (رويترز)
فلسطينيون يصطفّون للحصول على المياه بينما يحتمون في مخيم تديره «الأمم المتحدة» في خان يونس (رويترز)
TT

سكان غزة الظماء يصفون المياه الممدودة من مصر بأنها «زي السكر»

فلسطينيون يصطفّون للحصول على المياه بينما يحتمون في مخيم تديره «الأمم المتحدة» في خان يونس (رويترز)
فلسطينيون يصطفّون للحصول على المياه بينما يحتمون في مخيم تديره «الأمم المتحدة» في خان يونس (رويترز)

شبّه زكي أبو سليمة، أحد سكان قطاع غزة، مَذاق المياه التي تتدفق الآن إلى القطاع المدمَّر من مشروع لتحلية المياه في مصر، بأنها «زي السكر»، وذلك بعد أسابيع من القصف والحصار الإسرائيلي جعلته وكثيرين آخرين يشربون مياهاً غير نظيفة ومالحة.

وتتدفق المياه لغزة من ثلاث محطات أقامتها الإمارات على الجانب المصري من الحدود، ويجري ضخ مياهها إلى رفح، بعد أن بدأت العمل، يوم الثلاثاء، في إطار الجهود المبذولة لتخفيف أحد أكبر التحديات الإنسانية في غزة.

وقال أبو سليمة: «كانت معاناة شديدة جداً، كنا يعني نضطر نجيب من مية البحر عشان نحط في البراميل عندنا، هادي المية بالنسبة إلها حلوة كتير، وبتنشرب حتى. أما إحنا في الأول المية كنا نجيب من البحر للحمامات الشمسية، أما هادي والله مية زي السكر بتنشرب. يعني مية مفلترة زي المية اللي بقينا نشتريها».

الفلسطينيون يملأون الحاويات بمياه الشرب من إحدى مركبات توزيع المياه في خان يونس في 18 أكتوبر الماضي (د.ب.أ)

لكن مع وجود حاجة ماسّة إلى المياه النظيفة، فإن البنية التحتية المدمَّرة في غزة تعني أن من الصعب توزيعها خارج مدينة رفح الحدودية، ناهيك عن ضخّها إلى خزانات الأسطح التي تسمح للناس باستخدامها في المباني المتبقية بالقطاع.

وقطعت إسرائيل كل إمدادات الكهرباء الخارجية عن غزة، عندما بدأت الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في أعقاب هجوم مُباغت شنّته حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على بلدات إسرائيلية أسفر عن مقتل 1200 شخص، وفقاً لإسرائيل. كما أدى حصارها أراضي القطاع إلى توقف معظم إمدادات الوقود، مما يعني أن مُولدات الطاقة المحلية لا تعمل أيضاً.

وقال أبو سليمة: «بس المشكلة إنها (المياه المتدفقة من مصر) مبتطلعش فوق، يعني بدها كهرباء، يعني يزوّدونا بخط كهرباء يكون أفضل، عشان نقدر نطلعها فوق؛ لأنك شايف بنعبّي بالسطول وبنطلع فوق».

وحتى في رفح، حيث أمر الجيش الإسرائيلي المدنيين بالبحث عن ملجأ، فإن ندرة الغذاء والمياه النظيفة بالغة جداً لدرجة أنها تتسبب في فقدان الناس الوزن، والمرض.

وعند خزان مياه بين المنازل في رفح، يتناوب مجموعة من الأطفال الشرب بأيديهم من أنبوب متدفق، في مشهد نادر، في الأسابيع الأخيرة.

وقال محمد صبحي أبو ريالة، مدير دائرة المياه والصرف الصحي في بلدية جباليا، إن نزوح الآلاف من سكان غزة إلى رفح أدى إلى تفاقم المشاكل القائمة بالفعل في المدينة، حيث يوجد نقص في الوقود لتشغيل الآبار.

وأضاف أبو ريالة: «صراحة كانت فيه معاناة حقيقية موجودة منذ بداية الحرب على غزة، خصوصاً في منطقة رفح الغربية وعامة عموم رفح، وبعد نزوح أعداد هائلة من المواطنين من غزة والشمال باتجاه رفح، بالإضافة للنزوح الثاني من خان يونس أيضاً باتجاه رفح، وطبعاً هذا سبّب أزمة كبيرة على جميع المستويات».

وأردف قائلاً: «صراحة، هذا الخط الجديد اللي مدّوه من خلال إخواننا في جمهورية مصر العربية، إخواننا الأشقاء في مصر، صراحة كان له دور كبير في إنه يخفف من الهموم ومعاناة إخواننا النازحين وأهل رفح بخصوص موضوع المياه، حيث حتى نوعية المياه أفضل من المياه اللي كانت أصلاً موجودة؛ لأنه أصلاً غزة تعاني من مشكلة المياه الجوفية وملوحة المياه الجوفية وشُح المياه الجوفية، يعني صراحة، هذا ريحت كتير، ووفرت الجهد الكبير، وخصوصاً أيضاً أنه جزء كبير من آبار رفح تحتاج للوقود لتشغيلها».

وتصل أنابيب طولها 900 متر بين المحطات على الحدود المصرية وقطاع غزة، وتقوم بتحلية نحو 600 ألف جالون من المياه يومياً.


مقالات ذات صلة

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

شؤون إقليمية سيدة تغلق فمها وتربط يديها بحبل خلال مظاهرة في تل أبيب تطالب بإعادة المحتجزين في غزة (رويترز)

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

بعد عام على إطلاق سراحهم خلال الهدنة الوحيدة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، دعا رهائن سابقون في غزة إلى تأمين الإفراج عمن لا يزالون محتجزين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صبي فلسطيني ينقذ دراجة هوائية تالفة من بين أنقاض منزل دُمر في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة الأحد (الفرنسية)

استيطان غزة... هدف لا تُعلنه إسرائيل لكنها تنفذه

تشير تصريحات إسرائيلية لمسؤولين حاليين وسابقين وحملات لقادة مستوطنين، إلى احتلال طويل لغزة واستئناف الاستيطان، حتى بات ذلك هدفاً غير معلن للحرب لكنه يُنفذ بدقة.

كفاح زبون (رام الله)
العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

يخيّم شبح هجوم إسرائيلي واسع على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شن ضربات جوية على البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
TT

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي في غارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام، حتى بعد تحذير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن أكثر من ثلاثة أطفال يقتلون يومياً، ومن أن أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان، في غضون شهرين نتيجة الحرب المستمرة منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتتعاطى إسرائيل مع مقتل الأطفال والمدنيين على أنه «خسائر جانبية»، فتراها في حال حصلت على معلومات عن وجود شخصية معينة من «حزب الله»، في مبنى معين، تُقدم على نسف المبنى كله، غير آبهة بالمدنيين والأطفال الموجودين فيه.

اضطرابات نفسية

وفي مواقف أدلى بها مؤخراً، استهجن المتحدث باسم «اليونيسف»، جيمس إلدر، من أنه «رغم مقتل أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين، فإن اتجاهاً مقلقاً يبرز ويظهر أنه يجري التعامل دون مبالاة مع هذه الوفيات من جانب هؤلاء القادرين على وقف هذا العنف».

وبحسب المنظمة الدولية فإن «مئات الآلاف من الأطفال أصبحوا بلا مأوى في لبنان، كما أن علامات الاضطراب النفسي أصبحت مقلقة وواضحة بشكل متزايد».

وتشير الدكتورة باسكال مراد، اختصاصية علم النفس والاجتماع، إلى أن «مغادرة مئات الآلاف من الأطفال منازلهم، وتهجير وتشريد قسم كبير منهم؛ يجعلهم يفتقدون للأمان. كما أن فقدانهم أفراداً من عائلاتهم أمام أعينهم، ومعايشتهم الخطر والدمار والقتل اليومي؛ يترك لا شك تداعيات نفسية كبيرة عليهم يفترض الالتفات لمعالجتها بأقرب وقت».

رجل يخلي طفله من مكان قريب من موقع استهداف إسرائيلي لمنطقة رأس النبع في بيروت (رويترز)

وتشدد باسكال مراد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «من أبرز التحديات عند الأطفال راهناً هي تعليمهم كيفية إدارة انفعالاتهم الصعبة، مثل الخوف والقلق والغضب. فهذه الإدارة إذا لم تتحقق، فسيعاني الأطفال في المستقبل من مشاكل نفسية إذا لم تعالج الصدمات التي يعايشونها»، لافتة إلى أنه «لا يجب أن ننسى أيضاً الآثار الصحية للحرب على الأطفال، خصوصاً التلوث الناتج عن التفجيرات والأسلحة المستعملة، إضافة إلى أنهم سيكونون أكثر عرضة للأمراض والفيروسات في مراكز الإيواء».

ويعاني آلاف النازحين الموجودون في مراكز الإيواء، والعدد الأكبر منهم من الأطفال، من البرد وغياب مستلزمات التدفئة مع حلول فصل الشتاء، كما يفتقرون للملابس الملائمة بعد هربهم من منازلهم من دون التمكن من جمع أغراضهم.

التعليم بطعم الحرب

كما أنه رغم الخطة التي وضعتها وزارة التربية بدعم من «اليونيسف» لإعادة نحو 387 ألف طفل في لبنان تدريجياً إلى 326 مدرسة رسمية، لم يتم استخدامها لإيواء النازحين ابتداء من مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فإن العام الدراسي لا يسير بشكل طبيعي عند كل طلاب لبنان، بحيث يدرس قسم كبير منهم على وقع الغارات وخرق الطيران الإسرائيلي لجدار الصوت في كل المحافظات كما يجري التدريس على وقع هدير الطائرات المسيرة التي تملأ الأجواء اللبنانية.

وتقول إحدى معلمات صفوف الروضة في مدرسة تقع بمنطقة الحازمية المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، التي تتعرض لقصف دائم: «نقول للأطفال إن دوي الانفجارات هو صوت رعد نتيجة حلول فصل الشتاء، ونعمد لوضع أغانٍ تهدئ من روعهم. القسم الأكبر منهم اعتاد الوضع، في حين بعضهم الآخر يجهش بالبكاء كل مرة».

وتشير المعلمة الأربعينية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة الأكبر نواجهها مع الأهالي الذين يتهافتون عند كل غارة لسحب أبنائهم من الصفوف، ما يجعل الوضع التعليمي غير طبيعي على الإطلاق».

وتشدد الناشطة السياسية والدكتورة في علم النفس بالجامعة اللبنانية في بيروت، منى فياض، على أنه «أياً كانت الظروف، لا يمكن وقف التعليم ويفترض على وزارة التربية أن تؤمن التعليم للجميع حتى ولو في خيم».

وعدّت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التلاميذ الذين لا يستطيعون التوجه إلى المدرسة نتيجة الحرب لا شك سيتأثرون نفسياً إذا رأوا تلاميذ آخرين يداومون بشكل يومي، لكن هذه التأثيرات محصورة بأعمار كبيرة معينة بحيث سيشعر هؤلاء بعقدة نقص وإهمال، وانعدام العناية، لكن الخطورة الحقيقية هي على مستقبل الأجيال، ففي العالم العربي نحو 75 مليون أمّي نتيجة الحروب واللجوء، وكل حرب جديدة ترفع الأعداد مئات الآلاف. من هنا الخطورة على مستقبل العالم العربي ومستقبل لبنان الذي كانت لديه نسبة كبيرة من المتعلمين منتشرة في كل أنحاء العالم بمستويات وخبرات ممتازة».

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

وتتحدث منى فياض عن «خشية حقيقية من أن يؤدي التسرب المدرسي إلى الانحراف»، مشددة على وجوب القيام بـ«حملات على المؤثرين للضغط والتصدي لسيناريو مثل هذا، وتأمين التعليم للجميع أياً كانت الظروف القائمة».