العراق: الصدر «يربك» حسابات الإطار قبل اقتراع المحافظات

«اختفاء» التيار الصدري يمنح الضوء الأخضر لـ«طرف ثالث»

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)
TT

العراق: الصدر «يربك» حسابات الإطار قبل اقتراع المحافظات

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف أكتوبر الماضي (رويترز)

يربط مراقبون بين إعلان الحكومة العراقية «حالة الطوارئ» الأمنية، ودعوة زعيم التيار الصدري إلى «عدم الاعتداء على الانتخابات»، ويتكهن بعضهم بأن يلجأ «طرف ثالث» إلى عرقلة يوم الاقتراع المحلي لتوريط مقتدى الصدر في مواجهة غير محسوبة مع «الإطار التنسيقي» الحاكم.

واتخذ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إجراءات بدت صارمة لتأمين الانتخابات، بالتزامن مع دعوة «محيرة» من الصدر لأنصاره بحماية الانتخابات المحلية.

ومن المقرر أن يدلي الناخبون العراقيون بأصواتهم في 18 ديسمبر (كانون الأول)، لاختيار أعضاء مجالس 15 محافظة باستثناء إقليم كردستان، بينما سيتم التصويت في كركوك (شمال بغداد) للمرة الأولى منذ عام 2005.

ويعود سبب الحيرة لدى المسؤولين الحكوميين والسياسيين، لا سيما في «الإطار التنسيقي» الحاكم، وفقاً لمصادر مختلفة، إلى أن الصدر قد يكون منح «الضوء الأخضر» بطريقة غير مباشرة لجماعات تمثل «طرفاً ثالثاً» تخطط لاستهداف عملية التصويت.

ويقول هؤلاء إن الموقف الأخير للصدر «شكل عبئاً ثقيلاً على (الإطار التنسيقي) في كيفية التمييز بين الجماعات المعارضة للانتخابات».

ودعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره إلى «حفظ العراق وعدم الاعتداء على الانتخابات»، رغم وصفه إياها بـ«الفاسدة».

وقال الصدر، في منشور على منصة «إكس»: «نحن أناس يتطهرون من فسادهم ومن ألعوبة انتخاباتهم (...) تطهروا ولا تعتدوا على اقتراعهم الفاسد، واحفظوا كرامة العراق».

ويقول أعضاء في «الإطار التنسيقي» الحاكم إنهم يخشون من ردة فعل أنصار التيار الصدري يوم الاقتراع، لا سيما في مناطق نفوذهم وسط وجنوب العراق، لكن مدوّنين من أنصار التيار يدفعون عنه هذه «التهم»، ويؤكدون أن «جمهور الصدر منسحب من الحياة السياسية بشكل تام».

وتأتي الانتخابات المحلية في ظل صراع سياسي مركب بين القوى الشيعية داخل «الإطار التنسيقي» من جهة، والإطار بأغلبيته البرلمانية الساحقة وزعيم التيار الصدري الذي يتسلح بجمهور «ملتزم بما يقول».

ومنذ انسحاب الصدر من الحياة السياسية، ازداد نفوذ القوى الشيعية المنافسة، وحازوا مساحة أكبر مما حصلوا عليه في انتخابات 2021، عندما انسحب الصدر من البرلمان الذي تصدر نتائجه بـ73 مقعداً، مما جعل قوى الإطار تملأ فراغه البرلماني، وتمكنت من تشكيل الحكومة الحالية.

وثمة سبب آخر يجعل الاشتباك السياسي أكثر خطورة بين هذه الأطراف المتنازعة، يتمثل بأن الاقتراع المحلي هذا الشهر جاء بديلاً لعدم قدرة القوى السياسية على إجراء انتخابات برلمانية خلال عام واحد، بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني طبقاً للبرنامج الحكومي الذي صوت عليه البرلمان.

وحينها، كان الهدف من إجراء انتخابات برلمانية في غضون عام هو إرضاء الصدر وإعادته إلى العملية السياسية، لكن الإصرار على انتخابات لمجالس المحافظات وإرجاء البرلمانية إلى ما بعد الدورة التشريعية الحالية، زاد من غضب الصدر وفاقم الفجوة مع قوى الإطار.

مؤيدو مقتدى الصدر خلال احتجاج في مدينة الصدر ببغداد أبريل الماضي (أ.ب)

الطرف الثالث... مرة أخرى

ورغم أن الصدر أبدى مرونة في التعامل مع الانتخابات التي باتت على الأبواب، لكن قراره بمنع أتباعه من التعرض للاقتراع فتح الباب لمخاوف أكبر من استغلال جهات بدأت تعبر عن نفسها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحث الجمهور على المقاطعة.

ويتكهن مراقبون للعملية الانتخابية بأن «طرفاً ثالثاً» تلقى موقف الصدر الأخير على أنه ضوء أخضر للقيام بأنشطة قد تسفر عن عرقلة يوم الاقتراع.

وبدأ استخدام وصف «الطرف الثالث» في الحياة السياسية العراقية منذ احتجاج نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، حين كانت القوى السياسية توجه أصابع الاتهام لجماعة مجهولة بأنها وراء قمع واغتيال مئات الناشطين والمتظاهرين الشباب.

وألصقت بالطرف الثالث أيضاً هجمات عديدة استهدفت مواقع أمنية حساسة، إلى جانب قواعد عسكرية تضم قواعد تابعة للتحالف الدولي والجيش الأميركي.

ويميل المراقبون إلى الاعتقاد بأن الطرف الثالث سيكون واجهة لقوى سياسية لا تمتلك حظوظاً كبيرة للفوز بعدد وازن من المقاعد في مجالس المحافظات، وستحاول إرباك الاقتراع، على الأقل منع الجمهور من الذهاب إلى مراكز الاقتراع.

ومن المتوقع، بشكل كبير، أن يلتزم أنصار التيار الصدري بمقاطعة الانتخابات التزاماً بقرار الصدر الذي يراها فرصة «لتعظيم نفوذ الفاسدين»، وفقاً لتعبير حسابات شخصيات مقربة منه.

وفي نهاية الشهر الماضي، خرج المئات من أنصار الصدر إلى شوارع بغداد؛ احتجاجاً على تغريدة منسوبة للقيادي في تيار الحكمة بليغ أبو كلل، تضمنت تشبيهاً لموقف الصدر من الانتخابات المحلية بـ«موقف الخوارج».

وحاولت السلطات تحييد هذه التحركات بتشديد الإجراءات الأمنية، فيما أعلن القضاء اعتقال العشرات ممن ارتكبوا «جرائم تتعلق بالتعدي على الحملات الانتخابية للمرشحين» في مناطق متفرقة من البلاد.


مقالات ذات صلة

لأول مرة منذ 1997... تعداد عام لسكان العراق في 20 و21 نوفمبر

المشرق العربي عراقيون يسيرون في أحد شوارع بغداد (رويترز)

لأول مرة منذ 1997... تعداد عام لسكان العراق في 20 و21 نوفمبر

دعت السلطات العراقية سكان البلاد، اليوم (الأحد)، إلى ملازمة منازلهم يومي 20 و21 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بهدف إجراء تعداد عام للسكان والمساكن.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مسافرون داخل مطار بغداد الدولي (أرشيفية - أ.ف.ب)

«فوضى» تضرب مطار بغداد... والحكومة تتدخل بالتحقيق

قالت مصادر حكومية إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني «أمر بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب فوضى شهدها مطار بغداد الدولي»، جراء التضارب والتأخير في مواعيد الرحلات.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة من قاعدة عين الأسد في الأنبار بالعراق 29 ديسمبر 2019 (رويترز)

أحزمة ناسفة وقيادات «صف أول»... تفاصيل الغارة على «داعش» غرب العراق

كشفت واشنطن وبغداد عن غارة مشتركة على مواقع لمسلحي «داعش» في الصحراء الغربية بالأنبار، أسفرت عن مقتل «قيادات» في التنظيم.

حمزة مصطفى (بغداد)
شؤون إقليمية موقع سقوط المسيّرة التركية في كركوك (إكس) play-circle 00:24

أنقرة تتحرى مع بغداد عن مسيّرة «أُسقطت» في كركوك

أكدت تركيا أنها والعراق لديهما إرادة قوية ومشتركة بمجال مكافحة الإرهاب كما عدّ البلدان أن تعاونهما بمشروع «طريق التنمية» سيقدم مساهمة كبيرة لجميع الدول المشاركة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
المشرق العربي متظاهرون عراقيون يتجمعون للاحتفال بذكرى احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد (أرشيفية - رويترز)

دعوات أميركية لتشريع قانون يُجرِّم الاختطاف في العراق

دعت الولايات المتحدة الجهات المعنية في العراق إلى إجراء تعديلات تشريعية بشأن ضحايا الاختفاء القسري، بعد 3 موجات من الخطف والتغيب.

حمزة مصطفى (بغداد)

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
TT

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

قال وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، إن سوريا ودول محور المقاومة في «القارب نفسه» وعلى «الجبهة نفسها» يقاتلون إسرائيل، وإن «التعاون المشترك» سيجعلهم أقوى في مواجهة «المحور المتغطرس»، وفق ما أفادت به وسائل إعلام إيرانية قالت إن وزير الدفاع السوري هنأ، في اتصال هاتفي اليوم الأحد، نظيره الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بتعيينه وزيراً للدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.

وفي حين لم تشر وسائل الإعلام السورية الرسمية إلى خبر الاتصال بين الوزيرين حتى إعداد هذا التقرير، فقد أفادت وكالة «مهر» الإيرانية بأن الوزير الإيراني أكد دعم بلاده «إرساء الأمن واحترام وحدة الأراضي السورية»، مشيراً إلى القواسم المشتركة بين البلدين، لا سيما دعم سوريا محور المقاومة، لافتاً إلى أنه «يجب تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين؛ بما في ذلك نتائج زيارتكم إلى طهران».

اللجنة الاقتصادية المشتركة السورية - الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي (سانا)

يُذكر أن وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، زار طهران في مارس (آذار) الماضي في ظل ازدياد احتمالات توسع الحرب مع إسرائيل وتصعيد الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي تستهدف القوات الموالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله».

وعلق الوزير الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، على نتائج الزيارة الماضية من وزير الدفاع السوري إلى طهران، بالقول: «سوف يتوسع التعاون بسرعة أكبر».

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

كما عبر الوزير الإيراني عن أسفه لعدم رؤية بلاده «أي رد فعل مناسب من المجتمع الدولي تجاه جرائم الكيان الصهيوني»، مشدداً على أنه يجب أن يستمر التعاون بين إيران وسوريا، وأن هذا «التعاون سيؤدي حتماً إلى هزيمة الكيان الصهيوني».

ونقلت «مهر» عن وزير الدفاع السوري تطلعه إلى استمرارية العلاقات بإيران، وبذل القوات المسلحة في البلدين «مزيداً من الجهود بما يتماشى مع أهداف البلدين». وقال: «نحن معكم، وعلى الجبهة نفسها. إن أمن البلدين واحد»، وإن «محور المقاومة في القارب نفسه، ويقاتلون كيان الاحتلال الذي ارتكب كثيراً من الجرائم ضد الإنسانية في غزة وسوريا واليمن». وشدد على أن التعاون المشترك «سيجعلنا أقوى في مواجهة هذا المحور المتغطرس» متمنياً تطوير هذا التعاون والاتفاقيات، والاستمرار على «هذا المنوال في مواجهة قوى الشر» وفق «مهر».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

الاتصال الهاتفي بين وزيرَي الدفاع الإيراني والسوري، جاء بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن «موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا»، مؤكّداً أنّ «اجتماعاً جديداً سيُعقد في المستقبل القريب».

ورأت مصادر متابعة في دمشق أن «طهران، ومع كل تطور إيجابي تحققه موسكو فيما يخص ملف التقارب السوري ـ التركي، تبعث برسائل تؤكد نفوذها في سوريا، وتذكّر الجانب السوري بـ(وجوب تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتسديد الديون المستحقة عليه)، في نوع من الضغوط على دمشق حتى لا تمضي في ملف التقارب بعيداً عن المصالح الإيرانية».

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين المُوالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن ضغوطاً قوية تمارَس على دمشق من الحليفين: الروسي؛ للدفع باتجاه التقارب مع تركيا، والإيراني؛ للتريث واستثمار هذا الملف في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة؛ لا سيما مع الجانب الأميركي.

ورجحت المصادر تصدير دمشق موقفين لحليفيها: الأول إظهار التجاوب مع مساعي موسكو وبث رسائل إيجابية تجاه التقارب مع تركيا، والموقف الثاني يهادن الضغوط الإيرانية ويظهر التمسك بثبات الموقف من «محور المقاومة» والالتزام بسياساته، وإظهار التريث تجاه التقارب مع تركيا.

ولفتت المصادر إلى ما سبق أن تناولته وسائل إعلام عربية عن «زيارة سرية من رئيس الأركان السوري، العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، إلى إيران دون إبلاغ الرئيس بشار الأسد، وذلك في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الماضي. ورغم خطورة تلك المعلومات، فإنه لم يصدر رد فعل من دمشق؛ بل جرى تجاهلها تماماً. وهذا يضعنا أمام احتمالين: إما وجود انقسام داخل القيادة في سوريا، وإما هي (عملية توزيع أدوار، وتصدير مواقف عدة للتحايل على ضغوط الحليفين)».

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً