نزاعات تعصف بالفصائل المسلحة المتحالفة مع تركيا... وتساؤلات حول مصير «هيئة تحرير الشام»

نتيجة خلافات «مناطقية» وكشف خلايا استخباراتية مرتبطة بروسيا و«التحالف الدولي»

أرشيفية متداولة على مواقع التواصل للجولاني (يمين) مع أبو أحمد زكور وأبو ماريا الجبوري (يسار)
أرشيفية متداولة على مواقع التواصل للجولاني (يمين) مع أبو أحمد زكور وأبو ماريا الجبوري (يسار)
TT

نزاعات تعصف بالفصائل المسلحة المتحالفة مع تركيا... وتساؤلات حول مصير «هيئة تحرير الشام»

أرشيفية متداولة على مواقع التواصل للجولاني (يمين) مع أبو أحمد زكور وأبو ماريا الجبوري (يسار)
أرشيفية متداولة على مواقع التواصل للجولاني (يمين) مع أبو أحمد زكور وأبو ماريا الجبوري (يسار)

لم يكن الهجوم الذي شنته مجموعات عسكرية تابعة لـ«هيئة تحرير الشام» على منطقة نفوذ أحد أبرز قادة «الهيئة»، فجر الأربعاء، مفاجئاً؛ إذ تعصف بالفصيل، الذي يسيطر على معظم محافظة إدلب، خلافات حادة منذ أغسطس (آب) 2023، وهو ما يعانيه أيضاً «الجيش الوطني» المتحالف مع تركيا، الذي كشف مسؤولون فيه عملية إعادة هيكلة واسعة تُجرى داخله بدعم من أنقرة. وشهدت بلدة رأس الحصن في ريف محافظة إدلب، اقتحاماً واسعاً شنته مجموعات متحالفة مع «هيئة تحرير الشام» يقودها حسن صوفان، القيادي في «حركة أحرار الشام»، بهدف تقويض نفوذ المسؤول المالي في «الهيئة» جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، الذي يتخذ من البلدة التي تعرضت للهجوم معقلاً له، لتسيطر القوات المهاجمة عليها دون وقوع اشتباكات.

وجاء الاقتحام تتويجاً لخلافات عاصفة تشهدها «الهيئة» طفت على السطح قبل 4 أشهر، مع الإعلان عن كشف خلايا استخباراتية داخلها؛ بعضها مرتبط بروسيا وأخرى على علاقة مع قوات «التحالف الدولي»، واتهام القيادي العراقي فيها «أبو ماريا الجبوري» بالتواصل مع جهات خارجية دون علم قيادة «الهيئة».

وبينما أقرت قيادة التنظيم بالاختراق وأعلنت القبض على نحو 400 من كوادرها بينهم قياديون، كشفت مصادر خاصة عن أن الفريق المهيمن داخل التنظيم تعمد الزج باسم «الجبوري» للتخلص منه، بسبب صراع ذي طابع مناطقي على السلطة.

3 كتل رئيسية

منذ إعلانها الانفصال عن تنظيم «القاعدة» عام 2016، باتت مراكز النفوذ داخل «هيئة تحرير الشام» تنقسم بين 3 كتل رئيسية، هي: «كتلة إدلب» المؤيدة لزعيم التنظيم أبو محمد الجولاني، و«كتلة الشرقية» التي تتكون من عناصر أغلبهم منحدرون من محافظتي دير الزور والحسكة (شرق وشمال شرقي سوريا)، ويتبعون العراقي «أبو ماريا الجبوري - المشهور بأبو ماريا القحطاني»، بالإضافة إلى «كتلة حلب» ويقودها «أبو أحمد زكور».

عناصر من «هيئة تحرير الشام» في إحدى مناطق شمال غربي سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وبعد اعتقال «الجبوري» في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلنت «كتلة حلب» بشكل غير مباشر وقوفها إلى جانبه، حيث نشر زعيمها تغريدات على منصة «إكس (تويتر سابقاً)»، أكد فيها أن الجبوري بريء من التهم التي توجه إليه، بينما التزم قادة «كتلة الشرقية» الصمت. ومنذ ذلك الوقت تتسرب أخبار عن تفاقم الخلافات داخل «تحرير الشام» بسبب إصرار «كتلة إدلب»، التي يهيمن عليها قادة نافذون ينحدر معظمهم من بلدة بنش، ويسيطرون على المفاصل الأمنية والاقتصادية في التنظيم، على إنهاء نفوذ كل من «أبو ماريا» و «أبو أحمد زكور».

تدخل الجولاني

مصادر خاصة كشفت لـ«الشرق الأوسط» عن أنه ومنذ ذلك الوقت، حاول زعيم «الهيئة» أبو محمد الجولاني احتواء الموقف حفاظاً على استمرار كتلتي «الشرقية» و«حلب» في التنظيم، لكن جهوده فشلت، لينحاز في النهاية وكما هو متوقع إلى جانب «كتلة إدلب»، صاحبة النفوذ والتأثير الأكبر في التنظيم حالياً. وانتهى الأمر بالإيعاز للمجموعات المتحالفة معه من «حركة أحرار الشام» باقتحام بلدة رأس الحصن التابعة لبلدة حارم على الحدود مع تركيا يوم الثلاثاء.

فرار المسؤول المالي

وأضافت المصادر أن «زكور» لم يكن موجوداً في البلدة عندما جرى اقتحامها، وأنه فر قبل ذلك مع مجموعة من قادة الكتلة ونحو مائتي عنصر إلى ريف حلب الشمالي، حيث يحظى بعلاقات قوية مع بعض المجموعات المسلحة المحلية التي كان يعمل على استقطابها لتنضم إلى «الهيئة».

وعلى مدار أكثر من عام، نجح الأخير في إقناع فصائل صغيرة تابعة لـ«الجيش الوطني»، بالانشقاق عن الفيالق الثلاثة التي يتكون منها «الجيش»؛ أبرزها تلك التي شكلت «تجمع الشهباء» الذي رفضت قيادة «الوطني» انضمامه، بتعليمات من تركيا «التي تدعم مساعي وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة المعارضة، لإعادة هيكلة (الجيش الوطني)»؛ كما يقول هشام اسكيف القيادي في «الجيش الوطني» في تصريحات لـ«الشرق الأوسط».

تعليق اسكيف جاء تعقيباً على إعلان «أبو عيسى الشيخ» قائد «لواء صقور الشام» يوم الجمعة، انسحاب «اللواء» من «الجبهة الوطنية للتحرير» إحدى تشكيلات «الجيش الوطني»؛ مما أدى إلى انقسامات داخله أيضاً. وأعلن «الشيخ» في بيان مكتوب، الاتجاه للعمل بصفة فصيل مستقل «بعد كثرة التجاوزات في (الجبهة)، إضافة إلى الاستبداد بالقرارات وتجاهل آراء المكونات، وعدم المشاورة وقبول النصائح، مما يجعل ضرر البقاء في (الجبهة) أكبر من نفعه» وفق البيان.

لكن مصادر خاصة كشفت لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «الشيخ» عقد اتفاقاً مع «هيئة تحرير الشام» ليكون تابعاً لها ويحصل على التمويل والإمدادات منها، دون إعلان التبعية الرسمية للتنظيم، على غرار مجموعات «أحرار الشام» و«تجمع الشهباء» التي غادرت مؤسسة «الجيش الوطني» المكون من 3 فيالق رئيسية، بالإضافة إلى «الجبهة الوطنية للتحرير».

وفور صدور بيان قائد «لواء صقور الشام»، أعلنت مجموعة من الفصيل بقيادة «عبد الجبار أبو أحمد» انشقاقها عنه وبقاءها في صفوف «الجيش الوطني» تحت اسم «صقور الشام - الفرقة 40». ووفق المصادر، فإن خلافات دارت داخل «اللواء» منذ أشهر أيضاً، بسبب هيمنة القادة المنحدرين من بلدة سرجة على القرار فيه، ونيتهم الذهاب باتجاه «تحرير الشام».

إصلاح المؤسسة

الموقف من «الهيئة»؛ المصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، وكذلك البعد المناطقي، محددان رئيسيان في إذكاء الخلافات داخل الفصائل العسكرية السورية المتحالفة مع تركيا، والتي بلغت ذروتها أخيراً، مما جعل قيادة «الجيش الوطني» تتحرك لـ«إصلاح المؤسسة» كما يقول هشام اسكيف. ويضيف: «منذ أشهر يتم العمل على إعادة هيكلة (الجيش الوطني) وفق أسس جديدة تقطع مع المرحلة الماضية، وفي مقدمتها الانتقال من فكر الزعامات التقليدية والمناطقية داخل الفصائل، إلى فكر القيادة والبنية المؤسساتية؛ الأمر الذي لا يتناسب وعقلية أو مصالح بعض القادة الذين عمل بعضهم على مقاومة التغيير وإعاقته، بينما لم يتردد البعض الآخر في الانسحاب، وهؤلاء المنشقون أغلبهم كان على تنسيق مسبق مع قيادة (هيئة تحرير الشام)».

القائد العام لـ«الفيلق الثالث» حسام ياسين (وسط قميص أزرق) مع قادة «الفيلق» في مايو الماضي (إكس)

دعم تركي للمأسسة

وحول موقف أنقرة من هذه الخطوة، قال اسكيف: «تركيا تدعم بقوة هذه المساعي، وهناك تفاهم تام بين وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة (المعارضة) وبين أنقرة، من أجل الوصول إلى حالة مؤسساتية كاملة في (الجيش الوطني)، وتحقيق التماهي الفكري والعسكري داخله وفق الاعتبارات الثورية والمهنية».

وفي هذا السياق؛ علمت «الشرق الأوسط» أن «الفيلق الثالث» التابع لـ«الجيش الوطني» بصدد اختيار قائد جديد له، وأن المنافسة تدور بين 4 مرشحين لخلافة القائد الحالي حسام ياسين؛ أبرزهم عزام الغريب (أبو العز سراقب) الذي يقود فصيل «الجبهة الشامية»؛ أكبر مكونات «الفيلق»، وعلى هذا الأساس يرى نفسه صاحب الأحقية في تسلم منصب قائد الفيلق كما جرت العادة، مما تسبب في خلافات، يرى هشام اسكيف أنها «طبيعية وبحدود العادي»، مؤكداً أن «التنافس سيحسمه (مجلس قيادة الفيلق) من خلال انتخابات ستجرى في وقت قريب».

ختاماً؛ تتباين التقديرات حول النتائج التي ستترتب على الخلافات التي عادت لتهيمن على المشهد فيما يخص الفصائل العسكرية السورية المتحالفة مع تركيا، وكذلك «هيئة تحرير الشام». فبينما يرى البعض أنها ستفضي إلى تفكك هذه الفصائل في النهاية، يرجح متابعون لملف الفصائل أن بعض الجماعات ستنتهي بالفعل لمصلحة زيادة حجم وقوة الفصائل الرئيسية، وفي مقدمتها «هيئة تحرير الشام» التي لا يبدو أن الانشقاق الأخير عنها سيؤثر عليها في المدى المنظور، خصوصاً مع المكاسب التي تحققها بزيادة عدد المجموعات التي تنضم للقوى المتحالفة معها في «مناطق الجيش الوطني».


مقالات ذات صلة

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جولة سابقة لاجتماعات آستانة في كازاخستان (أرشيفية)

اجتماعات تركية - روسية للتهدئة بمنطقة «بوتين - إردوغان»

عقد الجانبان التركي والروسي اجتماعاً في إدلب قبل أيام من الجولة 22 لمسار آستانة للحل السياسي في سوريا، التي من المقرر أن تعقد الاثنين في عاصمة كازاخستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية عناصر من قسد والقوات الأميركية في شمال شرقي سوريا (أرشيفية)

تركيا تواصل التصعيد شمال سوريا وأميركا تؤيد مخاوفها الأمنية

تعرضت قاعدتان عسكريتان تركيتان في شمال وشرق سوريا لقصف من جانب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات السورية، فيما أيدت واشنطن حق تركيا في حماية أمنها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية قصف تركي على مواقع «قسد» في شرق سوريا (أ.ف.ب)

مباحثات تركية - أميركية على خلفية التصعيد في شمال سوريا ضد «قسد»

بحث وزير الدفاع التركي يشار غولر، مع نظيره الأميركي لويد جيمس أوستن، قضايا الدفاع والأمن، والتطورات الأخيرة في المنطقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الجيش السوري صعّد من قصفه على مواقع «هيئة تحرير الشام» في شمال غربي البلاد (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

القوات السورية تقصف محيط نقطة تركية... وقتلى بالمواجهات مع «تحرير الشام»

تصاعد التوتر بشدة في مناطق خفض التصعيد بشمال غربي سوريا، في ظل استعدادات «هيئة تحرير الشام» للهجوم على القوات السورية في حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

قال ستيفان دوغاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، يوم الاثنين، إن المنظمة الدولية تشعر بالقلق إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين «حزب الله» اللبناني والجيش الإسرائيلي، والهجمات التي تعرض لها الجيش اللبناني.

ونقل موقع الأمم المتحدة عن دوغاريك قوله «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) تشعر بقلق بالغ إزاء الضربات العديدة التي تعرضت لها القوات المسلحة اللبنانية على الرغم من إعلان عدم مشاركتها في الأعمال القتالية»، مشيراً إلى أن القوات المسلحة اللبنانية أعلنت عن مقتل 45 جندياً على الأقل في هجمات وقعت مؤخراً.

وأضاف دوغاريك أن الهجمات التي تستهدف القوات المسلحة اللبنانية «تشكل انتهاكاً صارخاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701، وكذلك القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر استهداف الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية».

وقال المتحدث إن الأمم المتحدة لا تزال «تشعر بقلق عميق إزاء تصعيد الأعمال العدائية والدمار الواسع النطاق والخسائر في الأرواح عبر (الخط الأزرق) الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل».

وتابع قائلاً «نحث جميع أطراف الصراع على حل خلافاتهم من خلال المفاوضات، وليس من خلال العنف».

واتسع نطاق الحرب الإسرائيلية ليشمل لبنان في سبتمبر (أيلول) بهدف القضاء على «حزب الله» الذي كان يشن هجمات على إسرائيل منذ العام الماضي دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة.

وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف في لبنان حتى الآن.وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية ولبنانية خلال الساعات الماضية عن قرب الاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».