في أعقاب الاعتراف الرسمي للجيش الإسرائيلي، صبيحة الأربعاء، بأنه فقد 10 جنود بينهم ضابط برتبة عقيد وقادة كتائب بينهم من لواء «غولاني»، تسعة منهم قُتلوا في كمين لمقاتلي «حماس» في حي الشجاعية شمال قطاع غزة، خرج أفراد عائلات الأسرى الإسرائيليين بنداء استغاثة يطالبون فيه بوقف الحرب تماماً والجنوح إلى مفاوضات لإطلاق سراح الأبناء.
ويرى هؤلاء، أنه في ظل استمرار المعارك مع سقوط أعداد كبيرة من الجنود (444 قتيلاً منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ونحو 10 آلاف جريح)، يزداد الخطر من إصرار الجيش على مواصلة الحرب وجعل قضية الأسرى والرهائن هامشية والتسبب بالتالي في قتل هؤلاء الأسرى أو معظمهم.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أن معارك دارت في حي الشجاعية عند الساعة الرابعة من بعد ظهر الثلاثاء، استمرت نحو 3 ساعات، وذلك بعد أن أصيب عدد من الجنود في مبنى مهدوم إثر تعرضهم لإطلاق نار وقنابل، وفي أعقاب ذلك أعلن عن فقدان الاتصال بهم وسادت خشية في الجيش من أسرهم. فقام الجيش بالدفع بثلاثة قادة مسؤولين عن كتائب عدة لقواته بالإضافة إلى جنود آخرين نحو مكان المعارك؛ خشية تعرض الجنود للأسر، وقد برر الجيش دفعه لثلاثة قادة برتب عالية بين الجنود من أجل «منع وقوع حوادث من نيران صديقة وتنظيم القوات في الميدان». ويستدل من التفاصيل، أن اثنين من الضباط قُتلا من جراء تعرضهما لإطلاق نار وشظايا، بينما قُتل جندي خلال محاولة دخوله إلى المبنى إثر انفجار عبوة خلال محاولة تفجير الباب، وآخر قُتل من جراء إلقاء عبوات وإطلاق نار من المبنى، وفي أعقاب ذلك دخل جنود من «غولاني» إلى المبنى بعد خرق الجدار بواسطة صاروخ والعثور على جثث 4 جنود داخله.
وأفاد المراسل العسكري في الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، بأن قوة قتالية تابعة للواء «غولاني»، خرجت، الثلاثاء، لتفتيش المباني في منطقة القصبة في حي الشجاعية الذي يعدّ منطقة كثيفة بالسكان. فوقعت في كمين لمقاتلين من «حماس»، حيث تعرضت القوة إلى إطلاق نار ومن ثم تفجير ألغام عدة فيها، فرد الجنود بإطلاق النار بشكل كثيف. وفي أثناء محاولة السيطرة على المواقع، انقسمت القوة إلى قسمين، وخلال عملية الإنقاذ وصلت قوة أخرى دخلت المبنى من أجل إخلاء القتلى والمصابين، ففتح عناصر «كتائب القسام» النار نحو قوة الإخلاء فوقع أفرادها بين قتيل وجريح.
وبعد الحادث جرى استدعاء المساعدة الجوية لإنقاذ وإخلاء القتلى والجرحى. وقال الجيش الإسرائيلي إنه يقوم بفحص ما إذا كانت هناك فتحة نفق في مكان الكمين أيضاً.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية المعارك البرية في قطاع غزة يوم 27 أكتوبر الماضي، قُتل 115 عسكرياً إسرائيلياً، بحسب اعتراف المتحدث العسكري باسم الجيش. لكن عملية يوم الثلاثاء أوقعت أكبر عدد من الإصابات في يوم واحد.
وقد جاء الإعلان عن هذه العملية في وقت كان فيه أفراد عائلات الأسرى الإسرائيليين ينتقلون من مقر رئاسة الحكومة، التي أمضوا ليلتهم في خيام اعتصام فيها، إلى الكنيست (البرلمان)، حيث التقوا نواباً من كل الأحزاب، مطالبين بدعمهم مطلب وقف الحرب. وقال ليئور بيري، الذي يقبع والده ابن الثمانين من العمر، والمريض بالقلب، في أسر «حماس»: «بعد الكشف عن قصة العملية التي تم خلالها خطف جثمانَين لجندي وجندية إسرائيليين من غزة، وخلال العملية قُتل جنديان إسرائيليان وجُرح آخرون، وبعد العملية التي فقدنا فيها عشرة جنود بينهم كبار الضباط، أصبح واضحاً أن أولادنا في خطر جسيم. وأن هذه الحرب عبثية. لا جدوى منها على الإطلاق».
وهاجم بيري رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وكذلك قادة الجيش وبقية الأجهزة الأمنية الذين يؤيدون استمرار الحرب. فقال: «نحن لم نعد نتهم نتنياهو. فهذا رجل فاسد لا أمل يرجى منه. إننا نتهم الجنرالات. هؤلاء القادة الذين ناموا في الحراسة، فأتاحوا خطف نحو 240 إسرائيلياً، ما زالوا يعملون من خلال غرائز الثأر والانتقام. غرورهم يقتلهم ويقتلنا. يصرّون على تحرير الأسرى بالقوة. بدلاً من إنقاذ أبنائنا من الموت في الأسر، يتسببون في قتل مزيد من الجنود ويهددون بذلك بقتل أولادنا الأسرى. هذه الحرب جنونية ولا تأتي بالخير لأحد منا. نحن لا نعترض على تصفية (حماس). فهؤلاء حثالات يجب التخلص منهم. ولكن ليس الآن. وليس بهذه الطريقة من القتال. الآن يجب أن نوقف كل شيء. يجب فقط إطلاق سراح الأسرى».
وقالت عيناف موزس، التي يقبع والد زوجها الأسير لدى «حماس» والبالغ من العمر 79 عاماً: «الإخفاق الأول كان في 7 أكتوبر. الإخفاق الثاني أكبر وأخطر ينفذ اليوم بمشاركة كل القيادات السياسية والعسكرية. هذه القيادات تستخدم لغة القوة بشكل جنوني مخيف لنا نحن أيضاً وليس فقط للفلسطينيين. إنهم يوصلوننا إلى وضع تكون فيه أي نتيجة (عبارة عن) خسارة. أي نتيجة. فإذا انتصرنا على (حماس) سنخسر أولادنا. وإذا لم ننتصر سنخسر أولادنا. تعالوا نفكر كيف نربح أولادنا. لدينا 139 أسيراً يموتون من البرد ومن الأنفاق ومن الخوف ومن الأمراض. وبدلاً من وقف النار وحقن الدماء وفتح الفرصة لتحرير الأسرى، يديرون حرباً لمزيد من الموت. من جهتهم، يمكن أن يموت الأسرى، ويصبح الثمن أرخص. هذه عقلية مريضة تستحكم في قيادتنا السياسية والعسكرية على السواء. إن لم نوقفها ستقضي علينا». وأضافت: «يقولون لنا بوقاحة إنهم يعرفون (حماس) ويعرفون كيف يتخلصون منها. هذا استهبال لنا. فقد سبق وقالوا إنهم يعرفونها وكانت النتيجة واضحة في 7 أكتوبر. احتفظوا بما تعرفون وحررونا من معرفتكم هذه بوقف الحرب».
ووجهت عيناف تسنغاوكر كلامها إلى نتنياهو شخصياً، وهي والدة الأسير الشاب متان (24 عاماً)، فقالت: «أنت فاشل. فشلت في حماية ابني متان. فشلت في حمايته من أضعف أعدائنا، (حماس). أهدرت دماء 1200 إسرائيلي وعليك، وفقط عليك، تقع مسؤولية إعادة أبنائنا. أقصد إعادتهم أحياء وليس في توابيت».