إسرائيل تستهدف القوات الدولية والجيش اللبناني بـ«رسائل نارية»

تحسباً لتهديدها بتوسيع الحرب لتشمل جنوب الليطاني

TT

إسرائيل تستهدف القوات الدولية والجيش اللبناني بـ«رسائل نارية»

جنود من «يونيفيل» بآلياتهم عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في نهاية نوفمبر الماضي (رويترز)
جنود من «يونيفيل» بآلياتهم عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في نهاية نوفمبر الماضي (رويترز)

إصرار إسرائيل على استهداف القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) ووحدات الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني، لم يكن عن طريق الخطأ وإنما عن سابق تصور وتصميم، كما يقول مصدر سياسي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط»؛ فإسرائيل تتوخى من خلال اعتداءاتها المتكررة تمرير رسالتين ناريّتين:

الأولى إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على خلفية استخدامه المادة 99 التي تقع من ضمن صلاحياته، وتحذيره من الخطر على السلم الأهلي انطلاقاً من التداعيات المترتبة على مواصلة إسرائيل حربها على قطاع غزة، وتمدُّد آثارها إلى تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر في ضوء منع السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي، أو تعود ملكيتها لرجال أعمال إسرائيليين من قبل الحوثيين، إضافة إلى القصف الذي يستهدف القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق.

استهداف إسرائيل للقوات الدولية العاملة في جنوب الليطاني، التي تتولى مؤازرة وحدات الجيش اللبناني المنتشرة فيها لتطبيق القرار الدولي 1701، يأتي متلازماً مع الحملات الإسرائيلية ضد الأمين العام للأمم المتحدة بتهمة انحيازه إلى جانب حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية في تصدّيها للحرب التي تخوضها إسرائيل ضد قطاع غزة، خصوصاً أنها تتلازم مع تبدُّل المواقف الدولية التي كانت بمعظمها تقف إلى جانبها احتجاجاً على اجتياح «حماس» المستوطنات الواقعة في غلاف غزة لتعيد النظر في تعاطفها معها لما ألحقته إسرائيل من تدمير للحجر والبشر من دون مراعاتها القوانين الإنسانية الدولية.



ويبقى تبدُّل الموقف الدولي في الأمم المتحدة حيال إسرائيل أكبر شاهد على تعطيلها الجهود الرامية إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ولم يبق معها حسب المصدر السياسي البارز، في الميدان سوى الولايات المتحدة الأميركية باستخدامها حق النقض الـ«فيتو» الذي حال دون صدور القرار، بينما أيّدته فرنسا، وامتنعت بريطانيا عن التصويت.

أما الرسالة الثانية فهي إلى قيادة الجيش اللبناني عبر استهدافها مراكزه، سواء أكانت صحية أم خدماتية أم عسكرية، ما أدى إلى استشهاد عريف وجرح 4 عسكريين، فرسائل إسرائيل هنا متعددة الأهداف، ولا تتعلق بتوجيه تهمة مزدوجة لوحدات الجيش بالتواطؤ مع «يونيفيل» بغض النظر عن قيام «حزب الله»، ومعه بعض الفصائل الفلسطينية المنتمية إلى محور الممانعة، بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في شمال فلسطين المحتلة على امتداد الحدود اللبنانية على مقربة من أماكن وجودهما وانتشارهما في جنوب الليطاني من دون أن يحركا ساكناً لمنع جميع هؤلاء من التلطي خلفهما أثناء قيامهم بإطلاق الصواريخ.

وإسرائيل، كما يقول المصدر اللبناني، تضغط من خلال استهدافها وحدات الجيش اللبناني لسحبها من جنوب الليطاني، تحسُّباً لقيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمغامرة عسكرية تبقى محصورة فيها لإخراج «حزب الله» منها، من دون أن تصطدم بهذه الوحدات لأنها ستضطر للدفاع عن النفس لمنعها من التمدد إلى هذه المنطقة، خصوصاً أن اشتباكها مع الجيش اللبناني سيكون له صداه على الصعيدين العربي والدولي.

لذلك، فإن استهداف إسرائيل للجيش اللبناني ومعه «يونيفيل» سيرتدّ عليها، ما داما لن يبدّلا في خريطة تموضعهما وانتشارهما في جنوب الليطاني، خصوصاً أنه ليس لدى الدول المشاركة في «يونيفيل» ومعها الجيش اللبناني نية للانسحاب من المنطقة أو تقليص عددها، مع أن الموفدين الأوروبيين إلى لبنان ينصحون بعدم الانزلاق نحو تمدُّد الحرب من غزة إلى الجبهة الشمالية، ويحذّرون من جنون نتنياهو في أي لحظة لاستدراج لبنان إلى حرب.

وفي هذا السياق، يؤكد المصدر السياسي أن جميع هؤلاء الموفدين الذين يتنقلون ما بين بيروت وتل أبيب لا يحملون في جعبتهم تهديدات إسرائيلية للبنان، بمقدار ما أنهم ينصحون بضرورة ضبط النفس وأخذ الحيطة، استناداً إلى ما سمعوه من حكومة الحرب الإسرائيلية من تحذيرات هي أقرب إلى التهديد.

ويلفت إلى أن الموفدين لا يأتون، في لقاءاتهم مع أركان الدولة اللبنانية، وأحياناً بقيادة «حزب الله»، لا من قريب أو بعيد على ذكر ما يوحي بأنهم يقفون إلى جانب تعديل القرار 1701، لا بل يؤكدون ضرورة الالتزام بتطبيقه، وهم يلتقون في دعواتهم مع إصرار لبنان الرسمي على تطبيقه.

ويكشف المصدر السياسي أن إصرار جميع الموفدين على التقيُّد بكل مضامين القرار 1701 لا يعني من وجهة نظره أن الطريق سالكة سياسياً لتطبيقه مع تصاعد وتيرة المواجهة العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل على طول الجبهة الشمالية التي تدفع باتجاه خرق قواعد الاشتباك من دون أن تؤدي حتى اللحظة إلى تعديلها، ما دامت لم تخرج عن السيطرة.

ويرى أن الدخول الجدّي لوضع تطبيق القرار 1701 على نار حامية لم يحن أوانه حتى الساعة، لأن واشنطن تربط تنفيذه بانتهاء الحرب على جبهة غزة، وهذا ما يفسّر عدم قيام المستشار الرئاسي الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوغشتين بأي جهد يُذكر لإعادة تحريك تطبيقه، وهو ينتظر ما ستؤول إليه هذه الحرب ليقرر التدخُّل على نطاق واسع، رغم أنه كان قد أبدى استعداده في لقاءاته السابقة بكبار المسؤولين اللبنانيين للقيام بوساطة بين بيروت وتل أبيب استكمالاً لوساطته التي أدت إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، آخذاً في الاعتبار ضرورة تحديد الحدود اللبنانية الإسرائيلية بما يدفع باتجاه شق الطريق أمام وضع القرار 1701 موضع التنفيذ.

وعليه، فإن لبنان، وفق المصدر السياسي، علم بالرسالة النارية التي أوصلتها إسرائيل إليه، أسوة برسالتها إلى الأمم المتحدة، احتجاجاً على الدور الريادي لأمينها العام الذي كان وراء إحداث تغيير في الرأي العام العالمي ولدى غالبية الدول الغربية والأفريقية، وتعاطت معه تل أبيب على أنه كان وراء التحريض عليها، وأسهم في تأطير غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمصلحة الانحياز لتحقيق وقف شامل للنار في غزة لأسباب إنسانية، أرفقه باستخدامه المادة 99، محذّراً وللمرة الأولى من الخطر الذي يهدد السّلم العالمي.


مقالات ذات صلة

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

بعد أنباء استهدافه في بيروت... مَن هو طلال حمية الملقب بـ«الشبح»؟

صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية
صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية
TT

بعد أنباء استهدافه في بيروت... مَن هو طلال حمية الملقب بـ«الشبح»؟

صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية
صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هدف الغارات العنيفة على منطقة البسطة في قلب بيروت فجر اليوم (السبت)، كان طلال حمية القيادي الكبير في «حزب الله».

ونقل إعلام إسرائيلي أن «حزب الله» عيّن طلال حمية رئيساً للعمليات خلفاً لإبراهيم عقيل الذي اغتالته إسرائيل في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وكان برنامج «مكافآت من أجل العدالة» الأميركي رصد مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني.

وقال البرنامج إن طلال حمية يُعد رئيس منظمة الأمن الخارجي التابعة لـ«حزب الله» التي تتبعها خلايا منظمة في جميع أنحاء العالم.

وبحسب البرنامج، تشكل منظمة الأمن الخارجي أحد عناصر «حزب الله» المسؤولة عن تخطيط الهجمات الإرهابية خارج لبنان وتنسيقها وتنفيذها.

مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل معلومات عن طلال حيدر الملقب بـ«الشبح»

وفي 13 سبتمبر 2012، صنَّفت وزارة الخزانة الأميركية حمية بشكل خاص كإرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي «13224» بصيغته المعدلة على خلفية دعم أنشطة «حزب الله» الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وفي مختلف أنحاء العالم.

ونتيجة لهذا التصنيف تم حظر جميع ممتلكات حمية، والفوائد العائدة عليها التي تخضع للولاية القضائية الأميركية، وتم منع الأميركيين بوجه عام من إجراء أي معاملات مع حمية.

أبو جعفر «الشبح»

يعد طلال حمية المُكنّى بـ«أبو جعفر» والذي يبلغ من العمر نحو 50 عاماً، القائد التنفيذي للوحدة «910»، وهي وحدة العمليات الخارجية التابعة لـ«حزب الله»، والمسؤولة عن تنفيذ عمليات الحزب خارج الأراضي اللبنانية.

وهو القائد التنفيذي الحالي للوحدة، ومُلقَّب بـ«الشبح» من قِبل القيادات العسكرية الإسرائيلية لعدم وجود أي أوراق ثبوتية رسمية له في لبنان، ولابتعاده تماماً عن الحياة الاجتماعية والظهور العلني، واتباعه بصرامة الاحتياطات الأمنية المشددة لحظياً.

ويُدير حميّة الوحدة في منصب شغله قيادي «حزب الله» الأشهر عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق عام 2008، كما يحمل عدّة أسماء مستعارة من بينها طلال حسني وعصمت ميزاراني.

طلال حمية خليفة بدر الدين

وقد خلف طلال حمية قائد الوحدة السابق مصطفى بدر الدين، صهر مغنية وخليفته والذي قُتل أيضاً في سوريا عام 2016.

وينحدر طلال حمية من منطقة بعلبك الهرمل، وقد عمل إلى جانب كلٍّ من بدر الدين ومُغنية ووزير الدفاع الإيراني السابق أحمد وحيدي، كما كان وفق معلومات «الموساد» مسؤولاً عن نقل ترسانة «حزب الله» عبر سوريا.

بدأ نشاطه مع «حزب الله» في منتصف الثمانينات، وكانت انطلاقته الأولى كمسؤول أمني في الحزب من برج البراجنة، حيث كان المسؤول عن العديد من العناصر التي أصبحت فيما بعد من أهم القيادات العملياتية في الحزب، كما كان حميّة نائب مغنية في شبكة «الجهاد»، وهي وحدة البعثات الخاصة والهجمات الخارجية في «حزب الله».