مصلحة الجيش الإسرائيلي تلتقي ومصلحة اليمين في استئناف الحرب

ضباط تحدثوا عن نقل احتجاجهم إلى القدس إذا طُلب منهم الانسحاب من غزة

دمار عقب غارة إسرائيلية على خان يونس الجمعة (د.ب.أ)
دمار عقب غارة إسرائيلية على خان يونس الجمعة (د.ب.أ)
TT

مصلحة الجيش الإسرائيلي تلتقي ومصلحة اليمين في استئناف الحرب

دمار عقب غارة إسرائيلية على خان يونس الجمعة (د.ب.أ)
دمار عقب غارة إسرائيلية على خان يونس الجمعة (د.ب.أ)

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن القرار باستئناف الحرب على قطاع غزة، بكل قوة، جاء بضغط من الجيش الإسرائيلي، الذي يدرك أن عملياته في الجولة الأولى من المعارك طوال 45 يوماً، لم تحقق هدفه في استرداد هيبته التي فقدها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من جراء هجوم «حماس».

وقالت هذه المصادر إن القوات المحتشدة في القطاع، التي يزيد عددها على 20 ألفاً، صُدمت من التحدي الذي وضعه أمامها قادة «حماس». ووفق أحد الضالعين بما يجري في الجيش، فإنه «وعلى الرغم من أن (حماس) مُنيت بخسائر فادحة وأضرار جسيمة في شمال القطاع، وفقدت السيطرة المدنية هناك، لكنها أقدمت على خطوات استفزازية عدة تدل على أنها بعيدة جداً عن الهزيمة عسكرياً. وللدلالة على ذلك قامت بتسليم عدد من الأسرى الإسرائيليين لديها، مرتين في مناطق تقع في شمالي القطاع وفي قلب غزة، على بعد مئات الأمتار من المواقع التي احتلها الجيش الإسرائيلي، وتمترس فيها خلال الاجتياح البري». وأضاف: «يحيى السنوار (قائد «حماس» في قطاع غزة) قصد بذلك غرس إصبع في عينيْ إسرائيل ليقول لها إنه ما زال صاحب الكلمة في قطاع غزة».

يحيى السنوار زعيم «حماس» في قطاع غزة في صورة تعود إلى عام 2022 (رويترز)

وربط هؤلاء بين هذه التصرفات من السنوار وبين تنفيذ العملية المسلحة في القدس التي قُتل فيها 4 إسرائيليين (أحدهم بنيران صديقة) الخميس، وقالوا إن «(حماس) ردت بذلك على الموقف الإسرائيلي الذي يصر على تصفيتها، مؤكدة أن ذراعها طويلة وتتعدى حتى حدود القطاع».

ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية الأجواء بين ضباط الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة خلال فترة الهدن الصغيرة، التي استغرقت 8 أيام، فقالت إنها حالة غليان، فهم يشعرون بشيء من العجز، ويتهمون القيادة السياسية بتقييد حركتهم. وأعربوا عن خشيتهم من أن تكون «حماس» قد نجحت في ردع هذه القيادة عن مواصلة الحرب، وفرض إملاءات عليها كي تظهر إسرائيل ضعيفة كما كانت في السابع من أكتوبر، وهي الصورة التي يريد الجيش محوها من الذاكرة الإسرائيلية والإقليمية والعالمية. ولذلك هدد الضباط بتفجير الهدن من جانب واحد.

جنود إسرائيليون يتجهون إلى داخل قطاع غزة الجمعة بعد استئناف الحرب (إ.ب.أ)

ووفق أحد الجنرالات السابقين، فإن «اللواء الذي سيتلقى أمراً من الحكومة بالانسحاب من غزة، سيتوجه إلى القدس». وقصد بذلك التوجه إلى مكاتب الحكومة والقيام بانقلاب عسكري. ومع أن هذا يبدو بعيد الاحتمال في منظومة الحكم في إسرائيل، إلا أنه يوحي بشدة الغضب من احتمال إنهاء الحرب بنتائج هزيلة. ولذلك تبنت قيادة الجيش، ومعها القادة العسكريون في مجلس إدارة الحرب، وتحديداً وزير الدفاع يوآف غالانت ووزيرا الدولة بيني غانتس وغادي آيزنكوت، الموقف باستئناف الحرب. وبالإضافة إلى التصريحات العلنية بأن إسرائيل ستستأنف الحرب حتماً، وأن الجيش صادق على الخطط الحربية القادمة بالتفصيل، قام غالانت (الخميس) بنشر صور له وهو يزور مقر قيادة سلاح الجو الإسرائيلي «ليطلع على خططه الحربية في المرحلة المقبلة من القتال»، ويزور مصنع الدبابات التي جرى فيه تصليح دبابات المركبة التي تضررت في الحرب في قطاع غزة، وتستعد للعودة إلى هناك لأجل مواصلة الاجتياح البري للجنوب.

وقد التقت مصالح هؤلاء الجنرالات مع مصالح اليمين المتطرف في الحكومة، الذي كان يعارض أصلاً الهدنة مع «حماس». وانتظروا أول فرصة لإطلاق حمم النيران. وجاءت هذه الفرصة سهلة، عندما بادرت «حماس» في الساعة السادسة والنصف من صبيحة، الجمعة، أي قبيل انتهاء مدة الهدنة، بإطلاق بعض الصواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وفق ما أعلن الجيش الإسرائيلي. فانطلقت طائرات سلاح الجو بغارات على عدد كبير من المواقع في قطاع غزة، شمالاً وجنوباً، بينما أعلن أنه تلقى ضوءاً أخضر من الحكومة التي منحته يداً مطلقة لاستئناف الحرب، وأنه لن يوقف إطلاق النار قبل تحقيق أهدافه في تصفية «حماس».

قصف إسرائيلي على قطاع غزة الجمعة (رويترز)

وقالت مصادر سياسية إن الجيش أقنع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بقراره. وعلى الرغم من التحفظات التي يبديها الأميركيون إزاء استئناف الحرب وتأكيدهم أنهم يفضلون الاستمرار في الهدن، دلت التسريبات من لقاءات الوزير بلينكن وتصريحاته على أنه منح الضوء الأخضر لمواصلة التهديد باستئناف الحرب في سبيل ممارسة ضغوط جديد على السنوار. فإذا لم تنفع، ولم يحرر ما تبقى لديه من مخطوفين من النساء والأطفال الإسرائيليين، فإن الجيش يستطيع العودة إلى الحرب.

وقد تحدثت وسائل الإعلام العبرية عن خلافات ظهرت في اجتماعات بلينكن في إسرائيل، خصوصاً في اجتماعه مع مجلس قيادة الحرب، فهناك طلب أن يحدث تفضيل الهدن، وإن كان لا بد، فالحرب يجب أن تتخذ شكلاً آخر عما جرت عليه في المرحلة الأولى، بحيث لا يحدث تدمير الجزء الجنوبي من قطاع غزة، ولا يُمس المدنيون، ولا يُدفع المواطنون للهرب إلى سيناء، ولا تستغرق الحرب شهوراً.

البحث عن ضحايا وناجين بين ركام مبنى دمرته الغارات الإسرائيلية على خان يونس الجمعة (أ.ف.ب)

وقد أثار هذا التطور قلقاً عارماً لدى عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» واعتراضات كبيرة لدى عدد من الكتّاب في الصحافة العبرية. وكتب ناحوم بارنياع، في «يديعوت أحرونوت»، أن «القتال في وسط وجنوب القطاع سيكون أكثر تعقيداً مما في الشمال. وهذا سيحدث بينما قرابة مليوني مواطن يملأون الشوارع، بينما (حماس) أكثر تنظيماً وأكثر جاهزية للقتال، في أرض مدنية مكتظة. بشكل ما يدور الحديث عن خان يونس ومحيطها، قرب الخنادق التي يعمل منها السنوار ومحمد ضيف، قرب المخطوفين. إن التصفية السريعة لزعيمي «حماس» ستكون بشرى طيبة. هي لن تنهي قصة المخطوفين ولن تبيد (حماس) لكنها ستعطي القيادة السياسية وقيادة الجيش إنجازاً للتمسك به».

وتابع: «لهذا، فإنه في الحرب فُتح فصل جديد أكثر تعقيداً من ناحية عسكرية، محدود في الزمان والمكان. كما أن هذا هو فصل جديد وخطير في حياة ورفاهية المخطوفين. لا سبب للانشغال بالتخويف، يقول غالانت. لن نتمكن من الوصول إلى كل منطقة خان يونس، لكن سنفكك (حماس)».

ويستنتج بارنياع: «كل الأحاديث عن حرب حتى النصر، وإبادة (حماس)، وتصفية الإرهاب، هي كلام فارغ. (حماس) فكرة وحركة تاريخية: لا يمكن إبادة فكرة. الإرهاب هو ظاهرة: لا سبيل إلى تصفيتها بعملية عسكرية. أحد وزراء اليمين قال لي هذا الأسبوع: حتى لو خرج السنوار من الخندق بيدين مرفوعتين، وكل المخطوفين ساروا في صف واحد وراءه – فإن هذه الحرب لن تنتهي بالنصر».


مقالات ذات صلة

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

المشرق العربي مركبات «هامفي» تابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة والتي تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية في مرتفعات الجولان (أ.ف.ب)

سكان قرية سورية متروكون لمصير مجهول أمام قوات إسرائيلية متوغلة

في إحدى قرى محافظة القنيطرة، جنوب سوريا، يقف سكان وجهاً لوجه مع قوات إسرائيلية استغلت التغيير السياسي والميداني المتسارع في دمشق.

«الشرق الأوسط» (القنيطرة (سوريا))
المشرق العربي الرضيعة عائشة عدنان سفيان القصاص التي توفيت في غزة (المركز الفلسطيني للإعلام)

الشتاء يضرب غزة... ووفاة رضيعة بسبب البرد القارس

يضرب البرد القارس الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليونَي شخص، الذين نزحوا؛ بسبب الحرب الإسرائيلية، في حين توفيت رضيعة من البرد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي رجل أمام جثمان إحدى ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)

قصف إسرائيلي على مستشفى كمال عدوان... ومقتل 28 فلسطينياً في غزة

أفاد الدفاع المدني في غزة، اليوم (الأحد)، بأن 28 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء، قُتلوا في غارات عدة شنّها الطيران الحربي الإسرائيلي، ليل السبت الأحد، في قطاع غزة

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إسماعيل هنية ويحيى السنوار (لقطة من فيديو لـ«كتائب القسام»)

لأول مرة... «القسام» تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري

نشرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، (السبت)، فيديو يُظهِر عدداً من قادتها الراحلين لمصانع ومخارط تصنيع الصواريخ.

أحمد سمير يوسف (القاهرة)
المشرق العربي الشرطة الفلسطينية تفرق متظاهرين يحتجون على الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين في مدينة جنين... السبت (أ.ف.ب)

«السلطة» الفلسطينية تعمّق عمليتها في مخيم جنين: لا تراجع ولا تسويات 

بدأت السلطة الفلسطينية، قبل نحو أسبوعين، عمليةً واسعةً ضد مسلحين في مخيم جنين، في تحرك هو الأقوى منذ سنوات طويلة، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.

كفاح زبون (رام الله)

مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين في اشتباك بجنين

عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مخيم جنين (د.ب.أ)
عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مخيم جنين (د.ب.أ)
TT

مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين في اشتباك بجنين

عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مخيم جنين (د.ب.أ)
عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مخيم جنين (د.ب.أ)

أعلنت قوى الأمن الفلسطيني، الأحد، مقتل أحد عناصرها، وإصابة اثنين آخرين في إطلاق نار في جنين بشمال الضفة الغربية.

ونقلت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) عن الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب قوله: «تنعى قوى الأمن الفلسطيني أحد عناصرها الشهيد مساعد أول/ ساهر فاروق جمعة رحيل بالحرس الرئاسي، الذي ارتقى، صباح الأحد، أثناء أداء واجبه الوطني، إثر تعرضه وزملائه لإطلاق نار غادر من قبل الخارجين على القانون».

وأضاف: «قوى الأمن وهي تنعى شهيدها البطل، تؤكد أن هذه الجريمة النكراء لن تزيدها إلا إصراراً على ملاحقة الخارجين على القانون، وفرض سيادة القانون، حفاظاً على أمن وأمان شعبنا»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأهاب بجميع المواطنين «التعاون مع الأجهزة الأمنية في مواجهة هذه الفئة الضالة التي تعبث بأمن الوطن واستقراره»، مؤكداً أن «يد العدالة ستطول كل من تسوِّل له نفسه المساس بحياة أبناء شعبنا».

ونوه بأن «هذا الحادث المؤسف نجم عنه إصابة عنصرين آخرين من أفراد الأجهزة الأمنية، وهما يتلقيان العلاج اللازم حالياً».

وبدأت السلطة، قبل أكثر من أسبوعين، عمليةً واسعةً في جنين ضد مسلحين في المخيم الشهير، في بداية تحرُّك هو الأقوى والأوسع منذ سنوات طويلة، ويُفترض أن يطول مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.

تواصلت الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين في مخيم جنين، شمال الضفة الغربية، مع إصرار السلطة على السيطرة المطلقة على المخيم الذي تحوَّل إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين، وأصبح منذ سنوات الانتفاضة الثانية، رمزاً للمقاومة والصمود في الضفة الغربية.

واشتبك مسلحون مع عناصر السلطة في محاور عدة داخل المخيم، السبت، في حين تجمَّع فلسطينيون في ساحة المخيم ضد العملية الأمنية للسلطة، مطالبين بإنهائها، قبل أن يفضها الأمن بالقوة، ما زاد من توتر الأجواء.