هل بإمكان «حماس» تحديد مكان المحتجزين المتبقين في خضم حرب غزة؟

تستخدم «حماس» المحتجزين ورقة للمساومة مع إسرائيل لتحرير الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (أ.ف.ب)
تستخدم «حماس» المحتجزين ورقة للمساومة مع إسرائيل لتحرير الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (أ.ف.ب)
TT

هل بإمكان «حماس» تحديد مكان المحتجزين المتبقين في خضم حرب غزة؟

تستخدم «حماس» المحتجزين ورقة للمساومة مع إسرائيل لتحرير الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (أ.ف.ب)
تستخدم «حماس» المحتجزين ورقة للمساومة مع إسرائيل لتحرير الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (أ.ف.ب)

منذ احتجاز حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» أكثر من 200 شخص في الهجوم الدامي على جنوب إسرائيل الذي أدى إلى اندلاع حرب غزة، تأمل الحركة في استخدام المحتجزين ورقة للمساومة مع إسرائيل من أجل نيل حرية الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

لكن مصادر أمنية فلسطينية ومصرية مطلعة على المحادثات قالت إنه بينما يسعى الوسطاء لضمان تمديد الهدنة بين إسرائيل و«حماس» لإتاحة إطلاق سراح المزيد من المحتجزين، فإن الجماعة الفلسطينية المسلحة قد تجد صعوبة في تحديد مكان مزيد منهم في ظل الفوضى الناجمة عن الصراع.

ووفق تقرير لـ«رويترز»، بينما خططت «حماس» لهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ونفذته، انضم مسلحون آخرون سريعا وتدفقوا على إسرائيل وأخذوا مزيداً من الأشخاص. وتقول «حماس» إنها تعمل على تحديد موقعهم في قطاع غزة الذي دمره القصف الإسرائيلي لأسابيع.

وقالت المصادر إن «حماس» ربما تحجب المعلومات أيضا. وأشارت مصادر أمنية مصرية إلى أن الوسيط المصري يعتقد أن «حماس» تخفي بعض ما تعرفه، وتقول إنها بحاجة لفعل ذلك لأسباب أمنية وباعتباره استراتيجية تفاوضية.

شبكة الأنفاق

قالت «حماس» إن الرهائن يتلقون معاملة جيدة بما يتماشى مع تعاليم الإسلام. ويُعتقد أنهم موجودون في شبكة واسعة من الأنفاق التي بنتها «حماس» على مدار السنين.

لكن الضربات الجوية الإسرائيلية التي سوت أحياء بأكملها بالأرض ربما تكون قد تسببت في قطع الممرات بين الأنفاق مما جعل من الصعب على «حماس» العثور على محتجزين.

وقال مصدر فلسطيني إن القصف «عقد» الوضع الميداني.

وانتشلت القوات الإسرائيلية جثتي رهينتين على الأقل في غزة وقالت «حماس» إن أكثر من 60 محتجزاً فقدوا بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.

وقالت حركة «الجهاد الإسلامي»، وهي جماعة فلسطينية مسلحة أخرى مدعومة من إيران، إن لديها أكثر من 30 محتجزاً مما يشير إلى أنه قد يكون هناك 20 محتجزاً لدى أعضاء في جماعات أصغر.

ويضم المحتجزون رضعا وأطفالا وجدات وجنودا أُخذ بعضهم من الكيبوتسات والبعض الآخر من مهرجان للموسيقى.

وشاركت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في عملية تبادل للمحتجزين أمس الثلاثاء، مما يعني أن «حماس» ربما تجمع رهائن من جماعات أخرى. وقال مصدر إسرائيلي مطلع على المسألة إن التقديرات تشير إلى أن «حماس» لديها 90 في المائة من المحتجزين. وأضاف المصدر «مسؤوليتهم العثور على 10 في المائة الآخرين».

وردا على سؤال حول قدرة «حماس» على تحديد مكان جميع المحتجزين الآخرين، قال المصدر: «هم قادرون على القيام بأي شيء داخل القطاع. والسؤال هو ما إذا كانوا يريدون ذلك». وتابع «من المريح بالنسبة لهم أن يقولوا إنهم لا يحتجزونهم جميعا حتى يتمكنوا من كسب الوقت».

وقال خليل الحية المسؤول في «حماس» إن الحركة ستكون قادرة على تلبية الشروط لتمديد الهدنة إذا تمكنت من العثور على مزيد من المحتجزين.

وقال مصدر غربي في الخليج إنه حتى لو تمكنت «حماس» من العثور على جميع المحتجزين المتبقين، فمن غير المرجح أن تسلم المعلومات لأن الرهائن يمنحون الجماعة المسلحة القوة. وربما يكون البعض قد لقوا حتفهم في القتال. وقال المصدر: «من المحتمل جدا أن يكون الكثير من الرهائن قتلوا في تلك الضربات الجوية».

الرهائن لدى «حماس»

الرهائن المفرج عنهم حتى الآن كانوا من بين نحو 240 شخصا اقتادهم المسلحون إلى غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص. وقالت السلطات الصحية في قطاع غزة إن القصف الإسرائيلي للقطاع الذي تحكمه «حماس» ردا على الهجوم أودى بحياة ما يربو على 15 ألفا من سكان غزة.

واجتمع رئيسا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) مع رئيس الوزراء القطري في الدوحة أمس الثلاثاء لبحث الهدنة بين إسرائيل و«حماس».

وقال مصدر إن المسؤولين في الاجتماع تحدثوا عن مرحلة جديدة محتملة من اتفاق الهدنة تنطوي على إطلاق «حماس» سراح رهائن رجال أو عسكريين، وليس فقط النساء والأطفال. وأضاف المصدر أن قطر تحدثت مع «حماس» قبل الاجتماع لاستطلاع ما قد توافق عليه. وما زال هناك نحو 159 محتجزا في غزة.

وقال مصدران فلسطينيان قريبان من جهود الهدنة إن المحادثات تركز حاليا على تبادل آخرين غير الجنود، أي المدنيين الإسرائيليين ومزدوجي الجنسية والأجانب، ولا توجد محادثات تتعلق بالإفراج عن الجنود.

وتقول «حماس» إن للجنود «أنواعاً مختلفة من الثمن». وأحد هذه الأثمان يتمثل في عمل إسرائيل على «إخلاء جميع السجون»، أي الإفراج عن جميع الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل.

وقالت جمعية نادي الأسير الفلسطيني التي توثق جميع المعتقلين الفلسطينيين وتتولى رعايتهم، إن إسرائيل كانت تحتجز نحو خمسة آلاف فلسطيني قبل السابع من أكتوبر، ثم اعتقلت إسرائيل منذئذ نحو ثلاثة آلاف، جميعهم تقريبا من الضفة الغربية.

واحتجز بعضهم دون محاكمة فيما تسميه إسرائيل «اعتقالا إداريا». وبعضهم أطفال احتجزوا بسبب أفعال مثل الرشق بالحجارة، وواجه آخرون اتهامات بمحاولات طعن إسرائيليين. وتدرك «حماس» جيدا أنها تمكنت في الماضي من إطلاق سراح أعداد كبيرة من السجناء مقابل جندي إسرائيلي واحد.

وفي عام 2011، أُفرج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد خمس سنوات من احتجازه مقابل إطلاق سراح 1027 فلسطينيا محتجزين في السجون الإسرائيلية بسبب تنفيذهم هجمات ضد إسرائيليين.

وأسر فلسطينيون شاليط بتسللهم عبر نفق إلى إسرائيل واقتادوه عبر الحدود إلى غزة.

ومن المتوقع أن تطلق «حماس» وإسرائيل سراح عدد آخر من الرهائن والسجناء اليوم الأربعاء، وهو اليوم الأخير من هدنة امتدت ستة أيام. وتحاول قطر التي تقوم بدور الوساطة التفاوض على تمديد آخر.

وقالت إسرائيل إنه من الممكن إطالة أمد الهدنة بشرط مواصلة «حماس» إطلاق سراح عشرة رهائن إسرائيليين على الأقل يوميا.

لكن مع بقاء عدد أقل من النساء والأطفال رهائن في غزة، قد يتطلب سكون صوت المدافع بعد اليوم الأربعاء تفاوضا لإطلاق سراح بعض الرجال الإسرائيليين على الأقل للمرة الأولى. وقالت مصادر فلسطينية إن «حماس» تمكنت من جمع بعض الرهائن مع جماعات أصغر، لكن لم يتضح مدى استعداد حركة «الجهاد الإسلامي» لتنفيذ عمليات تبادل بنفسها أم أن «حماس» ستجريها نيابة عنها.

وقال إيلون ليفي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، اليوم الأربعاء إن الحكومة تحمل «حماس» المسؤولية الكاملة عن اقتياد جميع المحتجزين إلى غزة. وأضاف «نطالب (حماس) بإعادتهم، وبذل كل ما في وسعها لإعادتهم».


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب) play-circle 00:39

الأمطار تزيد معاناة الغزيين... وتحرمهم من المصدر الوحيد للكهرباء

منذ أن قطعت الحكومة الإسرائيلية الكهرباء عن غزة بفعل حربها المستمرة ضد القطاع منذ نحو 14 شهراً، اعتمد السكان على البديل الوحيد المتوفر، وهو الطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رجل يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية على مدرسة في مخيم النصيرات للاجئين بغزة (أ.ف.ب)

غزة: 71 قتيلاً جراء القصف الإسرائيلي في يوم واحد

أعلنت وزارة الصحة  الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم (الخميس)، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 44 ألفاً و56 قتيلاً، إلى جانب 104 آلاف و268 إصابة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت (رويترز)

بن غفير وسموتريتش يتهمان غالانت بالسماح لـ«حماس» بالاستمرار في حكم غزة

انتقد أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية غالانت بعد أن حذر من أنّ تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية في غزة قد يجر إسرائيل للحكم العسكري.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

معركة «ردع العدوان» في الشمال السوري... شكوك حول دعوة تركية للتفاوض بالنار

TT

معركة «ردع العدوان» في الشمال السوري... شكوك حول دعوة تركية للتفاوض بالنار

تبادل لإطلاق النار في محيط حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة (أ.ف.ب)
تبادل لإطلاق النار في محيط حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة (أ.ف.ب)

لليوم الثاني على التوالي، تستمر معركة «ردع العدوان» المفاجئة التي أطلقتها «هيئة تحرير الشام» مع فصائل مسلحة أخرى من المعارضة في الشمال السوري، وبلغت اليوم مشارف حلب المدينة، محاذية ببضعة كيلومترات بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، حيث الوجود الكثيف لمقاتلي «حزب الله» اللبناني، كما تمت مهاجمة مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

كذلك سيطر المسلحون على طريق حلب - دمشق، المعروف بـM5، وتجاوزوه شرقاً إلى بلدة الزربة، ما يشي بمزيد من التوغل، بعدما كانوا سيطروا على شريط بطول 110 كيلومترات، من 40 قرية وبلدة ذات أهمية استراتيجية، فيما بدأت موجة نزوح تقدر بالآلاف من تلك المناطق باتجاه مناطق «درع الفرات»، نحو جرابلس وجرجناز.

وتداول ناشطون على مواقع إخبارية وصفحات للتواصل الاجتماعي، أنشئت لمتابعة مجريات هذه المعركة، صوراً وفيديوهات لأسرى من الجنود السوريين، ناهز عددهم 26 جندياً أسيراً من رتب عسكرية متفاوتة، بحسب هذه المصادر، بالإضافة إلى مصادرة آليات عسكرية ودبابات وغيرها. كذلك تداول ناشطون صوراً لمنشورات رميت في المنطقة، تتوجه فيها الفصائل لجنود الجيش السوري وتحثّهم على ترك القتال.

الطرق الدولية... نقاط الخلاف

شكّلت طرق الترانزيت الدولية M4 «حلب - اللاذقية» وM5 «حلب - دمشق» أبرز نقاط الخلاف خلال 2018 و2020، وتوّجت اتفاقية خفض التصعيد في موسكو بحلّ يقضي بإنشاء ممر أمني على جانبي M4، لكنه لم ينفذ وبقي موضع خلاف بين موسكو وأنقرة.

اليوم مع خسارة النظام لطريق الـM5، وهو لا يسيطر أيضاً على الـM4، فذلك يعني أنه قد يضطر لاستخدام الطريق القديم لربط دمشق بحلب، ما يشكل خطراً كبيراً، لأنه يمر على تخوم الصحراء لجهة حماة، حيث تنشط خلايا «داعش».

ومنذ انطلاق المعركة، تجري معارك عنيفة بين الفصائل المسلحة وقوات الجيش السوري، الذي أرسل تعزيزات عسكرية فورية إلى الشمال، وبدأ حملة قصف جوي سوري - روسي مشترك، وقع على إثرها أكثر من 153 قتيلاً: 80 من «هيئة تحرير الشام»، و19 من فصائل الجيش الوطني، و54 عنصراً من قوات الجيش السوري، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

ويعدّ هذا الهجوم الأعنف منذ توقيع اتفاقية خفض التصعيد بين أنقرة وموسكو في مارس (آذار) 2020، التي أوقفت بموجبها العمليات العسكرية في الشمال السوري.

ونقلت وكالة «رويترز» عن الجيش السوري أول بيان له منذ بدء الحملة المفاجئة، حيث قال: «تصدت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح». وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه. وبحسب «رويترز»، تقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري، الذي يحشد منذ فترة قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة. كما قتل أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

منشورات وزّعت في الشمال السوري (مواقع تواصل)

توقيت غامض

لا يزال كثير من الغموض يكتنف توقيت هذه المعركة والمستفيدين المحتملين منها، ما يطرح علامات استفهام كثيرة. بداية تزامن إطلاق «ردع العدوان» مع إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل وقصف إسرائيلي مكثف للمعابر بين لبنان وسوريا، ورسالة واضحة لدمشق بضرورة قطع طرق إمداد «حزب الله» تفادياً لتكرار سيناريو ما بعد حرب 2006، وتهديد صريح من رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس السوري بشار الأسد بأن أي دعم من هذا القبيل هو «لعب بالنار».

يأتي ذلك معطوفاً على كلام لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في اتصال أجراه أمس مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب: «إن هذه الحوادث (في سوريا) هي مخطط أميركي - صهيوني لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة عقب إخفاقات وهزائم الكيان الصهيوني أمام المقاومة»، مشدداً على ضرورة التصدي لظاهرة الإرهاب المقيتة. وبحسب هذا السيناريو، فقد تم «جرّ» الفصائل إلى معركة، بإيهامها أن الوقت مناسب للسيطرة على مناطق من الشمال السوري، واستعادتها من النظام وفصلها عن سلطة دمشق كلياً، وهو ما تم عملياً بين الأمس واليوم.

لكن على المدى الأبعد، فإن ذلك يدعم موقف النظام بمحاربة الإرهاب، الذي يسعى لوحدة الأراضي السورية، ويمنحه تفويضاً باستعادة القصف المركز، وهامشاً أوسع للمناورة في أي مفاوضات مقبلة. ولهذا، تخوف كثيرون عند إطلاق هذه المعركة بالأمس من أن تكون نتائجها على مناطق الشمال مشابهة لنتائج عملية «طوفان الأقصى»، فأطلق عليها استنسابياً تسمية «7 أكتوبر (تشرين الأول) السوري». لكن ذلك كله يبقى رهناً بالدور الروسي وحجم القصف الجوي الذي قد تنخرط به موسكو، وهو يبدو خجولاً حتى الساعة.

دعوة تركية بالنار

اللافت أيضاً في التوقيت نفسه، أن الجانب التركي الذي يرعى الفصائل المسلحة في الشمال السوري أبقى نفسه على مسافة واضحة من هذه المعركة، إذ قال وزير الدفاع التركي أمس إن أنقرة «تراقب بدقة» الوضع، علماً بأن إطلاق معركة بحجم «ردع العدوان» يشكل خرقاً واضحاً لاتفاق أبرمته أنقرة مع موسكو، بشروط صعبة جداً. لكن في الوقت نفسه، هل يمكن لفصائل كبيرة تسيطر على غالبية مناطق الشمال السوري أن تقوم بخطوة بهذا الحجم بلا رفع غطاء تركي؟

سؤال قد يجد إجابته في أن أنقرة تدفع بالأسد إلى طاولة المفاوضات تحت النار، لكونه رفض ذلك مراراً على اعتبار أن تركيا هي قوة احتلال. وما قد يفسر ذلك أيضاً التقارب الروسي - التركي.

عناصر من المعارضة السورية المسلحة يستعرضون مسيرات مطلع نوفمبر الحالي في إدلب (د.ب.أ)

روسيا تشجع التطبيع

في السياق، أكد مصدر دبلوماسي روسي أن التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا تثبت ضرورة دفع مسار تطبيع في مناطق الشمال بين دمشق وأنقرة، وإيجاد تسوية مستقرة للوضع في مناطق الشمال السوري.

وتجنّب المصدر، الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، التعليق على سؤال حول سبب الصمت الروسي الرسمي حيال ما يجري، وعدم بروز تعليق على المستوى السياسي، لكنه قال إن الوضع الراهن يؤكد مجدداً صحة التوجهات الروسية بدعم عملية التقارب التركي مع الحكومة السورية، وأنه «لا يمكن الحديث عن استقرار وترتيبات في تلك المناطق من دون دفع مسار التطبيع». ورأى أن أهمية ذلك لا تقتصر على مواجهة الوضع الحالي ميدانياً، باعتبار أن كل ما يجري في المنطقة يؤثر بشكل مباشر على نحو 7 ملايين مواطن سوري، ما يعكس الحاجة المباشرة لتطوير مبادرات جديدة من جانب الحكومة السورية والاقتراب من الموقف الذي أعلن عنه في وقت سابق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي أيّد بشكل واضح التقارب مع دمشق، وأعرب عن استعداد لدفع الجهود المبذولة في هذا الاتجاه.

واستبعد الدبلوماسي الروسي صحة بعض المعطيات الإعلامية لدى المعارضة السورية، التي تحدثت عن وجود الرئيس بشار الأسد في موسكو. وقال إن «الأسد يقوم بزيارات متعددة إلى موسكو في بعض الحالات لمتابعة علاج زوجته»، لكنه تجنب تأكيد أو نفي وجود الأسد حالياً في العاصمة الروسية، معرباً في الوقت ذاته عن قناعة بأن الوضع المتفاقم ميدانياً في ريف حلب ومناطق مجاورة لا يوفر سبباً لإطلاق تكهنات من هذا النوع.