غزة... «لكل بداية نهاية ويجب أن تستمر الحياة»

الأهالي يستأنفون الحياة مؤقتاً ويستغلون كل دقيقة تهدئة لتخفيف ضغوط الحرب على أطفالهم

دمار هائل خلّفته الحرب على غزة في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة إلا أن الفلسطينيين عادوا مع بدء الهدنة (أ.ب)
دمار هائل خلّفته الحرب على غزة في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة إلا أن الفلسطينيين عادوا مع بدء الهدنة (أ.ب)
TT

غزة... «لكل بداية نهاية ويجب أن تستمر الحياة»

دمار هائل خلّفته الحرب على غزة في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة إلا أن الفلسطينيين عادوا مع بدء الهدنة (أ.ب)
دمار هائل خلّفته الحرب على غزة في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة إلا أن الفلسطينيين عادوا مع بدء الهدنة (أ.ب)

يستأنف الفلسطيني سليمان أبو لحية البالغ من العمر 64 عاماً عادته في تنظيف الشارع المؤدي إلى منزله ومنازل أبنائه وأشقائه في بلدة القرارة الحدودية بشمال خان يونس في قطاع غزة، قبل أن يتناول طعام الإفطار والشاي المعد على نار الحطب مع بعض أبنائه وأحفاده وأصدقائه، ليستعيد جزءاً من الأوضاع العادية قبل اندلاع الحرب.

بابتسامة عريضة وبصوت مرتفع، يدعو الرجل المارة من الأقارب وغيرهم إلى شرب الشاي من براد كبير اعتاد على إعداده كل صباح، ووسط دعواته ينثر كلمات التفاؤل والأمل بإمكانية استمرار التهدئة فترة أطول، بل وحتى إنهاء الحرب، ويقول: «لا تقلقوا الدنيا بخير، ولكل بداية نهاية».

يجتهد الرجل في استعادة تفاصيل الحياة اليومية، ولو مؤقتاً، بعد أكثر من شهر ونصف الشهر قضاها مع عائلته في مركز إيواء بغرب خان يونس، قبل عودته يوم الجمعة إلى مكان سكنه بعد الهدنة المؤقتة التي جرى التوصل إليها بين حركة «حماس» وإسرائيل، بينما يحث جيرانه على الاستفادة من أيام التهدئة القليلة في تدبير شؤون حياتهم، وعدم التفكير في ما مضى أو ما هو مقبل.

سكان يستغلون الهدنة للنزوح من مدينة غزة (رويترز)

يجب أن تستمر الحياة

ويقول أبو لحية: «يجب أن تستمر الحياة، وما دامت هناك فرصة لذلك لا بد من استثمارها بكل دقيقة وعدم إشغال أنفسنا بما هو خارج عن إرادتنا، ولو بدأ كل شخص بنفسه سنحول أيام التهدئة إلى أيام راحة من عذاب النزوح». وتساءل قائلاً: «أليس من المنطقي استثمار كل دقيقة في أيام التهدئة بدلاً من التشاؤم؟ لماذا نعذب أنفسنا بما لا نملكه من قرارات هي بيد آخرين في غزة والاحتلال؟ هل نقبل بموتنا ونحن ما زلنا نتنفس وعلى قيد الحياة؟».

يقاطعه جاره الخمسيني موسى فياض معترضاً على حديثه حول العودة إلى الحياة جزئياً على الرغم من كل الضحايا الذين يسقطون والدمار الهائل في كل مكان بقطاع غزة، فضلاً على فقدان أدنى مقومات الحياة، خصوصاً على صعيد الغذاء والدواء، معتبراً أن الحديث عن حياة عادية خلال التهدئة قفز على وقائع كارثية لا نهاية لها وتعبير غير حقيقي عن الواقع الأقرب إلى النكبة، على حد قوله.

مخلفات طبية متناثرة خارج قسم الطوارئ في المستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزة بعد مداهمة من القوات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

التأقلم مع الواقع الجديد

يتواصل الجدل بين الرجلين اللذين يعبران عن وجهتي نظر متباينتين، على الرغم من أنهما يعيشان نفس الظروف البائسة ويتعرضان لذات النزوح والموت والقصف، لكن حديثهما لخص محاولات كثيرين في التأقلم مع الواقع الجديد والعيش مهما كانت الظروف واستئناف الحياة بأي ثمن خلال التهدئة، وعزوف آخرين عن ذلك باعتبار أن الموت ما زال قائماً، والأمر مجرد أيام قبل العودة إلى المشهد الدموي السابق.

ويقول فياض: «لم أستطع مغادرة مربع الحرب رغم التهدئة. صحيح أن الطائرات غادرت السماء والقصف توقف، لكن نجاتنا مؤقتة، وقد نفقد حياتنا أو عائلاتنا بعد أيام. هذا الشعور يتملك الكثيرين، ويجعلنا غير قادرين على الشعور بالارتياح، أن تتوقع موتك أو دمار منزلك بعد أيام، إحساس لا يمكن تخيله».

بيد أن هذه الصورة القاتمة لم تمنع غالبية أهالي قطاع غزة من الاستمتاع بهذه الأيام بكل الوسائل المتوافرة، ليس فقط بالعودة إلى المنازل والمناطق التي نزحوا منها والمبيت هناك، ولكن حتى باللعب مع أطفالهم في بقايا المتنزهات وحدائق ألعاب الأطفال المتوافرة، إضافة إلى ممارسة بعض الألعاب الرياضية، ومنها كرة القدم، في الشوارع والأزقة.

شوارع تحولت أنقاضاً في مدينة غزة (أ.ب)

«بدي ألعب وأنبسط»

على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة، ينشغل الآباء والأمهات في اللعب مع أطفالهم على بعض الألعاب القديمة، يحركون الأرجوحات لأعلى وأسفل بانتظام تارة، وينتقلون إلى لعبة أخرى لدفع الصغار للتزحلق إلى الأرض تارة أخرى، وعندما يزدحم المكان بالأطفال يضطرون إلى اللعب معهم على التراب ببعض الألعاب الشعبية التقليدية.

وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للأطفال وقلة الألعاب المتوافرة في الحديقة الصغيرة، لكن الطفلة ربا الخليلي ذات الأعوام التسعة لم تتوقف عن التنقل بين الألعاب لتحظى بأطول فترة ممكنة من اللعب، علها تطفئ ظمأها للهو الذي حُرمت منه طيلة 5 أسابيع من النزوح مع عائلتها في مركز إيواء.

تنطلق الطفلة، حالها حال كثيرين من أمثالها، والفرحة والابتسامة تعلو وجهها، وترفض حتى أخذ قليل من الراحة بين الألعاب وهي تقول لأمها بعفوية: «يا ماما إحنا في تهدئة بدي ألعب وأنبسط»، بعد إلحاح الأم عليها بالتوقف قليلاً، وإعطاء فرصة لغيرها من الأطفال الذين ينتظرون دورهم.

وتقول الطفلة: «التهدئة ستمر سريعاً، ولا أريد تضييع أي وقت منها دون لعب، لأن مدرسة الإيواء لا يوجد بها ألعاب، وهذه الحديقة طوال الحرب أنظر إليها، ولا أستطيع الوصول هناك»، مضيفة: «لا علاقة لنا بالحرب. نريد أن نلعب ونشعر بالسعادة ونستمتع بأيامنا دون قصف».

دمار مع بدء الهدنة في مدينة غزة (أ.ب)

تخفيف ضغوط الحرب

غير بعيد، تلتف عائلة الأربعيني محمد العايدي النازح من شمال غزة، حول مائدة طعام بسيطة على جانب هذه الحديقة بعد تأخير طويل، وهو يحاول جمع أطفاله ليتناول معهم الطعام، لكنهم يصرون على الاستمرار في اللعب، حتى أجبرهم على الجلوس للأكل ثم العودة مرة أخرى للعب.

يوضح العايدي، الذي دمر القصف الإسرائيلي منزله المبني حديثاً ووحدات سكنية لأهله وأشقائه، أن الأهالي يستغلون كل دقيقة في التهدئة لتفريغ ضغوط الحرب الهائلة عن أطفالهم، واصفاً الحياة في مراكز الإيواء بأنها قاتلة للكبار وأكثر فتكاً بالأوضاع النفسية للصغار، ما يجعل من الترفيه واللعب ضرورة لا تقل أهمية عن الدواء للمرضى، وفق تقديره.

ويقول: «التهدئة فرصة مواتية لنستعيد الحياة قليلاً، ونخفف من وطأة الحرب، رغم أننا لم نعد إلى مناطقنا في الشمال، لكن لا يمكننا الركون والقبول بالموت البطيء. التهدئة تخفف من أوجاع وصدمات ما عشناه خلال الأيام السابقة، وتمد الكبار والصغار بطاقة إيجابية لتحمل ما هو مقبل، وبالتالي القدرة على الاستمرار بالحياة رغم قساوتها الشديدة خلال الحرب».

نزوح من شمال غزة عبر شارع صلاح الدين في أول أيام الهدنة (أ.ب)

الخوف من انتهاء الهدنة

وبموازاة دعوته لتمديد أيام التهدئة والعمل فلسطينياً وعربياً ودولياً لتحقيق ذلك تجنباً لويلات الحرب التي تفتك بالمدنيين، وتدمر حياتهم قبل منازلهم وممتلكاتهم، فقد أعرب عن خشيته مما قد يحدث بعد انتهاء التهدئة، وهو الخوف الذي ينتاب كل أهالي غزة ويؤرقهم ليلاً ونهاراً، كونهم تجرعوا مرارة الحياة بطعم الموت، على حد قوله.

ويستعيد أهالي قطاع غزة حياتهم جزئياً وهم يشعرون بالأمان خلال التهدئة، لتشهد الأسواق والأحياء السكنية وحتى مراكز الإيواء حركة نشطة، بينما تراجعت أعداد النازحين داخل المدن بعد عودة أعداد كبيرة منهم إلى المناطق التي نزحوا منها.


مقالات ذات صلة

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي مركبات للشرطة الإسرائيلية تعمل أثناء مداهمة في الضفة الغربية... 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

الشرطة الإسرائيلية: مقتل شخصين في هجوم شنه فلسطيني 

قالت السلطات الإسرائيلية ​اليوم الجمعة إن شخصين قتلا في هجوم نفذه فلسطيني بالطعن والدهس في ‌شمال ‌إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز) play-circle

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

ندّدت 14 دولة من بينها فرنسا وبريطانيا، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه

«الشرق الأوسط» (باريس)

الجيش الإسرائيلي يعتقل سوريين يجمعون «الفطر» في الجنوب السوري

توغل القوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل القوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
TT

الجيش الإسرائيلي يعتقل سوريين يجمعون «الفطر» في الجنوب السوري

توغل القوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل القوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)

اعتقلت قوات الجيش الإسرائيلي، الأحد، 5 شبان من محافظة درعا جنوب سوريا أثناء قيامهم بالبحث عن الفطر البري الذي يطلق عليه «لحم الفقراء» في الأراضي الزراعية القريبة من بلدة كودنة في ريف القنيطرة الجنوبي.

وذكر مراسل «سانا» في القنيطرة أن قوات الاحتلال نقلت المعتقلين إلى قاعدة تل الأحمر الغربي، دون ورود معلومات عن أسباب الاعتقال أو مصير الشبان.

وأفاد مصدر محلي لموقع «درعا 24»، بأن الشبان الذين اعتقلتهم دورية لقوات الاحتلال الإسرائيلي قرب سد بلدة كودنة بريف القنيطرة أثناء بحثهم عن الفطر، ينحدرون من مدينة جاسم بريف محافظة درعا الشمالي، منهم: محمود أحمد الصلخدي، وداوود سليمان الصلخدي، ومحمد أحمد الصلخدي، وعبد الباسط سليمان الصلخدي، وحسب المصدر، أقدم جنود الاحتلال على تكسير الدراجات النارية الخاصة بالشبان قبل اعتقالهم.

واعتدت قوات الجيش الإسرائيلي في 24 الحالي على أطفال ونساء أثناء جمعهم الفطر في المنطقة الواقعة بين قريتي العدنانية ورويحينة في ريف القنيطرة الشمالي، وذلك عبر إطلاق قنابل دخانية تجاههم.

الطريق إلى جبا بريف القنيطرة (أرشيفية - سانا)

وذكر مراسل «سانا» في القنيطرة أن قوة الاحتلال مؤلفة من سيارتين إحداهما من نوع هايلكس والأخرى هامر عسكرية، أطلقت قنابل دخانية تجاه الأطفال والنساء أثناء قيامهم بجمع الفطر في المنطقة الواقعة بين القريتين.

ويتحدث تقرير سابق لموقع «اقتصاد» عن رحلة جمع الفطر في المنطقة وأهميتها للسكان، بقوله، إن «أجواء محافظة القنيطرة مناسبة جداً لنمو الفطر البري، فأمطار المحافظة غزيرة، وغالباً ما تترافق مع البرق والرعد. وعلى الرغم من أن عادة جمع الفطر ليست بالجديدة، لكنها تحولت إلى مصدر رزق مؤقت لعدد كبير من الأهالي، خصوصاً النازحين المقيمين في المحافظة الذين لا يملكون عملاً أو مردودهم المادي ضئيل».

قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي (أرشيفية - سانا)

في السياق نفسه، أفاد مراسل «درعا 24»، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت من قرية صيدا الحانوت (الجولان) بريف القنيطرة الجنوبي، إبراهيم غازي الشنور، ويعمل راعي أغنام.

وكانت القوات الإسرائيلية قد توغلت، السبت، في قرية طرنجة، وصولاً إلى أطراف بلدة جباثا الخشب في ريف القنيطرة الشمالي.


نعيم قاسم: لبنان أمام مفصل تاريخي إما «وصاية أميركية وإما سيادة»

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

نعيم قاسم: لبنان أمام مفصل تاريخي إما «وصاية أميركية وإما سيادة»

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

قال الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم، الأحد، إن لبنان أمام «مفصل تاريخي حاسم» يكون فيه إما «تحت الوصاية الأميركية الإسرائيلية، وإما النهوض واستعادة السيادة والأرض».

وأضاف قاسم، في خطاب خلال حفل للحزب، «من يطالب بحصرية السلاح رغم استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان لا يعمل لمصلحة البلاد»، مشيراً إلى أن الهجمات الإسرائيلية على لبنان لم تتوقف رغم اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه، العام الماضي.

وتابع: «نزع السلاح مشروع إسرائيلي أميركي حتى لو جرى تسويقه تحت عنوان حصرية السلاح»، مؤكداً أن نزع السلاح «جزء من مشروع لإنهاء القدرة العسكرية للبنان، وزرع الشقاق مع (حركة أمل)».

وأوضح الأمين العام للحزب أنه «لم يعد مطلوباً من لبنان أي إجراء، على أي صعيد، قبل أن يلتزم العدوّ الإسرائيلي بما عليه من التزامات».

وأعلن رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام مؤخراً قرب الانتهاء من المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح بيد الدولة جنوب نهر الليطاني.

وازدادت الضغوط على «حزب الله» اللبناني للتخلي عن سلاحه بعد أن تعرض لضربة قوية في حربه مع إسرائيل، العام الماضي، حيث لقي العديد من كبار قادته حتفهم، ومنهم الأمين العام حسن نصر الله، قبل التوصل إلى هدنة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بوساطة أميركية.

وألزم اتفاق الهدنة لبنان بحصر حيازة الأسلحة على 6 أجهزة أمن حكومية، ونص على منع إعادة تسليح الجماعات غير الحكومية.


أي مهام للقوة الدولية «الموعودة» في لبنان بعد انسحاب «اليونيفيل»؟

موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» يعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)
موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» يعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)
TT

أي مهام للقوة الدولية «الموعودة» في لبنان بعد انسحاب «اليونيفيل»؟

موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» يعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)
موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» يعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

تنشط المساعي الأوروبية لبلورة بديل عن القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) التي يُفترض أن تبدأ انسحابها من لبنان مع نهاية عام 2026، بقرار من مجلس الأمن الدولي.

وحتى الساعة، لا يزال غير واضح تحت أي مسمّى سيبقى بعض هذه القوات؛ إذ أعلنت فرنسا وإيطاليا عن رغبتهما في بقاء قواتهما، وما إذا كانت ستخضع لحكومات دول الاتحاد الأوروبي أم ستعود مجدداً لتكون تحت مظلة مجلس الأمن.

وهذا ما يطرح علامات استفهام حول جدوى استبدالها بـ«اليونيفيل»، وما إذا كانت إسرائيل، التي ضغطت بقوة لإنهاء دور «اليونيفيل»، ستقبل أصلاً بتشكيل قوة من هذا النوع.

وكانت فرنسا أعربت أكثر من مرة عن اهتمامها بإبقاء قواتها في جنوب لبنان لمساعدة الجيش في مهامه على الحدود، تلتها إيطاليا التي خرج وزير دفاعها غيدو كروسيتو ليعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الأسبوع الماضي، رغبة بلاده في إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب نهر الليطاني بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، لافتاً إلى وجود دول أوروبية أخرى تنوي أيضاً اتخاذ الموقف نفسه.

وأوضح أن «هذه الخطوة تهدف إلى دعم الجيش اللبناني في مهامه بالجنوب؛ لأن إيطاليا تعتبر أن أمن لبنان والمنطقة والبحر المتوسط يتحقق من خلال تعزيز دور الجيش اللبناني وتوفير الإمكانات الضرورية له».

قوات «اليونيفيل»

وقرر مجلس الأمن الدولي أواخر أغسطس (آب) الماضي تمديد مهمة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل) لمرة أخيرة، مع وضع برنامج لانسحابها عام 2027، بعدما طالبت إسرائيل والولايات المتحدة بذلك.

ونص قرار المجلس، الذي تم تبنّيه بالإجماع، على «تمديد تفويض (اليونيفيل) مرة أخيرة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2026، والبدء بعملية تقليص وانسحاب منسقة وآمنة بدءاً من 31 ديسمبر 2026 ضمن مهلة عام واحد».

آليات لقوات «اليونيفيل» خلال دورية على طريق الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

ويبلغ عدد الدول التي تتألف منها «اليونيفيل» 49 دولة، تشارك بما مجموعه 9923 جندياً لحفظ السلام، وتتصدر إيطاليا قائمة الدول الأوروبية بالعديد؛ إذ بلغ عدد الجنود المشاركين 1099 جندياً، في حين يبلغ عدد الجنود الإسبان في البعثة 824 جندياً، و762 فرنسياً، و414 آيرلندياً، و217 بولندياً، و221 ألمانياً. أما كبرى البعثات، فهي من إندونيسيا بـ1232 جندياً.

مصلحة لبنانية

ويبدو لبنان الرسمي متحمساً لاستمرار وجود قوات دولية على حدوده مع إسرائيل، وهو ما عبّر عنه الرئيس اللبناني مؤخراً، لافتاً إلى أن «لبنان يرحب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة تحل محل القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) بعد اكتمال انسحابها في عام 2027»، موضحاً أن ذلك يأتي لـ«مساعدة الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي التي تحتلها».

وأشارت مصادر وزارية إلى أن «التداول بطرح القوة البديلة لـ(اليونيفيل) بدأ فور الإعلان عن انتهاء مهام هذه الأخيرة مع نهاية عام 2027»، لافتة إلى أن «الفرنسيين والإيطاليين والإسبان أعربوا في وقتها عن رغبتهم في إبقاء قواتهم في الجنوب، وإن كان بعديد أقل من عديدها الحالي، وهم عادوا وأكدوا ذلك مؤخراً»، مرجحة انضمام دول أخرى لهذه القوة كألمانيا ودول أفريقية.

وشرحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدف من وجود هذه القوات هو تثبيت حضور دولي على الحدود يساعد في انتشار الجيش بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي والتلال المحتلة»، مشيرة إلى أنه «حتى الساعة، من غير الواضح تحت أي مسمى أو مظلة قد يحصل ذلك؛ تحت مظلة الاتحاد الأوروبي أو تحت مظلة دولية أخرى، باعتبار أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لبلورة الأمور (نحو عامين)».

جنود تابعون لقوة الأمم المتحدة (اليونيفيل) وجنود من الجيش اللبناني في نقطة قرب الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (رويترز)

وأوضحت المصادر أن «بقاء هذه القوات يُفترض أن يحصل في إطار اتفاق يتم بين الحكومة اللبنانية وحكومات هذه الدول لشرعنة وجودها»، مضيفة: «الدولة اللبنانية رحبت بهذا التوجه، وتحصل راهناً دراسة ونقاشات جدية في هذا الخصوص؛ لأن للبنان مصلحة بوجود قوات دولية في المنطقة الحدودية مع إسرائيل للتصدي لأي مخططات توسعية أو غيرها».

قوة غير خاضعة للأمم المتحدة؟

ويرجح مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية»، الدكتور سامي نادر، أن تكون القوة الدولية الجديدة المنوي تشكيلها «غير خاضعة للأمم المتحدة، سواء كالتي في العراق أو غزة، ما يجعلها لا تصطدم بفيتوات وبيروقراطية الأمم المتحدة، وتكون برعاية وإدارة أميركية وتضم بلداناً متحالفة»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هدفها سيكون التأكد من تنفيذ الجيش اللبناني المهام الموكلة إليه، إضافة إلى مؤازرة العناصر والضباط في عملية (حصرية السلاح)».

خلفية الاندفاعة الفرنسية

بدوره، يكشف العميد المتقاعد منير شحادة أن «فرنسا في الاجتماع الأخير الذي حصل في باريس وضم ممثلين عن الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، بالإضافة إلى قائد الجيش اللبناني، اقترحت أن يحصل توثيق دولي لما يقوم به الجيش، وأنها مستعدة إلى أن تكون ضمن الفريق الذي يقوم بذلك لدحض ادعاءات إسرائيل بأنه لا يقوم بما هو مطلوب منه في جنوب الليطاني».

ولفت شحادة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الهدف من الاندفاعة الفرنسية في هذا المجال هو تجنب أي تصعيد إسرائيلي، كذلك كي يبقى لباريس موطئ قدم في لبنان، ودور لها في الأمن والسياسة عندما تنتهي مهام قوات (اليونيفيل). أضف أن الثروات النفطية الموعودة تشكل عاملاً جاذباً ليس فقط للفرنسيين، إنما أيضاً للإيطاليين». ويضيف: «لكن أميركا تسعى إلى أن يكون أي وجود لقوات أجنبية في لبنان تحت مظلة مجلس الأمن، وبالتالي وجود مقونن دولياً».