لبنان: تطلّعات الانتعاش الاقتصادي تحجبها المخاوف من كوارث الحرب

بعدما فقد فورة السياحة وفرصة استعادة النمو

مطعم فارغ من الزبائن في مدينة جبيل اللبنانية بسبب انعكاسات الحرب على الحركة السياحية (أ.ف.ب)
مطعم فارغ من الزبائن في مدينة جبيل اللبنانية بسبب انعكاسات الحرب على الحركة السياحية (أ.ف.ب)
TT

لبنان: تطلّعات الانتعاش الاقتصادي تحجبها المخاوف من كوارث الحرب

مطعم فارغ من الزبائن في مدينة جبيل اللبنانية بسبب انعكاسات الحرب على الحركة السياحية (أ.ف.ب)
مطعم فارغ من الزبائن في مدينة جبيل اللبنانية بسبب انعكاسات الحرب على الحركة السياحية (أ.ف.ب)

تحتجب الملفات المالية والنقدية الساخنة في لبنان خلف غبار الحرب المستعرة في قطاع غزة وذيولها المشتعلة في جنوب البلاد، فيما يرتفع استطراداً منسوب الهواجس في القطاعات الاقتصادية كافة من توسعات مفاجئة للمواجهات العسكرية اليومية، وتحولها إلى حرب مفتوحة يستعصي تقدير مداها ونتائجها.

وفقد لبنان، وفق قراءات تحليلية أولية، فرصة استعادة النمو الإيجابي للناتج المحلي بنسبة تتعدى 2 إلى 3 في المائة هذا العام، بدفع من تنشيط قوي للموسم السياحي الصيفي، ومن تسجيل تقدم لافت ونوعي في تأقلم القطاع الخاص مع وقائع الانهيارات المتراكمة على مدار أربع سنوات، لتستقر الترقبات على مستويات صفرية، وتبقي بذلك أرقام الناتج عند مستواها الأدنى البالغ نحو 16 مليار دولار، مقارنة بوصولها إلى نحو 54 مليار دولار عشية انفجار الأزمات منتصف العام 2019.

وفي المقابل، شكلت استدامة الاستقرار النقدي، وللشهر الثامن على التوالي عند حد 90 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد، إشارة إيجابية في ظل التدهور الأمني على الحدود الجنوبية وما يرافقه من مخاوف وتوسع لحالات نزوح المواطنين من البلدات والقرى المضطربة، فيما تساهم سياسات البنك المركزي، بالتعاون مع وزارة المال، لضبط الكتلة النقدية لسيولة الليرة في الأسواق في الحؤول دون مضاربات مؤثرة في أسواق القطع تحت وطأة التطورات الأمنية وما تنتجه من مخاوف.

ويعزز وهج هذه الإشارة رمزياً صعود قيمة احتياط الذهب إلى نحو 18 مليار دولار، وفعلياً الإصرار المشهود الذي يبديه حاكم البنك المركزي بالإنابة وسيم منصوري، وبدعم جامع من قيادة السلطة النقدية، بالرفض الصارم لتمويل الدولة واحتياجاتها المالية بالدولار أو بالليرة، وعدم المساس مطلقاً باحتياطات العملات الصعبة البالغة نحو 8.9 مليار دولار، من دون احتساب التزامات مقابلة وآجلة تنزل بالرصيد الصافي إلى نحو 7.2 مليار دولار، باستثناء موجبات صرف حصة المستحقات الشهرية للمودعين المشاركين بالاستفادة من مندرجات التعميم رقم 158، والقاضي بضخ 400 دولار نقدي (بنكنوت) لصالح المستفيد، وموزعة مناصفة مع البنوك المعنية.

وتسود قناعة شاملة لدى الهيئات الاقتصادية بحتمية استئناف الهبوط الحر والأشد إيلاماً لقطاعات الاقتصاد والإنتاج في حال حدوث الحرب الشاملة، وبما يشمل خطة الطوارئ الحكومية المستندة إلى ترقبات تمويل غير مضمون من قبل مؤسسات وهيئات دولية متخصصة، بينما يمكن الخيارات عدم توسع العمليات الحربية اليومية في الجنوب، أن تمنح فرصة مواتية للشركات والمؤسسات الناشطة في القطاع الخاص للتأقلم المتدرج مع الوقائع المستجدة.

وعلى خط موازٍ، يعوّل الاقتصاديون على جهود لجنة المال والموازنة التي تواظب على «تنقية» مشروع موازنة العام المقبل، من الشوائب القانونية والضريبية التي تلقي بأعباء لا يمكن تحملها على كامل الأنشطة الاقتصادية وقطاعات الأعمال ومداخيل القطاع الخاص المحلية والوافدة من الخارج. وبحيث يتحول إقرار الموازنة في موعدها الدستوري المبكر إلى محفز قوي لمسار استعادة النمو وتنشيط الرهانات على إعادة تصويب الانحرافات الهيكلية في إدارة المالية العامة.

لكن هذه التطلعات في الجانب المالي لا تخلو من توجس مشروع، بحسب مسؤول اقتصادي كبير، من إمكانية حصول «تهريبة» لاحقة لمشروع قانون الموازنة عبر إصدار مرسوم حكومي بعد انتهاء الفترة القانونية المتاحة للمجلس النيابي بنهاية الشهر الأول من العام المقبل، وذلك وفقاً للمادة الـ86 من الدستور التي تنصّ صراحةً على أنه «في حال لم يبتّ مجلس النواب نهائياً بمشروع الموازنة بعد انتهاء المهلة المحدّدة آخر الشهر، وبعد أن يُصار إلى تمديد هذه المهلة حتى نهاية يناير (كانون الثاني)، فيحقّ لمجلس الوزراء عندئذٍ أن يتّخذ قراراً يُصدر بناءً عليه، رئيس الجمهورية (ممثلاً بالحكومة نظراً للشغور الرئاسي) مرسوماً بجعل الموازنة العامة نافذة».

وبالفعل، فقد حفز هذا الخيار الملتبس الهيئات الاقتصادية إلى المطالبة المسبقة بعدم إصدار موازنة عام 2024؛ لكونها خالية من أيّ إجراء إصلاحي ومليئة بالرسوم والضرائب وبخاصة الضريبة الاستثنائية على القروض المسددة، وفق السعر الرسمي للعملة الوطنية، للمصارف من قبل الأفراد والشركات في القطاع الخاص، علماً بأن هذه الضريبة تلقى تأييداً صريحاً من قبل المصارف التي تكبدت خسائر هائلة في محافظها الائتمانية.

ورغم قتامة الترقبات الآنية ربطاً بتطورات حرب غزة وتداعياتها، تبقى الاهتمامات الاقتصادية مشدودة بقوة إلى إمكانية عودة النشاط إلى القطاع السياحي عبر مُلاقاة الشهر الأخير من العام، وهو شهر موسم أعياد الميلاد ورأس السنة والمعول عليه اقتصادياً باعتباره يمثل بين 25 و30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على مدى العام.

ووفق تقرير محدث لوكالة «ستاندرد آند بورز» للتقييم الائتماني، فإن لبنان هو الأكثر اعتماداً على قطاع السياحة في جوار الحرب المندلعة، حيث يمثل 26 في المائة من إيرادات الحساب الجاري، الأمر الذي يعرّض البلاد إلى تراجع في النمو الاقتصادي والأرصدة الخارجية بسبب انخفاض عدد السياح.

وبحسب التقديرات المنهجية، فإنه في حال انخفاض عائدات السياحة بنسبة 10 في المائة إلى 30 في المائة، فإن الخسارة المباشرة في الناتج الاقتصادي يمكن أن تصل إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي ظل النقص المستمر في العملات الأجنبية، وانخفاض قيمة العملة بأكثر من 95 في المائة منذ عام 2020، والتضخم المفرط، والفراغ السياسي، لا يستطيع لبنان تحمل التخلي عن تدفقات العملات الأجنبية المهمة من السياحة.

وفيما يبدو التأثير أقل درجة كنسبة مئوية من الاحتياطيات الأجنبية، فإن ذلك يرجع إلى أن إجمالي احتياطيات القطع الأجنبي في لبنان أعلى، ولكنه يشتمل على جزء كبير من الذهب والاحتياطيات المطلوبة على ودائع البنوك بالعملات الأجنبية، التي لا يمكن لمصرف لبنان الوصول إليها.


مقالات ذات صلة

وفاة سجين في «رومية» تحيي قضية «الموقوفين الإسلاميين»

المشرق العربي نزلاء سجن رومية ينتظرون قانون العفو العام (الوكالة الوطنية للإعلام)

وفاة سجين في «رومية» تحيي قضية «الموقوفين الإسلاميين»

عادت قضية «الموقوفين الإسلاميين» إلى الواجهة مع وفاة سجين السبت جرّاء أزمة قلبية والتأخر في تقديم الإسعافات له ما دفع برفاقه إلى التحرّك داخل سجن رومية المركزي.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)

غالانت: سنواصل ضرب «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال

جدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تأكيده على مواصلة المواجهات مع «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال إلى منازلهم.

«الشرق الأوسط»
تحليل إخباري سفراء «اللجنة الخماسية» خلال اجتماع لهم بسفارة قطر في بيروت (السفارة القطرية)

تحليل إخباري تبادل الشروط يبقى تفصيلاً أمام توافر النيات لانتخاب رئيس للبنان

يتجدد الرهان في لبنان على إمكانية إخراج الوضع السياسي من مرحلة تقطيع الوقت بانتخاب رئيس للجمهورية وظهور بوادر تشير إلى اعتزام «اللجنة الخماسية» استئناف جهودها.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)

معظم القوى اللبنانية لا تمانع حواراً مع النظام السوري لإعادة النازحين

عاد ملف النازحين السوريين في لبنان إلى الموائد السياسية اللبنانية.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لقافلة شاحنات تخلي بضائع من مخازن في ميس الجبل

تجار القرى الحدودية يسحبون بضائعهم بمواكبة الجيش اللبناني

نظّم الجيش اللبناني بالتنسيق مع القوات الدولية عمليات نقل بضائع مخزنة في مستودعات لتجار في مناطق جنوبي الليطاني التي تشهد مواجهات عنيفة بين إسرائيل و«حزب الله»

بولا أسطيح (بيروت)

طريق «أبيض - أبيض» تربط محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق نفوذ دمشق

تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)
تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)
TT

طريق «أبيض - أبيض» تربط محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق نفوذ دمشق

تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)
تصل «طريق أبيض» إلى بلدة الطبقة ونقطة العبور إلى المناطق الخاضعة للنظام والداخل السوري (الشرق الأوسط)

تمكنت سلطات «الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا» من إعادة افتتاح طريق رئيسية حيوية تربط محافظتَي الحسكة والرقة مع مناطق الداخل السوري، بإمكانات وجهود محلية، بعد توقف الطريق الرئيسية «إم4 (M4)» وخروجها عن الخدمة نهائياً بسبب التصعيد والقصف المتبادل بين الجيش التركي و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، في أعقاب سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة على مدينتَي رأس العين وتل أبيض في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهي المنطقة التي باتت تُعرف بمنطقة عملية «نبع السلام».

«طريق أبيض» قديمة، وعمرها يتجاوز 70 سنة، وعندما أعيد افتتاحها مؤخراً، أُطلق عليها اسم «طريق أبيض - أبيض»، أو ما تُعرف محلياً بـ«طريق السلام»، وهي تصل محافظتَي الحسكة والرقة بمناطق ومحافظات الداخل السوري، وتمتد على طول 170 كيلومتراً؛ تبدأ من دوار حي الغويران جنوب الحسكة، حتى «باب بغداد» الأثري شرق الرقة، وتستمر حتى معبر بلدة الطبقة، مروراً بالرقة، ومنها تكمل نحو محافظتَي حماة وحمص عبر بلدة السلمية وسط سوريا.

وكان «معبر الطبقة» تحول إلى منطقة تماس تفصل مناطق سيطرة القوات الموالية للرئيس السوري، عن مناطق سيطرة «قسد» المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.

«باب بغداد» الأثري في المدخل الشرقي لمحافظة الرقة شمالاً (الشرق الأوسط)

يقول هفال ريدور، وهو أحد المسؤولين عن الدوريات الأمنية المنتشرة على هذه الطريق، إن قوى الأمن الداخلي، وبالتنسيق مع قيادة المرور لشمال شرقي سوريا، «نصبت 16 حاجزاً ونقطة تفتيش على طول هذه الطريق لتأمينها والتدقيق في هوية العابرين، ولدينا نقطة كل 10 كيلومترات»؛ نظراً إلى أن المناطق صحراوية مترامية الأطراف ومتداخلة مع مناطق سيطرة القوات التركية وفصائلها الموالية من جهتها الشمالية، ومناطق سيطرة النظام السوري من الجهة الجنوبية.

وأضاف المسؤول الكردي أن الحواجز «متعاونة مع كل الوافدين أو المسافرين بين مناطق الإدارة، فالغرض هو حماية أرواح وممتلكات الأهالي الذين يسلكون هذه الطريق الحيوية وتأمينها»، بعد أن أُغلقت طريق «إم4 (M4)» بشكل كلي أمام حركة المسافرين.

السوق المركزية لمدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة (الشرق الأوسط)

وتعدّ «طريق أبيض» طريقاً حيوية تربط مناطق نفوذ «الإدارة الذاتية» في شمال شرقي البلاد وأقاليمها السبعة الخاضعة لسيطرتها، حيث تصل مدينتَي الحسكة والرقة ببلدة الطبقة، وتشكل عقدة مواصلات تربط باقي مناطق الإدارة، وتتفرع منها طريق إلى بلدة عين عيسى في الرقة، ومنها إلى مدينتَي منبج وعين العرب أو «كوباني»، وفق تسميتها الكردية، الواقعتين في الريف الشرقي لمحافظة حلب، كما تتصل بالطريق التي تربط بلدات ريف دير الزور الشرقي بمركز مدينة دير الزور، ومناطق سيطرة القوات النظامية في الضفة الجنوبية من نهر الفرات.

«طريق أبيض» الرئيسية تربط محافظتَي الحسكة والرقة شمال شرقي سوريا بطول 170 كيلومتراً (الشرق الأوسط)

ويفضل سائقو السيارات المدنية والشاحنات التجارية وحافلات نقل الركاب بين الحسكة والرقة والعاصمة دمشق، استخدام «طريق أبيض» لسلامتها. يقول لقمان (58 سنة)، وهو سائق حافلة «بولمان» ينقل الركاب من مناطق الجزيرة السورية إلى دمشق: «نسلك هذه الطريق ليلاً ونهاراً لضمان سلامتنا وسلامة الركاب، وهي أسرع طريق بعد إغلاق طريق حلب ودير الزور، حيث تستغرق الرحلة من الحسكة إلى دمشق نحو 16 ساعة»، بعد أن كانت هذه الرحلة تستغرق 24 ساعة؛ أي يوماً كاملاً في أوقات سابقة.

لافتة مرورية على «جسر الرشيد» بالرقة تشير إلى مناطق الداخل السوري (الشرق الأوسط)

ووفق «مركز جسور للدراسات»، تسيطر القوات النظامية على نحو 75 في المائة من الشبكة الطرقية في عموم سوريا، التي تُقدّر بـ53431.4 كيلومتر، بطول هو الأكبر مقارنة مع بقية أطراف النزاع.

أما «قسد» فتسيطر على نحو 16 في المائة من الشبكة الطرقية، بطول 11581.4 كيلومتر، فيما تسيطر فصائل المعارضة المسلحة و«هيئة تحرير الشام» على 12 في المائة من الشبكة الطرقية، بطول هو الأصغر ويقدّر بـ8842.4 كيلومتر.

لافتة مرورية تشير إلى مدينة حلب شمال سوريا على «طريق أبيض»... (الشرق الأوسط)

يذكر أن «طريق أبيض» يعود تاريخها إلى خمسينات القرن الماضي، وكانت طريقاً رئيسية تربط محافظتَي الحسكة والرقة، لكنها خرجت عن الخدمة بعد دخول طريق «إم4 (M4)» الخدمة، وكانت تصل محافظة حلب شمالاً بمدينة القامشلي شرقاً، وكانت شرياناً اقتصادياً يصل سوريا بالعراق وتركيا وشواطئ البحر الأبيض المتوسط، وباتت اليوم شريطاً حدودياً فاصلاً ومنطقة تماس بين المناطق الخاضعة لفصائل «درع الفرات» و«نبع السلام» الموالية لتركيا من جهة، و«قسد» المدعومة من التحالف الدولي من جهة ثانية، والقوات النظامية المدعومة من روسيا من جهة ثالثة.