سيناريوهات «اليوم التالي»... «هزيمة حماس» وعودة السلطة و«حل الدولتين»

عمارات دمرها الإسرائيليون في خان يونس قبل بدء الهدنة اليوم الجمعة (رويترز)
عمارات دمرها الإسرائيليون في خان يونس قبل بدء الهدنة اليوم الجمعة (رويترز)
TT

سيناريوهات «اليوم التالي»... «هزيمة حماس» وعودة السلطة و«حل الدولتين»

عمارات دمرها الإسرائيليون في خان يونس قبل بدء الهدنة اليوم الجمعة (رويترز)
عمارات دمرها الإسرائيليون في خان يونس قبل بدء الهدنة اليوم الجمعة (رويترز)

بحلول نهاية الأسبوع، يكون قد مر 50 يوماً على عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حركة «حماس» وردّت عليها إسرائيل بحرب مدمرة على قطاع غزة. وفي حين أن الحرب لم تنته بعد، إلا أن المؤشرات كلها توحي بأن «مستقبل غزة» وُضع على نار حامية في أروقة الدول الكبرى لتحديد شكل ما بات يُعرف بـ«اليوم التالي».

ولكن ماذا نعرف عن السيناريوهات التي تُرسم لـ«مستقبل غزة»؟

«هزيمة حماس»

تنطلق السيناريوهات التي تُناقش في الدول الغربية من «حتمية» انتهاء الحرب بـ«هزيمة حماس»، وعدم عودتها إلى حكم غزة من جديد. يقول مصدر غربي مطلع إن العواصم الكبرى مقتنعة بأن الحرب لن تنتهي قبل هزيمة «حماس» عسكرياً، مع الإقرار بأن هذه الحركة الفلسطينية ليست فقط قوة عسكرية بل هي «آيديولوجيا» لا يمكن القضاء عليها بالقوة فقط. ويوضح: «نحن نعرف أن (حماس) هي فكرة أيضاً، والفكرة تُهزم بفكرة»، مضيفاً أن القضاء عليها عسكرياً من دون هزيمتها كفكرة يخاطر بـ«أن نربح المعركة ونخسر الحرب».

ولكن قبل الوصول إلى مرحلة «محاربة الفكرة بفكرة»، لا بد من الوصول إلى مرحلة «هزيمة حماس عسكرياً»، وهو أمر تبدو الدول الغربية مقتنعة بأن إسرائيل قادرة على تحقيقه في حربها الحالية، على الرغم من الهدنة الموقتة التي تم التوصل إليها مع «حماس» في إطار صفقة تبادل الأسرى والرهائن. وفي حين تمكن الجيش الإسرائيلي من التوغل في عمق شمال غزة، إلا أن «حماس»، وكذلك جماعة «الجهاد الإسلامي» الأصغر منها، ما زالتا تعلنان يومياً سلسلة من العمليات والكمائن والتفجيرات وإطلاق الصواريخ، ما يعني أنهما قادرتان على مواصلة التصدي للغزو، على الأقل في المدى المنظور. ويتحصن مقاتلو «حماس» و«الجهاد» في سلسلة من الأنفاق التي تمتد أسفل مدينة غزة وضواحيها، وهو ما لا بد من مواجهته قبل أن يكمل الإسرائيليون سيطرتهم على شمال القطاع.

لكن المصدر الغربي البارز لا يبدو مقتنعاً بأن «حماس» ستكون قادرة على الصمود طويلاً شمال غزة، إذ يقول إن «إسرائيل تستعد الآن لبدء هجومها المرتقب على خان يونس»، ما يعني أن هدف القضاء على «حماس» عسكرياً لا يتعلق بشمال القطاع فقط، بل بجنوبه كذلك. وهذا الأمر لا بد وأن يثير مخاوف من موجة نزوح ضخمة جنوباً، في اتجاه الحدود مع مصر. ومعروف أن خان يونس تؤوي حالياً مئات آلاف الفلسطينيين الذين نزحوا أصلاً من شمال غزة؛ محور الهجوم الإسرائيلي الحالي.

طفل فلسطيني يجلس اليوم الجمعة على أنقاض منازل دمرها القصف الإسرائيلي على خان يونس (رويترز)

من يملأ الفراغ؟

وإذا ما تحقق سيناريو «هزيمة حماس»، كما تأمل إسرائيل والدول الغربية، فإن ذلك سيطرح مشكلة من سيملأ الفراغ الذي سينشأ بعد سقوط حكمها، المستمر منذ عام 2007، يقول المصدر الغربي إن التركيز حالياً يقوم على دور للسلطة الوطنية الفلسطينية في حكم القطاع، وهو أمر ربطته القيادة الفلسطينية في رام الله باتفاق أوسع يشمل «إنهاء الاحتلال» وتنفيذ حل سياسي ينتهي بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة أيضاً.

وفيما ترفض سلطة الرئيس محمود عباس أن تعود إلى غزة «على ظهر دبابة إسرائيلية»، وهو أمر تعرف أنه لا يمكن أن يلقى قبولاً شعبياً من الفلسطينيين، إلا أن السيناريوهات التي تُناقش في أروقة الدبلوماسيين الغربيين تضع هذا الأمر على رأس الخيارات المحتملة في المرحلة التي تلي هزيمة «حماس». ويقول المصدر الغربي المطلع إن من بين النقاشات المطروحة إعادة تأهيل بعض عناصر السلطة الوطنية في غزة من أجل إدارة القطاع في مرحلة مقبلة، مشيراً إلى أن السلطة ما زالت تدفع رواتب آلاف الموظفين الفلسطينيين الذين بقوا في القطاع بعدما سيطرت عليه «حماس» عام 2007 عقب حرب قصيرة انتهت بهزيمة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. و«إعادة تأهيل» عناصر السلطة في غزة لن تكون بالأمر الهين، إذ إن الراغبين من هؤلاء في لعب دور في إدارة القطاع سيخضعون أولاً لفحص أمني للتأكد من عدم علاقتهم بـ«حماس»، قبل السماح لهم بالانخراط في السلطة الجديدة التي ستقوم في غزة.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتلقى دعماً غربياً من أجل عودة السلطة إلى غزة بعد «هزيمة حماس» (إ.ب.أ)

ويبدو أن الرهان على دور السلطة من جديد في إدارة غزة جاء بعدما فشلت دول غربية في إقناع دول عربية بلعب جزء من هذا الدور من خلال إرسال قوات إلى القطاع. ويُقر المصدر الغربي البارز بأن الدول العربية التي أثير معها هذا الاحتمال رفضته قطعاً. ويبدو أن هذا الرفض مرتبط باقتناع الدول العربية المعنية بأن الأولوية هي لوقف الحرب ومساعدة سكان القطاع إنسانياً، قبل التفكير بمسألة «اليوم التالي» ومن سيحكم غزة حال سقط حكم «حماس».

وتساند بريطانيا، كغيرها من الدول الغربية، فكرة عودة السلطة إلى ممارسة دورها في غزة، وهو أمر لا بد وأن يكون وزير الخارجية البريطاني اللورد ديفيد كاميرون قد بحثه في زيارته الحالية لرام الله. ولفتت ناطقة باسم وزارة الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن موقف لندن من هذا الأمر ينص على تقديم «دعم جدي، عملي ومستمر للسلطة الفلسطينية لأنها الطريق الأفضل لإزاحة آفة (حماس) الرهيبة وكل ما تسببت به»، حسب ما أعلن رئيس الوزراء ريشي سوناك في خطابه أمام «مانشن هاوس» بلندن يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

إحياء «حل الدولتين»

وفي ظل الرفض العربي للمشاركة بقوات، ورفض السلطة الفلسطينية لعب دور سوى في إطار حل شامل، يبدو أن التركيز غربياً في المرحلة المقبلة سيكون على إعادة إحياء عملية السلام من أجل الوصول إلى تنفيذ «حل الدولتين». ويقول المصدر الغربي إن الولايات المتحدة تقول لمحاوريها إنها عازمة على إطلاق جهد كبير من أجل تطبيق حل الدولتين، انطلاقاً من اقتناعها بأن هزيمة «حماس» عسكرياً لا تكفي، وأن الفلسطينيين بحاجة إلى دولة تمثلهم وتعيش جنباً إلى جنب بجوار إسرائيل. ويضيف بأن الأميركيين قالوا سراً وعلناً إنهم يرفضون إعادة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، ويرفضون أي فكرة لتغيير حدوده الحالية، مشيراً إلى أن واشنطن تعد أن ملامح الحل معروفة، وهي إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، مع «تبادل للأراضي» بين الطرفين، في إشارة إلى تفاهمات ونقاشات سابقة على هذا الأمر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز ورئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو في قصر الاتحادية بالقاهرة اليوم (إ.ب.أ)

لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال اليوم الجمعة لدى استقباله رئيسي الوزراء الإسباني والبلجيكي في القاهرة، إن «إحياء مسار حل الدولتين فكرة استنفدت، وقد لا يكون هو الأمر المطلوب»، مشدداً على ضرورة التحرك «للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدخالها الأمم المتحدة».

وبغض النظر عن الموقف المصري، يمكن أن يصطدم المسعى الأميركي لإحياء «حل الدولتين» بأكثر من عقبة في المرحلة المقبلة. فهناك أولاً «العقبة الإسرائيلية»، إذ إن حكومة بنيامين نتنياهو تضم في صفوفها بعض غلاة المستوطنين الرافضين لقيام دولة فلسطينية، وهؤلاء يتمسكون بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية التي يطلقون عليها يهودا والسامرة، حسب التسمية التوراتية. والدفع في اتجاه تشكيل دولة فلسطينية سيهدد بلا شك بسقوط حكومة نتنياهو واللجوء إلى انتخابات جديدة، ربما يحقق فيها غلاة اليمين نتائج كبيرة بفعل ميل الشارع الإسرائيلي لتأييد المتطرفين كرد فعل على ما قامت به «حماس» في «طوفان» 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وإضافة إلى «عقبة» اليمين الإسرائيلي المتطرف، ستواجه إدارة بايدن عقبة أخرى محلية. فهي تستعد لحملة انتخابية صعبة ستكون على الأرجح في مواجهة خصم عنيد هو دونالد ترمب الذي تعطيه استطلاعات الرأي تقدماً كبيراً على منافسيه الجمهوريين، وأيضاً على خصمه الديمقراطي بايدن (الذي يتعرض لانتقادات يرتبط بعضها بتقدمه في السن). وترمب لن يتأخر، في حال فوزه، في تقديم دعم أكبر لإسرائيل، ولا يبدو أنه سيكون متحمساً من جديد لخيار إقامة دولة فلسطينية على النسق الذي تطالب به السلطة الفلسطينية. ومعلوم أنه في إدارته السابقة دعم توسع الاستيطان في الضفة، ونقل سفارة أميركا من تل أبيب إلى القدس، وأقر بسيادة إسرائيل على الجولان السوري. لكنه، في المقابل، نجح في إبرام الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل ودول عربية، كما أن صهره جاريد كوشنر قدّم مشروعاً ضخماً للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين يقوم على «حل الدولتين»، بحيث تقوم، إلى جانب إسرائيل، دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها في شرق مدينة القدس، متعهداً بضخ ما يصل إلى 50 مليار دولار لدعم الفلسطينيين من أجل تحقيق مشروعات اقتصادية ضخمة.

طريق صلاح الدين بوسط غزة... معبر النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه (أ.ب)

وإضافة إلى عقبتي اليمين الإسرائيلي وترمب، ستكون هناك عقبة ثالثة يتعين إيجاد حل لها قبل البحث في سيناريوهات «اليوم التالي»، وهي عقبة «حماس». فكل السيناريوهات المطروحة تقوم على أساس أنها ستُهزم عسكرياً وينتهي حكمها. لكن ذلك لم يتحقق بعد. وفي انتظار تحققه، ربما تنفجر جبهة الضفة الغربية، وجبهة الحدود اللبنانية، وتتوسع المواجهة بين الأميركيين والميليشيات المرتبطة بإيران في كل من سوريا والعراق، وربما اليمن أيضاً. وسواء انفجرت هذه الجبهات أم لا، فإن الواضح أن سيناريوهات «مستقبل غزة» ستنتظر جلاء غبار الحرب على القطاع، التي يأمل الإسرائيليون بأن تنتهي، كما يشتهون، بالقضاء على «حماس» وتوليهم حكم غزة عسكرياً لـ«فترة انتقالية» قد تطول أو تقصر بحسب اختمار خيارات من يحكم القطاع مستقبلاً.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

«نتنياهو المطلوب» يقلق إسرائيل على ضباطها

في ظلّ معلومات عن اتجاه دول أجنبية إلى تقليص اتصالاتها مع الحكومة الإسرائيلية غداة صدور مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، بنيامين نتنياهو، وأخرى بحق وزير دفاعه

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دهوك)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام إلى بلاده

قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)
قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)
TT

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام إلى بلاده

قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)
قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)

رأت أنقرة أنَّ الرئيس السوري، بشار الأسد، لا يريد السلام في بلاده، وحذرت من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب في الشرق الأوسط بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية آستانة»، التي أوقفت إراقة الدماء في سوريا. وأكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنَّ جهود روسيا وإيران، في إطار «مسار آستانة» للحل السياسي مهمة للحفاظ على الهدوء الميداني، لافتاً إلى استمرار المشاورات التي بدأت مع أميركا بشأن الأزمة السورية.

وقال فيدان، خلال كلمة في البرلمان، إنَّ تركيا لا يمكنها مناقشة الانسحاب من سوريا إلا بعد قبول دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود، مضيفاً أن موقف إدارة الأسد يجعلنا نتصور الأمر على أنه «لا أريد العودة إلى السلام».