هل المواجهة المفتوحة بين واشنطن والفصائل المسلحة تحرج الدبلوماسية العراقية؟

مشاة البحرية الأميركية يتفقدون قاذفة صواريخ محلية الصنع تم العثور عليها في الصحراء بالقرب من قاعدة عسكرية غرب العراق (أرشيفية - رويترز)
مشاة البحرية الأميركية يتفقدون قاذفة صواريخ محلية الصنع تم العثور عليها في الصحراء بالقرب من قاعدة عسكرية غرب العراق (أرشيفية - رويترز)
TT

هل المواجهة المفتوحة بين واشنطن والفصائل المسلحة تحرج الدبلوماسية العراقية؟

مشاة البحرية الأميركية يتفقدون قاذفة صواريخ محلية الصنع تم العثور عليها في الصحراء بالقرب من قاعدة عسكرية غرب العراق (أرشيفية - رويترز)
مشاة البحرية الأميركية يتفقدون قاذفة صواريخ محلية الصنع تم العثور عليها في الصحراء بالقرب من قاعدة عسكرية غرب العراق (أرشيفية - رويترز)

على الرغم من عبارات الإدانة التي حملها بيان الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية بشأن القصف الأميركي الأخير لعدد من مقرات الفصائل المسلحة غرب وجنوب غربي بغداد، فإنه لم يرتق إلى مستوى تقديم الاحتجاج الرسمي مثلما علقت أطراف عراقية مناوئة للوجود الأميركي في العراق.

اللغة الدبلوماسية التي كتب بها البيان بدقة بدت كما لو كانت تسير على حبل مشدود بين الولايات المتحدة من جهة والفصائل المسلحة المقربة من إيران من جهة أخرى.

ففي الوقت الذي طالما كررت فيه الحكومة العراقية حاجتها إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فضلاً عن تمسكه باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن عام 2009، فإنها من جانب آخر لا تستطيع المضي باتجاه المزيد من التصعيد مع هذه الفصائل لأسباب عاطفية تتصل بالحرب في غزة.

اللهجة التي تضمنها البيان الحكومي العراقي اكتفت بما هو وارد في بيانات ذات لمسة دبلوماسية معتادة بين الدول حتى وإن بدت شديدة أحياناً.

البيان يقول: «ندين بشدة الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر، والذي جرى من دون علم الجهات الحكومية العراقية؛ ما يُعد انتهاكاً واضحاً للسيادة، ومحاولة للإخلال بالوضع الأمني الداخلي المستقر، فالحكومة العراقية هي المعنية حصراً بتنفيذ القانون، ومحاسبة المخالفين»، فالقول بأن الهجوم تم دون علم الحكومة العراقية بدا رسالة احتجاج لواشنطن لجهة عدم التنسيق معها رغم اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تلزمها بذلك، كما بدا بمثابة رسالة تطمين للفصائل المسلحة بأن الحكومة لم تمنح واشنطن الضوء الأخضر بأي شكل من الأشكال.

ليس هذا فقط فإن البيان الحكومي كان قد كرر الترحيب بالتحالف الدولي، وذلك لجهة القول إن «وجود التحالف الدولي في العراق هو وجود داعم لعمل قواتنا المسلحة عبر مسارات التدريب والتأهيل وتقديم الاستشارة، وإن ما جرى يُعدّ تجاوزاً واضحاً للمهمة التي توجد من أجلها عناصر التحالف الدولي لمحاربة (داعش) على الأراضي العراقية؛ لذلك فإنها مدعوة إلى عدم التصرف بشكل منفرد، وأن تلتزم سيادة العراق التي لا تهاون إزاء خرقها بأي شكل كان».

البيانات التي صدرت من عدد من القيادات العراقية الشيعية تحديداً تراوحت بين شدة لهجتها مع تكرار الدعوة للحكومة بتنفيذ قرار البرلمان الصادر عام 2020 بإخراج القوات الأميركية من البلاد، ومحاولتها التوفيق بين التنديد والدبلوماسية.

فهادي العامري زعيم تحالف الفتح، وقيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق، دَعَوَا إلى إخراج الأميركان، وهي الدعوة التي طالما تكررت عشرات المرات طوال السنوات الماضية، في حين راوح زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بين التنديد وترك مساحة للعمل الدبلوماسي عبر تأكيده في البيان الذي أصدره أن «الحكومة العراقية ملتزمة بحماية البعثات الدبلوماسية»، وهو ما يعني أن التعهد قائم لجهة حماية البعثات لا القواعد التي يوجد فيها الأميركان.

على صعيد البعثات الدبلوماسية، فإن السفارة الأميركية التي تحتل المساحة الأكبر داخل المنطقة الخضراء المحصنة والمطلة على نهر دجلة لم تتعرض إلى أي قصف من أي نوع طوال فترة التصعيد الأخيرة.

كما أن السفارة نفسها لم تطلق، ولو من باب التجريب، منظومة «سيرام» التي تحمي السفارة، مثلما كانت تفعل سابقاً حين كانت هدفاً للفصائل التي كانت تنفي مسؤوليتها وعلمها بتلك الضربات لا سيما أيام حكومة رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي.

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بدا حائراً حين استقبل السفيرة الأميركية في بغداد إلينا رومانسكي، التي بدت هي الأخرى حائرة في كيفية التعامل مع أزمة التصعيد الأخيرة، عندما وسعت الفصائل المسلحة نطاق هجماتها، وإن لم تطل السفارة خصوصاً بعد أن وسعت واشنطن في مقابل ذلك نطاق الضربات لتصل إلى عقر دار تلك الفصائل.

الوزير حسين، وخلال البيان الذي صدر عقب لقائه رومانسكي، لم يسلمها رسالة احتجاج دبلوماسية، وهو ما أخذه عليه العديد من الأطراف السياسية العراقية المقربة من الفصائل ما يوحي بأن بغداد وإن أدانت الهجمات فإن لهجتها الدبلوماسية لم تبلغ حد الاحتجاج الرسمي.

واكتفى البيان الذي صدر، الخميس، بالقول إن وزير الخارجية فؤاد حسين أكد رفض بلاده التصعيد الأميركي الأخير المتمثل بقصف موقعين تابعين للفصائل المسلحة ضمن «الحشد الشعبي»، معتبراً ذلك تجاوزاً لسيادة العراق، فيما هاجمت الفصائل مجدداً قاعدة حرير التي تضم جنوداً أميركيين في أربيل بإقليم كردستان.

وأضاف البيان أن «الوزير أكد للسفيرة رفضه للتصعيد الأخير الذي شهدته الساحة العراقية خلال اليومين الماضيين»، مشدداً على أنه «تصعيد خطير، وفيه تجاوز على السيادة العراقية، التي نلتزم بصونها وحفظها، بحسب الواجبات الدستورية والقانونية للحكومة».

وأكد «إدانة حكومة العراق للهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر والذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية»، عاداً ذلك انتهاكاً واضحاً للسيادة العراقية، وأنه «مرفوض بالاستناد للسيادة الدستورية العراقية والقانون الدولي». ‏

هذا التوازن في اللهجة الدبلوماسية بين فعل مرفوض تقوم به الفصائل المسلحة لجهة استهداف الوجود الأجنبي ضمن قواعد عسكرية عراقية، وفعل مرفوض هو الآخر تقوم به الولايات المتحدة الأميركية ضد مواقع عراقية، يبدو مقبولاً لتحقيق التوازن النسبي.

فمن وجهة نظر بغداد، فإنه في الوقت الذي ينبغي فيه الحفاظ على أمن البعثات الأجنبية، فإنه في مقابل ذلك يجب على واشنطن احترام القواعد والأماكن العراقية التي توجد فيها الفصائل المسلحة، لا سيما أن بعضها مرتبطة بـ(الحشد الشعبي) الذي هو هيئة رسمية عراقية ضمن المنظومة الأمنية.

والسؤال الذي يطرحه الخبراء والمعنيون هو: هل استمرار بغداد في لهجة التوازن هذه يمكن أن يبقي قواعد الاشتباك بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة ضمن حدودها المقبولة دون أن تبلغ مرحلة كسر العظم؟ ومرحلة كسر العظم التي تمثل أكبر إحراج للحكومة العراقية هي قيام الفصائل بقصف السفارة الأميركية أو قيام الولايات المتحدة باستهداف مباشر لبعض قادة تلك الفصائل، عندها سيختلف المشهد وتتغير قواعد الاشتباك وهو ما تخشاه بغداد وتحذر منه في الوقت نفسه.



إسرائيل تواصل تطبيق مفهومها لوقف النار بـ8 غارات على الحدود اللبنانية - السورية

قائد سلاح الجو الإسرائيلي يزور معرضاً لأسلحة غنمها الجيش من «حزب الله» (الجيش الإسرائيلي)
قائد سلاح الجو الإسرائيلي يزور معرضاً لأسلحة غنمها الجيش من «حزب الله» (الجيش الإسرائيلي)
TT

إسرائيل تواصل تطبيق مفهومها لوقف النار بـ8 غارات على الحدود اللبنانية - السورية

قائد سلاح الجو الإسرائيلي يزور معرضاً لأسلحة غنمها الجيش من «حزب الله» (الجيش الإسرائيلي)
قائد سلاح الجو الإسرائيلي يزور معرضاً لأسلحة غنمها الجيش من «حزب الله» (الجيش الإسرائيلي)

واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان، رغم مضي شهر على اتفاق وقف النار، معلنة عن إحباط محاولات لـ«حزب الله» إدخال أسلحة إلى لبنان عبر الحدود مع سوريا؛ ما يطرح علامة استفهام حول إمكانية تكريس هذا الواقع بعد انتهاء مهلة الشهرين التي نص عليها الاتفاق لانسحاب إسرائيل ووقف الخروق.

وأعلن قائد سلاح الجو، الجنرال تومر بار، استهداف 8 معابر على الحدود السورية اللبنانية «بعد أن أدركنا أن (حزب الله) يحاول تجربتنا وإدخال وسائل قتالية عبرها مجدداً». وأضاف: «هم يحاولون رفع رأسهم وفحص إلى أي مدى نطبق هذه التفاهمات. لن نتسامح مع ذلك».

محاور نقل الأسلحة

وأعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عن مهاجمة بنى تحتية تم استخدامها لنقل وسائل قتالية على الحدود السورية - اللبنانية، مشيراً إلى أن «طائرات حربية تابعة لسلاح الجو أغارت على بنى تحتية في معبر جنتا على الحدود السورية - اللبنانية تم استخدامها لنقل وسائل قتالية عبر سوريا إلى (حزب الله)».

وقال إن «هذه الغارات تأتي في إطار الجهود الهادفة لضرب نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان وعرقلة جهود «حزب الله» لإعمار محاور نقل الأسلحة، وسنواصل العمل لإزالة كل تهديد على إسرائيل، وفق تفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار».

أما «الوكالة الوطنية للإعلام»، فأفادت بأن الطيران المعادي استهدف 3 مواقع في جرود قوسايا بالبقاع، بينما سُجِّل تحليق للطيران الحربي الإسرائيلي على علوّ منخفض فوق مناطق في البقاع، شرق لبنان. وهذه المرة الثانية التي يستهدف فيها الطيران الإسرائيلي منطقة البقاع، بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

* تدخل الجيش و«اليونيفيل»

تأتي هذه التطورات بُعَيد ساعات من توغل الجيش الإسرائيلي داخل مناطق لبنانية جنوب لبنان لم يكن قد دخلها خلال الحرب، قبل أن يقرر الانسحاب منها.

صورة العام لوكالة «أ.ف.ب» تُظهِر اعتراضاً إسرائيلياً لصواريخ أطلقها «حزب الله» خلال الحرب الأخيرة

وقامت دورية مشتركة من الجيش اللبناني والكتيبة الإندونيسية العاملة في «اليونيفيل»، الجمعة، بالكشف على الأماكن التي توغلت فيها القوات الإسرائيلية بمنطقة وادي الحجير والطريق الذي يربطها بالقنطرة وعدشيت القصير، ووصلت حتى أطراف وادي السلوقي باتجاه حولا. وأشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أنه «تمَّت إزالة السواتر الترابية التي أنشأها العدو على بعض الطرقات الفرعية، قبل أن تغادر بعد التثبت من انسحاب قواته من المكان».

لبنان طالب لجنة الإشراف الدولية بالضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها (أ.ب)

* خيارات «حزب الله»

ويعتبر الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية العميد المتقاعد خليل الحلو أن «هناك عوامل محلية وأخرى خارجية تجعل الإسرائيلي يتمادى بخروقاته لاتفاق وقف النار»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «فيما يتعلق بالعوامل المحلية، فإن دخول وادي الحجير و4 بلدات محيطة به، وهي عملياً بعيدة عن أماكن وجودها جنوبي الليطاني، قد يهدف؛ إما للسيطرة على عتاد وسلاح موجود في مراكز قتالية هناك، أم أنه يندرج في إطار عملية استطلاع ردة فعل الحزب والدولة اللبنانية»، مضيفاً: «كما أن العامل السوري أساسي في هذا المجال، خاصة بعد سيطرة إسرائيل على السلسلة الشرقية وجبل الشيخ وقمتين مرتفعتين، وابتعاد قواتها 20 كلم فقط عن طريق بيروت دمشق. وبالتالي، لا نستبعد أن تكون إسرائيل تستعد للتقدُّم؛ سواء في الداخل السوري أو اللبناني، في حال انتقلت سوريا إلى حالة من الفوضى».

ويعتقد الحلو أن «إسرائيل قد لا تنسحب بعد 60 يوماً من الأراضي اللبنانية، وهذا مرتبط بالوضع السوري غير المستقر».

أما عن كيفية تعامل «حزب الله»، مع هذا الواقع، فيرى أن «الحزب، ومع انقطاع خطوط إمداده عبر سوريا، والسيطرة على قسم كبير من مخازن سلاحه هناك، لم يعد قادراً على الانخراط في أي حرب، خاصة أن الطرف الإسرائيلي حالياً في أوج قوته، وأن موازين القوى الحالية ليست لصالحه على الإطلاق؛ لذلك نرجح أن يحافظ على خطابه الحالي، حفاظاً على وجوده، من دون أن ينتقل إلى ترجمته على أرض الواقع». ويضيف: «هناك هدفان حصراً لـ(حزب الله) راهناً: الأول الحفاظ على ما تبقى من قوته العسكرية، والثاني استثمارها للحفاظ على قوته السياسية. وبالتالي، أياً كان التمادي الإسرائيلي، فهو لن ينجرَّ مجدداً إلى الحرب».

* موقف الحكومة

في هذا الوقت، نفى لمكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، المعلومات التي تحدثت عن أن «لبنان تبلَّغ بالواسطة أن إسرائيل لن تنسحب من الجنوب، بعد انقضاء مهلة الستين يوماً من الهدنة». وأكد المكتب على «الموقف الثابت الذي أبلغه ميقاتي إلى جميع المعنيين، وفي مقدمهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وهما راعيتا تفاهم وقف إطلاق النار، وينصّ على ضرورة الضغط على العدو الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي اللبنانية التي توغَّل فيها، ووقف خروقاته وأعماله العدائية»، مشدداً على أن «الجيش يقوم بواجبه في مناطق انتشاره، وباشر تعزيز وجوده في الجنوب طبقاً للتفاهم».