انقطاع الاتصالات والإنترنت يزهق مزيداً من الأرواح في غزة

عادة ما يترافق مع هجمات إسرائيلية واسعة وسقوط المزيد من الضحايا

سيدة فلسطينية تصل إلى عربة ويساعدها أحد أفراد الهلال الأحمر في قطاع غزة (وكالة أنباء العالم العربي)
سيدة فلسطينية تصل إلى عربة ويساعدها أحد أفراد الهلال الأحمر في قطاع غزة (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

انقطاع الاتصالات والإنترنت يزهق مزيداً من الأرواح في غزة

سيدة فلسطينية تصل إلى عربة ويساعدها أحد أفراد الهلال الأحمر في قطاع غزة (وكالة أنباء العالم العربي)
سيدة فلسطينية تصل إلى عربة ويساعدها أحد أفراد الهلال الأحمر في قطاع غزة (وكالة أنباء العالم العربي)

تواجه حالات من المصابين والجرحى في قطاع غزة أزمة في الإبلاغ عن الإصابة بسبب انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت، ويعجز المواطنون المحيطون بالمنازل عن الاتصال برقم طوارئ الإسعاف، ما يضطر البعض للهرولة بسيارة مدنية إلى المستشفى لإبلاغه بضرورة انتقال سيارة إسعاف، قبل أن تنطلق سيارة الإسعاف إلى مكان المصاب وتعود به للمستشفى.

وتعد هذه المرة الثالثة التي تنقطع فيها خدمات الاتصالات عن قطاع غزة منذ اشتعال الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لتكشف الحرب عن وجه مأساوي آخر يتمثل في بطء وصول المصابين الذين يفترض نقلهم بأقصى سرعة، وتضاؤل فرص إنقاذهم.

وتتكرر مثل هذه المشاهد مع كل مرة تنقطع فيها الاتصالات، ويعجز القطاع الصحي عن أداء رسالته في إنقاذ المصابين لعدم القدرة على استدعاء خدمات الطوارئ إلا بعد مرور وقت طويل، وفي الأثناء تذهب أرواح.

ويصف أنيس الأسطل، مدير الإسعاف بمستشفيات جنوب قطاع غزة، انقطاع الاتصالات «بانقطاع أمل الحياة» لكثير من طالبي خدمات الإسعاف والصحة.

ويضيف: «انقطاع الاتصالات وجه آخر للحرب يزيد من كارثيتها بالنسبة لخدمات الإسعاف، لعدم القدرة على التواصل بين الجمهور ومقدمي الخدمات، فضلاً عن غياب التنسيق مع جهات أخرى تعمل بمجال الإسعاف كالهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني وأقسام الطوارئ بالمستشفيات ونحوها».

مستشفى في خان يونس بقطاع غزة يستقبل الجرحى وسط أوضاع متأزمة للقطاع الطبي وسط القصف (وكالة أنباء العالم العربي)

وفي حين يشير إلى الصعوبات الجمة التي تواجه إدارة العملية برمتها حتى بين المسعفين ومساعديهم وآليات استدعائهم للخدمة وغيرها، فإنه يؤكد تأثر القطاع الصحي بكافة جوانبه بحالة غير مسبوقة من غياب التنسيق، وأحياناً كثيرة عدم الإيفاء بالحد الأدنى من الأعمال المطلوبة.

يقول: «بعض الإصابات والجثامين تبقى لساعات طويلة بمواقع القصف قبل وصول سيارات الإسعاف، خاصة إذا حدث القصف ليلاً وانتظر المواطنون حتى الصباح خشية استهدافهم، قبل إبلاغ الطوارئ التي تنتظر بالمستشفيات لتتجه للمواقع المستهدفة».

ويضيف: «أحياناً تنطلق بعض سيارات الإسعاف من تلقاء نفسها إلى أماكن تتوقع تعرضها للقصف بحسب اتجاه صوت الانفجار، وتتوجه إليها دون التنسيق فيما بينها وبين المركز الرئيسي، ما يطيل أمد إنقاذ المصابين ويضيع مزيداً من جهود المسعفين الذين يتعرضون لضغوط كبيرة».

فصل الإنترنت... حجب للصورة

ورغم فصل الاحتلال الاتصالات في وقت سابق عن غزة بشكل متعمد قبل إعادتها، اضطر قطاع الاتصالات الفلسطيني هذه المرة لوقف خدماته لعدم توفر السولار الذي يشغل مولدات الكهرباء الخاصة بأقسام الاتصالات الثابتة والمحمولة، فضلاً عن تعرضها لأضرار بالغة جراء الحرب التي أثرت على جودة الخدمات المقدمة.

وإذا كان القطاع الصحي يدفع ثمن انقطاع الاتصالات بشكل مباشر، فهناك قطاعات أخرى تتضرر بصورة كبيرة، من بينها وسائل الإعلام التي يعتمد عملها في الأساس على الاتصالات لمعرفة ومتابعة الأحداث الميدانية عبر التواصل مع الأهالي والمسؤولين في مختلف الدوائر والهيئات، فضلاً عن عملية إرسال واستقبال المواد الإعلامية عبر الإنترنت داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.

ويقف الصحافي هاني الأغا عاجزاً أمام معضلة إرسال مواده الإعلامية كالنصوص والصور وتسجيلات الفيديو التي يوثقها خلال يوم عمله إلى الجهات المتعاقد معها، جراء انقطاع الإنترنت انقطاعاً كاملاً، بالإضافة إلى الصعوبات الميدانية في التحرك للتعرف على أماكن القصف والقصص الصحافية المطلوب توثيقها، وفقاً لتقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي».

لجأ الأغا إلى بدائل غير محلية لتوفير خدمة الإنترنت، لكن محاولاته تعثرت ولم تؤدِّ هذه البدائل المهمة المرجوّة، ما تسبب مباشرة في عرقلة عمله وضياع وقت بث ونشر المواد التي وثقها. ويؤكد أن الاتصالات والإنترنت أزمة كبيرة تضاف إلى التحديات التي تواجه الصحافيين، ومنها سلامتهم المهنية ودفع أرواحهم ثمناً لنقل الحقيقة.

ويعد الأغا أن توفير خدمات الإنترنت والاتصالات لا يقل أهمية عن توفير الطعام والشراب للفلسطينيين خلال المرحلة الحالية، ليس لتسيير وتيسير مختلف جوانب الحياة فحسب، لكن لأنها أساسية بالنسبة للإعلام من أجل رصد وتوثيق وتعميم كارثية الحرب، وضمان عدم ضياع الصورة الحقيقية عن العالم.

على صعيد آخر، تواجه القطاعات الخدمية تحديات كبيرة خلال فترة انقطاع الاتصالات، ما يؤثر على تقديم خدماتها للفلسطينيين الذين هم بأمسّ الحاجة إليها، خصوصاً على صعيد إمدادات المياه المنزلية ومياه الشرب. يضاف إلى ذلك المساعدات الإنسانية والإغاثية وتوزيعها على النازحين والمقيمين سواء في مراكز الإيواء أو خارجها.

تزايد قلق الأقارب في الخارج

بيد أن البعد الإنساني يمثل جانباً مهماً آخر خلال انقطاع الاتصالات والإنترنت، خصوصاً للفلسطينيين خارج غزة الذين يتواصلون مع ذويهم داخلها بشكل مستمر للاطمئنان عليهم، فيجيء الانقطاع ليزيد كثيراً من قلقهم ومخاوفهم من احتمال تعرض أقاربهم وأحبابهم لمكروه في الحرب.

وبمجرد عودة خدمات الاتصال، تنهال الرسائل والمكالمات على أهل غزة من أقاربهم خارج القطاع، كما هو الحال مع الأم الفلسطينية أمل عمران التي وجدت عشرات وعشرات من الرسائل من ابنها وشقيقاتها وأقاربها المغتربين في عدد من الدول العربية والأوروبية، جميعهم قلقون يستفسرون عن أحوالها وسائر أفراد العائلة... وعن سبب الانقطاع.

وتصف الأم انقطاع الاتصالات بفصل غزة عن الحياة، فهو يفقدها القدرة على الاطمئنان على ابنها الطبيب بالمستشفى وبقية أبنائها وعلى زوجها، ويزيد من حالة القلق لدى أقاربها خارج غزة، وتدعو الجهات الفلسطينية ذات الصلة والمؤسسات الدولية لمنع تكرار هذا الانقطاع الذي يصيب الناس بحالة خوف وهلع وريبة.

ويسود انطباع عام بأن انقطاع الاتصالات عادة ما يترافق مع هجمات إسرائيلية واسعة وسقوط المزيد من الضحايا، في ظل تغييب متعمد لنقل صورة الواقع إلى العالم، ما يزيد من توتر الغزاويين ويشعرهم بأنهم في عزلة عن العالم.

ويعد الاختصاصي المجتمعي محمد أبو عمر أن الأمر يتجاوز تلبية حاجات الناس إلى التأثير على أوضاعهم النفسية، وخصوصاً أنهم لا يعرفون ما يدور حولهم ولا يعرف العالم ما يحدث عندهم على الأرض.

ويقول: «نشعر أننا خارج الزمن وفي حالة انفصال عن العالم، وكأننا عدنا لما قبل اكتشاف عالم الاتصالات السلكية واللاسلكية».

ويؤكد: «تفاصيل الحياة اليومية تتأثر بشكل مباشر، وتداعيات انقطاع الاتصالات تنقضّ على قلوب الناس وعقولهم بشكل غير مسبوق»، ويتابع: «تخيل كيف ستبدو أوضاع ونفسية أي شخص منقطع ومعزول عن محيطه وعن العالم ويدرك أنه ممكن أن يكون هدفاً قادماً للقصف دون أن يستطيع الاتصال بالإسعاف أو الدفاع المدني لإنقاذه وعائلته!».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي منظمة «أنيرا» الأميركية الخيرية توزع ماء على فلسطينيين في غزة (حساب المنظمة عبر منصة «إكس»)

منظمة خيرية أميركية تعلن مقتل 4 أشخاص في غارة إسرائيلية بغزة

أعلنت منظمة «أنيرا» الأميركية الخيرية مقتل 4 أشخاص كانوا يرافقون إحدى قوافلها جنوب قطاع غزة في غارة جوية إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية باللغة العربية سام وريبرغ (تصوير سعد العنزي) play-circle 01:24

خاص واشنطن: لا مستقبل لـ«حماس» في حكم غزة بعد الحرب

وصف مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية انتقال المفاوضات بين حركة «حماس» وإسرائيل إلى مجموعات عمل تضم متخصصين لبحث الاتفاق بـ«التقدم الإيجابي».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي دخان يتصاعد من دير البلح في قطاع غزة بعد قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

غارات إسرائيلية تقتل العشرات بقطاع غزة... وتوغل للدبابات في خان يونس

أسفرت غارات إسرائيلية على قطاع غزة عن مقتل 34 فلسطينياً على الأقل اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مشيعون داخل «مستشفى ناصر» في خان يونس جنوب قطاع غزة بجانب جثث فلسطينيين قتلوا بغارات إسرائيلية (رويترز) play-circle

غزة: محادثات «فنية» في الدوحة اليوم بشأن وقف إطلاق النار

يجتمع مفاوضون من إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر في الدوحة اليوم؛ لإجراء محادثات «فنية وعلى مستوى فرق العمل» بشأن وقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)

غالانت: سنواصل ضرب «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال

سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)
سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)
TT

غالانت: سنواصل ضرب «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال

سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)
سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)

جدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تأكيده على مواصلة المواجهات مع «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال إلى منازلهم، في وقت ساد فيه الهدوء الحذر على جبهة جنوب لبنان، الأحد، بعد توتّر شهده مساء السبت.

وقال غالانت، في تصريح له عند الحدود الشمالية: «الثمن الذي ندفعه لن يذهب سدى، وسنواصل ضرب (حزب الله) حتى نعيد سكان الشمال».

ومساءً، ذكرت وسائل إعلام أن رشقة صاروخية كبيرة أطلقت من جنوب لبنان باتجاه الأراضي الإسرائيلية، مع تسجيل انفجار صواريخ اعتراضية في أجواء القطاع الغربي.

وكان قصف متقطع سجل على بلدات جنوبية عدة؛ ما أدى إلى سقوط 4 جرحى، فيما نفذ «حزب الله» عملية مستهدفاً «التجهيزات التجسسية في موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا»، و«دورية للجيش الإسرائيلي قرب حاجز كفريوفال»، و«انتشاراً لجنود إسرائيليين في محيط موقع المرج بالأسلحة الصاروخية».

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن مسيّرة شنت غارة استهدفت بلدة عيتا الشعب؛ ما أدى إلى سقوط 4 جرحى، وفق ما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية.

وأفادت الصحة أيضاً بأن "الغارة الإسرائيلية المعادية التي استهدفت بلدة بيت ليف، أدت إلى استشهاد شخص وإصابة شخصين بجروح، ومن بين الجريحين سيدة جروحها بليغة".

وأشارت «الوطنية» إلى أن درون إسرائيلية ألقت قنابل 4 مرات، الأحد، بالقرب من الجدار الحدودي في بلدة كفركلا.

وأضافت «الوطنية» أن مسيّرة إسرائيلية ألقت مواد حارقة بالقرب من بلدية العديسة، بالتزامن مع قصف مدفعي على البلدة وعلى أطراف بلدة الوزاني.

وكان مساء السبت شهد توتراً على الجبهة؛ حيث تعرضت أطراف يحمر الشقيف ومجرى النهر عند الأطراف الجنوبية فيها لقصف مدفعي، تسبب في اندلاع النيران التي امتدت إلى مشارف المنازل.

وأفادت «الوكالة» أيضاً بأن مسيّرة إسرائيلية ألقت قنبلة حارقة على أحراج العديسة وأخرى قرب البلدية؛ مما تسبب باندلاع النيران فيها، وللسبب نفسه، تحركت سيارات إطفاء لإخماد حريق كبير شبّ في أطراف بلدة الناقورة جراء إلقاء طائرة درون مواد حارقة في المنطقة، حسب «الوطنية».

ومع ارتباط جبهة الجنوب بالحرب على غزة ومسار مفاوضات الهدنة، يعدُّ رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي الوضع بجبهة الجنوب في هذه المرحلة كما كان عليه منذ أن فتح «حزب الله» جبهة الإسناد في 8 أكتوبر (تشرين الأول)، مع تراجع في مستوى تهديدات «حزب الله». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الاختلاف اليوم هو أن سقف تهديدات قادة (حزب الله) بات أكثر محدودية مع اقتناعهم بأن التصعيد لم يردع إسرائيل بل كان يوفر الذرائع لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لجر الحزب لحرب واسعة لا تريدها إيران».

وفي حين يلفت إلى أن «الرد على اغتيال القيادي فؤاد شكر لم يكن بمستوى التهديدات والتوقعات وسبقه ضربات استباقية عنيفة من جانب إسرائيل»، يشير إلى «الغارات الجوية اليومية للطيران الإسرائيلي وعمليات الاغتيال المستمرة مقابل ضربات للحزب محصورة بمنطقة جغرافية وعدد من المواقع الإسرائيلية قرب الحدود».

جانب من الدمار الذي لحق بمباني ميس الجبل في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

من هنا يرى أن هذا الواقع سيستمر على ما هو عليه بانتظار حل دبلوماسي، تسعى إليه قوى مثل أميركا وفرنسا، سيأتي بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكن السؤال يبقى، حسب قهوجي «ماذا سيفعل الحزب إن تمكنت إسرائيل من اغتيال شخصية قيادية جديدة للحزب أو إذا أصرت إسرائيل على تغيير الواقع العسكري في جنوب لبنان بشكل كبير؟».