في الوقت الذي التزمت فيه الحكومة الإسرائيلية أمام الإدارة الأميركية بالامتناع عن فتح جبهة ثانية مع لبنان إلى جانب حرب غزة، كشفت مصادر سياسية أن قادة الجيش الإسرائيلي أبلغوا رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو بأنه لا مفر من توجيه ضربة شديدة لـ«حزب الله»، رداً على التصعيد الجديد الذي أقدم عليه في اليومين الأخيرين، وأن هذه الضربة يجب أن تكون موجعة وفي الضاحية لبيروت حتى تكون رادعة.
وقال معظم الخبراء العسكريين الإسرائيليين، الاثنين، إن «حزب الله» قام بتوسيع إطلاق القذائف والصواريخ إلى مناطق بعيدة في إسرائيل، شملت مدينتي عكا ونهريا والبلدات في خليج حيفا وفي الجليل الغربي. ووفق طال ليف رام، المحرر العسكري لصحيفة «معاريف»، فإن هناك معضلة لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية حول فتح جبهة ثانية مع «حزب الله»، إذ إن من شأن ذلك أن يؤثر في اتخاذ القرارات حول تنفيذ الخطط الحربية في قطاع غزة. ولكنه في الوقت نفسه «يوجد إدراك لديها أنه ليس بالإمكان بعد الآن الاستمرار في احتواء عدوانية (حزب الله) من خلال الدفاع فقط، وينبغي مهاجمة الخلايا قبل أو بعد تنفيذها إطلاق نار ومهاجمة بنية تحتية لـ(حزب الله)، وأن ثمة حاجة لتصعيد العمليات الهجومية أكثر، بحيث يدفع (حزب الله) ثمناً، من دون التدهور إلى تصعيد سريع يعني انتقال ساحة الحرب المركزية شمالاً (مقابل لبنان)، ويتطلب تجميد الوضع بكل ما يتعلق بالجبهة الجنوبية مقابل (حماس)».
ويرى المحرر العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل أن «هناك خطراً ملموساً لحدوث سوء فهم في الجبهة الشمالية». ويوجد تخوُف من ألا تستطيع إسرائيل أن تسيطر على وتيرة وشدة التصعيد. و«حزب الله» يدرك، وفق اعتقاده، أنه ليس حراً بإطلاق قذائف «هاون» وحسب، وإنما وسائل متنوعة جداً، بينها طائرات هجومية من دون طيار، وصواريخ «كاتيوشا»، وقذائف مضادة للمدرعات. وهذا بدأ يجبي ثمناً من الجيش الإسرائيلي، خصوصاً بعد وصول القذائف إلى خليج حيفا؛ لذلك رد الجيش الإسرائيلي بتصعيد مقابل، وقصف لأول مرة في عمق 40 كيلومتراً تقريباً في الأراضي اللبنانية، فأصاب منصة صواريخ أرض – جو إيرانية من طراز «إس - آي - 67»، يحاول «حزب الله» أن يسقط بواسطتها طائرات من دون طيار إسرائيلية». وكشف هرئيل أن الجيش الإسرائيلي يستغل هذا التصعيد من أجل إبعاد عوامل إزعاج ستستخدم لاحقاً، بينها مواقع قوة «الكوماندوس» رضوان، وقسم من منظومات «حزب الله» المضادة للطائرات والمضادة للمدرعات.
اقرأ أيضاً
وكان رؤساء البلديات في البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية، الذي جرى إجلاؤهم عن هذه البلدات، قد هددوا بعدم العودة إلى البلدات من دون حل يؤدي إلى «إزالة تهديد قوة رضوان» في «حزب الله» وإبعاد مقاتليها عن الحدود، تحسباً من تكرار سيناريو 7 أكتوبر في هذه البلدات.
وفي الوقت الذي يتهم فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه يطيل الحرب كي يطيل عمر حكومته، يتبنى اليمين وجهة نظر قادة بلدات الشمال، ويطالب هو أيضاً بالتصعيد ضد «حزب الله». وكتبت المعلقة السياسية والأمنية في صحيفة اليمين «يسرائيل هيوم»، شيريت أفيتان كوهن، الاثنين، أن السكوت على «حزب الله» بات مثل لعبة الروليتا الروسية. ولكن قادة «حزب الله» هم الذين يقررون من يعيش ومن يموت. وتضيف: «(حسن) نصر الله يرفع مستوى اللهيب يوماً إثر يوم، مع عشرات صواريخ مضادات الدروع على المدنيين أيضاً – وليس (فقط) على الجنود. الوزراء ورئيس الوزراء والمنظومة العسكرية في إسرائيل، يكتفون بالتحذيرات لنصر الله وبنار محدودة نحو مصادر النيران. كل بلدات الشمال المجاورة للجدار فرغت من سكانها. في مكانهم قامت قواعد معدة على عجل لآلاف المقاتلين الذين يوجدون في روليتا روسية. العدو يملي الوتيرة مرة أخرى، ووزير الدفاع في رده يتحدث عن الردع، ونتنياهو يشرح. يغمضون عيونهم أمام نار متواصلة، على البلدات، الناس والجنود، ويأملون في أن يكتفي نصر الله بالضرر الذي ألحقه حتى الآن. على أسئلة المراسلين يشرحون في القيادة السياسية أنه من الأفضل لإسرائيل ألا تكون في حرب في جبهتين. ليس لطيفاً الاعتراف لكن بالفعل يوجد ردع. بدلاً من تصفية التهديد بضربة إسرائيلية مفاجئة تجبي ثمناً باهظاً من (حزب الله)، وربما حقاً تردع نصر الله أخيراً. ليس بالأقوال بل بالأفعال».
ولكن الكاتب السياسي نداف أيال يسكب بعض الماء الأميركي على هذا الحماس ويكتب في «يديعوت أحرونوت»، قائلاً: «حسب التقدير في إسرائيل، فإن (حماس) ويحيى السنوار راهنا على أن يدخل (حزب الله) و(محور المقاومة) إلى الحرب. (حماس) هجمت لكنها اكتشفت أن القوة العسكرية الإقليمية ليست حقاً من خلفها. بيد أن (حزب الله) وضع ميزان رعب لا يطاق من ناحية إسرائيل: الشمال مشلول، مُخلى وفارغ. بالتوازي يمتص ضربات أليمة، ليس فقط في عدد قتلاه، بل أيضاً في تصفية مقننة لقدراته، بما في ذلك في عمق الأراضي اللبنانية. القوة الأميركية في المنطقة، رغم كل متبجحات نصر الله وإيران، تشكل ردعاً هاماً من الدخول إلى الحرب، إلى جانب اعتبارات لبنانية داخلية. وفي الجيش الإسرائيلي وفي جهاز الأمن ثمة من يعتقدون أنه محظور إنهاء الحرب دون (معالجة الشمال) لأجل إعادة إحساس الأمن للسكان، لكن الولايات المتحدة غير مستعدة بأي حال أن ترى فتح ساحة أخرى في الشمال بمبادرة إسرائيل، خصوصاً ساحة تؤدي إلى تدمير بنى تحتية مدنية في لبنان (على نمط الهجوم على الضاحية في حرب لبنان الثانية)».