معضلة إسرائيل... إضافة نوعية لحليفها الدولي أم عبء لا بد من تحمّله؟

الدولة العبرية حائرة كيف تستردّ صورة الردع المفقودة

غارات إسرائيلية على مدينة خان يونس السبت (أ.ف.ب)
غارات إسرائيلية على مدينة خان يونس السبت (أ.ف.ب)
TT

معضلة إسرائيل... إضافة نوعية لحليفها الدولي أم عبء لا بد من تحمّله؟

غارات إسرائيلية على مدينة خان يونس السبت (أ.ف.ب)
غارات إسرائيلية على مدينة خان يونس السبت (أ.ف.ب)

في عام 1923، نظّر زئيف جابوتنسكي بحتميّة بناء الدولة اليهوديّة، وذلك بغض النظر عن موقف السكان الأصليّين، على أن يحمي هذه الدولة «الجدار الفولاذيّ» (Iron Wall) الذي لا يمكن لهؤلاء السكان اختراقه. لكنهم، أي السكّان الأصليّين، وفق جابوتنسكي، سيحاولون خرق هذا الجدار، وسيفشلون كلّما حاولوا، حتى التوصّل إلى قناعة بالقبول بالسلام، والذي هو أقرب إلى الاستسلام.

دون الخوذة الفولاذيّة، ونار المدفع، لن نستطيع بناء الوطن. هكذا قال وزير الدفاع الإسرائيلي الراحل موشيه ديان. وهو الوزير نفسه الذي أصيب بانهيار عصبيّ خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر عام 1973 بعد أن عبرت القوات المصريّة قناة السويس.

قبيل بناء إسرائيل، سُئل ديفيد بن غوريون: «لماذا لا تختار بريطانيا راعياً للدولة؟»، فردّ بن غوريون بالقول إن «بريطانيا إمبراطوريّة إلى زوال». وعليه بدأ التموضع الإسرائيلي والاصطفاف باتجاه القوة العظمى الصاعدة آنذاك، الولايات المتّحدة الأميركيّة. تبلورت مع بن غوريون، ومن خلال سلوكيّاته الاستراتيجيّة، عقيدة استراتيجيّة إسرائيليّة كبرى (Grand Strategy) تقوم على الأسس التالية:

البحث عن جثث تحت الأنقاض في جباليا يوم 1 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

- تأمين راعٍ دوليّ قادر على حماية الكيان الإسرائيلي في كلّ الأبعاد، من السياسيّ إلى الاقتصاديّ، ومن ثمّ العسكريّ.

- خوض الحرب على أرض العدو.

- ضرب العدو إلى درجة لا يمكن له العودة إلى الصراع بسرعة.

- حسم الحرب بسرعة فائقة، خاصة وأن إسرائيل تخوض حروبها بقوى من جنود الاحتياط، وهم الذين يُعدون «دينامو» الاقتصاد الإسرائيليّ.

- وأخيراً وليس آخر، يُحكى أن أب القنبلة النوويّة العالم الأميركيّ روبرت أوبنهايمر كان قد لعب دوراً مهمّاً في توصّل بن غوريون إلى اقتناع بضرورة الحصول على السلاح النوويّ. كانت حرب السويس، أو العدوان الثلاثيّ على مصر في عام 1956، مناسبة تاريخيّة لبن غوريون كي يبتزّ فرنسا، فكان مفاعل ديمونا، فولدت القنبلة النوويّة الإسرائيليّة.

جنود إسرائيليون خلال توغلهم في قطاع غزة يوم الأحد (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

من عقيدة بن غوريون إلى عقيدة «الحرب بين الحروب»، إلى عقيدة «جزّ العشب»، إلى «عقيدة الضاحية»، إلى عقيدة الانتقال من «الدفاع - الهجوم» إلى «الهجوم - الدفاع»... تحتار إسرائيل كيف تستردّ صورة الردع المفقودة.

فمع كلّ تبدّل جذريّ في البيئة الجيوسياسيّة، سواء الدوليّة والإقليميّة، يجب على إسرائيل أن تعدّل استراتيجيّتها. وإذا كان العالم يتغيّر، فإن إسرائيل من الداخل هي أيضاً تتغيّر. فهي في مرحلة انتقاليّة ذات أبعاد اجتماعيّة ودينيّة وثقافيّة، وغيرها من الأبعاد الأخرى. فمن الصهيونيّة العلمانية، إذا صحّ التعبير، تنتقل إسرائيل تدريجيّاً إلى الصهيونيّة الدينيّة. وإلى جانب التحوّل الديني، تعاني إسرائيل من التنوّع الإثني (العرقيّ). فهناك اليهود الشرقيون (Sephardim)، وهناك اليهود الغربيون (Ashkenazi)، واليهود المهاجرون من روسيا. وهناك أيضاً اليهود الفلاشا من إثيوبيا، وهم من العرق الأسمر.

إلى جانب العقيدة الاستراتيجيّة الكبرى، لا بد لإسرائيل أن تهتم بالداخل الإسرائيليّ أيضاً. وهذه مقاربة استراتيجيّة تتطلّب حلّ المعضلات المستعصية والمتمثلة بالأبعاد التاليّة: الجغرافيا، والطوبوغرافيا، ومن ثمّ الديموغرافيا. فعلى سبيل المثال، في الجغرافيا، تأتي المخاطر على إسرائيل تاريخيّاً من الجبهة الشرقيّة، ومن الجنوب. وإذا كانت صحراء سيناء تشكّل عازلاً طبيعياً من الجنوب، فهذا الأمر لا ينطبق على الجبهة الشرقيّة. ومن هنا، يظهر تأثير الطوبوغرافيا والديموغرافيا على أهميّة الجبهة الشرقيّة. ففي حال السيناريو الأسوأ الآتي من الشرق، من الحيويّ أن تصل القوات الإسرائيليّة إلى الجبهة الشرقية، بسرعة ودون عوائق. وهذا أمر يحتّم السيطرة على الطوبوغرافيا في هذه المناطق، وإبعاد الديموغرافيا الفلسطينيّة عن محاور التقدّم العسكريّ.

لكن الدخول الأخير لإيران على الجبهة الشرقيّة، عبر وكلائها، عقّد المسائل الاستراتيجيّة لإسرائيل. وإذا صدقت المعلومات عن عزم شركة «فاغنر» الروسيّة تزويد «حزب الله» بالدفاعات الجويّة (وهو أمر نُقل عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية ونفاه الكرملين)، فهذا أمر قد يعني تشكّل محور جديد إلى جانب ما يُسمّى بـ«محور المقاومة»، ألا وهو الامتداد للمحور الإيراني - الروسيّ إلى الجبهة المتقدّمة للجبهة الشرقيّة الإسرائيليّة. وبذلك، تربط روسيا الحرب الأوكرانيّة بما يجري في غزّة مباشرة.

مروحية إسرائيلية خلال مشاركتها في معارك غزة يوم الأول من نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

في مكان آخر، وبُعد آخر، تُعد إسرائيل أن السيطرة على الخطوط البحريّة في البحر الأبيض المتوسّط القادمة إلى الداخل الإسرائيليّ، من المُسلّمات الجيوسياسيّة. فهي مسألة حياة أو موت. فالبحر هو المخرج والمدخل الأساسيّ للدولة العبريّة.

إذن، قد يمكن القول إن متطلّبات إسرائيل الأمنيّة، الاستراتيجيّة، والجيوسياسيّة أيضاً، هي أكبر بكثير من إمكانيّاتها. ولتعويض النقص، لا بد من رعاية دوليّة لدولة إسرائيل. وهنا قد يمكن طرح السؤال التاليّ: هل تشكّل إسرائيل عاملاً إضافيّاً ونوعيّاً للحليف الدوليّ؟ أم هي عبء لا بدّ من تحمّله؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال في هذه العجالة. لكن ما يمكن قوله، باختصار، إن إسرائيل كانت ولا تزال تلعب الدورين: الإضافة النوعيّة، كما العبء. فعلى سبيل المثال لا الحصر، شكّلت إسرائيل بعد حرب الأيام الستّة، إضافة نوعيّة للولايات المتحدة في حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتيّ. وقد يمكن القول إنها تشكّل اليوم عبئاً في الحرب على غزّة. على كلّ، «لا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة». هكذا قال اللورد الإنجليزيّ وزير الخارجيّة الراحل بالمرستون.

يُقال إن العدو يُعد مهزوماً فقط عندما يعترف بذلك. فهل يمكن لحَكَم لعبة المصارعة، مثلاً، أن يعلن فوز مصارع على آخر قبل أن يقبل المهزوم بذلك عبر رفع يده أو القول إنه استسلم؟ تعاني إسرائيل من هذه المعضلة. فأعداؤها كُثر، وأغلبهم مهزومون عسكريّاً، لكنهم لم يرفعوا راية الاستسلام حتى الآن. وعليه تجد إسرائيل نفسها في موقف الملك «سيزيف» الذي خدع إله الموت ثاناتوس في الميثولوجيا اليونانية، فعوقب من قبل كبير الآلهة «زوس» بالعذاب الأبديّ.


مقالات ذات صلة

نتنياهو يجيز للمفاوضين استكمال محادثات وقف إطلاق النار في غزة

المشرق العربي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

نتنياهو يجيز للمفاوضين استكمال محادثات وقف إطلاق النار في غزة

أجاز رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للمفاوضين مواصلة المباحثات في الدوحة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينية تبكي خارج مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح الخميس (إ.ب.أ)

عشرات القتلى بغارات إسرائيلية على غزة

أدت غارات جوية إسرائيلية إلى قتل ما لا يقل عن 37 فلسطينياً في أنحاء قطاع غزة الخميس من بينهم 11 بمخيم يؤوي عائلات نازحة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارة إسرائيلية على قطاع غزة (رويترز)

مقتل 37 فلسطينياً بينهم قائد شرطة «حماس» ونائبه بغارات إسرائيلية على غزة

قُتل 37 فلسطينياً بينهم قائد الشرطة التابعة لحركة «حماس» في قطاع غزة ونائبه، إثر غارات شنها سلاح الجو الإسرائيلي، اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية مدنيون داخل مبنى مهدم عقب غارة إسرائيلية وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ أكثر من 1400 غارة على غزة خلال ديسمبر

أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم أمس (الأربعاء)، أنه نفذ أكثر من 1400 غارة جوية على أهداف في غزة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول وحده)، بمعدل 45 غارة يومياً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا فلسطيني ينعى أحد أقاربه الذي قُتل في غارة إسرائيلية في مستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»... هل يدفع تهديد ترمب الجديد إلى «تسريع» الاتفاق؟

الجمود في مسار المحادثات شهد إنذاراً جديداً من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بشأن ضرورة إطلاق سراح الرهائن الذين يقدرون بنحو مائة «قريباً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

نتنياهو يجيز للمفاوضين استكمال محادثات وقف إطلاق النار في غزة

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
TT

نتنياهو يجيز للمفاوضين استكمال محادثات وقف إطلاق النار في غزة

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

أجاز رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الخميس، للمفاوضين مواصلة المباحثات في الدوحة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم «حماس» منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال مكتب رئيس الوزراء، في بيان، إن نتنياهو «أجاز لوفد من الموساد (جهاز الاستخبارات الخارجية) والشين بيت (جهاز الاستخبارات الداخلية) والجيش، مواصلة المفاوضات في الدوحة»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويأتي ذلك عقب تبادل إسرائيل والحركة الفلسطينية الاتهامات بشأن عرقلة مساعي التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب المستمرّة منذ أكثر من عام في القطاع المدمّر.

وتقول الإحصاءات الإسرائيلية إن الهجوم الذي شنه مسلحون بقيادة حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 أسفر عن مقتل 1200 شخص واختطاف 251 رهينة والعودة بهم إلى قطاع غزة.