غزة... أطفال بلا رؤوس وجراحات من دون تخدير

طبيب يصف «المشاهد المروعة» بعد الغارات الجوية الإسرائيلية

طفل جريح في مستشفى دير البلح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)
طفل جريح في مستشفى دير البلح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)
TT

غزة... أطفال بلا رؤوس وجراحات من دون تخدير

طفل جريح في مستشفى دير البلح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)
طفل جريح في مستشفى دير البلح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)

تعرّضت جباليا، شمال مدينة غزة، لغارات جوية إسرائيلية، الخميس، لليوم الثالث على التوالي، بينما وصف الأطباء الذين يعالجون الضحايا المشاهد الكابوسية للعمل من دون إمدادات أساسية أو تخدير. قال الدكتور حسام أبو صفية، مدير جناح طب الأطفال في مستشفى كمال عدوان، حيث نُقل العديد من المصابين في جباليا، إن غالبية القادمين هم من الأطفال، وقد أصيب الكثير منهم بحروق شديدة أو فقدوا أطرافهم.

أضاف أبو صفية أن المستشفى استقبل، الثلاثاء، بعد الغارة الأولى التي وقعت في جباليا، نحو 40 شخصاً غير ناجين، و250 آخرين مصابين بجروح. وكانت الأرقام مماثلة تقريباً يوم الأربعاء، عندما وقع هجوم آخر. وفي يوم الخميس، أدى هجوم إلى تدمير مدرسة تابعة للأمم المتحدة كانت تُستخدم ملجأً، وبعث بموجة أخرى من الضحايا، بينهم 10 قتلى و80 جريحاً.

قال الدكتور أبو صفية، الخميس، عبر الهاتف: «لم أر في حياتي إصابات بمثل هذا السوء»، مضيفاً: «رأينا أطفالاً بلا رؤوس».

طفلة تُعالج في مستشفى كمال عدوان بعدما أصيبت في قصف على مستشفى للأمم المتحدة في جباليا الخميس (أ.ب)

قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تدير المدرسة، إن المدرسة كانت من بين 4 ملاجئ تابعة لها تؤوي نحو 20 ألف شخص تضررت خلال الساعات الـ24 الماضية. وأفادت تقارير بأن 20 شخصاً قُتلوا في ملجأ جباليا، إضافة إلى 3 أشخاص في هجمات أخرى على مخيمي الشاطئ والبريج. قال الجيش الإسرائيلي إنه في ضرباته على جباليا كان يستهدف قادة «حماس» الذين لعبوا أدواراً رئيسية في الهجمات التى وقعت يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، والتي قال مسؤولون إسرائيليون إنها أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص. وقال الجيش أيضاً إن «حماس» تملك شبكة أنفاق واسعة في جباليا.

وقال الدكتور أبو صفية، من جهته، إنه كان يعمل مع زميل له في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في المستشفى - وهي إحدى وحدتين لا تزالان تملكان الطاقة الكهربائية وسط نقص حاد في الوقود - عندما بدأ الضحايا من جباليا في الوصول الأربعاء. أضاف أنهم عندما هُرعوا إلى غرفة الطوارئ لتقديم المساعدة، فوجئت زميلته عندما رأت أن اثنين من أطفالها كانوا من بين القتلى. وقال إن ابنيها البالغين من العمر 9 سنوات و7 سنوات قُتلا في المنزل، إلى جانب العديد من أشقائها وأقاربها. ثم قال: «إننا نعمل في مكان نتوقع فيه في أي لحظة أن يتمزق أبناؤنا أو أزواجنا أو أشقاؤنا أو أصدقاؤنا إلى أشلاء». وأضاف أنه لم يُتَعَرَّف على بعض الأطفال بسبب خطورة إصاباتهم. وكانت مشرحة المستشفى ممتلئة جداً، لدرجة أن الناس كانوا يضعون الجثث فوق بعضها البعض.

طفلتان تبكيان حزناً على الضحايا في خان يونس الجمعة (رويترز)

تابع الدكتور أبو صفية: «نتمنى الموت. إنه أسهل من رؤية المشاهد المروعة التي نشهدها». ثم أضاف في وقت لاحق: «تُبث صور حية إلى العالم أجمع لأشخاص ممزقين إلى أشلاء، لنساء وأطفال يُقتلون، من أجل ماذا؟ ما الخطأ الذي ارتكبوه؟». واستطرد أن المستشفى الذي يقع في مدينة بيت لاهيا شمال جباليا يعاني من نقص حاد في المواد الطبية مثل بقية مستشفيات قطاع غزة. ومع عدم وجود تخدير، كان الأطباء يجرون عمليات على الأشخاص الذين يعانون من إصابات شديدة باستخدام مسكنات الألم المتاحة من دون وصفة طبية مثل «باراسيتامول» للمساعدة على تخفيف الألم. وأضاف الطبيب أنهم كانوا يستخدمون الخل والكلور في تطهير الجروح.

قال الدكتور أبو صفية أيضاً: «صرخات الأطفال خلال العمليات الجراحية يمكن سماعها من الخارج. نحن نجري عمليات جراحية على جماجم الناس من دون تخدير». وأضاف أن الأطباء والممرضين كانوا يستخدمون المصابيح الضوئية في هواتفهم للعمل في الظلام؛ لأن النقص الحاد في الوقود جعل المولدات في المستشفى غير قادرة على تشغيل سوى قسمين فقط - وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة وغرفة الطوارئ للأطفال، حيث يوجد 12 طفلاً على أجهزة التنفس الاصطناعي. وأضاف أنه إذا نفد الوقود، فإن «المستشفى سوف يتحول إلى مقبرة جماعية».

فلسطينية نجت من قصف إسرائيلي في مستشفى بخان يونس الجمعة (أ.ب)

قبل ساعات من ذلك، كان الدكتور أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة في غزة التي تديرها «حماس»، قد رفع جثة طفل ميت ملفوفة في كفن في مؤتمر صحافي من مستشفى الشفاء، واصفاً عدد الوفيات المتنامي. قالت الوزارة إن أكثر من 9000 شخص قُتلوا منذ بدء القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، بمن فيهم أكثر من 3000 طفل. ولا يزال الكثير من المفقودين أو المدفونين تحت الأنقاض.

قال الدكتور غسان أبو ستة، وهو جرّاح تجميل بريطاني - فلسطيني تطوّع في وحدة علاج الحروق في مستشفى الشفاء، إن المستشفى - وهو الأكبر في غزة - استقبل نحو 70 مريضاً من الغارات على جباليا منذ يوم الثلاثاء، ولم يكن لدى الكثيرين منازل يعودون إليها. وأضاف أن العاملين في المجال الطبي كانوا يعملون فوق مستوى طاقتهم وحتى نقطة الانهيار، وكانت الوفيات التي يمكن تفاديها في المعتاد قد بدأت في الارتفاع. وقال إن كل عملية جراحية تتحول إلى تجربة شاقة وعصيبة لمحاولة استخدام أقل قدر ممكن من الموارد المتاحة.

طفلة مصابة في مستشفى دير البلح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)

وقد أعلنت وزارة الصحة في غزة أن 16 مستشفى من أصل 35 في القطاع قد خرجت عن الخدمة بسبب الأضرار أو نقص الطاقة. وكان جناح الولادة في مستشفى الشفاء يُستخدم لعلاج الجرحى، ونُقلت الأمهات الحوامل إلى مستشفى الحلو، الذي قالت الوزارة إنه أصيب بأضرار جراء القصف ليل الأربعاء.

كان انقطاع الاتصالات مع مدينة غزة الخميس قد أدى إلى عجز سيارات الإسعاف وعمال الإنقاذ عن العثور على الجرحى، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

تمكن أحمد سرداح، وهو من سكان جباليا وتضرر منزله إثر غارة يوم الأربعاء، من إرسال رسالة سريعة خلال لحظة عابرة من الاتصال بالإنترنت قبل فقدان الاتصال مرة أخرى. وقال: «إن الوضع مأساوي» في الحي. وجاء في تدوينة على «فيسبوك» تمكن أن يكتبها يوم الخميس: «ليت الأصدقاء والأقارب الذين هم في الخارج أن يخبرونا بما يجري حولنا بدلاً من أن يسألونا كيف حالنا، لأنه من دون الإنترنت وخطوط الهاتف، كل ما نسمعه هو الضربات الجوية والقنابل. أين، وكيف، ولماذا، ومن؟ لا أحد منا يعرف».

قال الدكتور غسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية المحتلة، إن جباليا - التي تحمل اسم بلدة ومخيم للاجئين على حد سواء - كانت معروفة بأنها معقل المقاومة للاحتلال الإسرائيلي لسنوات. وأضاف أن الانتفاضة الأولى التي استمرت من عام 1987 حتى عام 1993 بدأت هناك بعد أن دهست مركبة إسرائيلية سكان المخيم. وأضاف أن جنازتهم تحولت إلى مظاهرات امتدت إلى مخيم بلاطة للاجئين في مدينة نابلس بالضفة الغربية وأماكن أخرى.

قالت تمارا الرفاعي، المسؤولة في «الأونروا»، في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت يوم الخميس، إن الوكالة تعتقد أن نحو 30 ألفاً من سكان مخيم جباليا البالغ عددهم 116 ألف نسمة، لم يفارقوا أماكنهم بعد أمر إسرائيل بالإخلاء تحت تهديد القصف الشهر الماضي. ولم يتضح ما إذا كان النازحون قد ذهبوا جميعاً إلى الجنوب، وفق التوجيهات، أو إلى مناطق أخرى في شمال غزة. تدفق النازحون في جميع أنحاء غزة إلى المستشفيات، على أمل الحصول على فرصة أكبر في الأمان. كما يضم مستشفى كمال عدوان أكثر من 3000 نازح. والدكتور أبو صفية واحد منهم، وهو ينام بالكاد. قال إنه أحياناً يذهب إلى غرفة خاوية، ويغلق الباب وينتحب. قال: «هؤلاء أناس كانت لديهم أحلام، كانت لديهم حياة، وكان لديهم مستقبل. لقد انتهى كل شيء».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

غزة: مستشفى «كمال عدوان» يستغيث بعد قصف إسرائيلي

المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون الدمار في موقع غارة جوية إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (رويترز)

غزة: مستشفى «كمال عدوان» يستغيث بعد قصف إسرائيلي

قال مسؤولو صحة فلسطينيون، إن القوات الإسرائيلية قتلت 15 فلسطينياً -على الأقل- في قطاع غزة، اليوم (الأربعاء)، بينهم موظف بالدفاع المدني.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية في ساحة مستشفى الأقصى في دير البلح بقطاع غزة 9 نوفمبر 2024 (أ.ب)

«الصحة العالمية»: إسرائيل رفضت 4 بعثات إمداد لـ«مستشفى كمال عدوان» في قطاع غزة

قالت منظمة الصحة العالمية إن إسرائيل رفضت «بشكل تعسفي» خلال الأيام العشرة الماضية دخول 4 بعثات من المنظمة لإرسال فرق طبية وإمدادات لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون لتلقي مساعدات الطعام وسط أزمة الجوع مع استمرار الحرب في جنوب قطاع غزة (رويترز)

تنديد أممي بالسرقة «المنظمة» للمساعدات الإنسانية لغزة

ندّد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة اليوم (الثلاثاء) بسرقة المساعدات الإنسانية في غزة، معتبرا أن هذه الظاهرة «أصبحت منظّمة ويجب أن تتوقف».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون جثة رجل قتل في غارة إسرائيلية على بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

مقتل 8 في قصف إسرائيلي لمنزل في شمال غزة

ذكرت «وكالة الأنباء الفلسطينية» أن ثمانية لقوا حتفهم اليوم (الثلاثاء) في قصف إسرائيلي لمنزل في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ) play-circle 00:28

نتنياهو: «حماس» لن تحكم غزة بعد الحرب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، إن حركة «حماس» لن تحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وإن إسرائيل دمرت القوة العسكرية للحركة.

«الشرق الأوسط» (القدس)

قوات فرنسية في «اليونيفيل» تعرضت لإطلاق نار... ولا إصابات

مركبات «يونيفيل» تسير على طول شارع في مرجعيون بالقرب من الحدود مع إسرائيل - جنوب لبنان 19 نوفمبر 2024 (رويترز)
مركبات «يونيفيل» تسير على طول شارع في مرجعيون بالقرب من الحدود مع إسرائيل - جنوب لبنان 19 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

قوات فرنسية في «اليونيفيل» تعرضت لإطلاق نار... ولا إصابات

مركبات «يونيفيل» تسير على طول شارع في مرجعيون بالقرب من الحدود مع إسرائيل - جنوب لبنان 19 نوفمبر 2024 (رويترز)
مركبات «يونيفيل» تسير على طول شارع في مرجعيون بالقرب من الحدود مع إسرائيل - جنوب لبنان 19 نوفمبر 2024 (رويترز)

قالت وزارة الخارجية الفرنسية، الأربعاء، إن دورية لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، تضم جنوداً فرنسيين تعرضت لإطلاق نار أمس الثلاثاء، مضيفة أنه لم يصب أي من جنودها في الحادث.

ولم تذكر الوزارة الجهة المسؤولة عن إطلاق النار، لكنها أكدت ضرورة ضمان سلامة وأمن القوات التابعة للأمم المتحدة وممتلكاتها ومبانيها.

وقالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) إن 4 من جنودها أصيبوا، بعد تعرُّض مرافقها للاستهداف في 3 حوادث منفصلة في جنوب لبنان الثلاثاء.

وذكرت «يونيفيل» -في بيان- أن الجنود أصيبوا بعدما ضرب صاروخ أطلق على الأرجح من داخل لبنان قاعدتهم في شرق قرية رامية بجنوب البلاد.