أميركا تعود بقوة إلى الشرق الأوسط... من باب الحرب في غزة

قاعدة «سريّة» وحاملتا طائرات وأسراب هجومية وصواريخ مضادة للصواريخ وآلاف الجنود... للتدخل؟

TT

أميركا تعود بقوة إلى الشرق الأوسط... من باب الحرب في غزة

محطة إطلاق لنظام الدفاع الصاروخي الأميركي «ثاد» في إسرائيل (أ.ف.ب)
محطة إطلاق لنظام الدفاع الصاروخي الأميركي «ثاد» في إسرائيل (أ.ف.ب)

أدى الكلام المتكرر عن حجم الانتشار العسكري الأميركي المتزايد في الشرق الأوسط إلى تساؤلات عن الدور الذي تسعى الولايات المتحدة إلى الاضطلاع به على ضوء الحرب في غزة. كان قول الرئيس جو بايدن إنه لا يمكن العودة إلى ما ساد قبل هجمات «حماس» ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يشي بأن إدارته ترسم خططاً لليوم التالي.

دفعت التقارير عن هذا الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة، ومنها إنشاء قاعدة عسكرية أميركية سريّة في إسرائيل، نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى التأكيد أن بلادها «لا تنوي على الإطلاق» نشر قوات في إسرائيل أو غزة. وقالت عبر شبكة «سي بي إس»: «ليست لدينا أي نية على الإطلاق، وليست لدينا أي خطط لإرسال قوات مقاتلة إلى إسرائيل أو غزة». وشددت على دعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس بموازاة الحرص على سلامة المدنيين، مضيفة أنه «من المهم للغاية ألا يكون هناك أي خلط بين (حماس) والفلسطينيين» الذين «يستحقون تدابير متساوية للسلامة والأمن وتقرير المصير والكرامة». ودعت ضمناً إسرائيل إلى «التزام قواعد الحرب وتدفق المساعدات الإنسانية».

أبعد من غزة

توحي الاتصالات الهاتفية المتكررة التي يجريها الرئيس بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والإعلانات المتكررة من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» والقيادة المركزية للقوات الأميركية، أن النقاشات تركز بالإضافة إلى التطورات في غزة وإطلاق الرهائن، مسائل تتعلق بإجراءات لمنع اتساع رقعة الحرب في اتجاهات كثيرة، بما في ذلك الحيلولة دون انفجار الوضع في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة، أو امتداد شرارتها نحو لبنان، حيث ترتفع حدة الاشتباكات والصدامات عبر الخط الأزرق بين «حزب الله» وإسرائيل، ونحو سوريا التي تواجه مزيداً من الضربات الإسرائيلية مع عمليات إطلاق صواريخ عبر مرتفعات الجولان، فضلاً عن الأخطار الجسيمة الأخرى على الأمن الإقليمي بسبب الدور النشط الذي تضطلع به إيران في تسليح وتمويل الجماعات الموالية لها.

كررت هاريس تحذيرات بايدن لإيران من التورط في الوضع. وقالت: «لا تفعلوا ذلك. كلمة واحدة. واضحة للغاية».

هل ينذر ما يحصل بعودة أميركية إلى ملء الفراغ الاستراتيجي الذي أحدثه انكفاء الولايات المتحدة في خريطة الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط؟

قاعدة سريّة؟

يتجاوز الأمر إرسال حاملتي طائرات ونشر آلاف الجنود الأميركيين في محيط إسرائيل، إلى ما ينقل منذ أسابيع كثيرة، وحتى قبل هجوم «حماس» عن منح «البنتاغون» عقداً بملايين الدولارات لبناء منشآت للقوات الأميركية في قاعدة سريّة لها على قمة جبل هار كيرين في عمق صحراء النقب، على بُعد نحو 35 كيلومتراً فقط من غزة، علماً أن القاعدة القديمة التي تحمل اسم «الموقع 512» هي عبارة عن منشأة رادارية تتحسب لأي هجمات صاروخية ضد إسرائيل.

غير أن هذه المنشأة، وفقاً لموقع «إنترسبت»، لم ترصد في 7 أكتوبر الماضي، إطلاق آلاف الصواريخ من غزة نحو إسرائيل، لأن الرادارات فيها تركز على إيران، التي تبعد أكثر من 1100 كيلومتر. وأشار البنتاغون بصورة غير مباشرة إلى عقد المنشأة البالغة قيمتها 35.8 مليون دولار في إعلان صدر في 2 أغسطس (آب) الماضي. ولفت «إنترسبت» إلى أنه على الرغم من أن وزارة الدفاع «بذلت جهوداً كبيرة لإخفاء الطبيعة الحقيقية للموقع» الذي يوصف بأنه مجرد مشروع «مصنف عالمياً»، أظهرت وثائق الميزانية أنه «جزء من الموقع 512».

ونقل عن المحلل الكبير السابق في مركز مكافحة الإرهاب لدى لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» بول بيلار أنه «في بعض الأحيان يجري التعامل مع أمر ما بوصفه سراً رسمياً، ليس على أمل ألا يكتشفه الخصم أبداً، بل لأن الحكومة الأميركية لا تريد الاعتراف به رسمياً لأسباب دبلوماسية أو سياسية»، مضيفاً أنه لا معرفة لديه محددة بالقاعدة التي «ربما ستستخدم لدعم العمليات في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، والتي يكون فيها أي اعتراف بأنها نُفذت من إسرائيل، أو تنطوي على أي تعاون مع إسرائيل، غير مريح ومن المرجح أن تثير ردود فعل سلبية أكثر من تلك التي أثارتها العمليات».

اعتراف نادر

لقطة من الجانب الإسرائيلي من الحدود مع قطاع غزة تظهر الدخان المتصاعد أثناء القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

 

وجاء الاعتراف النادر بالوجود العسكري الأميركي في إسرائيل في عام 2017، عندما افتتح موقع عسكري وصفته إذاعة «صوت أميركا» التي تمولها الحكومة الأميركية بأنه «أول قاعدة عسكرية أميركية على الأراضي الإسرائيلية».

يومها، وصف الجنرال في سلاح الجو الإسرائيلي تسفيكا هايموفيتش القاعدة بأنها «تاريخية»، قائلاً: «أنشأنا قاعدة أميركية في دولة إسرائيل». وبعد يوم واحد، نفى الجيش الأميركي أن تكون تلك القاعدة أميركية، مصراً على أنها مجرد «منشأة حية» لأفراد الخدمة الأميركية العاملين في قاعدة إسرائيلية.

قوات ضاربة

ويعتقد على نطاق واسع أن هذه المنشأة التي تتسع لألف جندي مخصصة للتعامل ليس مع التهديد الذي تشكله الفصائل الفلسطينية المسلحة، ولكن الخطر الناجم عن الصواريخ الإيرانية المتوسطة المدى. وتضاعف الهاجس الأمني هذا ليدفع «البنتاغون» إلى توسيع وجوده بشكل كبير في الشرق الأوسط، عبر مضاعفة الولايات المتحدة عدد طائراتها المقاتلة في المنطقة مع نشر حاملتي طائرات قبالة سواحل إسرائيل، الأولى هي «يو إس إس جيرالد فورد» التي تضم نحو خمسة آلاف جندي من مشاة البحرية (المارينز)، ومجموعة من السفن الحربية المرافقة، ومنها ما لا يقل عن طراد صواريخ ومدمرتين وعشرات الطائرات، بما في ذلك المقاتلات النفاثة. وكان وزير الدفاع لويد أوستن وجه أيضاً حاملة الطائرات الأخرى «يو إس إس دوايت أيزنهاور»، والسفن المرافقة لها التي وصلت أخيراً إلى البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى السفينة الهجومية البرمائية «يو إس إس باتان»، التي تحمل أفراداً من وحدة المشاة البحرية السادسة والعشرين.

وبذلك يصل عدد الجنود الأميركيين إلى أكثر من عشرة آلاف. وكذلك وضع الجيش الأميركي حتى الآن نحو ألفي فرد ومجموعة في حالة استعداد عالية للانتشار دعماً لإسرائيل. كما أعلن «البنتاغون» خلال الساعات الماضية إرسال 900 عنصر من وحدات التدخل السريع، في وحدات ملحقة بأنظمة الدفاع الجوي بغية «دعم جهود الردع الإقليمية ومواصلة تعزيز قدرات حماية القوات الأميركية»، طبقاً للناطق باسم «البنتاغون» الجنرال بات رايدر.

 

مقاتلات من طرازات مختلفة تحلق فوق حاملة الطائرات «يو إس إس دوايت أيزنهاور» (أ.ف.ب)

أي دور؟

وشدد مسؤولو الدفاع الأميركيون على أن أمر الاستعداد الأولي للانتشار أن القوات ليس المقصود منها الخدمة في أدوار قتالية، بل هي مكلفة بمهام مثل تقديم المشورة والدعم الطبي. وقال مسؤولون أميركيون إن «البعض قد يدخل إسرائيل لدعم القوات الإسرائيلية»، علماً أن الولايات المتحدة أرسلت ثلاثة جنرالات من ذوي الخبرة في قتال جماعات مثل «داعش» لتقديم المشورة.

وفي غضون ذلك، يسرع «البنتاغون» نشر نحو عشرة من أنظمة الدفاع الصاروخي في المنطقة لحماية القوات الأميركية من الصواريخ وغيرها مما يمكن أن يستهدف القوات الأميركية، بما في ذلك القوات العاملة في العراق وسوريا والأردن والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس دوايت أيزنهاور» (أ.ف.ب)

ويشمل التعزيز العسكري هذا نظام الدفاع الصاروخي على الارتفاعات الشاهقة «ثاد»، و12 من بطاريات صواريخ «باتريوت»، فضلاً عن نحو 11 سرباً من الطائرات المقاتلة من طرازات «إف 15» و«إف 16» و«إف آي 18» ومقاتلات هجومية من طراز «آي 10».

ويضاف إلى كل ذلك، الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، ويشمل زيادة في الذخيرة والصواريخ الاعتراضية لتجديد نظام القبة الحديدية الإسرائيلي. كما طلب البيت الأبيض من الكونغرس مبلغ 14 مليار دولار لدعم إسرائيل، معظمه للأسلحة، علماً أن الجيش الإسرائيلي يحظى أصلاً بسنوات طويلة من المساعدات العسكرية الأميركية، تصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً، مع مليار دولار من مبيعات الأسلحة المباشرة.


مقالات ذات صلة

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مشاركته بقمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 19 نوفمبر 2024 (رويترز)

إردوغان: تركيا مستعدة إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من شمال سوريا

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم الأربعاء، إن تركيا مستعدة إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من شمال سوريا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الولايات المتحدة​ صورة جوية للبنتاغون في واشنطن (رويترز - أرشيفية)

مصادر: فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم

قال مصدران إن أعضاء الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يُعدون قائمة بمسؤولين عسكريين من المزمع فصلهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جنود أميركيون (رويترز - أرشيفية)

ارتفاع حالات الانتحار في الجيش الأميركي عام 2023

قال مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأميركية، إن حالات الانتحار في الجيش الأميركي زادت عام 2023، وهو ما يمثل استمراراً لاتجاه طويل الأمد كافح البنتاغون للحد منه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مقاتلات «إف-35» الأميركية تمتلك قدرات حربية غير مسبوقة (أ.ب)

الجيش الأميركي: مقاتلات «إف-35» شاركت في ضرب الحوثيين

كشف الجيش الأميركي عن مشاركة مقاتلات من طراز «إف-35 سي» في الضربات الأخيرة على مواقع الحوثيين، مؤكداً استهداف منشآت لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة.

علي ربيع (عدن)

مقتل فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

جثمانا القتيلين وحولهما أقاربهما في بلدة يعبد غرب جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
جثمانا القتيلين وحولهما أقاربهما في بلدة يعبد غرب جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

مقتل فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

جثمانا القتيلين وحولهما أقاربهما في بلدة يعبد غرب جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
جثمانا القتيلين وحولهما أقاربهما في بلدة يعبد غرب جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل فلسطينيين في شمال الضفة الغربية المحتلة؛ هما شاب وطفل، فيما قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده أطلقوا النار بعد إلقاء «عبوات ناسفة» نحوهم.

وقالت وزارة الصحة ليل الأحد: «شهيدان برصاص الاحتلال في يعبد، الشهيد الطفل محمد ربيع حمارشة (13 عاماً)، والشهيد أحمد محمود زيد (20 عاماً)»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت «وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا)» أفادت بأن القوات الإسرائيلية نفذت عملية اقتحام لبلدة يعبد الواقعة غرب جنين، و«اندلعت على أثرها مواجهات، أطلق خلالها الجنود الرصاص الحي... بكثافة ومن مسافة قريبة صوب الطفل حمارشة والشاب زيد».

من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي إنه خلال نشاط لقواته في منطقة يعبد «ألقى إرهابيان عبوات ناسفة على جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي».

وأضاف: «رد الجنود بإطلاق النار، وحُددت الإصابات، ولم ترد أنباء عن إصابات في صفوف» الجيش الإسرائيلي.

وتصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، خصوصاً في شمالها، منذ اندلاع الحرب على غزة يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقتلت القوات الإسرائيلية ومستوطنون ما لا يقل عن 777 فلسطينياً في الضفة الغربية منذ بدء الحرب على غزة، وفقاً لوزارة الصحة في رام الله.

كما قتلت هجمات نفّذها فلسطينيون على إسرائيليين ما لا يقل عن 24 شخصاً في الفترة نفسها بالضفة الغربية، وفقاً لأرقام رسمية إسرائيلية.