قانا اللبنانية حملت مآسي الحروب... الاشتباكات تُخيف أهلها والأزمة الاقتصادية تدفعهم للاستسلام

رباب يوسف (57 عاماً) إحدى الناجيات من الغارة الجوية الإسرائيلية عام 2006 التي أودت بحياة العشرات تحمل صورة لجثة ابنتها يحملها أحد المنقذين (رويترز)
رباب يوسف (57 عاماً) إحدى الناجيات من الغارة الجوية الإسرائيلية عام 2006 التي أودت بحياة العشرات تحمل صورة لجثة ابنتها يحملها أحد المنقذين (رويترز)
TT

قانا اللبنانية حملت مآسي الحروب... الاشتباكات تُخيف أهلها والأزمة الاقتصادية تدفعهم للاستسلام

رباب يوسف (57 عاماً) إحدى الناجيات من الغارة الجوية الإسرائيلية عام 2006 التي أودت بحياة العشرات تحمل صورة لجثة ابنتها يحملها أحد المنقذين (رويترز)
رباب يوسف (57 عاماً) إحدى الناجيات من الغارة الجوية الإسرائيلية عام 2006 التي أودت بحياة العشرات تحمل صورة لجثة ابنتها يحملها أحد المنقذين (رويترز)

في بلدة قانا، جنوبي لبنان، حيث قَتَل القصف الإسرائيلي أكثر من 100 شخص عام 1996 ثم قَتَل نحو 28 آخرين في غارة جوية إسرائيلية في حرب يوليو (تموز) عام 2006... يثير تصاعد الاشتباكات الحدودية مخاوف السكان من نشوب حرب جديدة، لا مكان للفرار منها في حال وقعت، وفق تقرير أعدته «رويترز».

واعتاد سكان قانا أن يكونوا في مرمى النيران المتبادلة بين إسرائيل و«حزب الله». وقالت رباب يوسف لـ«رويترز»، وهي أُم تبلغ من العمر 57 عاماً فقدت ابنتها تحت أنقاض غارة جوية إسرائيلية عام 2006: «تدور رحى الحرب على الحدود. ربما لم يَحِنْ دورنا بعد، لكننا لا نعرف ماذا سيحدث في غضون أيام قليلة. ننتظر فقط».

وأضافت: «بين الحين والآخر يخلقون حرباً ونفقد أحد أفراد الأسرة. نلد أطفالاً ولا نعرف ما إذا كانوا سيبقون معنا».

رباب يوسف خارج منزلها في قانا (رويترز)

وعندما اندلعت الحرب في غزة بعد إطلاق حركة «حماس» عملية «طوفان الأقصى»، بدأ القصف سريعاً على الحدود الجنوبية المشتعلة بين لبنان وإسرائيل.

ومنذ ذلك الحين، نفّذ «حزب الله» تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي. وقَتَل أكثر من 40 من مقاتلي «حزب الله» في المناطق الحدودية حتى الآن، في حين يقول الجيش الإسرائيلي إن 7 جنود على الأقل قُتلوا.

«يحطم القلب»

وبينما تؤدي الضربات والهجمات المضادة على طول الحدود الآن إلى تصاعد أعمدة من الدخان في الهواء، يقول غازي حسين، وهو حداد يبلغ من العمر 55 عاماً، إنه شاهد كل ما يحصل من قبل. وأضاف: «لقد أصبح الأمر عادياً بعدما مررنا بالكثير من الحروب».

وفي عام 2006، حمل غازي جثمان طفل استُشهد في الغارة الإسرائيلية التي راح ضحيتها 28 شخصاً، نصفهم من الأطفال. بعدها خرج التحقيق الإسرائيلي بخلاصة أن ما حصل كان ضربة خاطئة.

وشهدت قانا حادثة أكثر تدميراً قبل عقد من الزمن. ففي عام 1996، أصاب القصف الإسرائيلي قاعدة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كان يحتمي بها مئات المدنيين، مما أسفر عن مقتل 106 أشخاص، معظمهم من النساء والأطفال.

وقعت الحادثة خلال حرب «عناقيد الغضب» التي شنَّتها إسرائيل رداً على قصف «حزب الله» خلال الفترة التي احتلت فيها إسرائيل مساحات شاسعة من جنوب لبنان.

وقال جميل سلامة، 56 عاماً، أحد الناجين من الهجوم ويعمل الآن حارساً عند نصب تذكاري لحادثة عام 1996: «أذكر الحادثة كما لو أنها حصلت اليوم، خصوصاً الأطفال، لا شيء يكسر قلبك مثل (قتل) الأطفال».

جميل سلامة (56 عاماً) شهد القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص عام 1996 وعشرات آخرين في غارة جوية إسرائيلية عام 2006 (رويترز)

وفي متجرها، قالت كفاح التي تبلغ من العمر 54 عاماً: «إن شاء الله هذه الأيام لن تعود».

وأكدت أن المدينة مستعدة لأي احتمال. وقالت وهي تتحدث إلى جوار ملصق يحمل صورة نصر الله: «الأمر متروك للقادة الكبار. إذا اندلعت حرب فنحن مستعدون لها. لسنا خائفين».

أما صباح كريشت (57 عاماً) فكان رأيها مخالفاً، وقالت: «إن الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان تعني أن الكثير من الناس لا يستطيعون المغادرة».

وقالت: «نحن خائفون لكن إلى أين يمكننا أن نذهب؟ هذه المرة، يبدو الأمر كأنهم يمنحوننا الوقت حتى نتمكن من الفرار، ولكن الوضع الاقتصادي الصعب يمنعنا من الذهاب إلى مكان آخر».


مقالات ذات صلة

ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

المشرق العربي أقراص من «الكبتاغون» مبعثرة بعد العثور عليها قرب العاصمة السورية دمشق الأسبوع الماضي (رويترز) play-circle 02:40

ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد تم الكشف عن منشآت تصنيع مخدر «الكبتاغون» على نطاق واسع في جميع أنحاء سوريا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهولة الهوية بمخزن للأدوية في منطقة السيدة زينب بدمشق (أ.ف.ب)

العثور على جثث مجهولة الهوية في منطقة السيدة زينب بدمشق

أعلن عضو مجلس إدارة في الدفاع المدني السوري، عمار السلمو، اليوم الأربعاء، أن فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهولة الهوية في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جلسة سابقة للبرلمان السويسري في العاصمة برن (أ.ف.ب)

البرلمان السويسري يحظر «حزب الله»

صوّت البرلمان السويسري، اليوم الثلاثاء، لصالح حظر «حزب الله» في خطوة يندر أن تقوم بها الدولة المحايدة.

«الشرق الأوسط» (زيوريخ)
تحليل إخباري رجل يحمل راية «حزب الله» على مبانٍ مدمرة في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)

تحليل إخباري الحرب الإسرائيلية وسقوط الأسد أفقدا «حزب الله» معادلة التحكّم بالاستحقاق

فرضت الحرب الإسرائيلية على لبنان وسقوط الأسد واقعهما على استحقاق انتخابات الرئاسة اللبنانية وأفقدا «حزب الله» وحلفاء النظام السوري قدرة التحكّم بانتخاب الرئيس.

يوسف دياب
المشرق العربي شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

الدمار والتعويضات يخلقان نقمة في بيئة «حزب الله»

خلقت أزمة الدمار الكبير في جنوب لبنان والالتباس حول تعويض المتضررين نقمة بدأت تخرج إلى العلن في بيئة «حزب الله». وظهرت ملامح تململ في رفض البعض العودة إلى الضاح

كارولين عاكوم (بيروت)

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

أعلن «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي للإدارة الذاتية وقوات «قسد»، الاستعداد للحوار مع تركيا بعدما أظهر الصراع الذي يدور في الشمال السوري ما قال مسؤوله إنه «نيات تركيا السيئة»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» ستُدمج في الجيش السوري.

وفي مقابل الحشد والتوعد التركي ضد المسلحين الأكراد، كشف رياض درار رئيس المكتب الاستشاري لمجلس «مسد» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المبعوثين الأميركي سكوت بولز ونظيره الفرنسي فابريس ديبليشان، يعملان على نزع فتيل الحرب مع تركيا وقال: «لأننا نريد فعلاً الوصول إلى استقرار، بالنسبة لتركيا وفصائلها فإنها تهدد بقتال الكرد وقوات (قسد)، حيث إن فصائل (فجر الحرية) لم تشارك في حملة دمشق، واكتفت باحتلال تل رفعت بريف حلب، وحيي الأشرفية وشيخ مقصود بحلب، حيث الغالبية الكردية».

ويرى هذا المسؤول البارز أن «أفضل طريق للسلام مع تركيا هو نزع السلاح من المناطق المهددة، والدخول في حوارات سياسية مباشرة» في إشارة إلى مدينة عين العرب الواقعة بالريف الشرقي لمحافظة حلب شمالاً.

وقال درار: «حتى لا يبقى لدى تركيا حجج وذرائع لهجوم كوباني لأنها رمز للحرية والمقاومة، يريدون كسر إرادتها، وأنقرة تحرض هذه الفصائل على القتال، كما فعلوا في منبج عندما دخلوها ونهبوها».

أفراد من «قسد» خلال تشييع خمسة عناصر قُتلوا في منبج بمواجهات مع فصائل تدعمها تركيا (أ.ف.ب)

ولطالما هددت تركيا بسيطرة فصائل «فجر الحرية» الموالية لها على مدينة عين العرب «كوباني» الواقعة على بعد نحو 160 كيلومتراً شرق محافظة حلب، واستقطبت هذه المدينة الملاصقة للحدود السورية - التركية اهتماماً عالمياً بعد هجوم واسع نفذه «تنظيم داعش» في محاولته للسيطرة عليها في 2 يوليو (تموز) 2014، وباتت نقطة انطلاقة تعاون المقاتلين الأكراد مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي تشكل لقتال «داعش»، والذي نفذ أولى ضرباته على المدينة الكردية دعماً للمقاتلين، وتم إلحاق الهزيمة بالتنظيم المتشدّد بعد معارك عنيفة استمرت نحو 6 أشهر.

نزع فتيل الحرب

وأكد درار أن الوسيطين الأميركي والفرنسي «يعملان لنزع فتيل الحرب، لأننا نريد فعلاً الوصول إلى استقرار أولاً، ثم الذهاب إلى دمشق للتفاوض مع (هيئة تحرير الشام) للوصول إلى نوع من التفاهم لإدارة سوريا بشكل مشترك»، وأشار إلى أن تركيا تريد تقاسم الكعكة السورية «من خلال وجودها وتغييرها الديموغرافي للمناطق الشمالية، لكي تستطيع أن تسيطر على المشاركة، وتدير لعبة التدخل في سوريا من جديد».

وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ أكراد سوريا تدريجياً في شمال سوريا، خصوصاً بعد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم نهاية عام 2012، وتمكنوا من إقامة إدارات ذاتية، وتأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن إنشاء مؤسسات عامة، وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم، وافتتاح مدارس يتم فيها تدريس مناهج باللغة الكردية، غير أن المقاتلين الأكراد خسروا بلدات رئيسة منذ إطلاق عملية «ردع العدوان» في 8 من ديسمبر (كانون الأول)، بعد سيطرة فصائل «فجر الحرية» الموالية لتركيا على بلدة تل رفعت وقرى منطقة الشهباء ومدينة منبج بريف حلب الشرقي، وتتقدم نحو مدينة كوباني.

«غياب المجتمع الدولي»

ولفت رئيس المكتب الاستشاري لمجلس «مسد» إلى أن تركيا الوحيدة التي استفادت من هذه التغييرات المتسارعة في سوريا، وتابع درار: «تستطيع أنقرة أن تدخل بكل حرية عندما تكون ذاهبة باتجاه الجوار الحسن، لكنها الآن عبر أسلوب التحريض للفصائل السورية التي تقاتل معها، تفعل شيئاً غير مطلوب، وتغتنم الفرصة بغياب المجتمع الدولي لما يجري في سوريا».

وزير الدفاع التركي مع جنود من الوحدات العسكرية على الحدود التركية - السورية (الدفاع التركية)

ويعتقد المسؤول الكردي أن الولايات المتحدة «غير راضية عن السياسة التركية التصعيدية والعدائية تجاه أكراد سوريا»، ويقول إنه: «توجد إشارات خاصة من أميركا بأن هذا الفعل فاضح وغير مقبول، ولا يمكن أن يسمح به، لكن إردوغان استغل فرصة التشجيع من ترمب عندما مدح تركيا، كما مدح إردوغان بأنه ذكي ويفهم»، موضحاً أن الإدارة الذاتية، بجناحها السياسي «مسد»، شكلت وفداً للتواصل مع الحكومة الجديدة في دمشق.

وقال درار: «يمكننا أن نصل معها إلى نتائج عبر التفاوض، وتوحيد القرار السوري، ومشاركة كل السوريين في المرحلة الانتقالية والحكومة المقبلة»، ويعزو تأخر ذهاب الوفد إلى العاصمة السورية إلى «الحرب التي تجري الآن في مناطقنا، وتهديدات تركيا المتصاعدة، وعندما يتوقف هذا التهديد سيكون الوفد جاهزاً للذهاب إلى دمشق».

وأكد في ختام حديثه استعداد الإدارة الذاتية للاشتراك في الحكومة السورية المقبلة، وفي فعاليات المرحلة الانتقالية، وختم قائلاً: «قوات (قسد) سوف تكون جزءاً من الجيش السوري بعد التسوية، عندما يتشكل الجيش الوطني سنكون جزءاً منه».