لبنان يدخل في سباق بين الحل الدبلوماسي والخيار العسكري

فرنسا تنصحه بالنأي بنفسه عن النزاع

جنود لبنانيون يطلون على مستوطنات إسرائيلية عند الحدود (أ.ب)
جنود لبنانيون يطلون على مستوطنات إسرائيلية عند الحدود (أ.ب)
TT

لبنان يدخل في سباق بين الحل الدبلوماسي والخيار العسكري

جنود لبنانيون يطلون على مستوطنات إسرائيلية عند الحدود (أ.ب)
جنود لبنانيون يطلون على مستوطنات إسرائيلية عند الحدود (أ.ب)

يقول مصدر لبناني رسمي إن فرنسا ارتأت اعتماد الدبلوماسية الساخنة لوقف الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة «حماس» ومنعها من أن تتمدد إلى الجبهة الشمالية، وأوفدت لهذه الغاية وزيرة الخارجية كاترين كولونا في جولة على المنطقة المشتعلة ومن ضمنها لبنان، بدلاً من أن ترسل أساطيلها وقطعها البحرية على غرار ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، لاعتقادها أن الفرصة ما زالت مواتية لتغليب الحلول الدبلوماسية على الحلول العسكرية التي تضع المنطقة برمتها على شفير الهاوية.

وتأتي زيارة كولونا إلى بيروت في سياق البحث عن مخارج سياسية للحرب الدائرة بين «حماس» وإسرائيل، لئلا يؤدي دخولها في دائرة الحسم العسكري إلى التمدد نحو الجبهة الشمالية التي تشهد تصاعد وتيرة الاشتباكات بين إسرائيل و«حزب الله»، ويمكن أن تتحول إلى حرب مفتوحة في حال أن تل أبيب اتخذت قرارها النهائي باجتياح قطاع غزة؛ لأن الحزب لن يبقى مكتوف اليدين، وهذا ما يعرفه القاصي والداني، ولم يعد خافياً على الدول المعنية بعودة الاستقرار إلى المنطقة.

فـ«حزب الله» وإن كان يتقيّد بقواعد الاشتباك في تعاطيه مع التصعيد العسكري الإسرائيلي، ويأخذ على عاتقه الرد على أي اعتداء، فإن تقيّده بها لن يدوم في حال قررت تل أبيب غزو قطاع غزة، وسيضطر إلى مراجعة حساباته، كما يقول مصدر في الثنائي الشيعي لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أن تسخين الجبهة الشمالية يفرض عليها نشر نصف جيشها على طول الجبهة؛ ما يؤدي إلى تخفيف الضغط على قطاع غزة.

ويلفت المصدر اللبناني الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن كولونا ستجري محادثات مع أركان الدولة اللبنانية، ويسأل عما إذا كانت مهمتها في بيروت تأتي في سياق تقديم النصيحة للبنان و«حزب الله» للبقاء في منأى عن النزاع الدائر بين إسرائيل و«حماس»، بذريعة أن لبنان لا يتحمل، نظراً لظروفه السياسية والاقتصادية، الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

ويرى أن الحزب يخوض حالياً حرب استنزاف مع إسرائيل؛ ما يضطرها إلى توزيع قوتها النارية بين الجبهة الشمالية وقطاع غزة، بدلاً من أن تبقى محصورة بالأخيرة، ويؤكد أن الفرصة ما زالت مواتية للوصول إلى تسوية تبدأ من غزة، لكن لن تدوم طويلاً.

ويضيف أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وإن كان يعدّ العدة لاجتياح غزة، فإنه بات مضطراً للتدقيق في حساباته العسكرية لئلا يُغرق الجيش الإسرائيلي في رمال غزة المتحركة، والتي يمكن أن تمتد إلى الجبهة الشمالية، رغم أنه يتوجب على «حزب الله» أن يبادر إلى تحصين جبهته، بالمفهوم السياسي للكلمة، في ضوء ارتفاع منسوب الدعوات بضرورة تحييد لبنان؛ لأنه ليس هناك من لديه القدرة لتأمين التكلفة المالية لدخوله في حرب في ظل الانهيارات المتتالية التي يشكو منها.

ويؤكد المصدر نفسه أن هناك ضرورة لتحصين الجبهة الداخلية، ما دام هناك من ينصحه بعدم الانجرار إلى الحرب، وبالتالي لا بد من الصمود لقطع الطريق على استدراجه إليها بالتوقيت الذي تفرضه إسرائيل، مع أن اجتياح «حماس» المستوطنات الواقعة ضمن غلاف غزة أدى إلى ردود فعل إسرائيلية لم تكن لمصلحة نتنياهو، الذي اضطُر لإدخال فريق معارض في حكومته ليوحي بأنه بهذه الخطوة استطاع تحصين جبهته الداخلية.

ويكشف المصدر أن باريس لم تنقطع عن التواصل مع إيران و«حزب الله»، ويقول إنها استَبَقت مجيء كولونا إلى المنطقة بتمرير رسالة سياسية لمن يهمهم الأمر بأن لبنان يقف حالياً على شفير الهاوية، وأنه لا مصلحة في إدارة الظهر للجهود الدبلوماسية الرامية إلى استبعاد الحلول السياسية التي يشارك فيها عدد من الدول ذات التأثير المباشر على أطراف النزاع في الشرق الأوسط.

ويعتقد أن إرسال الأساطيل والقطع البحرية، سواء أكانت أميركية أم بريطانية، يأتي في سياق الضغط الدبلوماسي لقطع الطريق على إقحام المنطقة في حرب لا طائل منها، ويقول إن السباق على أشُدِّه اليوم بين تغليب التسوية السياسية على الجنوح نحو الحرب.

ويؤكد أن الظروف الحالية التي يمر بها لبنان حالياً غير تلك التي كانت قائمة إبان اندلاع حرب تموز (يوليو) 2006، ويدعو لأخذها بعين الاعتبار، خصوصاً أن النصائح التي أسداها الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لم تأتِ من فراغ، رغم أنه جمع ما بين إسداء النصيحة وتضامنه مع الحزب.

لذلك هناك من يراهن على أن الحل الدبلوماسي يمكن أن يتقدّم على الحل العسكري الذي يلوّح به نتنياهو لاعتقاده أن تطعيم حكومته بوزراء من المعارضة لن يقدّم أو يؤخّر في استرداده هيبة المؤسسة العسكرية التي أصيبت باهتزاز غير مسبوق على خلفية تقصيرها الذي كان وراء اجتياح «حماس» المستوطنات الواقعة ضمن غلاف غزة.

وفي المقابل، يراهن المصدر نفسه على واقعية «حزب الله» الذي يقف حالياً أمام مجموعة من الخيارات، ومنها العسكري كرد فعل على اجتياح نتنياهو قطاع غزة، هذا إذا لم يرضخ الأخير للضغوط الدبلوماسية التي تمارَس عليه بذريعة أنه بحاجة إلى تعويم نفسه لحفظ ماء الوجه، وتأمين استمراره في الحياة السياسية، بينما يتوجب على الحزب تقدير حساسية الوضع الداخلي المأزوم تحت ضغط الأزمات التي يتخبط فيها البلد.


مقالات ذات صلة

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

المشرق العربي صبي جريح يجلس في مستشفى شهداء الأقصى عقب تعرضه للإصابة في غارة جوية إسرائيلية في مخيم البريج وسط غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن «قوات الاحتلال ارتكبت 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تصاعد دخان كثيف وألسنة لهب جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى في الطيونة ببيروت الاثنين 25 نوفمبر 2024 (أ.ب)

واشنطن وباريس: محادثات وقف النار في لبنان حققت تقدماً كبيراً

قال البيت الأبيض، الاثنين، إن المناقشات التي أجرتها الحكومة الأميركية بشأن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل إيجابية، وتمضي في الاتجاه الصحيح.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأحد، من بيروت، بأن لبنان بات «على شفير الانهيار»، بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
TT

كردستان يرد على صهر صدام: إيران لم تقصف حلبجة بالكيماوي

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)
معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

تفاعلت أوساط عراقية مع المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» مع جمال مصطفى، صهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وسكرتيره الثاني.

وردّاً على قوله إن إيران قصفت مدينة حلبجة (شمال العراق) بالسلاح الكيماوي نهاية الثمانينات، أصدرت حكومة إقليم كردستان بيان تكذيب، شدّدت فيه على أن «ما قاله صهر الديكتاتور العراقي السابق (صدام حسين) ملفق، وعارٍ عن الصحة».

رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني (إعلام حكومي)

وجاء في بيان لمكتب رئيس حكومة كردستان، مسرور بارزاني، أنه «في مقابلة مع صحيفة (الشرق الأوسط) أطلق شخص يُدعى جمال مصطفى التكريتي، صهر الديكتاتور العراقي السابق، ادعاءً يُنكر فيه الهجوم الكيماوي الذي اقترفه النظام البعثي السابق على حلبجة، وتمادى في ادعائه، ناسباً تصريحاً باطلاً لرئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، بأن (طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة)».

وقال مكتب بارزاني: «إن رئيس حكومة الإقليم لم يسبق أن أدلى بمثل هذا التصريح»، وشدد البيان على أن «مرتكبي الهجوم الكيماوي على حلبجة هو النظام العراقي السابق نفسه، وكل الأدلة تُثبت قطعاً أنه مَن اقترف هذه الجريمة».

وكان جمال مصطفى قد قال في المقابلة التي أجراها مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»، غسان شربل، إن «إيران هي مَن قصفت حلبجة»، والشاهد على ذلك قبل فترة غير بعيدة، مسرور بارزاني، رئيس وزراء كردستان الذي أعلن «أن طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة قبل دخول الإيرانيين إليها».

وتعرضت حلبجة في 16 مارس (آذار) 1988، إلى القصف بالأسلحة الكيماوية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 5 آلاف من مواطنيها، وإصابة ضعف هذا العدد، كثير منهم يعاني حتى اليوم من تأثيرات الغازات السامة، وفقاً لمؤسسات حكومية ومدنية في كردستان.

وفي يناير (كانون الثاني) 2010 حُكم بالإعدام على علي حسن المجيد، الملقب بـ«علي الكيماوي»، ابن عم صدام حسين، ونفذ فيه الحكم لمسؤوليته عن «مجزرة» حلبجة.

جمال مصطفى مع رئيس التحرير غسان شربل خلال المقابلة

وتفاعل مدونون في مواقع التواصل الاجتماعي مع تصريحات صهر صدام عن زعيم حزب «السيادة»، خميس الخنجر.

وقال مصطفى، إن المحققين (خلال فترة احتجازه) حاولوا تلفيق تهمة، مفادها أنه «أعطى قبل الاحتلال، خميس الخنجر، مائتين وخمسين مليون دولار، وقالوا له: إذا لم تعترف بذلك ستبقى في السجن طيلة عمرك».

وأكد صهر صدام، أن هذا «الادعاء لا أساس له من الصحة، رغم أنه كان على علاقة بالخنجر» بحكم «اهتمامه بملف العشائر».

واستعاد مدونون الجدل حول محاكمة أركان النظام السابق، في حين شكك عدد منهم في تصريحات جمال مصطفى حول تلك الحقبة.

وجمال مصطفى التكريتي، ضابط برتبة مقدم في الجيش العراقي، وعُيّن في جهاز حماية صدام، ومسؤول عن ملف شؤون القبائل والعشائر، وهو زوج «حلا»، الابنة الصغرى لصدام حسين.