أسر عدد من الأجانب أدخل «حماس» في مشكلة وإسرائيل في أزمة

قضية الأسرى تظل أداة أساسية لتحديد مستقبل الحرب

فلسطينيون ومسلحون من «كتائب القسام» قرب «معبر إيريز» بين إسرائيل وشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ومسلحون من «كتائب القسام» قرب «معبر إيريز» بين إسرائيل وشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

أسر عدد من الأجانب أدخل «حماس» في مشكلة وإسرائيل في أزمة

فلسطينيون ومسلحون من «كتائب القسام» قرب «معبر إيريز» بين إسرائيل وشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ومسلحون من «كتائب القسام» قرب «معبر إيريز» بين إسرائيل وشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

تشكل قضية الأسرى الإسرائيليين والأجانب، الذين يقدر عددهم بحوالي 150 شخصاً، أداة أساسية لتحديد مستقبل الحرب التي أطلقتها حركة «حماس» وترد عليها إسرائيل بقوة هائلة. وهي تتحول إلى قضية جوهرية، في وقت رفع من خلالها الطرفان سقف أهدافهما إلى أقصى حد.

من جهة، إسرائيل ترفض التفاوض حولهم، وتقول إنها تواصل الحرب حتى إطلاق سراحهم بلا شروط ولا ثمن. وتقول «حماس» إنها لن تحررهم إلا بثمن إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، الذين يبلغ عددهم حوالي 5500 أسير وأسيرة.

في الوقت الحاضر، لا أحد يعرف بالضبط ما هو عدد الأسرى الإسرائيليين وما هي هويتهم. لكن هناك تقديرات بأن عددهم 150 شخصاً، ثلاثون منهم بأيدي «الجهاد الإسلامي»، وبعضهم بأيدي تنظيمات أخرى، لكن غالبيتهم الساحقة بأيدي حركة «حماس».

وحسب معلومات تم جمعها من شهود العيان، هناك حوالي 10 أسرى أمريكيي الجنسية، وسائحين من بريطانيا وروسيا وألمانيا وبعض العمال من تايلاند. وربما يكون هناك أسرى من دول أخرى.

وجود أسرى أجانب يؤثر على قرارات الحرب في الطرفين. فمن جهة، تريد حكومات هؤلاء الأسرى أن يعودوا إلى أهاليهم بسلام، والإدارة الأمريكية تمارس ضغوطاً على الطرفين لإطلاق سراحهم. ولذلك تم النشر في واشنطن عن مفاوضات مع «حماس»، لتنفيذ «صفقة تبادل إنسانية»، يتم بموجبها إطلاق سراح النساء والأطفال والمرضى، مقابل قيام إسرائيل بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من النساء والطفال والمرضى.

دورية إسرائيلية الثلاثاء في مدينة سديروت قرب غزة يجري فيها البحث عن مسلحي «حماس»

في إسرائيل، يسعون إلى إطلاق سراح الأسرى، بالقوة، حتى لا تسجل «حماس» لنفسها «صورة نصر»، أو أي إنجاز سياسي كهذا لهجومهم. فهي لا تزال الخروج من صدمتها من هجوم نفذه مقاتلو «حماس» بنجاح كبير، دل على إخفاقات هزت هيبة الجيش الإسرائيلي وأدخلته في أزمة ثقة خطيرة ليس فقط بين المواطنين المحليين وبين الفلسطينيين، بل في العالم أجمع.

والقيادة الإسرائيلية تريد محو صورة جيش يعد من أقوى جيوش العالم، لكنه لم يستطع منع قتل 800 إسرائيلي بأيدي تنظيم مسلح صغير مثل «حماس»، ولم يستطع حماية 22 بلدة سيطر عليها مقاتلو «حماس»، بل لم يستطع حماية ثكناته العسكرية الخاصة.

الجيش الإسرائيلي لديه أقوى مخابرات ولم يستطع معرفة شيء عن خطة «حماس» الحربية التي تدرب عليها مقاتلوه طيلة شهور. أقام جداراً بتكلفة 800 مليون دولار فانهار خلال بضع دقائق. والطريقة التي يتبعونها هي الرد الانتقامي المدمر والحصار التام والتجويع والتعطيش والتعتيم والخنق. وتقوم بخطوات تشير إلى احتمال اجتياح بري واحتلال مقاطع واسعة وتطهير «من بيت إلى بيت».

فلسطينية وسط حي دمرته الغارات الإسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)

نشر الأسرى والتحدي

وفي «حماس» يردون بأنهم استعدوا لهذا الرد. ورغم غارات الدمار الإسرائيلية التي ألقت آلاف الأطنان من المتفجرات وألحقت أضراراً مخيفة، والإعلان الإسرائيلي أن هذه هي البداية فقط، فقد أعلنوا أنهم نشروا الأسرى الإسرائيليين والأجانب على مناطق جغرافية واسعة، حتى تصعب إمكانية الاهتداء إليهم وتحريرهم. وتقول إنها تعد لقوات الاجتياح الإسرائيلي مكائد ومصائد لتلحق بها مزيداً من القتلى والأسرى.

تبني «حماس» كثيراً على تدخل العالم لوقف الهجوم الإسرائيلي والتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى، مع أنها لم تستغل الفرصة لإظهار تعامل إنساني لائق بالأسرى يجعل الرأي العالم يتعاطف معهم. فقد نشرت صور في الشبكات الاجتماعية بدا فيها أن عناصر «حماس» ينكلون بالأسرى، ويتباهون بأنهم أسروا امرأة مسنة على كرسي عجلات وعدداً من الصبايا وهم يكتبون على الأشرطة المصورة «سبايا»، ويأسرون أطفالاً.

صورة أحد أسرى «حماس» الذي قتل بقصف إسرائيلي (كتائب القسام)

وهذه الصور تساعد أنصار إسرائيل على الترويج ضد «حماس» والفلسطينيين عموماً. وإسرائيل تستغل هذه الصور جيداً وتنشرها مع مشاهد أخرى يظهر فيها مقاتلو «حماس» وهم يقتلون شباناً وصبايا كانوا يرقصون في حفل (وبينهم الكثير من الأجانب) ويقتلون عائلة بأكملها في عدة بلدات يهودية.

ومع أن إسرائيل أيضاً تمارس القتل والأسر في صفوف الفلسطينيين، إلا أنها تستغل هذه المباذل بماكينة إعلامية عملاقة ومشحمة جيداً ضد «حماس» والفلسطينيين.

الأسرى الأجانب

وبقدر ما تؤدي هذه الصور إلى غضب في العالم على «حماس»، فإنها تزيد من القلق على حياة الأسرى، فكل دولة تريد أن تخلص رعاياها. ولذلك تبادر إلى التفاوض. وهذه الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، التي وقفت من اللحظة الأولى مع إسرائيل ضد «حماس» تتوقع منها رد الجميل وعدم عرقلة إطلاق سراح رعاياها.

وإعلان الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، الاثنين، أن «قصف الاحتلال الليلة واليوم على قطاع غزة أدى إلى مقتل 4 من أسرى الاحتلال واستشهاد آسريهم من (مجاهدي القسام)»، إشارة تهدد حياة جميع الأسرى، وتجعل المشكلة أكبر ليس بالنسبة لـ«حماس»، التي في الأصل لم تأخذ الرأي العام الدولي بالاعتبار في سياستها وممارستها عبر تاريخها، بل أيضاً وبشكل خاص بالنسبة لإسرائيل وعلاقاتها مع هذه الدول.

فإذا كانت إسرائيل مستعدة لاستخدام «برتوكول هنيبعل» مع مواطنيها، وهو النظام الذي يتم بموجبه قتل الآسرين والمأسورين معاً وعدم الرضوخ لشروط الآسرين، فإن استخدام هذا النهج مع أسرى أجانب إنما يدخل إسرائيل في مأزق مع تلك الدول. وسيكون عليها أخذ الأمر بالاعتبار في تنفيذ خطتها الحربية المعلنة.


مقالات ذات صلة

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

المشرق العربي «حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

قال القيادي في حركة «حماس» أسامة حمدان اليوم الاثنين إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض، مؤكدا أن الحركة معنية في الوقت نفسه بوقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض صاروخاً في مدينة نهاريا شمال إسرائيل في 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجومين بالمسيرات على جنوب إسرائيل

أعلنت فصائل عراقية مسلحة، يوم أمس (الأحد)، مسؤوليتها عن هجومين بالمسيرات على مواقع في جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شؤون إقليمية سيدة تغلق فمها وتربط يديها بحبل خلال مظاهرة في تل أبيب تطالب بإعادة المحتجزين في غزة (رويترز)

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

بعد عام على إطلاق سراحهم خلال الهدنة الوحيدة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، دعا رهائن سابقون في غزة إلى تأمين الإفراج عمن لا يزالون محتجزين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

نتنياهو يمهد لإقالة رئيس أركان الجيش بموجة انتقادات

بعد أن نجح في التخلص من وزير دفاعه، يوآف غالانت، من دون خسائر فادحة، يتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإزاحة رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي.

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«الاتحاد الوطني» يتحدث عن «توقعات متشائمة» بشأن حكومة كردستان

أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال احتفال بعد إعلان نتائج الانتخابات (رويترز)
أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال احتفال بعد إعلان نتائج الانتخابات (رويترز)
TT

«الاتحاد الوطني» يتحدث عن «توقعات متشائمة» بشأن حكومة كردستان

أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال احتفال بعد إعلان نتائج الانتخابات (رويترز)
أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال احتفال بعد إعلان نتائج الانتخابات (رويترز)

يُتوقع أن يدعو رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، خلال الأيام القليلة المقبلة، الكتل السياسية الفائزة إلى عقد أول جلسة للبرلمان بعد إعلان «مفوضية الانتخابات» المصادقة على نتائج انتخابات إقليم كردستان التي جرت في العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وطبقاً للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعيّن على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج.

ويترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.

وحصل «الحزب الديمقراطي» على 39 من أصل 100 مقعد في برلمان الإقليم بدورته السادسة، في حين حصل غريمه التقليدي «الاتحاد الوطني» على 23 مقعداً، كما حصل «الجيل الجديد» على 15 مقعداً، و«الاتحاد الإسلامي» على سبعة مقاعد، وأحزاب صغيرة على بقية المقاعد.

ومع أن الجلسة الأولى للبرلمان يُتوقع أن تنعقد بانسيابية وسهولة طبقاً للوائح والإجراءات القانونية، فإن معظم الترجيحات تتحدث عن «شتاء قاسٍ» ينتظر الإقليم بالنسبة إلى عملية الاتفاق على تشكيل الحكومة، بالنظر إلى الانقسامات القائمة بين قواه السياسية.

مسرور بارزاني يتحدث على هامش معرض تجاري في أربيل (حكومة إقليم كردستان)

ويتحدث حزب الاتحاد الوطني عن «تقديرات متشائمة» بشأن تشكيل الحكومة قد تمتد إلى نهاية العام المقبل.

ويتوقع القيادي في حزب الاتحاد، غياث السورجي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «تبقى قضية تشكيل الحكومة حتى موعد الانتخابات الاتحادية العامة نهاية عام 2025، وبعد ذلك يتم الاتفاق على مناقشة مسألة المناصب في الإقليم وفي بغداد بيننا وبين الحزب الديمقراطي».

وخلال السنوات الماضية غالباً ما تم الاتفاق بين الحزبين على أن يحصل حزب الاتحاد الوطني على منصب رئيس جمهورية العراق، في حين يحصل «الديمقراطي» على رئاسة الإقليم ورئاسة وزرائه.

وأضاف السورجي: «أتوقع تأخّر تشكيل الحكومة؛ لأن لدينا شروطاً من أجل المشاركة فيها. قادة (الديمقراطي) يقولون إن الجميع سيشارك وفق استحقاقه الانتخابي، وهذا لن نقبل به. نريد أن نشارك في حكومة لنا فيها دور حقيقي برسم السياسات. لن نشارك وفق مبدأ الاستحقاق، إنما وفق دور حقيقي».

ويؤكد أن «جميع الأحزاب الفائزة أعلنت رسمياً عدم المشاركة في الحكومة، وبعضها انسحب من البرلمان، والأمر سيبقى محصوراً بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد في مسألة تشكيل الحكومة».

وكشف السورجي عن أن «(الديمقراطي) بدأ (الاثنين) زيارة الأحزاب الفائزة؛ للمناقشة حول تشكيل الحكومة، ونحن في (الاتحاد) شكّلنا لجنة، وسنتفاوض خلال الأيام المقبلة مع جميع الأحزاب».

وعن المناصب الحكومية التي يمكن أن يحصل عليها «الاتحاد الوطني» في حال مشاركته في الحكومة، قال السورجي: «حتى هذه اللحظة لم نناقش المناصب، لكننا نريد الحصول على أحد المنصبين؛ رئاسة الإقليم، أو رئاسة الوزراء، وبخلافه لن نتنازل عن شرطنا، وهناك شروط أخرى».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني خلال لقاء في بغداد (أرشيفية - رئاسة الوزراء)

بدوره، يقلّل كفاح محمود المستشار الإعلامي لزعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، من أهمية «التوقعات المتشائمة» التي يتحدث عنها حزب الاتحاد، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه «ومهما كانت الخلافات السياسية بين (الديمقراطي) و(الاتحاد)، فإن نهاية التنافس هي حكومة ائتلافية بينهما؛ لأن الواقع على الأرض مع الاستحقاقات الانتخابية سيرسم خريطة الحكومة القادمة حتى وإن تأخرت لعدة أشهر».

ويتوقع محمود، أن تركز الحكومة المقبلة على «قضية الخدمات والمشروعات الصناعية الزراعية، خصوصاً أن حكومة مسرور بارزاني الحالية أرست أسس بنية تحتية لصناعة الغذاء وملحقاته الأساسية التي تتعلق بالزراعة والمياه خصوصاً السدود ومشروعات البرك المائية التي تستثمر مياه الأمطار الغزيرة في كردستان، وما يتعلق ببعض الصناعات التحويلية التي تحتاج إلى حكومة تكنوقراط تلبي الحاجة الماسة للمواطن والإقليم».

ويرجح محمود أن «يحصل رئيس الوزراء الحالي (المنتهية ولايته) على ولاية جديدة في الحكومة المقبلة».

وأدلى عضو الحزب الديمقراطي عبد السلام برواري، بتصريحات إلى «شبكة رووداو» الإعلامية، الاثنين، قال فيها، إن «(الاتحاد الوطني) عادة ما يمارس هذه الأساليب ويرفع من سقف مطالبه، وفي النهاية نحن نعرف وهم يعرفون وكذلك الناس تعرف، أنه يجب أن تتشكل الحكومة بالاتفاق ما بين (الديمقراطي) و(الاتحاد الوطني)».

وأضاف أن «هذا هو الواقع، سواء كان مُرّاً أم حلواً، يعجبني أو لا يعجبك، هذا هو الواقع في إقليم كردستان... لا تتشكل حكومة دون البارتي (الديمقراطي) واليكتي (الاتحاد)».