وفد طبي أميركي يختصر زيارته إلى إدلب في سوريا بسبب تصعيد القصف

أطباء بعثة منظمة «ميدغلوبال» العالمية يتابعون حالة أحد المرضى (الشرق الأوسط)
أطباء بعثة منظمة «ميدغلوبال» العالمية يتابعون حالة أحد المرضى (الشرق الأوسط)
TT

وفد طبي أميركي يختصر زيارته إلى إدلب في سوريا بسبب تصعيد القصف

أطباء بعثة منظمة «ميدغلوبال» العالمية يتابعون حالة أحد المرضى (الشرق الأوسط)
أطباء بعثة منظمة «ميدغلوبال» العالمية يتابعون حالة أحد المرضى (الشرق الأوسط)

أنهى 9 أطباء، باختصاصات مختلفة وصلوا إلى إدلب يوم الثلاثاء، زيارة كان من المفترض أن تدوم 11 يوماً؛ لإجراء عمليات جراحية وتقديم تدريبات اختصاصية للكوادر المحلية، لكن تصعيد قصف قوات النظام اختصر الزيارة إلى يومين.

البعثة كانت الثالثة التي تصل إلى المنطقة بتنسيق من منظمة «ميدغلوبال (Medglobal)» العالمية، وشملت زيارة المنشآت الصحية المختلفة؛ للاطلاع على حال النظام الصحي الذي وصفته الأمم المتحدة بـ«الهش، والمحتمل ما يفوق طاقته» في شمال غربي سوريا، تلك الطاقة واجهت اختباراً شديداً بعد رفع الجاهزية لمداواة الجرحى والمصابين جراء تصعيد حملة القصف، التي استهدفت خلالها قوات النظام السوري مدناً وعشرات القرى والتجمعات السكانية في إدلب وريفها، وتسببت بمقتل 13 مدنياً وإصابة 67 آخرين، وفقاً لإحصاءات «الدفاع المدني السوري».

جانب من التدريبات التي قدمها الوفد الطبي لمنظمة «ميدغلوبال» للكوادر المحلية في مشفى دركوش في ريف إدلب يوم الأربعاء (الشرق الأوسط)

زيارات لتقديم الدعم

وقف حسان ثابت، متخصص طب الطوارئ أمام شاشة العرض في مشفى «الشفاء» في دركوش، وهو يشرح لكادره أسلوب استخدام التصوير بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو) للتشخيص المبكر في الحالات الإسعافية. دمار البنية التحتية هو أول ما لفت انتباه الطبيب الهندي في زيارته الأولى للمنطقة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرى أن ذلك الدمار يعيق وصول المرضى للمراكز الصحية، مضيفاً أن «هناك مساعدات تصل من الجانب الآخر من الحدود، لكنها ليست كافية للتعامل مع الموارد المحدودة هنا. أعتقد بأن هناك مزيداً مما يجب فعله».

الدكتور مصطفى العيد، مدير برنامج «ميدغلوبال» في سوريا، يرى أن «فائدة الوفود هي تأمين خدمات نوعية في شمال غربي سوريا، وبناء قدرات الكادر الطبي المحلي، وتسليط الضوء على احتياجات قطاع الصحة. العائق الوحيد أمام تقديم تلك الخدمات هو تأخر الحصول على الموافقات لعبور الحدود التركية - السورية»، حسبما قال العيد لـ«الشرق الأوسط» قبل أن يثبت القصف أنه عائق أكبر أمام فرص مد يد العون للقطاع الصحي في المنطقة.

كوادر طبية محلية في مشفى دركوش في ريف إدلب أثناء تدريبهم من قبل الوفد الطبي التابع لمنظمة «ميدغلوبال» (الشرق الأوسط)

واقع قطاع الصحة

أيام من تأخير منح الموافقة لعبور المتخصصين عبر الحدود من تركيا، كانت كفيلة بضم العشرات من المصابين بـ«متلازمة الهرس» لإحصاءات ذوي الإعاقة بعد معاناتهم لفقد أطرافهم نتيجة لزلزال فبراير (شباط) الماضي. لم يملك الشمال الغربي الكوادر الطبية المختصة لعلاج تلك الإصابات العاجلة، وكانت النتيجة وفاة البعض وإعاقة غيرهم؛ بسبب مضاعفات كان بالإمكان تفاديها في حال وجود رعاية صحية كافية.

تمكّنت وفود طبية عدة من الدخول إلى إدلب خلال الأشهر الماضية، وكانت لها «أهمية كبيرة» حسب وصف مدير مديرية صحة إدلب، الدكتور زهير قراط، في حديثه لـ«الشرق الأوسط». وأضاف أن تلك الوفود «قدمت خدمات مباشرة للمرضى، وتدريبات للكوادر الصحية، وساعدت على إيصال الصورة الحقيقية للمقيمين هنا».

كارثة طبيعية مثل الزلزال، حينما يقع آلاف المصابين دفعة واحدة، كفيلة بضغط وعرقلة النظم الصحية في أي دولة حول العالم، لكن سكان الشمال الغربي في سوريا يعرفون معنى نقص الخدمات الصحية على مدار العام، إذ يضطر مئات المصابين شهرياً، بالحوادث أو بالأمراض المزمنة، للانتقال عبر الحدود لتلقي العلاج في تركيا.

أطباء بعثة منظمة «ميدغلوبال» العالمية يتابعون حالة أحد المرضى (الشرق الأوسط)

مشكلات عبور الحدود

برأي قراط، فإن الهدف الأهم تحقيقه في المنطقة هو «الحصول على الخدمات الصحية كافة ضمنها، وألا نحتاج لإحالة المريض خارج منطقته لأي سبب كان». بعد الزلزال، الذي تسبب بدمار واسع في جنوب تركيا، توقف نقل المرضى عبر الحدود لأشهر، وتوفي عدد ممن يعانون الحالات الإسعافية والمزمنة وهم بانتظار قرار العبور، إلى أن تم السماح بمرور حالات معينة منذ يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين.

تحاول مديرية الصحة تأمين مشافٍ تخصصية بالاختصاصات النوعية كافة ضمن المنطقة، مثل مشافي علاج السرطان، ورعاية الأطفال حديثي الولادة، ورعاية مرضى الحروق، والجراحة العظمية التخصصية. وتقدر الأمم المتحدة مغادرة أكثر من نصف المتخصصين وذوي الخبرة في مجال الصحة من سوريا، بينما تزداد أعداد المحتاجين للرعاية الصحية عاماً تلو آخر. ففي شمال غربي سوريا وحده 3.8 مليون شخص، أي 84 في المائة من مجموع السكان، بحاجة للمساعدة الصحية، بزيادة نسبتها 25 في المائة عمّا كانت عليه الاحتياجات قبل عام.

حالياً، ثُلث المرافق الصحية المتوفرة في شمال غربي سوريا، أي 601 منشأة، غير فاعلة، و67 منها تضررت بالزلزال؛ ما تسبب في توقفها عن العمل. وتعجز المساعدات المقدمة عن معالجة المشكلات الأكثر انتشاراً مثل وباء الكوليرا، وسوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، ما يهدد بكارثة صحية لجيل بأكمله.


مقالات ذات صلة

«المسيّرات» تغير موازين المواجهة في شمال سوريا

تحليل إخباري الصورة التي بثَّتها «سانا» عبر حسابها في «إكس»

«المسيّرات» تغير موازين المواجهة في شمال سوريا

في صورة احتفالية غير مألوفة في الإعلام الحربي ظهر عدد من الجنود السوريين مع مدنيين وأطفال يقفون خلف طائرة مسيَّرة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي آخر اجتماع لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في إطار أستانة عقد على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية)

تركيا وإيران اختلفتا حول «عملية حلب» واتفقتا على تعاون ضد القوات الكردية

تباين موقفا تركيا وإيران بشأن التطورات في سوريا والسيطرة على حلب، فيما شدد رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا على حل وفق قرارات الأمم المتحدة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مقاتلون من الفصائل السورية المسلحة في محيط مطار حلب الدولي (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي: سنضمن عدم استغلال إيران الأوضاع في سوريا

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين، إنه يتابع ما يجري في سوريا من كثب، وإنه سيعمل على ضمان ألا تستغل إيران الوضع لنقل أسلحة إلى «حزب الله» اللبناني عبر سوريا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة دمار من موقع غارة في إدلب بسوريا نُشرت في 2 ديسمبر 2024 (رويترز)

بوتين وبزشكيان يؤكدان دعمهما «غير المشروط» لسوريا

تعهّد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان بتقديم «دعم غير مشروط» للرئيس بشار الأسد في ظلّ الهجوم المباغت الذي تشنّه فصائل مسلحة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
شؤون إقليمية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال مؤتمر صحافي بطهران في 16 سبتمبر 2024 (رويترز)

الرئيس الإيراني: انتشار «عدم الأمن والإرهاب» بالمنطقة ليس في مصلحة أي دولة

قال الرئيس الإيراني في اتصال مع أمير قطر، إن انتشار «عدم الأمن والإرهاب» في المنطقة ليس في مصلحة أي دولة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تقرير: إسرائيل تثبّت قواعد عسكرية في وسط غزة

صحيفة «نيويورك تايمز»
صحيفة «نيويورك تايمز»
TT

تقرير: إسرائيل تثبّت قواعد عسكرية في وسط غزة

صحيفة «نيويورك تايمز»
صحيفة «نيويورك تايمز»

في تحرك يشير إلى نية واضحة للبقاء لفترة طويلة، وسّعت القوات الإسرائيلية وجودها العسكري في وسط قطاع غزة، خلال الأشهر الأخيرة.

وشملت الخطوات هدم أكثر من 600 مبنى فلسطيني لتأمين منطقة عازلة، وتعزيز شبكة من القواعد العسكرية المدعمة بالتحصينات، وفقاً لتحليلٍ أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» باستخدام صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو.

توسع عسكري يُغير الجغرافيا

منذ اندلاع الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سيطرت إسرائيل على «ممر نتساريم»، وهو شريط استراتيجي يمتد بطول أربعة أميال، ويفصل شمال غزة عن جنوبها.

وصارت المنطقة، التي تبلغ مساحتها الآن نحو 18 ميلاً مربعاً، تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ما يمنع مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم في الشمال.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية تسارع وتيرة بناء القواعد العسكرية؛ حيث جرى إنشاء أو توسيع 12 قاعدة جديدة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، لتصل إلى 19 قاعدة رئيسية مزودة بتحصينات دفاعية وأبراج مراقبة ومواقف للمدرعات.

وقال الكولونيل نداف شوشاني، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: «إن هذه التحركات أسبابها تشغيلية، والمنشآت يمكن إزالتها في أي وقت، لكنها تعكس، في الوقت نفسه، استعداداً لوجود طويل الأمد».

آثار كارثية على المدنيين

طال هدم المباني قرى ومناطق زراعية، مثل قرية المغراقة، التي كانت تضم أكثر من 10 آلاف نسمة قبل الحرب، وتحولت إلى أطلال بعدما دُمرت مبانيها ومزارعها تماماً. ولا يرى سكان القرية، الذين فروا جنوباً، أي أمل في العودة إلى أراضيهم.

وقال بشير أبو كميل، أحد سكان المغراقة: «في البداية، كنا نعود لتفقُّد ما تبقَّى من منازلنا. لكن مع توسع السيطرة الإسرائيلية، أصبح الاقتراب من الأنقاض بمثابة حكم بالإعدام».

أهداف استراتيجية ومواقف متضاربة

رغم تأكيد المسؤولين الإسرائيليين أن التحركات تهدف إلى منع عودة سيطرة حركة «حماس»، أثارت الخطوات تكهنات حول نية إسرائيل استعادة المستوطنات اليهودية في غزة. في حين نفت الحكومة الإسرائيلية رسمياً هذه النيات، وأشار بعض الوزراء إلى إمكانية إعادة النظر في هذا الأمر مستقبلاً.

وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي أفي ديختر: «سنظل في غزة لفترة طويلة. الحقائق على الأرض تؤكد ذلك».

قراءة عسكرية للمشهد

يرى محللون عسكريون أن السيطرة على «ممر نتساريم» تمنح إسرائيل نفوذاً استراتيجياً للسيطرة على حركة السكان والبضائع في القطاع. وصرح الجنرال المتقاعد عامير عفيفي أن الجيش الإسرائيلي يدرك الآن أن الانسحاب لم يعد خياراً، ما يفسر البناء المكثف للبنية التحتية العسكرية في المنطقة.

في الوقت نفسه، تُبرز التحصينات المكثفة استعداد إسرائيل لمعركة طويلة الأمد، وسط تساؤلات عن مستقبل غزة ومستقبل سكانها الذين يعانون التهجير والدمار.

ويعيد الوجود الإسرائيلي الحالي في غزة إلى الأذهان حقبة الاحتلال العسكري للقطاع قبل الانسحاب في 2005، ما يثير قلقاً دولياً بشأن احتمال العودة إلى السيناريو نفسه. ومع تصاعد التوترات، تظل غزة على حافة الهاوية، وسط صراع لا تبدو نهايته قريبة.