إسرائيل... الفشل الاستخباراتي يكرر نفسه بعد 50 سنة من حرب أكتوبر

فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية على الجدار العازل قرب خان يونس في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ب)
فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية على الجدار العازل قرب خان يونس في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ب)
TT
20

إسرائيل... الفشل الاستخباراتي يكرر نفسه بعد 50 سنة من حرب أكتوبر

فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية على الجدار العازل قرب خان يونس في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ب)
فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية على الجدار العازل قرب خان يونس في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ب)

كلمة «محدال» تعني بالعبرية «الإهمال إلى درجة الفساد». هذه الكلمة استخدمت للمرة الأولى في حرب أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، لوصف فشل الاستخبارات في معرفة نيات مصر وسوريا في شن هجوم على إسرائيل. وقد تحولت إلى عنوان استخدم مئات ألوف المرات في مقالات وكتب وتسبب في الإطاحة برئيس أركان الجيش آنذاك، دافيد العزار، والكثير من جنرالاته وتسببت لاحقاً في إنهاء الدور التاريخي لرئيسة الوزراء، غولدا مائير، ثم الإطاحة بحكم حزبها وصعود اليمين إلى الحكم.

اليوم يتم ترديد كلمة «محدال» مرة أخرى لوصف المفاجأة التي حققتها حركة «حماس»، بالهجوم الصادم على البلدات الإسرائيلية تحت شعار «طوفان الأقصى». والكثير من القرارات التي ستتخذ حالياً، مرتبطة جداً بهذا «المحدال». فالجميع يحاول إزاحة المسؤولية عن كاهله، وإلقاءها على الطرف الآخر. ولكن للمرة الأولى يجري الحديث أيضاً عن الجانب السياسي والاستراتيجي في هذا الإخفاق، الذي يعد أساس البلاء في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

غارة إسرائيلية على قطاع غزة اليوم (أ.ب)
غارة إسرائيلية على قطاع غزة اليوم (أ.ب)

ولنبدأ بالإخفاق العسكري. فأجهزة الأمن الإسرائيلية كانت على علم بوجود خطط لدى الذراع العسكرية لحركة «حماس» للهجوم على عدة بلدات في الجنوب الإسرائيلي، خصوصاً البلدات المحاذية لقطاع غزة. وقد عثرت إسرائيل على أنفاق حفرتها «حماس» لاستخدامها في الهجوم وأعدت خططاً مقابلة تدرّب عليها الجيش عشرات المرات لإحباط مثل هذا الهجوم المتوقع. وبضمن ذلك، خطط الإسرائيليون لإفراغ عدد من هذه البلدات من سكانها وتدريب الجنود على منع خطف أي منهم أو من المدنيين أسرى حرب.

اليوم، وخلال بضع عشرات من الدقائق انهارت كل هذه الخطط. فقد نفذ مقاتلو «حماس» الاجتياح بشكل مفاجئ تماماً. وحسب وزراء في الحكومة، سئل قادة الجيش عن مدى خطر جدية تهديدات «حماس» بالرد على الاقتحامات للأقصى وعلى تشديد الإجراءات ضد الأسرى في السجون وعلى اعتداءات المستوطنين المنفلتة على البلدات الفلسطينية، فكان الرد بأن هذه الأمور يمكن أن تؤدي إلى تدهور أمني كبير وخطير ولكن لا توجد إشارات على أن «حماس» ستطلق صواريخ. وقال ضابط كبير من قادة الجيش للصحافيين قبل أيام: «اذهبوا للعيد، لن تنشب عمليات كبيرة»، بحسب المراسل العسكري للإذاعة الرسمية.

صاروخ ينطلق من مدينة غزة في اتجاه إسرائيل اليوم (إ.ب.أ)
صاروخ ينطلق من مدينة غزة في اتجاه إسرائيل اليوم (إ.ب.أ)

ولكن ما حصل يدل على أن الجيش كان غائباً. فقد أطلقت «حماس» 2200 صاروخ وقذيفة دفعة واحدة في غضون ربع ساعة. وخلال ذلك، دخل إسرائيل مئات المقاتلين، وتمكنوا من إحداث اختراق عسكري حقيقي واستثنائي، كبير في حجمه ومضمونه. دخلوا براً وبحراً وجواً، بالإنزال بالمظلات (وهو سلاح لم تكن إسرائيل على علم بتفاصيله كما يبدو) واحتلوا 10 بلدات يهودية، بينها أوفكيم البعيدة عن الحدود أكثر من 40 كيلومتراً وقتلوا ما لا يقل عن 40 إسرائيلياً (في إحصاء غير نهائي) وجرحوا حوالي ستمائة شخص، والأخطر أنهم قاموا بأسر عشرات (35 في إحصاء أولي)، بينهم جنود وضباط، وقاتلوا حتى النفس الأخير.

ولكن الخلل الذي تجاهلوه في حرب أكتوبر 1973، لا يتجاهلونه اليوم. وهو في المجال السياسي والاستراتيجي. فجميع الحكومات الإسرائيلية، باستثناء حكومة إيهود أولمرت، وضعت لنفسها استراتيجية أتاحت بموجبها تقوية حركة «حماس» لغرض تكريس الانقسام الفلسطيني وإضعاف السلطة الفلسطينية، وذلك خوفاً من التقدم في مسيرة سلام على أساس حل الدولتين. والحكومة السابقة برئاسة نفتالي بنيت ويائير لبيد قررت بشكل متعمد عدم الخوض بتاتاً في أي مفاوضات مع الفلسطينيين ووضعت القضية الفلسطينية على الرف. والحكومة الحالية، التي تتألف من أحزاب اليمين المتطرف، تدير سياسة مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية وإجهاض حل الدولتين والتخلص منه وعلى الأرض وتقوم بممارسات تمس الفلسطينيين أرضاً وشعباً وقيادة ومقدسات، مثل الاقتحامات المضاعفة للأقصى ومضاعفة عدد الاعتقالات وقتل نحو 200 فلسطيني وانفلات المستوطنين في تنفيذ أكثر من 1100 اعتداء على الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان والإعداد لتشكيل ميليشيات مسلحة.

أسير إسرائيلي في أيدي الفلسطينيين في قطاع غزة اليوم السبت (أ.ب)
أسير إسرائيلي في أيدي الفلسطينيين في قطاع غزة اليوم السبت (أ.ب)

وقد حذر كل العقلاء في إسرائيل، وليس فقط في فلسطين، من أن هذه السياسة ستقود إلى انفجار. وكما في شهور ما قبل حرب أكتوبر، لم يكترث أحد. فلا الحكومة غيّرت سياستها ولا الجيش غيّر ممارساته ولا المستوطنون لجموا أنفسهم. وقد زاد ذلك الاحتقان وتفاقم الغضب الفلسطيني. وكانت هذه أرضية خصبة لمن يريد أن يقدم على عملية «نوعية» ضد الدولة الإسرائيلية، فاقتنصت «حماس» الفرصة بينما القادة الإسرائيليون نيام.

والآن، ينشغل قادة الاستخبارات الإسرائيليون في أمرين: التفتيش عن قادة لحركة «حماس» لاغتيالهم، وفهم ماذا يقف وراء عمليتهم؟ ما الذي فكر فيه يحيى السنوار، قائد «حماس» في قطاع غزة، ومحمد ضيف، قائد الجناح العسكري في «حماس»، عندما أطلقا الهجوم. ويفتش قادة جيش إسرائيل في الوقت ذاته عن وسيلة لاسترداد هيبتهم، داخل دولتهم وخارجها.


مقالات ذات صلة

جماعة «الحوثي» تعلن إطلاق صاروخين على إسرائيل

العالم العربي صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (أرشيفية - جماعة الحوثي عبر «تلغرام»)

جماعة «الحوثي» تعلن إطلاق صاروخين على إسرائيل

أعلنت جماعة «الحوثي» اليمنية أن مقاتليها أطلقوا صاروخين باليستيين على هدفين في إسرائيل، أحدهما قاعدة جوية شرقي حيفا.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
الخليج دخان يتصاعد فوق المباني بعد غارة إسرائيلية على مشارف دمشق (أرشيفية - أ.ف.ب)

السعودية تدين استهداف إسرائيل محيط القصر الرئاسي في دمشق

أدانت السعودية، بأشد العبارات الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي غارة إسرائيلية على دمشق (أرشيفية)

قطر تدين الغارة الإسرائيلية على محيط القصر الرئاسي في دمشق

أدانت وزارة الخارجية القطرية اليوم الجمعة الغارة الإسرائيلية على محيط القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق، ووصفتها بأنها «عدوان سافر على سيادة سوريا».

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
المشرق العربي عمال الدفاع المدني يتفقدون إحدى المناطق بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب) play-circle

لبنان يؤكد عدم السماح لـ«حماس» بزعزعة استقرار البلاد

حذّر المجلس الأعلى للدفاع في لبنان اليوم الجمعة حركة «حماس» من استخدام الأراضي اللبنانية في «أعمال تمس بالأمن القومي» للبلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطينيون ينظرون إلى الدمار الذي خلفته غارة جوية إسرائيلية على بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ب) play-circle

12 قتيلاً في قصف إسرائيلي على غزة... و«الأونروا» تصف الحصار بـ«العقاب الجماعي»

قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني اليوم الجمعة إن سكان قطاع غزة يتعرضون لـ«عقاب جماعي».

«الشرق الأوسط» (غزة)

ألمانيا تعرب عن «قلقها الكبير» حيال الاشتباكات في سوريا

عناصر من القوات الأمنية السورية تقف في حاجز بجرمانا قرب دمشق (أ.ف.ب)
عناصر من القوات الأمنية السورية تقف في حاجز بجرمانا قرب دمشق (أ.ف.ب)
TT
20

ألمانيا تعرب عن «قلقها الكبير» حيال الاشتباكات في سوريا

عناصر من القوات الأمنية السورية تقف في حاجز بجرمانا قرب دمشق (أ.ف.ب)
عناصر من القوات الأمنية السورية تقف في حاجز بجرمانا قرب دمشق (أ.ف.ب)

أعربت ألمانيا، اليوم الجمعة، عن «قلقها الكبير» حيال «المواجهات العنيفة» التي وقعت مؤخراً في سوريا، داعية الحكومة السورية إلى ضمان «حماية السكان المدنيين».

وبعد ساعات على إعلان إسرائيل شن غارات على دمشق، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية، في بيان، أن «سوريا يجب ألا تصبح مسرحاً للتوترات في المنطقة». وتابع البيان: «ندعو جميع الأطراف الوطنية والأجنبية إلى التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وحضّ البيان الحكومة السورية التي أطاحت الرئيس بشار الأسد في أواخر العام الماضي على الحرص على «إنهاء العنف». ودعت إلى «مواصلة الحوار مع كل الفئات السكانية، لضمان مشاركتها الكاملة في العملية السياسية».

وتعهّدت السلطات الجديدة بممارسة حكم لا يستثني أي فئة في البلد المتعدد الطوائف.

وقالت وزارة الخارجية الألمانية: «من الواضح أن عقوداً من الدكتاتورية والحرب الأهلية خلّفت جروحاً عميقة يجب أن تلتئم من خلال عملية شفافة وبمساعدة عدالة انتقالية». وأعربت برلين عن استعدادها للمساعدة في هذه العملية.