لبنان ينغمس في مشكلة استعادة انتظام المالية العامة

سعر صرف ملتبس ومسار تشريعي «صعب» لموازنتي العام الحالي والمقبل

لقاء في قاعة لجنة المال والموازنة يضم النائبين إبراهيم كنعان وجورج عدوان مع بعثة صندوق النقد الدولي في لبنان برئاسة آرنستو راميراز في 13 سبتمبر (الوكالة الوطنية)
لقاء في قاعة لجنة المال والموازنة يضم النائبين إبراهيم كنعان وجورج عدوان مع بعثة صندوق النقد الدولي في لبنان برئاسة آرنستو راميراز في 13 سبتمبر (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان ينغمس في مشكلة استعادة انتظام المالية العامة

لقاء في قاعة لجنة المال والموازنة يضم النائبين إبراهيم كنعان وجورج عدوان مع بعثة صندوق النقد الدولي في لبنان برئاسة آرنستو راميراز في 13 سبتمبر (الوكالة الوطنية)
لقاء في قاعة لجنة المال والموازنة يضم النائبين إبراهيم كنعان وجورج عدوان مع بعثة صندوق النقد الدولي في لبنان برئاسة آرنستو راميراز في 13 سبتمبر (الوكالة الوطنية)

عكس وصول مشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي، إلى محطته التشريعية الأولى لدى لجنة المال والموازنة النيابية في البرلمان اللبناني، وقبل 3 أشهر فقط من انتهاء العام المالي، جانباً من المشهد المأزوم في إدارة المالية العامة، الذي يتماهى مع التباسات رقمية وموضوعية لا تقل إرباكاً في سائر جوانب التقييم.

وفي الأساس، يشير مسؤول مالي كبير إلى أن الإنجاز المحقق في استلحاق التشريع لعام مالي مشرف على الانتهاء، بإقرار الحكومة مبكراً لمشروع قانون موازنة العام المقبل، توخياً لاستعادة الانتظام التشريعي لموازنات الدولة في مواعيدها الدستورية، سيبقى بدوره معلّق التحقق والجدوى إلى حين التثبت من مروره «الملتبس» في اللجان، ووصولاً إلى إقراره بصياغاته وجداوله النهائية من قبل الهيئة العامة للمجلس.

ويبدو أن هذا الهدف المزدوج لإقرار مشروعي قانوني الموازنتين، بعيد المنال من حيث المهلة الزمنية المقتصرة على 3 أشهر، والمحكومة مسبقاً بالعراقيل السياسية التي تتوزع بين الأولوية المطلقة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وصعوبات الاستجابة من قبل كتل نيابية وازنة عددياً و«ميثاقياً» لعقد جلسات للهيئة العامة، وفقاً لمقتضيات وتصنيفات التشريعات الضرورية.

وبالفعل، وبعد الملاحظات السلبية التي أوردتها بعثة صندوق النقد الدولي بشأن موازنة العام الحالي تحديداً، أشار رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، في تصريح له بعد اجتماع للجنة أمس مع وزير المال يوسف الخليل، إلى إجماع الآراء على أن مشروع موازنة السنة الحالية جاء بآخر السنة المالية وخارج المهل الدستورية ومن دون قطع حساب والحكومة صرفت ما صرفته، «وبالتالي نطالب بإحالة مشروع العام المقبل مع الرؤية الإنقاذية المطلوبة».

وأوضح أن مراسيم إحالة مشروع موازنة العام المقبل إلى مجلس النواب يجب أن تراعي الشكل الدستوري المطلوب في غياب رئيس الجمهورية. وستجري مناقشتها من قبل اللجنة مع أي مواد قانونية وردت في مشروع موازنة العام الحالي، وترى فيها الحكومة ضرورة إصلاحية. وأضاف: «فلتأخذ الحكومات علماً بأن موازنات أمر واقع لن تفرض علينا في مجلس النواب وحان وقت تبديل السياسات المعتمدة التي أوصلت إلى ما وصلنا إليه من انهيار وتجاوزات».

وفي الواقع، وفقاً للمسؤول المالي المعني الذي تواصلت معه «الشرق الأوسط»، فإن نجاح وزارة المال في إعداد مشروع موازنة العام المقبل، ومسارعة الحكومة إلى إقراره تمهيداً لإحالته إلى السلطة التشريعية، يشكل ركيزة مهمة لاستعادة انتظام المالية العامة ضمن دورتها الدستورية بعد مضي أكثر من عقدين، على تجاوز المحددات الدستورية وتيسير الصرف والجباية بإقرار متأخر لبيانات مالية محققة أو باعتماد القاعدة الاثني عشرية القانونية للإنفاق والجباية.

كما تعهّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتكليف لجان رسمية بوضع مشروعات قانون ضريبة الدخل الموحدة، وتعديل قانون المحاسبة العمومية، وإعادة هيكلة القطاع العام والمؤسسات العامة، وهيئة لتحقيق وتنسيق ووضع المعايير لأنظمة المعلوماتية في الدولة اللبنانية، وإصلاح الجمارك وضبط التهرب من التسجيل في الضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على السلع الفاخرة، مع الالتزام بإصدار المراسيم المسندة بقوانين نافذة وإحالة مشروعات القوانين، في أسرع وقت إلى المجلس النيابي.

وبما يتعدى البعد الدستوري البحت والمعلق إثبات جدواه بتشريع نيابي، يقدّر مشروع الموازنة الإيرادات الحكوميّة للعام المقبل، نحو 258.8 تريليون ليرة، يفترض أن يجري تحصيل أغلبها وفقاً لآخر سعر صرف مدرج على منصة صيرفة والبالغ 85.5 ألف ليرة لكل دولار، علماً بأن القيادة الجديدة للبنك المركزي أوقفت تماماً التعاملات على هذه المنصة، بدءاً من نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي، وتستمر بالتحضير لإطلاق منصة جديدة بالتعاون مع مؤسسة «بلومبرغ» الدولية.

ومع مضاهاة هذه التقديرات مع حجم الإنفاق المتوقع بحدود 300 تريليون ليرة، يتبين أن العجز المرتقب يناهز 41 تريليون ليرة أو نحو 14 في المائة من إجمالي الميزانية. وهو ما يمثل تحولاً «رقمياً» على الأقل في اعتماد سياسات مالية تستهدف تحقيق خفض كبير نسبياً لمستوى عجز الموازنة العامة، والمقدر بنسبة تفوق 30 في المائة في مشروع العام السابق، الذي بلغ للتو صالات اللجان النيابية المختصة.

وفي المندرجات، يدعو مشروع الموازنة إلى استيفاء مجموعة من الضرائب والرسوم بالدولار الأميركي كالرسوم الجمركيّة ورسوم المطار والمرافئ، وتلك المتعلّقة بالإقامة ورخص العمل ورسوم القطاع النفطي، علماً بأن بعثة صندوق النقد الدولي نصحت وزير المال يوسف الخليل، أثناء جولتها الأخيرة الأسبوع الماضي في بيروت، بأن تبقى الواردات بالليرة، وتوكيل البنك المركزي باستبدال الواردات عينها بالدولار بطريقة منظمة ومدروسة، عوضاً عن ترك الأمر للمكلف بالدفع.

كما يقترح المشروع زيادات واستحداث مجموعة من الضرائب والرسوم لتمويل الزيادة في الإنفاق الحكومي، كرفع الضريبة على القيمة المضافة من 11 إلى 12 في المائة وزيادة الرسوم على المعاملات العقاريّة ووضع رسوم على جباية النفايات وعلى المعاملات مع وزارة التربيّة على سبيل الذكر، لا الحصر.

ومن الواضح، بحسب المسؤول المالي، أن مشروعي الموازنة يتجنبان الخوض في معضلة اعتماد سعر صرف موحد للعملة الوطنية. فبينما تتوسع عمليات جباية موارد الخزينة العامة بسعر 85 ألف ليرة للدولار الواحد، ويضاف عليها علاوة بنسبة 20 في المائة في احتساب فواتير الكهرباء العامة، يستمر العمل بالسعر الرسمي المعتمد من أول فبراير (شباط) الماضي، بواقع 15 ألف ليرة لكل دولار يجري سحبه من الودائع المصرفية بموجب التعميم رقم 151 الصادر عن البنك المركزي. وفي حين يجري إيفاء حصص سحوبات شهرية بقيمة 400 أو 300 دولار نقدي للمستفيدين من تطبيق التعميم رقم 158.

وفي تفصيل مثير بمضمونه، يرد ضمن بنود الموازنة المقترحة، إتاحة السداد لرسوم أو ضرائب متوجبة على المكلفين من خلال حساباتهم المصرفية المحتجزة بالدولار الأميركي، إنما باحتساب القيمة المقابلة بما يوازي 40 في المائة من سعر صيرفة المعتمد في تحصيل الواردات. وبذلك يتم السعر الفعلي بنحو 34 ألف ليرة.

وقد نبهت بعثة صندوق النقد إلى إشكالات تعدد أسعار الصرف في الجباية على وجه الخصوص، بملاحظتها أن ميزانية عام 2024 المقترحة يجب أن تضمن أنها متسقة مع عملية توحيد سعر الصرف، التي بدأت بها قيادة مصرف لبنان. كذلك نوهت بوجوب تجنب منح تفضيلات لبعض دافعي الضرائب على حساب الآخرين، وبضرورة أن تتضمن الموازنة موارد كافية لإعادة بناء إدارة الضرائب لتعزيز الامتثال وزيادة عدالة الضرائب.


مقالات ذات صلة

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن تدمير 6 دبابات إسرائيلية في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)
دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)
TT

«حزب الله» يعلن تدمير 6 دبابات إسرائيلية في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)
دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)

أعلن «حزب الله» أنه دمر، الأحد، 6 دبابات «ميركافا» إسرائيلية في جنوب لبنان، 5 منها في بلدة البياضة الساحلية الاستراتيجية.

وقال «حزب الله»، في 3 بيانات، إن مقاتليه دمروا 5 دبابات «عند الأطراف الشرقية لبلدة البياضة»، إحداها أثناء محاولتها «التقدم لسحب دبابة من الدبابات المدمرة»، وأضاف في بيان آخر أنه استهدف بصاروخ موجه دبابة «عند الأطراف الغربية لبلدة دير ميماس».

وتحدثت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية عن معارك عنيفة في العديد من مناطق الجنوب، مشيرة إلى «تراجع رتل من 30 آلية عسكرية إسرائيلية من جنوب البياضة (...) باتجاه شمع وطيرحرفا تحت غطاء مدفعي»، بعد تدمير «حزب الله» للدبابات. وأضافت: «تسارع وتيرة العملية البرية الإسرائيلية في الخيام»، البلدة القريبة من الحدود، بعد ليلة من المعارك «العنيفة».

كذلك، أكد «حزب الله» استهداف القوات الإسرائيلية المتمركزة في شرق الخيام بـ4 دفعات من الصواريخ.

وتعدّ إسرائيل هذه البلدة «بوابة استراتيجية تسهل التقدم البري السريع»، بحسب الوكالة.

وقال رئيس بلدية دير ميماس، جورج نكد، للوكالة إن «القوات الإسرائيلية كانت قد وصلت من جهة كفركلا إلى تلة لوبيا الواقعة بين القليعة ودير ميماس ونصبت فيها حاجزاً، وإن هناك ما يقارب 20 شخصاً عالقين في البلدة بينهم امرأة حامل».

وأفادت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأن نحو 200 صاروخ أُطلقت من لبنان على إسرائيل، الأحد. ونقلت الصحيفة عن مصادر القولَ إن تلك الصواريخ تسببت في وقوع إصابات وتلفيات في مناطق بوسط وشمال إسرائيل.

وأعلن «حزب الله»، في وقت سابق، الأحد، استهداف هدف عسكري في تل أبيب بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، وذلك بعد أن استهدف أيضاً قاعدة أسدود البحرية الإسرائيلية.