أول محاكمة لمسؤولين أمنيين سوريين في باريس بتهم خطيرة

القضاء الفرنسي حريص على محاكمة مرتكبي جرائم الحرب أكانوا من النظام أم من خصومه

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

أول محاكمة لمسؤولين أمنيين سوريين في باريس بتهم خطيرة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

أخيراً، ستشهد فرنسا أول محاكمة لمسؤولين أمنيين سوريين من الصف الأول لأمام المحكمة الجنائية في باريس في شهر مايو (أيار) من العام المقبل بتهم التورط بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وممارسة التعذيب والخطف.

والمسؤولون الثلاثة المعنيون بالمحاكمة، وهي الأولى من نوعها على الأراضي الفرنسية، يعدّون من كبار الجهاز الأمني للنظام السوري، وفي مقدمهم رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، والرئيس السابق لجهاز المخابرات الجوية جميل حسن، ومدير فرع باب توما (دمشق) في المخابرات الجوية عبد السلام محمود. وثلاثتهم مستهدفون بمذكرات توقيف دولية. وينتظر أن تعمد محكمة أميركية في الأسابيع المقبلة إلى النظر في قضية جنائية هي أيضاً الأولى من نوعها على الأراضي الأميركية، وتعني اثنين من الثلاثة المذكورين (مملوك وحسن) بخصوص تهم مشابهة للتهم الموجهة إليهما على الأراضي الفرنسية.

اللواء علي المملوك مع الرئيس بشار الأسد (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وليس سراً، أن الماكينة القضائية بطيئة وأن الزمن القضائي يفترق جذرياً عن الزمن السياسي. والدليل على ذلك أن محاكمة الثلاثة المرتقبة في باريس الربيع المقبل تأتي بعد 11 عاماً على اختطاف وتغييب الطالب في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق باتريك دباغ، البالغ وقتها من العمر عشرين عاماً ووالده مازن دباغ المولود في عام 1956، والذي كان يشغل منصب المستشار التربوي الرئيسي في المدرسة الفرنسية في دمشق، وقد قُبض على الاثنين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013، من قِبل ضباط قالوا إنهم ينتمون إلى جهاز المخابرات الجوية السورية.

واختفى الوالد وابنه عن الأنظار منذ سوقهما إلى سجن المزة الواقع في إحدى ضواحي دمشق، والذي يظن أنه من الأسوأ لجهة التعامل مع الموقوفين، فيم حين تشير تقارير كثيرة إلى أنه كان مسرحاً لعمليات تعذيب على نطاق واسع.

ولم يُطرح اسما باترك ومازن دباغ مجدداً إلا في شهر أغسطس (آب) من عام 2018 حين أعلن النظام وفاتهما. وتفيد شهادتا الوفاة الرسمية بأن باتريك توفي أولاً في يناير (كانون الثاني) عام 2014، أي بعد عام واحد على اعتقاله، في حين والده فارق الحياة في نوفمبر من عام 2017.

اللواء جميل الحسن الثالث من اليسار (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وكان أمر إحالة الثلاثة إلى المحاكمة الذي أصدره قاضيا تحقيق في نهاية مارس (آذار)، قد تضمن اتهامات تقول: إنه «يبدو واضحاً» أن باتريك ومازن دبّاغ «تعرّضا، مثل آلاف المعتقلين الآخرين لدى المخابرات الجوية، للتعذيب الشديد الذي أدّى إلى وفاتهما».

وكثيرة الدعاوى التي أقيمت بحق شخصيات من النظام السوري عبر العالم، خصوصاً في البلدان الأوروبية التي تعمل بمبدأ «الولاية العالمية»، أي محاكمة أشخاص ارتكبوا جرائم في بلد غير البلد الذي تجري فيه المحاكمة، مثل ألمانيا وإيطاليا. أما فرنسا، فإن العمل بهذا المبدأ يؤطره القانون بحيث يتعين أن يكون صاحب الدعوى فرنسي الجنسية أو مقيماً على الأراضي الفرنسية. وفي حالة مازن وباتريك دباغ، فإن الشرط الأول توافر لهما؛ إذ إنهما كانا مزدوجي الجنسية ما سهل إقامة الدعوى.

صورة الرئيس بشار الأسد على مقر أمني في دمشق بتاريخ 14 يونيو الماضي (رويترز)

قبل الضباط الثلاثة الكبار (مملوك وحسن ومحمود)، قرر القضاء الفرنسي محاكمة إسلام علوش، واسمه الحقيقي مجدي مصطفى نعمة الذي ذاعت شهرته بسبب موقعه داخل تنظيم «جيش الإسلام» السوري المعارض الذي كان يسيطر على منطقة الغوطة القريبة من العاصمة السورية بين عامي 2013 و2018. وكان قُبض على علوش في مدينة مرسيليا التي وصلها طالباً وفي جيبه منحة أوروبية للدراسة في إطار ما يسمى برنامج «إيرسموس» وبتأشيرة طالب. لكن قُبض عليه يوم 29 يناير عام 2020. وبعد يومين فقط من توقيفه، وجه إليه القضاء الفرنسي تهم ارتكاب جرائم حرب وتعذيب والتواطؤ في حالات اختفاء قسري، وتحديداً بالمسؤولية عن اختفاء الناشطة السورية المعروفة رزان زيتونة الحائزة جائزة زاخاورف لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر (كانون الأول) عام 2013، أي يوم كان «جيش الإسلام» يسيطر على الغوطة الشرقية.

كذلك اختفى، في اليوم نفسه، ثلاثة آخرون هم: وائل حماده، زوج رزان زيتونه، وسميرة الخليل والمحامي ناظم الحمادي والأربعة قبض عليهم في الوقت نفسه.

وفي الربيع الماضي، اتخذ قاضيا تحقيق فرنسيان قراراً بإرساله إلى المحكمة الجنائية في باريس بتهمة «ارتكاب جرائم حرب وتغييب قسري». ويعود للمحكمة الجنائية أن تحدد موعد انطلاق المحاكمة.

وإذا كان علوش قد وقع في قبضة القضاء الفرنسي، ومحاكمته سوف تتم بحضوره، فإنه من المستبعد جداً أن يستجيب النظام السوري لمطلب تسليم الضباط الثلاثة، وبالتالي، فإن محاكمتهم سوف تتم غيابياً. وفي الوقت الذي يجهد النظام السوري لـ«تطبيع» علاقاته الخارجية، فإن المحاكمات الحاصلة وتلك المرتقبة في أوروبا والولايات المتحدة، سوف تعيد التركيز على الجرائم التي ارتكبت في سوريا، وبشكل خاص على أيدي أركان النظام.

وليس سراً، أن باريس عارضت دوماً تطبيع العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري، عادّة أنه لا يمكن السير بها إلا إذا حصل تغيير سياسي وتوجه نحو تسوية، بما في ذلك عودة المهجرين والنازحين وإجراء الانتخابات والإفراج عن المعتقلين والقيام بإصلاح سياسي.


مقالات ذات صلة

قاض من تكساس يعلّق إصلاحاً حول الهجرة أصدره بايدن

الولايات المتحدة​ تمثال برونزي يمثّل العدالة في محكمة ألبرت في برايان الأميركية في أليكساندريا بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة 1 سبتمبر 2020 (رويترز)

قاض من تكساس يعلّق إصلاحاً حول الهجرة أصدره بايدن

أمر قاض في ولاية تكساس، الاثنين، بتعليق السياسات الرامية لتسهيل حصول أزواج رعايا أميركيين على وضع قانوني في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشح الرئاسي الجمهوري، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في 14 أغسطس 2024، في ويست بالم بيتش، فلوريدا، الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

قاض أميركي يرفض مساعي ترمب لإقصائه في قضية ستورمي دانيالز

فشل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، للمرة الثالثة، الأربعاء، في محاولته إقصاء قاضٍ يستعدّ لإصدار الحكم عليه في قضية شراء صمت ممثلة إباحية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريدريكسن تتحدث إلى وسائل الإعلام في ألينج في جزيرة بورنهولم بالدنمارك... 14 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

السجن 4 أشهر للمعتدي على رئيسة وزراء الدنمارك وترحيله

حكمت محكمة دنماركية، اليوم الأربعاء، على بولندي يبلغ من العمر 39 عاما بالسجن أربعة أشهر وأمرت بترحيله بتهمة الاعتداء على رئيسة الوزراء الدنماركية في كوبنهاغن.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
أوروبا رينو بيغوم شقيقة الفتاة البريطانية شاميما بيغوم تحمل صورة شقيقتها وتناشدها العودة إلى منزلها في لندن فبراير 2015 (رويترز)

القضاء البريطاني يمنع «عروس داعش» من العودة نهائياً إلى المملكة المتحدة

لن يُسمح لشاميما بيغوم بالعودة إلى المملكة المتحدة أبداً بعد أن رفضت المحكمة العليا الاستماع إلى استئنافها ضد سحب جنسيتها البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري للرئاسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يحمل عملاً فنياً وقعه للفنان لوال إيزواجبي يتناول محاولة اغتيال ترمب في تجمع انتخابي بمركز مؤتمرات جامعة ولاية جورجيا في 3 أغسطس 2024، في أتلانتا (أ.ف.ب)

أميركا تتهم باكستانياً على صلة مزعومة بإيران بالضلوع في مؤامرة تستهدف ترمب

وجّهت الولايات المتحدة تهماً لرجل باكستاني يُقال إنه على صلة بإيران فيما يتعلق بمؤامرة اغتيال فاشلة ربما كانت تستهدف الرئيس السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
TT

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

قال وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، إن سوريا ودول محور المقاومة في «القارب نفسه» وعلى «الجبهة نفسها» يقاتلون إسرائيل، وإن «التعاون المشترك» سيجعلهم أقوى في مواجهة «المحور المتغطرس»، وفق ما أفادت به وسائل إعلام إيرانية قالت إن وزير الدفاع السوري هنأ، في اتصال هاتفي اليوم الأحد، نظيره الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بتعيينه وزيراً للدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.

وفي حين لم تشر وسائل الإعلام السورية الرسمية إلى خبر الاتصال بين الوزيرين حتى إعداد هذا التقرير، فقد أفادت وكالة «مهر» الإيرانية بأن الوزير الإيراني أكد دعم بلاده «إرساء الأمن واحترام وحدة الأراضي السورية»، مشيراً إلى القواسم المشتركة بين البلدين، لا سيما دعم سوريا محور المقاومة، لافتاً إلى أنه «يجب تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين؛ بما في ذلك نتائج زيارتكم إلى طهران».

اللجنة الاقتصادية المشتركة السورية - الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي (سانا)

يُذكر أن وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، زار طهران في مارس (آذار) الماضي في ظل ازدياد احتمالات توسع الحرب مع إسرائيل وتصعيد الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي تستهدف القوات الموالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله».

وعلق الوزير الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، على نتائج الزيارة الماضية من وزير الدفاع السوري إلى طهران، بالقول: «سوف يتوسع التعاون بسرعة أكبر».

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

كما عبر الوزير الإيراني عن أسفه لعدم رؤية بلاده «أي رد فعل مناسب من المجتمع الدولي تجاه جرائم الكيان الصهيوني»، مشدداً على أنه يجب أن يستمر التعاون بين إيران وسوريا، وأن هذا «التعاون سيؤدي حتماً إلى هزيمة الكيان الصهيوني».

ونقلت «مهر» عن وزير الدفاع السوري تطلعه إلى استمرارية العلاقات بإيران، وبذل القوات المسلحة في البلدين «مزيداً من الجهود بما يتماشى مع أهداف البلدين». وقال: «نحن معكم، وعلى الجبهة نفسها. إن أمن البلدين واحد»، وإن «محور المقاومة في القارب نفسه، ويقاتلون كيان الاحتلال الذي ارتكب كثيراً من الجرائم ضد الإنسانية في غزة وسوريا واليمن». وشدد على أن التعاون المشترك «سيجعلنا أقوى في مواجهة هذا المحور المتغطرس» متمنياً تطوير هذا التعاون والاتفاقيات، والاستمرار على «هذا المنوال في مواجهة قوى الشر» وفق «مهر».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

الاتصال الهاتفي بين وزيرَي الدفاع الإيراني والسوري، جاء بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن «موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا»، مؤكّداً أنّ «اجتماعاً جديداً سيُعقد في المستقبل القريب».

ورأت مصادر متابعة في دمشق أن «طهران، ومع كل تطور إيجابي تحققه موسكو فيما يخص ملف التقارب السوري ـ التركي، تبعث برسائل تؤكد نفوذها في سوريا، وتذكّر الجانب السوري بـ(وجوب تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتسديد الديون المستحقة عليه)، في نوع من الضغوط على دمشق حتى لا تمضي في ملف التقارب بعيداً عن المصالح الإيرانية».

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين المُوالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن ضغوطاً قوية تمارَس على دمشق من الحليفين: الروسي؛ للدفع باتجاه التقارب مع تركيا، والإيراني؛ للتريث واستثمار هذا الملف في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة؛ لا سيما مع الجانب الأميركي.

ورجحت المصادر تصدير دمشق موقفين لحليفيها: الأول إظهار التجاوب مع مساعي موسكو وبث رسائل إيجابية تجاه التقارب مع تركيا، والموقف الثاني يهادن الضغوط الإيرانية ويظهر التمسك بثبات الموقف من «محور المقاومة» والالتزام بسياساته، وإظهار التريث تجاه التقارب مع تركيا.

ولفتت المصادر إلى ما سبق أن تناولته وسائل إعلام عربية عن «زيارة سرية من رئيس الأركان السوري، العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، إلى إيران دون إبلاغ الرئيس بشار الأسد، وذلك في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الماضي. ورغم خطورة تلك المعلومات، فإنه لم يصدر رد فعل من دمشق؛ بل جرى تجاهلها تماماً. وهذا يضعنا أمام احتمالين: إما وجود انقسام داخل القيادة في سوريا، وإما هي (عملية توزيع أدوار، وتصدير مواقف عدة للتحايل على ضغوط الحليفين)».

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً