قانون العفو العام في العراق يدخل دائرة الجدل السياسي

مع قرب التحضيرات للانتخابات المحلية

لجنة حقوق الإنسان تعقد اجتماعاً لمناقشة تشريعات منها قانون العفو العام (البرلمان العراقي)
لجنة حقوق الإنسان تعقد اجتماعاً لمناقشة تشريعات منها قانون العفو العام (البرلمان العراقي)
TT

قانون العفو العام في العراق يدخل دائرة الجدل السياسي

لجنة حقوق الإنسان تعقد اجتماعاً لمناقشة تشريعات منها قانون العفو العام (البرلمان العراقي)
لجنة حقوق الإنسان تعقد اجتماعاً لمناقشة تشريعات منها قانون العفو العام (البرلمان العراقي)

مع بدء التحضيرات لإجراء الانتخابات المحلية في العراق أواخر العام الحالي، بدأ الجدل السياسي يتصاعد بشأن قانون العفو العام المثير للجدل.

ومن المقرر أن يجري المشرعون العراقيون أول قراءة للقانون خلال الجلسات هذا الأسبوع، لكن الخلافات العميقة بشأنه لا ترجح تشريعه خلال الفترة القليلة المتبقية له، خصوصاً أن الفارق بين القراءة والثانية لا تتعدى بضعة أسابيع، ومن بعدها يطرح للتصويت.

ورغم تشريع أكثر من قانون للعفو العام في العراق خلال السنوات الماضية، ومنها قانون العفو العام لسنة 2016 فإن الاعتراضات عليه بقيت قائمة لاسيما من قبل القوى السنية؛ فبعد اجتياح تنظيم «داعش» المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية في 2014 اختلطت الأوراق على صعيد من انتمى إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، وصدور قانون «4 إرهاب» الذي يصل الحكم على من يثبت انتماؤه للتنظيمات المسلحة إلى الإعدام.

وبرزت اعتراضات كبيرة؛ لأن هناك الكثير ممن صنفوا إرهابيين انتُزعت اعترافاتهم بالقوة في أثناء التحقيق. وتتوزع الخلافات بين القوى السنية على الكثير من القضايا المتعلقة بالعملية السياسية في البلاد، بمن في ذلك تبادل التهم في ما بينهم بشأن عدم تحقيق ما يصبو إليه أبناء المكون السني، غير أنهم يتفقون على أهمية تشريع قانون عفو عام لا يستثني أحداً في السجون تحت ذريعة الانتماء لتنظيم «داعش».

وبدورها، تختلف القوى الشيعية بشأن الكثير من القضايا التي تخص البلاد بما في ذلك الخلافات الحادة مع التيار الصدري، لكنها تتفق بشأن العفو العام لجهة عدم تشريع قانون يتيح لمن يرون أنهم إرهابيون الخروج من السجون والمعتقلات.

مشكلة مفاهيم

ومع أن غالبية الخلافات بين مختلف أطراف العملية السياسية في العراق محكومة بأزمة الثقة العميقة شبه المعدومة بين مختلف هذه الأطراف، لكنها انعكست على المفاهيم التي يجري التعامل معها بوصفها مصداقاً للواقع مثلما يراه كل طرف.

ويقف في مقدمة المفاهيم التي عمقت جوهر الخلاف تعريف من هو «الإرهابي»، وما هو الإرهاب. ووسط استمرار الخلاف بهذا الشأن وتزامنه مع بدء التحضير للانتخابات المحلية، وحاجة كل طرف سياسي إلى خطاب لكي يسوقه إلى جمهور، بات لا يثق بالطبقة السياسية فإن من غير المتوقع تشريع هذا القانون طبقاً لما يريده العرب السُنة، ما دام الشيعة يرون أن الخطاب السني للجهور سوف يستند إلى قانون العفو العام لكسب المزيد من الأصوات في المناطق المختلطة مذهبياً.

وبينما تعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإقرار قانون العفو ضمن المنهاج الوزاري لحكومته، لكن تصاعد الخلافات السنية ـ الشيعية حول من هو الإرهابي، وكيفية فك الارتباط بين المنتمين فعلاً إلى «داعش»، وقاموا بتنفيذ عمليات إرهابية، وبين من اضطرتهم ظروفهم إلى العيش في مناطق سيطرة «داعش» من شأنها أن تجعل من عملية إقرار القانون وتشريعه أمراً غاية في الصعوبة.

تهديد بالدم

ومع استمرار الخلافات التي تحول حتى دون التمكن من قراءته داخل البرلمان، فإن أقوى تهديد صدر ضد مشروع قانون العفو العام عن زعيم تحالف الفتح هادي العامري.

وقال العامري في بيان: «نعلن رفضنا لأي تعديل غير دستوري على قانون العفو العام؛ ما يتيح للتنظيمات الإرهابية فرص الالتفاف على دستور الدولة والإفلات من قبضة العدالة». مضيفاً: «كما سالت دماؤنا من أجل الدولة ومن أجل زج المجرمين في السجون فإنها ستعود تسيل لأجل منع إخراجهم منها». وتابع: «لا مجال لعودة الإرهاب في عراقنا الذي مثلما نبنيه سنحميه، وهذا شعارنا ونحن باقون عليه، ولن نخضع للاتفاقات السياسية على حساب شعبنا».

ومن جهته، يقول القيادي في «تحالف العزم» حيدر الملا لـ«الشرق الأوسط» إن هناك مجتمعاً كاملاً (في إشارة إلى المكون السني) أجبرته ظروف الحرب ضد الإرهاب وإجراءات الحكومة آنذاك على الفرار من «داعش» الإرهابي، غير أن ما حدث على جسر بزيبز خلال تلك السنوات (2014 وما تلاها)، حيث لم يسمح للناس بالخروج من تلك المناطق إلى مناطق آمنة خالية من الإرهاب أدى إلى اضطرارهم للبقاء تحت وطأة حكم «داعش» لتلك المناطق إلى حين موعد تحريرها (2017).

وتساءل الملا قائلاً: «هل من المنطقي أن يعاقب اليوم من خلال تشريع نص حاكم يجعل الانتماء فقط جريمة تستثنى من قانون العفو العام؟».

وأوضح الملا أن «قوانين العفو العام تصنف في الفقه القانوني على أنها قوانين زمنية؛ ولذلك من الجهل القانوني الحديث عن تعديل للقانون؛ حيث إن الحاجة المجتمعية تقتضي تشريع قانون جديد للعفو العام»، مبيناً أن «التعديل المقترح لقانون العفو العام يستهدف تشديد الاستثناءات من الشمول بالعفو، ولا يستهدف التخفيف منها»، ويرى أن «ضحايا الإرهاب بحاجة إلى إنصاف من خلال تعويضهم ومعاقبة الجناة الحقيقيين، بينما بموجب التعديل المقترح سيذهب حق الضحايا، ويُغْلَق باب إطلاق سراح الآلاف من السجناء الذين حوكموا على الانتماء فقط دون أن يرتكبوا أي فعل مادي إجرامي».


مقالات ذات صلة

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

المشرق العربي صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

فاضل النشمي (بغداد)
شؤون إقليمية تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)

غارات تركية على مواقع لـ«العمال» في كردستان العراق

نفذت القوات التركية غارات جوية استهدفت مواقع لحزب «العمال» الكردستاني في مناطق شمال العراق، أسفرت عن تدمير 25 موقعاً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
رياضة عالمية سجاد غانم (الأولمبية العراقية)

«الأولمبية العراقية»: لن نقف مكتوفي الأيدي بعد سقوط غانم في اختبار المنشطات

قرر عقيل مفتن، رئيس اللجنة الأولمبية العراقية، اليوم (السبت) فتح تحقيق لكشف ملابسات سقوط مصارع الجودو سجاد غانم في اختبار منشطات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

أعلن العراق، أمس الجمعة، فتح تحقيق في اختفاء آلاف الباكستانيين، كانوا قد دخلوا البلاد لزيارة المراقد الدينية خلال شهر محرم.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي باكستانيون خلال مشاركتهم في طقوس «عاشوراء» بمدينة كراتشي (إ.ب.أ)

50 ألف باكستاني اختفوا في العراق

فجر وزير باكستاني مفاجأة مدوية حين أعلن اختفاء 50 ألفاً من مواطنيه في العراق، ودفع حكومة بغداد سريعاً إلى فتح تحقيق في تسربهم إلى سوق العمل.

حمزة مصطفى (بغداد)

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
TT

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

يأتي الهجوم في غمرة الحديث عن قيادة بارزاني لمفوضات مع المكونين العربي والتركماني لحسم معضلة الحكومة المحلية ومنصب المحافظ بعد نحو 7 أشهر على إجراء الانتخابات المحلية، فيما نفى مسؤول كردي رفيع ذلك، وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن «مسعود بارزاني يوجد خارج البلاد هذه الأيام ولم يلتق أعضاء في مجلس كركوك».

وقالت مصادر أمنية في المحافظة إن مسلحين مجهولين أطلقوا فجر السبت النار على مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في منطقة ساحة العمال وسط كركوك ولم يسفر عن الهجوم أي إصابات بشرية أو أضرار مادية.

وحضرت قوة من الشرطة عقب الهجوم إلى موقع الحادث، وفتحت تحقيقاً وعممت أوصاف المهاجمين الذين فروا إلى جهة مجهولة.

وسبق أن أثار مقر «الحزب الديمقراطي» في كركوك أزمة كبيرة داخل المحافظة نهاية العام الماضي، بعد أن طالب قيادة العمليات العسكرية بتسليم المقر الذي تشغله منذ عام 2017، وحدثت مواجهات بين أنصار الحزب والقوات الأمنية أدت إلى مقتل أفراد إلى جانب ضابط في قوات «البيشمركة».

وانتهت الأزمة بعد قيام رئيس الحزب مسعود بارزاني بتسليم وإهداء المقر، في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى جامعة كركوك لـ«يكون في خدمة طلب العلم والمثقفين في المدينة».

متظاهرون من الكرد فوق بناية مقر حزب بارزاني في كركوك (أرشيفية - شبكة روادو)

معلومات أولية عن الهجوم

وأعلن المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الديمقراطي» في كركوك عن امتلاك الحزب «معلومات عن استهداف المقر»، في حين قال الباحث الكردي كفاح محمود إن «الشبهات تحوم حول المستفيد من تعطيل عمل مجلس المحافظة وعدم التوصل إلى شخصية متفق عليها لإدارة المحافظة».

وأضاف محمود في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «باستنتاج بسيط يمكن الربط بين عمليات حرق الأسواق في أربيل وكركوك ودهوك وبين هذه العملية التي كانت تستهدف اختراق سور الحماية والدخول إلى المبنى وإحراقه، خصوصاً وأنها تشبه توقيتات حرق الأسواق التي جرت في ساعة متأخرة من الليل وتحديداً في الساعات الأولى للصباح».

وتابع محمود: «هذه الأذرع لديها مراكز ووجود وتتسبب في إشكاليات إقليمية بين العراق وإقليم كردستان من جهة وبين دول الجوار من جهة أخرى».

وذكر محمود أن «الأمر المتعلق بمعرفة الجناة يبقى معلقاً لحين كشف تسجيلات منظومة الكاميرات التي صورت حركة تلك العناصر التي استخدمت مبنى قيد الإنشاء».

وتتهم أوساط «الحزب الديمقراطي»، منذ فترة طويلة، عناصر «حزب العمال» الكردستاني التركي بالتورط في مختلف الأعمال العدائية التي تقع ضده وضد بعض الشركات النفطية وشركات الغاز العاملة في الإقليم، خصوصاً في محافظتي كركوك والسليمانية، كما تحمله مسؤولية توغل القوات التركية داخل الأراضي العراقية في إقليم كردستان.

وقال المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» في كركوك، مريوان جلال، السبت، إن «الفرع كان يمتلك معلومات عن استهداف المقر، وإن الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وتزامن مع دور الحزب في تقريب وجهات النظر لتشكيل إدارة كركوك ومجلسها».

وأضاف في تصريحات صحافية أن «الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وهو ليس استهدافاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، بل يستهدف جميع مكونات كركوك، وجاء في وقت يعمل فيه الحزب الديمقراطي بتقريب وجهات النظر بين مكونات المحافظة للشروع بتشكيل إدارة المحافظة، وتفعيل عمل المجلس لغرض تقديم الخدمات لجميع مكونات المحافظة».

السوداني خلال استقباله نواباً من المكون التركماني (إعلام حكومي)

السوداني يجتمع بالتركمان

من جانبه، استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، عضوين من المكون التركماني في مجلس محافظة كركوك، وحثهم على الاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة.

ولم تفلح جهود رئيس الوزراء محمد السوداني حتى الآن في حل أزمة المحافظة برغم لقاءاته المتكررة مع القوى الفائزة في مقاعد مجلسها.

وأشار السوداني، خلال اللقاء، طبقاً لبيان صادر عن مكتبه، إلى «أهمية تقديم مصلحة أبناء كركوك في أي اتفاق بين القوى السياسية التي فازت بالانتخابات، إثر النجاح في إجرائها بعد تعطل استمر منذ عام 2005».

وشدد السوداني على ضرورة «اختيار الإدارات الحكومية المحلية الناجحة، والاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة».

وتتردد منذ أسابيع أنباء عن سعي القوى المتخاصمة في مجلس المحافظة للاتفاق على صيغة لحسم منصب المحافظ من خلال تدويره بين الكتل الفائزة، بحيث يشغل الأكراد المنصب في السنتين الأولى، ثم يذهب إلى العرب في السنتين الأخيرتين من عمر دورة مجلس المحافظة المحددة بأربع سنوات، وهناك حديث عن أن للتركمان حصة في عملية التدوير رغم امتلاكهم لمقعدين فقط من أصل 16 مقعداً في المجلس.