لبنان: تصعيد قضائي ينذر بتعطيل جديد لمسار العدالة

111 قاضياً توقفوا عن العمل احتجاجاً على أوضاعهم المعيشية

غرفة محاكمات خالية من القضاة والمتنازعين في قصر العدل في بيروت (ا ف ب)
غرفة محاكمات خالية من القضاة والمتنازعين في قصر العدل في بيروت (ا ف ب)
TT

لبنان: تصعيد قضائي ينذر بتعطيل جديد لمسار العدالة

غرفة محاكمات خالية من القضاة والمتنازعين في قصر العدل في بيروت (ا ف ب)
غرفة محاكمات خالية من القضاة والمتنازعين في قصر العدل في بيروت (ا ف ب)

عاد اعتكاف القضاء اللبناني إلى الواجهة، مع إعلان مفاجئ لأكثر من 100 قاضٍ توقفهم الفوري عن العمل؛ احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، وحرمانهم من أبسط التقديمات لا سيما الطبابة والتعليم لأبنائهم، ويأتي هذا التحرّك عشيّة بدء السنة القضائية الجديدة منتصف الشهر الحالي، ما يفتح الباب على تعطيل جديد في أداء القضاء الذي يعمل بالحدّ الأدنى، أو ما يشبه «تصريف الأعمال» منذ مطلع العام الحالي، بينما سارع وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال إلى التأكيد أنه «يضع مطالب القضاة في أولويات اهتمامه وسيسعى إلى تحقيقها بسرعة». وطمأن إلى أنه «لا خوف على السنة القضائية ولا عودة للاعتكاف وشلّ مرفق العدالة».

هكذا ومن دون سابق إنذار، أعلن اليوم الجمعة 111 قاضياً في القضاء العدلي والإداري والمالي توقفهم الفوري عن العمل، وأكدوا أنه «في ظل عجز الدولة عن تغطية الاستشفاء والطبابة والتعليم، لهم ولعائلاتهم، وفي ظل انعدام ظروف العمل اللائقة بالكرامة البشرية في قصور العدل، وفي ظل ما وصل إليه وضع القضاء على جميع الصعد، التوقّف القسري عن العمل ابتداءً من الجمعة أول سبتمبر (أيلول)، وذلك إلى حين توافر مقومات العيش والعمل بكرامة».

الواقع القضائي يمثّل الوجه الأكثر تعبيراً عن الانهيار الذي تعانيه مؤسسات الدولة اللبنانية منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية أواخر عام 2019؛ إذ إن القضاة خسروا أكثر من 90 في المائة من قيمة رواتبهم، جرّاء انهيار قيمة العملة الوطنية، مقابل فقدان أبسط التقديمات الأخرى من استشفاء وتعليم وحوافز أخرى كانوا يتمتعون بها قبل الأزمة، وأشار قاضٍ شارك بالتحضير لهذه الخطوة إلى أن قرار التوقف عن العمل «يشكّل صرخة وبداية تحذير للمسؤولين بأن الواقع القضائي لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار هؤلاء القضاة قد يتحوّل إلى كرة ثلج متدحرجة، وينذر بتعطيل السنة القضائية التي تبدأ بعد أيام، خصوصاً أن التوقّف عن العمل جاء ثمرة اتصالات ومحادثات أجريناها مع مجلس القضاء ومحاولات حثيثة لتأمين الحدّ الأدنى من حقوق القضاة لكن للأسف لم نلقَ أي نتيجة».

وعمّا إذا كانت هذه الخطوة منسّقة مع وزارة العدل، وتمّ إبلاغها بهذا القرار، أوضح القاضي، الذي رفض ذكر اسمه، أنه «لا تواصل مع وزارة العدل بل مع مجلس القضاء الأعلى الذي يشكّل المرجعية لكل القضاة». وتحدث عن «عقد جمعية عمومية للقضاة قريباً بالاتفاق مع مجلس القضاء لبحث معاناة القضاة وشؤون السلطة القضائية وقصور العدل». وسأل: «كيف يمكن للقاضي أن يعمل بصفاء ذهن ويصدر أحكاماً، وهو لا يستطيع تعليم أبنائه ولا حتى تأمين العلاج الطبي لعائلته؟».

وأعاد هذا الموقف إلى الأذهان، الاعتكاف القضائي الشامل في لبنان، الذي بدأ في الثامن من شهر أغسطس (آب) من العام الماضي واستمرّ حتى منتصف شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، وسارع وزير العدل هنري الخوري إلى التأكيد على «حق القضاة بإطلاق صرختهم والمطالبة بأبسط حقوقهم». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «يعكف على معالجة المشاكل التي يعاني منها الجسم القضائي ويعيشها القضاة يومياً سواء في حياتهم العائلية أو في عملهم في قصور العدل والمحاكم». وأعلن أنه «سيجتمع الأسبوع المقبل بالقضاة الذين أعلنوا التوقف عن العمل أو غالبيتهم، ويطمئنهم إلى أن مطالبهم تأخذ طريقها إلى الحلّ».

وقال وزير العدل: «هناك خطوات إيجابية تلبي مطالب السلطة القضائية، حصلت في الأيام الماضية لم نعلن عنها وننتظر استكمالها». وأضاف الخوري: «لا خوف على السنة القضائية والأمور ستعود إلى مسارها الطبيعي، ونحن نبذل كلّ الجهود لإزالة المشاكل التي تعترض عمل القضاة وأن يحصلوا على مستحقاتهم المادية بالتزامن مع توفير التقديمات الطبية والتعليمية وتحسين ظروف عملهم في مكاتبهم والمحاكم على مختلف الصعد». وختم وزير العدل: «الحلول التي نعمل عليها تحصل بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى والمراجع القضائية كافة، وهناك «مساعٍ أقوم بها شخصياً لم أطلع أحداً عليها وستظهر نتائجها الإيجابية قريباً».



جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)
TT

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد، ودعم الاقتصاد، وإطلاق عملية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة.

تصدَّرت هذه الجهود لقاء رئيس مجلس القيادة اليمني الدكتور رشاد العليمي، ونائبه عثمان مجلي، المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، وسفير واشنطن لدى اليمن ستيفن فاجن، حيث أحاط ليندركينغ القيادة اليمنية بآخر الجهود الدبلوماسية المبذولة لخفض التصعيد، والتهيئة لإطلاق عملية سياسية شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

ووصف السفير الأميركي لدى اليمن، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، لقاءه والمبعوث الأميركي لليمن، رئيسَ مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه بـ«المثمر»، مشيراً إلى أنه تمحور حول الاقتصاد والحد من التصعيد الحوثي. وأضاف: «أجرينا حواراً مثمراً حول الجهود المهمة لدعم اقتصاد اليمن، والحد من التصعيد الحوثي، في الوقت الذي تواصل فيه الجماعة الإرهابية تعريض السلام والأمن الإقليميَّين للخطر».

إلى ذلك قالت السفارة الأميركية في اليمن، عبر حسابها على منصة «إكس»، إن اللقاء ناقش «ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ومنع وصول الأسلحة الإيرانية إليهم، وتعزيز الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل دائم للصراع في اليمن».

من جانبه، تحدَّث السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، عن لقاء «مثمر» عقده مع المبعوث الأميركي لليمن، والسفير فاجن «ناقش مستجدات وتطورات الوضع في اليمن والبحر الأحمر، وجهودنا المشتركة في دعم الحكومة اليمنية والشعب اليمني الشقيق، في ظل الظروف الاقتصادية والإنسانية الراهنة، وسبل دعم جهود مبعوث الأمم المتحدة للحفاظ على التهدئة، والتوصُّل إلى حل سياسي شامل في اليمن».

السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر خلال استقبال المبعوث الأميركي إلى اليمن (الشرق الأوسط)

وأكد الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة اليمني، خلال لقائه ليندركينغ تمسُّك المجلس والحكومة بنهج السلام الشامل والعادل، بموجب المرجعيات المتفق عليها وطنيا، وإقليمياً، ودولياً، وعلى وجه الخصوص القرار 2216.

وقدَّم المبعوث الأميركي، لرئيس مجلس القيادة اليمني إحاطةً بشأن المتغيرات الإقليمية والدولية المحتملة على ضوء نتائج الانتخابات الأميركية، واتصالاته الأخيرة لخفض التصعيد، والخيارات المطروحة لدفع الميليشيات الحوثية الإرهابية على التعاطي الجاد مع المساعي الحميدة لإطلاق عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، بحسب وكالة «سبأ» الرسمية.

كما ناقش الجانبان العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وسبل تعزيزها في المجالات كافة، والدعم الأميركي المطلوب للاقتصاد اليمني، وتحسين الأوضاع المعيشية، والحد من التداعيات الإنسانية لهجمات الميليشيات الحوثية الإرهابية على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية.

وشدَّد العليمي على أهمية مضاعفة الجهود الدولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن حظر تصدير الأسلحة الإيرانية إلى الميليشيات الحوثية الإرهابية.

د. رشاد العليمي يستقبل رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى اليمن (سبأ)

في السياق ذاته، بحث العليمي مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى اليمن، وسفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى اليمن، التحديات الاقتصادية والتمويلية الناجمة عن توقف تصدير النفط جراء الهجمات الإرهابية الحوثية على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية، وتداعياتها الوخيمة على الأوضاع الإنسانية والمعيشية، والخدمية.

وناقش اللقاء كذلك مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية التي يقودها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بدعم من الشركاء الإقليميين والدوليين، والتدخلات الأوروبية المطلوبة لدعم الاقتصاد اليمني، ومضاعفة التعهدات الإنسانية، والإنمائية في مختلف المجالات.