ظاهرة «الأمن الذاتي» تتمدد في لبنان

مجموعات تفرض قوانينها المحلية مع تراجع هيمنة الدولة

مسلح في منطقة الكحالة يطلق النار خلال تشييع فادي بجاني الذي قتل خلال الاشتباك بين أبناء المنطقة وعناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
مسلح في منطقة الكحالة يطلق النار خلال تشييع فادي بجاني الذي قتل خلال الاشتباك بين أبناء المنطقة وعناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

ظاهرة «الأمن الذاتي» تتمدد في لبنان

مسلح في منطقة الكحالة يطلق النار خلال تشييع فادي بجاني الذي قتل خلال الاشتباك بين أبناء المنطقة وعناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
مسلح في منطقة الكحالة يطلق النار خلال تشييع فادي بجاني الذي قتل خلال الاشتباك بين أبناء المنطقة وعناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)

على وقع الانهيار المالي الذي يشهده لبنان منذ سنوات ويؤثر مباشرة في مؤسسات وأجهزة الدولة التي تشهد حالة غير مسبوقة من التحلل، بدأت تتنامى أخيراً ظاهرة الأمن الذاتي على صعيد الأحزاب والطوائف والبلدات، وسط غض نظر من القوى الأمنية الرسمية، التي يفترض أن تكون هي مَن تفرض الأمن وتحرص على تطبيق القوانين.

عناصر من «جنود الرب» (الإنترنت)

ومنذ أكثر من عام، بدأت مجموعة تطلق على نفسها اسم «جنود الرب» تتوسع في منطقة الأشرفية في العاصمة بيروت ذات الغالبية المسيحية. وبررت وجودها وتوسعها بحماية المناطق المسيحية من عصابات القتل والسرقة مع تراجع نشاط القوى الأمنية. وهذه المجموعة متشددة مسيحياً. وقد هاجم عدد من أفرادها الذين يرتدون زياً موحداً أسود اللون، ويرفعون شعارات دينية، مساء الأربعاء، ملهى ليلياً في منطقة مار مخايل، القريبة من وسط بيروت، قالوا إنه كان يشهد نشاطاً مروجاً للمثلية الجنسية. وانتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر مهاجمة هذه المجموعة الملهى، وملاحقة بعض الأشخاص الذين كانوا موجودين داخله، والاعتداء عليهم.

وقبل ذلك، وفي شهر مايو (أيار) أقدم رجل دين يرافقه أكثر من شخص على طرد امرأة وزوجها من شاطئ في مدينة صيدا جنوب لبنان؛ بسبب ارتدائها لباس بحر (المايوه)، ما أدى إلى أكثر من إشكال في المنطقة بين مجموعات سعت بالقوة لفرض منع هذا اللباس في المنطقة، ومجموعات أخرى اعتصمت وتظاهرت رفضاً لهذا الأداء، قبل أن تتدخل البلدية في المنطقة لتدعم التوجه الأول.

وأظهرت الحادثة، التي شهدتها منطقة الكحالة المسيحية الواقعة في جبل لبنان في التاسع من الشهر الحالي، تراجع دور وهيبة القوى الأمنية الرسمية على حساب تنامي مفهوم «الأمن الذاتي» في البلدات والقرى، وكانت شاحنة لـ«حزب الله» تنقل ذخائر وأسلحة انقلبت في تلك المنطقة، ووقع إشكال بين العناصر الذين كانوا يتولون أمن الشاحنة، وأبناء المنطقة أدى لسقوط قتيلين. ولعل أكثر مظاهر الأمن الذاتي وضوحاً منذ سنوات، هو وجود «حزب الله» وتمدده. وأعادت ملاحقة الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، أحد المواطنين السوريين المتهم بأنه أحد عناصر تنظيم «داعش»، وبالمسؤولية عن تفجير وقع قرب مقام السيدة زينب جنوب دمشق، في يوليو (تموز) الماضي، النقاش حول إجراءات «الأمن الذاتي» في مناطق نفوذ الحزب بمعزل عن الأجهزة الأمنية الرسمية، خصوصاً أن الأمن اللبناني وصل إلى الموقع الذي سقط فيه وسام دلا من شرفة المبنى في وقت متأخر، ولم يكن ضالعاً في العملية.

ويعدّ رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي أن «ظاهرة الأمن الذاتي في لبنان ليست جديدة وستتفاقم كلما تراجع عمل القضاء ومنسوب الأمن في البلد، وفي ظل غياب المحاسبة وانتشار السلاح» لافتاً إلى أن «الدولة تكون عادة قائمة على أمن وقانون، وعندما لا يشعر المواطن بالأمن، وبأن لا أحد يطبق القانون، سيلجأ بعض المواطنين لوضع قوانينهم الخاصة وإنشاء مجموعات لحماية البيئة التي يعيشون فيها وينتمون إليها».

مقاتلون من «حزب الله» في أحد معسكرات التدريب في بلدة عرمتى بحنوب لبنان (د.ب.أ)

ويشير قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «عندما تأخذ مجموعة ما دور القوى الأمنية بالملاحقة والمداهمة، ويتمادى حزب الله في استخدام سلاحه والاستقواء به، فلا شك سيكون هناك رد فعل مضاد وحالات مشابهة خارجة عن القانون». ويضيف: «لبنان تحول لدولة فاشلة، والتقسيم قائم وإن كان غير معلن. ولعل أبهى حلل الفيدرالية موجودة في مناطق حزب الله، حيث يُمنع دخول أي جهاز أمني شرعي قبل التنسيق معه».

من جهتها، ترد مستشارة الصحة النفسية، سابين صادر، تنامي ظاهرة «الأمن الذاتي» لـ«غياب الدولة، وعدم قدرتها على تأمين الحماية اللازمة للمواطنين، وسماحها لفئات بالتسلح ومنع آخرين من ذلك»، لافتة إلى أنه «في ظل الاغتيالات والسرقات والجرائم التي يبقى عدد كبير منها من دون عقاب، وفي ظل قناعة الناس بأن المجرم الذي ينتمي لحزب معين يكون محمياً، فإن الأمن الذاتي يتحول أمراً مفهوماً كونه نتيجة خوف وليس قوة».

وتضيف صادر لـ«الشرق الأوسط»: «مع كل ظاهرة، هناك مجموعة من الناس تستغلها بطريقة سيئة من خلال إنشاء مجموعات مسلحة وميليشيات تعمل لحسابها، مستثمرة خوف المواطنين، من خلال إقناعهم بأن ما يقومون به لصالحهم، وبهدف حمايتهم».

وتعدّ صادر أن «الوضع الاقتصادي السيئ يؤثر بشكل كبير في موضوع الأمن الذاتي، خصوصاً إذا كان أفراد الأمن الداخلي لا يستطيعون التحرك دائماً وبالسرعة المطلوبة لافتقار مركباتهم للبنزين، وإذا كانت بعض المخافر مغلقة لافتقارها للكهرباء». ونبهت إلى أن هذه الظاهرة ستتفاقم في حال بقي الوضعان السياسي والاقتصادي على ما هما عليه.



«دمار هائل» جراء سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارة إسرائيلية في 8 أكتوبر 2024 (رويترز)
الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارة إسرائيلية في 8 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

«دمار هائل» جراء سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارة إسرائيلية في 8 أكتوبر 2024 (رويترز)
الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارة إسرائيلية في 8 أكتوبر 2024 (رويترز)

أفاد الإعلام الرسمي اللبناني، الثلاثاء، بتعرض الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الأساسي لـ«حزب الله»، لسلسلة غارات إسرائيلية أدت إلى «دمار هائل»، بعدما كانت إسرائيل حذّرت سكان الأحياء المستهدفة بوجوب الإخلاء، فيما قالت وزارة الصحة اللبنانية إن 36 شخصا قتلوا وأصيب 150 آخرون في هجمات إسرائيلية في أنحاء لبنان أمس الاثنين.

وأوردت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية، مساء الثلاثاء: «لا تزال الضاحية الجنوبية لبيروت تتعرض لسلسلة غارات، كان آخرها عند نزلة الكفاءات، وقد تسببت بدمار هائل، ولا سيما برج البراجنة والكفاءات والليلكي»، وهي مناطق أفادت بيانات سابقة بتعرضها لغارات إسرائيلية، فيما تتواصل منذ 23 سبتمبر (أيلول) حملة القصف الجوي، التي تقول إسرائيل إنها تستهدف بنى تحتية ومنشآت لـ«حزب الله».

وافادت الوكالة في وقت لاحق بـ«انهيار أربعة مبان سكنية متلاصقة في منطقة برج البراجنة إثر الغارة الاسرائيلية الأخيرة»، دون أن توضح ما إذا سقط ضحايا من جراء الهجوم.في الأسبوع الماضي، اغتالت إسرائيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله في قصف على حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، وهي منطقة مكتظة فرّ قسم كبير من سكانها بسبب القصف الإسرائيلي المكثف.ومذاك الحين، تشهد المنطقة غارات إسرائيلية عنيفة يتردد صدها في أرجاء العاصمة اللبنانية.