أميركا وبريطانيا وكندا تفرض عقوبات على رياض سلامة

واشنطن تكشف تورطه في شبكة «فساد» مع شقيقه ونجله ومساعدته

رياض سلامة (أ.ف.ب)
رياض سلامة (أ.ف.ب)
TT

أميركا وبريطانيا وكندا تفرض عقوبات على رياض سلامة

رياض سلامة (أ.ف.ب)
رياض سلامة (أ.ف.ب)

فرضت الولايات المتحدة، بالتزامن والتنسيق مع كندا وبريطانيا، عقوبات على الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وأفراد من أسرته والمقربين منه، في خطوة بدت متكاملة أيضاً مع إجراءات قانونية اتخذتها دول أوروبية عدة، بغية مساءلة سلامة ومعاونيه عن تورطهم في قضايا «فساد» بهدف «الإثراء غير المشروع»، مما ساهم في «انهيار سيادة القانون» في لبنان.

واتخذت الولايات المتحدة هذا الإجراء الاستثنائي ضد حاكم سابق لمصرف مركزي، في ظل ضغوط متزايدة في الكونغرس على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لفرض عقوبات على المسؤولين الكبار في الطبقة السياسية اللبنانية، وبينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية في بيان أن لائحة العقوبات المشتركة التي أقرتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ضد سلامة (73 عاماً) الذي تولى حاكمية مصرف لبنان طوال 30 عاماً، تضم أيضاً «المتآمرين في مخطط الفساد» معه وهم نجله نادي سلامة (37 عاماً) وشقيقه رجا سلامة (63 عاماً) ومساعدته الرئيسية في مصرف لبنان ماريان حويك (43 عاماً) و«شريكته السابقة» الأوكرانية آنا كاساكوفا (49 عاماً). وتنص العقوبات على تجميد كل الأصول التي يملكها هؤلاء في الولايات المتحدة، كما تمنع كل الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين من إجراء أي تعاملات تجارية معهم.

إثراء ذاتي غير قانوني

وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر بأن العقوبات تشمل سلامة وأربعة من «مساعديه المقربين الذين أثروا أنفسهم على حساب الشعب اللبناني». وقال إن سلامة «بصفته حاكماً لمصرف لبنان، استخدم مكتبه للانخراط في مجموعة متنوعة من مخططات الإثراء الذاتي غير القانوني بمساعدة أفراد الأسرة والمتعاونين المقربين منه، متجاهلاً القانون اللبناني»، فضلاً عن أنه استحصل على «امتيازات لا تُمنح للمواطنين العاديين، حتى عندما كانت البلاد تغرق عميقاً في فوضى مالية»، واضعاً مصالحه المالية الشخصية ومصالح المتآمرين معه وطموحاتهم فوق مصالح الشعب اللبناني وطموحاته. وأكد أن «مصرف لبنان لم يُعاقب أو يُحظر» بنتيجة هذه العقوبات، التي «تستهدف سلامة والأفراد الآخرين المذكورين فقط»، مؤكداً أن «رؤيتنا واضحة في شأن الفساد المستشري الذي ابتلي به لبنان».

وسارع سلامة إلى الرد على العقوبات، نافياً التهم الموجهة إليه. ونقلت وكالة «رويترز» عنه أنه سيتحدى هذه الإجراءات، مضيفاً أن بعض أصوله مجمد أصلاً بسبب تحقيقات سابقة.

الفساد المستشري

وكذلك وصف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لدى وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك) أفعال رياض سلامة بأنها «فاسدة وغير قانونية»، موضحاً أنه «أساء استغلال منصبه في السلطة، على الأرجح في انتهاك للقانون اللبناني، لإثراء نفسه وشركائه من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية للاستثمار في عقارات أوروبية». وأضاف أن المقربين الذين شملتهم العقوبات «ساعدوا (سلامة) في إخفاء هذا النشاط الفاسد وتسهيله».

وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون إن سلامة «ساهم في الفساد المستشري في لبنان وأرسى التصور بأن النخب في لبنان لا تحتاج إلى الالتزام بالقواعد نفسها التي تنطبق على جميع اللبنانيين».

ملايين وعقارات

وكشفت الخزانة الأميركية «علاقة سلامة بكثير من الشركات الوهمية والحسابات المصرفية في أوروبا ومنطقة الكاريبي»، موضحة أنه في إحدى الخطط، استخدم سلامة، بمساعدة شقيقه رجا «شركة فوري أسوشييتس الصورية التي يملكها رجا في جزر فيرجين البريطانية لتحويل زهاء 330 مليون دولار». وأضافت أن رياض سلامة «وافق على عقد يسمح لشركة شقيقه بالحصول على عمولة على مشتريات الأدوات المالية لمصارف التجزئة اللبنانية من مصرف لبنان، على الرغم من أن شركة رجا لم تقدم أي فائدة واضحة لهذه المعاملات»، ملاحظة أن العقد «تجنب تسمية فوري أسوشييتس أو مالكها». ثم «قام (رياض) سلامة ورجا بتحويل هذه الأموال إلى حسابات مصرفية بأسمائهما الخاصة أو أسماء شركات وهمية أخرى». وانضمت ماريان حويك إليهما «عن طريق تحويل مئات الملايين من الدولارات - أكثر بكثير من راتبها الرسمي في مصرف لبنان - من حسابها المصرفي إلى حساب رياض ورجا سلامة». وأوضحت أيضاً أن الأموال حولت بشكل متكرر إلى عدد من شركات إدارة الممتلكات في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا مسجلة باسم نادي رياض سلامة، أو شريكة سلامة السابقة آنا كوساكوفا. وأضافت أن نادي هو المسؤول العام عن الشركات المسجلة في لوكسمبورغ، والتي «استخدمت شركات تابعة لها في ألمانيا وبلجيكا لشراء عقارات تجارية راقية بقيمة عشرات الملايين من الدولارات في فرنسا»، كما أن شركات كوساكوفا «تلقت أموالًا من فوري أسوشييتس واستخدمتها لشراء عقارات فاخرة، بما في ذلك شقق لآنا كوساكوفا ورياض سلامة في أحد أكثر الأحياء رواجاً في باريس، ومبنى إداري في جادة الشانزليزيه».

وطبقاً لوزارة الخزانة، استخدم رياض سلامة أيضاً «شركات وهمية في بنما وائتماناً في لوكسمبورغ لإخفاء هويته حيث اشترى أسهماً في شركة عمل فيها ابنه، نادي، مستشارا استثماريا، ليبيع تلك الأسهم لاحقاً لمصرف لبناني يخضع لرقابة مصرف لبنان»، في «تضارب في المصالح وكذلك في انتهاك محتمل للقانون اللبناني».

وبالإضافة إلى كونه لبنانياً، يحمل سلامة الجنسية الفرنسية، وصدرت بحقّه مذكرتا توقيف عن كل من فرنسا وألمانيا. وتحقق فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ مع سلامة وشركائه في جرائم مالية، بما في ذلك الإثراء غير المشروع وغسل أموال بقيمة 330 مليون دولار.

عقوبات ضد بري

وفي موازاة الإجراءات ضد سلامة، طالب كثير من أعضاء الكونغرس بسياسة أميركية أقوى حيال لبنان. وكتب السناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ جيم ريش في رسالة لبايدن أنه «يجب أن نضطلع بدور أكثر حزماً» في لبنان، لئلا «نخاطر» بتحوله «بالكامل لدولة عميلة لإيران». ووصف السياسة الحالية بأنها «فشلت في تحقيق نتائج» لأن الحكومة اللبنانية لم تنفذ الإصلاحات. كما اتهم «حزب الله» بتخزين الأسلحة، واصفاً رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه «امتداد واضح لـ(حزب الله)». ورحب بالدعوات الأوروبية الأخيرة لفرض عقوبات على بري وغيره من السياسيين اللبنانيين.

وكذلك كتب النواب الجمهوريون داريل عيسى ودارين لحود وماكس ميلر رسالة لوزير الخارجية أنطوني بلينكن للتعبير عن مخاوفهم بشأن سياسة الإدارة في لبنان، ودعوا إلى «عقوبات استهدافية، وتجميد أي أصول مقومة بالدولار، على أولئك الذين أظهروا نمطاً لعرقلة الانتخابات الرئاسية، وبينهم بري».


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

المشرق العربي نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

حياة مأساوية مريرة تعيشها عائلات سورية في دمشق، بعد أن اضطرت للهرب من جحيم الحرب في لبنان.

خاص توزيع الملابس على النازحين في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)

خاص لبنانيون يروون لـ«الشرق الأوسط» مأساة نزوحهم المتكرر

عاش جنوبيون كُثر من أبناء القرى الحدودية رحلتَي نزوح أو أكثر؛ الأولى منذ أن أعلن «حزب الله» عن فتح جبهة إسناد غزة، فاضطر الناس للخروج إلى أماكن أكثر أماناً.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي صورة سيارة فان محترقة نشرتها صحيفة «الوطن» السورية لاستهداف إسرائيل مدينة حسياء الصناعية

دمشق تنفي استهداف معمل إيراني وسط سوريا

نفت مصادر سورية صحة الأنباء التي تحدثت عن استهداف مُسيرات إسرائيلية معملاً إيرانياً لتجميع السيارات، وقالت إن المعمل المستهدف فارغ تماماً.

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قائد القيادة الشمالية الإسرائيلية أوري غوردين خلال حضورهما تمارين عسكرية بالجليل في 26 يونيو 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)

نتنياهو من الحدود مع لبنان: «سننتصر»

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأحد، إن بنيامين نتنياهو أجرى زيارة للقوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي نار ودخان يظهران من موقع تعرض لقصف إسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

«حزب الله» يشنّ هجوما بالمسيرات على قاعدة إسرائيلية جنوب حيفا

أعلن «حزب الله»، اليوم (الأحد)، شنّ هجوم بالمسيرات على قاعدة عسكرية إسرائيلية جنوب حيفا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

غارة إسرائيلية قرب موقع بعلبك الأثري في شرق لبنان

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان (أ.ف.ب)
TT

غارة إسرائيلية قرب موقع بعلبك الأثري في شرق لبنان

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان (أ.ف.ب)

وقعت غارة إسرائيلية، اليوم الأحد، على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان، كما أفاد مسؤول محلي، موضحاً أنها لم تطل حَرَم الموقع الذي يعود لآلاف السنين.

وقلعة بعلبك الأثرية، التي تعود خصوصاً إلى الحقبة الرومانية، مُدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة التربية والعلم والثقافة، التابعة للأمم المتحدة «يونيسكو» منذ عام 1984.

وقال محافظ بعلبك، بشير خضر، رداً على سؤال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» حول قصف إسرائيلي قريب من القلعة الأثرية، إن «الغارة وقعت على بُعد نحو 500 إلى 700 متر من القلعة، ولم تكن في القلعة أو في حَرم القلعة».

لكن المحافظ حذّر من أن لغارات مماثلة قريبة «أثراً سلبياً» على الموقع الأثري، «سواء من الدخان الأسود الذي يؤثر على الحجارة، أو من قوة الانفجار» الذي قد تؤثر ارتجاجاته على الموقع، حتى لو لم يجرِ استهدافه مباشرة.

وأظهرت صور للوكالة سُحب دخان منبعثة من خلف الموقع الأثري في بعلبك.

وعُرفت هذه المدينة «الفينيقية حيث كانت العبادة للثالوث الإلهي، بمدينة الشمس في العهد الهيلينستي»، وفق موقع المنظمة.

وتُعدّ بعلبك «بمبانيها الضخمة من أهم آثار الهندسة الرومانيّة الإمبراطورية وهي في أوج ذروتها»، وفق منظمة «اليونيسكو».

وتعرضت منطقة بعلبك، الواقعة في البقاع بشرق لبنان، بالإضافة إلى أطراف مدينة بعلبك، لغارات إسرائيلية بشكل متكرّر، منذ أن كثّفت إسرائيل قصفها للبنان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي.

يأتي التصعيد في لبنان بعد عام تقريباً على فتح «حزب الله» جبهة ضد إسرائيل «إسناداً» لغزة، غداة شن حركة «حماس» هجوماً على جنوب إسرائيل، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واندلاع الحرب المدمرة في القطاع.

ووفق الأرقام الرسمية، قُتل أكثر من ألفيْ شخص في لبنان منذ أكتوبر 2023، بينهم أكثر من ألف منذ بدء القصف الجوي المكثف في 23 سبتمبر.

وقدّرت الحكومة اللبنانية، الأربعاء، عدد النازحين هرباً من العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، بنحو 1.2 مليون شخص يفترش عدد كبير منهم الشوارع في مناطق عدّة من بيروت.