تسعى السلطة الفلسطينية لاستعادة السيطرة على مناطق شمال الضفة الغربية، بعد فترة طويلة من العمل المتحفظ هناك، فرضته تعقيدات متعلقة بإسرائيل والمجموعات المسلحة في المخيمات ومناطق مكتظة هناك.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، نفّذت السلطة حملة اعتقالات لمسلحين وخاضت اشتباكات مسلحة مع آخرين في جنين ثم نابلس، على خلفيات مختلفة بينها الاعتقالات، ومحاولة فض تجمعات، وإزالة حواجز نصبها مسلحون في أماكن محددة.
وجاء تحرك السلطة بعد أعوام من اتهامات إسرائيلية لها، بأنها «فقدت السيطرة في شمال الضفة الغربية وضعفت»، وتركت الساحة هناك لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وهي اتهامات ردت عليها السلطة بـ«اتهام إسرائيل بإضعافها هناك ومحاولة نشر الفلتان».
غير أن الفلتان الأمني هو السبب الرئيسي الذي حرك السلطة، بعد مخاوف من سيطرة فعلية للمسلحين هناك.
وعلى الرغم من أن المسألة معقدة؛ إذ تعمل الجماعات المسلحة ضد إسرائيل، ويبدو الاشتباك معها خدمة لإسرائيل، لكن السلطة تقول، إنها لا تعتقل أو تشتبك مع أي أحد على خلفية المقاومة أو لأسباب سياسية، «وإنما جنائية ومتعلقة بالفلتان الأمني».
مسؤول كبير يوضح
وقال مسؤول كبير لـ«الشرق الأوسط»: إن «الفلتان الأمني هو أحد أهداف الحكومة الإسرائيلية، ويجب أن نكون واعين لذلك». وأضاف أن «للمقاومين دوراً واحداً هو مقاومة إسرائيل، وليس التدخل في الحياة المجتمعية. لا يجب أن يتدخلوا فهذا من اختصاص السلطة». وتابع: «لا يمكن أن تقوم المجموعات المسلحة بدور السلطة، هذا فلتان. تطبيق القوانين والأنظمة مسؤولية السلطة».
وبحسب المسؤول، لا تستهدف السلطة أي مقاوم واع يعرف دوره جيداً، وإنما الذين يستقوون بالسلاح لفرض سيطرتهم وخلق حالة فلتان.
وكان المسؤول يعقّب على اعتقالات واشتباكات جرت في جنين ونابلس، كذلك، آخرها يوم الأربعاء عند مدخل مخيم بلاطة في نابلس، وهي اشتباكات عززت التصور القائم بأن السلطة بدأت ترفع مستوى وجودها في الشمال.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمر الأجهزة الأمنية بمنع تحول مخيم بلاطة إلى مخيم جنين ثانٍ.
وقال مسؤول فلسطيني في رام الله لصحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية: إن عباس، طلب من رجاله العمل من أجل زيادة السيطرة على مخيم بلاطة، «قبل أن يتحول إلى مخيم جنين آخر».
ونشرت الصحيفة حول الاشتباكات التي اندلعت في مخيم بلاطة يوم الأربعاء، بعدما تقدمت جرافة تابعة للسلطة من ضمن آليات أخرى لإزالة عوائق وضعها المسلحون على مداخل المخيم.
ويضع المسلحون في مخيمات محددة مثل جنين وبلاطة، ونور شمس في طولكرم، حواجز حديدية وحجرية وأسلاكاً شائكة لتعقيد اقتحام قوات الجيش الإسرائيلي.
المواجهات في بلاطة جاءت بعد يوم من مواجهات في جنين استخدمت فيها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، الرصاص والغاز للمسيل للدموع، بعد أن هاجم مسلحون المقرّ الرئيسي للأجهزة وخرج متظاهرون ضد استمرار اعتقال السلطة لنشطاء.
وتتهم حركتا «الجهاد الإسلامي» و«حماس»، السلطة، باعتقال مسلحين ونشطاء سياسيين، لكن السلطة تقول إن المعتقلين لديها «يواجهون تهماً جنائية وأخرى متعلقة بمهاجمة مقرات السلطة».
وكان عباس رفض طلباً لـ«حماس» وآخر لـ«الجهاد»، بالإفراج عن المعتقلين قبل اجتماع الأمناء العامين في القاهرة الأسبوع الماضي، وهو الاجتماع الذي قاطعته «الجهاد» احتجاجاً على موقف الرئيس.
وارتفع التوتر بين الفصائل والسلطة أثناء الاقتحام الإسرائيلي لمخيم جنين بداية الشهر الماضي، عندما هاجم مسلحون مقار أمنية للسلطة.
مخاوف من فلتان
السيطرة التي يفرضها المسلحون على مناطق محددة في جنين ونابلس، ومهاجمة مقار أمنية أشعل مخاوف السلطة من حالة فوضى وفلتان لا يمكن السيطرة عليهما، وأدخلها في مواجهة علنية وسرية مع حركتي «حماس» و«الجهاد».
واتهم مسؤول أمني كبير حركتي «حماس» و«الجهاد» بالعمل على تدمير السلطة. ونقل موقع «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدر مطلع، كلاماً لمسؤول كبير في الأجهزة الأمنية، أن «حماس» و«الجهاد» «يريدان تدمير الضفة الغربية، ولا يريدان أن تكون السلطة الفلسطينية هنا».
وأكد الموقع ما نشرته «يسرائيل هيوم»، أنه في محاولة لعكس الاتجاه بعدما فقدت السلطة الفلسطينية، ببطء، السيطرة الأمنية على مناطق في شمال الضفة الغربية، وجّه عباس قوات الأمن للعمل ضد «حماس» و«الجهاد الإسلامي» هناك.
التحرك الفلسطيني في شمال الضفة جاء بعد أشهر من مقاومة ضغوط إسرائيلية وأميركية، على قاعدة أن عقيدة الأجهزة الأمنية تقوم على «احتواء المسلحين وليس مواجهتهم».
ونجحت السلطة جزئياً في ذلك وأنهت مجموعات مسلحة عبر إقناع أفرادها، بتسليم أنفسهم وتقديم حماية لهم من إسرائيل، لكن ذلك لم يجرِ مع الجميع.