بغداد تستعيد أحد المتهمين بـ«سرقة القرن» من الأردن

المتهم الثاني الرئيسي بنهب مليارين ونصف المليار دولار أميركي

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
TT

بغداد تستعيد أحد المتهمين بـ«سرقة القرن» من الأردن

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)

أعلنت هيئة النزاهة العراقية، الخميس، أن الجهود الدبلوماسية أثمرت استعادة أحد المتهمين بما عُرفت بـ«سرقة الأمانات الضريبية» التي دخلت الخطاب السياسي والإعلامي العراقي تحت تسمية «سرقة القرن».

وقال بيان للهيئة إنها «استردّت أحد رجال الأعمال المُتَّهمين في قضية سرقة الأمانات الضريبيَّة من السلطات الأردنيَّة»، مُنوّهةً بأنَّ عمليَّة الاسترداد «تمَّت بإشرافٍ ومُتابعة مباشرة من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني».

وأضافت الهيئة أنه وُجهّت إلى المعني تهم عدَّة «تمثَّلت في التواطؤ مع أحد أبرز المُتورطين في سرقة الأمانات الضريبيَّة عبر تقــديم تســهيلاتٍ لشركاتٍ أجنبيَّة وهميَّة، وتنظيم تنازلٍ غير حقيقي من هذه الشركات للمُتَّهم الرئيسي في القضيَّة. وهو ما تسبب في سرقة أكثر من 3 تريليونات دينار عراقي، أي نحو مليارين ونصف المليار دولار أميركي».

السوداني يستقبل رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة في بغداد الشهر الماضي (أ.ف.ب)

وأوضح البيان أن «المُتَّهم مطلوب في قضيَّتين، حيث أصدرت محكمة تحقيق الكرخ الثانية أكثر من أمر قبض وتفتيش بحقه؛ للتهم المنسوبة إليه في قضيَّـتي سرقة الأمانات الضريبيَّة، وانتحال صفة مسؤولٍ بالدولة، وذلك استناداً إلى أحكام المادة (444-11) من قانون العقوبات، ووفق القرار (160 لسنة 1983)».

وأكد البيان أن «الجهد الدبلوماسي لرئيس مجلس الوزراء وفتحه آفاق التعاون والعلاقات الثنائيَّة مع الدول، أفضيا في الآونة الأخيرة إلى تعاون في استرداد المدانين والأموال المُهرَّبة، وكان آخرها استرداد مدانين من دولة الإمارات العربيَّة المتحدة وسلطنة عمان».

وأعلنت الهيئة فتحها حسابين في «مصرف الرافدين» بالدينار والدولار الأميركيّ؛ من أجل إيداع المبالغ المستردة، ومنها أموال الأمانات الضريبيَّة المسروقة.

وطبقاً لمصادر مطلعة، فإن المتهم الذي تم استرداده من العاصمة الأردنية عمان هو رجل الأعمال العراقي أحمد الصراف. وكانت قضية سرقة الأمانات الضريبية قد تم الكشف عنها أواخر حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، واختلفت التقديرات بشأنها.

رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي (د.ب.أ)

وفي حين تمكن عدد من المتهمين بالسرقة من مغادرة العراق، فإن السلطات العراقية على عهد الكاظمي تمكنت من إحباط عملية هروب المتهم الرئيس نور زهير، الذي كان يروم مغادرة البلاد بطائرته لكنّ قوات خاصة وصلت إلى المطار في اللحظات الأخيرة، وأنزلته من الطائرة... ومكث بالسجن عدة أسابيع، حدث خلالها تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، ومغادرة الكاظمي منصبه.

وأطلق القضاء العراقي سراح المتهم الرئيسي شريطة استرداد الأموال التي سرقها، والبالغة نحو مليار ونصف المليار دولار، بينما بقية الأموال من حصة المتهمين الهاربين ومن بينهم الذي تمت استعادته (الخميس) من المملكة الأردنية الهاشمية، وظهر رئيس الوزراء السوداني آنذاك، في مؤتمر صحافي محاطاً بملايين الدولارات، معلناً عن استعادة نحو 175 مليون دولار من أصل المبلغ.

وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات العراقية استعادة نحو 300 مليون دولار من المتهم الرئيسي، على أن يتم استرداد باقي الأموال التي تحولت في معظمها إلى عقارات غالية الثمن في أرقى أحياء العاصمة العراقية بغداد.

صور نشرها السوداني عبر «فيسبوك» لترؤسه «مجلس الوزراء»

وفي الوقت الذي طالت الاتهامات بالسرقة مقربين من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، فقد ظهر مؤخراً في مقابلة تلفزيونية هي الأولى بعد مغادرته منصبه، نافياً أي صلة له أو لطاقمه بهذه السرقة، مؤكداً أنه هو «من كشف عنها للرأي العام لأول مرة».

من جهته، أصدر وزير المالية السابق علي عبد الأمير علاوي، وثيقة من نحو 120 صفحة، تحدّث فيها بالتفصيل عن «سرقة القرن»، لكن لم تترتب عليها أي نتائج.

كانت القضية قد شغلت الرأي العام العراقي، بوصفها إحدى أهم السرقات في مرحلة ما بعد عام 2003، وتتجه الأنظار الآن إلى المصير الذي ينتظر رجل الأعمال الذي تمت استعادته لا سيما أنه المتهم الثاني في هذه العملية.


مقالات ذات صلة

إردوغان يطالب المعارضة التركية بـ«التوبة»

شؤون إقليمية زعيم المعارضة التركية ورئيس بلدية إسطنبول المحتجز أكرم إمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

إردوغان يطالب المعارضة التركية بـ«التوبة»

هاجم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حزب الشعب الجمهوري الذي يقود المعارضة ورئيسه أوزوغور أوزيل، عادَّاً أنهم باتوا أسرى حفنة من اللصوص في إسطنبول

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية طفلة تبكي لدى رفعها صوراً لأكرم إمام أوغلو خلال تجمع لدعمه بمدينة بايبورت التركية السبت الماضي (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

إمام أوغلو خلال محاكمته: أنا لا أحاكَم... بل أعاقَب

مثل رئيس بلدية إسطنبول المحتجز، أكرم إمام أوغلو، أمام المحكمة في ثاني جلسات دعوى تتعلق باتهامه بتهديد المدعي العام لمدينة إسطنبول أكين غورليك.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل (حساب الحزب في «إكس»)

زعيم المعارضة التركية يرفض أي قرار ببطلان انتخابه رئيساً لـ«الشعب الجمهوري»

أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل أن أي قرار قضائي ببطلان المؤتمر العام للحزب في نوفمبر 2023 أو تعيين وصي على الحزب سيكون باطلاً.

شؤون إقليمية متظاهرون في تركيا يطالبون بالإفراج عن رئيس بلدية إسطنبول المحتجز منذ 19 مارس الماضي (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

إمام أوغلو يقاطع إحدى محاكماته بسبب تغيير مكانها في آخر لحظة

أرجأت محكمة تركية نظر إحدى القضايا المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أغلو، لمقاطعته وفريقه القانوني أولى جلسات الاستماع بسبب نقل مكان انعقادها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب «النصر» القومي التركي المعارض أوميت أوزداغ يحاكم بتهمة التحريض على كراهية وعداء اللاجئين السوريين والمهاجرين الأجانب (من حسابه في إكس)

الادعاء العام بتركيا يطالب بحبس أوميت أوزداغ للتحريض على السوريين

أجّلت محكمة تركية محاكمة رئيس حزب «النصر» القومي المعارض أوميت أوزداغ بتهمة «تحريض الجمهور علناً على العداء والكراهية» إلى جلسة تعقد في 17 يونيو (حزيران).

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

سوريون ولبنانيون منهكون من الحرب يراقبون الصواريخ تتطاير في الصراع الإسرائيلي - الإيراني

شباب سوريون في حديقة عامة في انتظار مشاهدة الصواريخ الإيرانية الاثنين 16 يونيو (أ.ب)
شباب سوريون في حديقة عامة في انتظار مشاهدة الصواريخ الإيرانية الاثنين 16 يونيو (أ.ب)
TT

سوريون ولبنانيون منهكون من الحرب يراقبون الصواريخ تتطاير في الصراع الإسرائيلي - الإيراني

شباب سوريون في حديقة عامة في انتظار مشاهدة الصواريخ الإيرانية الاثنين 16 يونيو (أ.ب)
شباب سوريون في حديقة عامة في انتظار مشاهدة الصواريخ الإيرانية الاثنين 16 يونيو (أ.ب)

في حديقة مطلة على دمشق، أمضى خلدون حلاق، البالغ من العمر 25 عاماً، الأمسيات القليلة الماضية مع أصدقائه، يشربون المتة، ويتناولون المكسرات، ويدخنون النرجيلة، ويراقبون السماء بحثاً عن الصواريخ وهي تحلّق فوق رؤوسهم. قال حلاق لوكالة «أسوشييتد برس»: «لقد مررنا بـ14 عاماً من الحرب، وهذه هي المرة الأولى التي لا علاقة لسوريا بها، ونحن مجرد متفرجين».

ومنذ أن شنت إسرائيل وابلاً من الضربات على إيران الأسبوع الماضي، وردت إيران بهجمات صاروخية وطائرات مسيَّرة ضد إسرائيل، كانت الدول المجاورة في مسار هذه الضربات.

يلتقط صورةً بهاتفه الجوال لتحليق صواريخ إيرانية باتجاه إسرائيل تمر فوق الأراضي السورية في دمشق الأربعاء (أ.ب)

خارج نطاق هذه الضربات، سقطت صواريخ وطائرات مسيَّرة في سوريا ولبنان والعراق؛ ما أدى إلى إتلاف منازل وتسبب في حرائق، وأسفر عن مقتل امرأة في سوريا. لكن هذه الدول لم تُجرّ حتى الآن مباشرةً إلى الصراع - الذي أودى بحياة 224 شخصاً على الأقل في إيران و24 في إسرائيل حتى يوم الثلاثاء - ويأمل الكثيرون من شعوبهم المنهكة من الحرب أن يبقى الأمر على هذا النحو.

في لبنان، الذي لا يزال يعاني آثار حرب العام الماضي بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» المسلحة، أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي محتفلين يرقصون ويشربون على أسطح المنازل، بينما تومض المقذوفات في السماء في الخلفية.

لبنانيون يوثّقون الصواريخ الإيرانية بهواتفهم في حين يعزف آخر على آلة موسيقية (رويترز)

كان فراس مقصد، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة «أوراسيا»، وهي منظمة استشارية للمخاطر مقرّها نيويورك، يزور لبنان عندما اندلع الصراع، وكان يحضر حفل زفاف عندما بدأ موكب من الصواريخ يضيء السماء بينما كان منسق الموسيقى يعزف أغنية الديسكو الشهيرة «أعطني! أعطني! أعطني! (رجلاً بعد منتصف الليل)» لفرقة «آبا». نشر مقطع فيديو للمشهد انتشر على نطاق واسع.

وقال مقصد: «بالتأكيد، يشعر معظم الناس في لبنان وسوريا أيضاً بالرضا الشديد لكونهم خارج نطاق هذا». لم يعد الأمر محط الأنظار، بل شعور بالراحة. بالنسبة للبعض في المنطقة، هناك أيضاً قدر من الشماتة عند مشاهدة الجانبين يتبادلان الضربات.

مثل سوري

هناك تعبير سوري يُترجم حرفياً إلى «ناب كلب في جلد خنزير». ويعني ذلك أن شخصين يُنظر إليهما على أنهما حقيران يتقاتلان. وقد ظهرت هذه العبارة بشكل متكرر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبّر السوريون عن مشاعرهم تجاه الصراع الإسرائيلي - الإيراني.

وكان السوريون قد استاءوا من التدخل الإيراني العنيف لدعم الرئيس السابق بشار الأسد خلال الحرب في البلاد، لكنهم غاضبون أيضاً من توغلات إسرائيل وضرباتها الجوية في سوريا منذ سقوط الأسد. كما يتعاطف السكان السوريون ذوو الأغلبية السنية على نطاق واسع مع الفلسطينيين، خاصة مع المدنيين الذين قُتلوا ونزحوا بسبب الحرب المستمرة في غزة.

سوريون على سطح مقهى في دمشق لرصد الصواريخ الإيرانية التي أُطلقت باتجاه إسرائيل فجر الأربعاء (أ.ف.ب)

قال أحمد الحسين (18 عاماً)، من دمشق، والذي كان يجلس في حديقة مع أصدقائه ينتظرون رؤية الصواريخ تمر فوق رؤوسهم ليلة الاثنين: «الله يهدي الظالمين لبعضهم بعضاً. أتمنى أن يستمر هذا. لقد تضررنا من كليهما».

وأكد حلاق هذا الشعور. وقال: «في كل مرة نرى فيها صاروخاً ينطلق، نقول: الله يصبّ البنزين على هذا الصراع». «إذا أصيب أحد الجانبين، فسنكون سعداء، وإذا أصيب الجانب الآخر، فسنكون سعداء أيضاً. لن نغضب إلا إذا كان هناك مصالحة بينهما».

صواريخ دفاع جوي إسرائيلية تعترض صواريخ إيرانية فوق الأراضي اللبنانية (المركزية)

في لبنان، حيث أسفرت حرب إسرائيل و«حزب الله» العام الماضي عن مقتل أكثر من 4000 شخص، بينهم مئات المدنيين، وخلفت دماراً في مساحات واسعة من جنوب وشرق البلاد وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، يرى البعض الانتقام في لقطات المباني المدمرة في تل أبيب.

«حزب الله» لا يزال هادئاً إلى حد كبير. أنهى اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في آخر حرب بين إسرائيل والحزب نوفمبر (تشرين الثاني). ظلت الجماعة المسلحة اللبنانية - التي فقدت الكثير من قياداتها العليا وترسانتها في الصراع - هادئة إلى حد كبير منذ ذلك الحين، ولم تُبدِ أي إشارة إلى نيتها الانضمام إلى المعركة بين إسرائيل وإيران.

محور إيران

قال حسين الوليد (34 عاماً)، وهو عامل لحام في مدينة صيدا الساحلية الجنوبية: «بالطبع أنا ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإيران دولة إسلامية تقف في وجهه».

وعلى الرغم من المشاهد الدرامية للمباني التي تحولت أنقاضاً في إسرائيل، فقد تعرضت طهران ومدن إيرانية أخرى لقصف أشد - ولا يزال من الممكن جر دول إقليمية أخرى، بما في ذلك لبنان، إلى الصراع.

قالت كارولين روز، مديرة معهد «نيو لاينز» للأبحاث ومقره واشنطن، إنه بينما يبدو «واضحاً أن الوكلاء المدعومين من إيران في جميع أنحاء المنطقة - وخاصة (حزب الله) - لا يملكون القدرة» على دخول المعركة، فإن إسرائيل قد تقرر توسيع نطاق هجومها إلى ما هو أبعد من إيران. كان أحد الأهداف التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو القضاء على «محور الإرهاب» الإيراني - وهو تحالف الجماعات المسلحة المدعومة من طهران في جميع أنحاء المنطقة والمعروف باسم «محور المقاومة».