بتأكيده «محدودية الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي، والذي لا يتناسب مع حجم الأعباء التي تتحملها مصر»، وضع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قائمة مطالب على طاولة المؤتمر الدولي للهجرة والتنمية بالعاصمة الإيطالية روما، مؤكداً استضافة بلاده «أكثر من 9 ملايين مهاجر ولاجئ، بنسبة تتجاوز 8% من تعداد السكان».
ووضعت الحرب في السودان المزيد من الأعباء على مصر في هذا الملف، حيث أشار رئيس الوزراء المصري إلى استقبال «ما يقرب من 40% من إجمالي الفارين من أعمال العنف في السودان»، مشدداً على أن مصر «لم تتوانَ عن تقديم الدعم وتوفير الخدمات الأساسية للوافدين رغم التحديات الاقتصادية المتزايدة». وقال إن هؤلاء جميعاً «يستفيدون على قدم المساواة مع المصريين، من الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة في مجالات التعليم والصحة»، وفق بيان من رئاسة مجلس الوزراء، صدر مساء الأحد.
ويرى العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن قضية اللاجئين تمثل «الملف الأخطر للكثير من البلدان، بما في ذلك مصر التي تواجه المزيد من الضغوط بعد اندلاع الاقتتال في السودان منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي».
وشارك في الوفد المصري للمؤتمر، الذي انعقد ليوم واحد، سفير القاهرة لدى روما، بسام راضي، والسفير إيهاب بدوي، مساعد وزير الخارجية للشؤون متعددة الأطراف والأمن الدولي. وشهد الحدث الدولي مشاركة واسعة من ممثلين لقادة المنطقة، والاتحاد الأوروبي، والمؤسسات المالية الدولية. وكان بين المشاركين: الرئيس التونسي قيس سعيّد، والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، ورئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، ورئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي.
وأضاف عكاشة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المجتمع الدولي منشغل بشكل كبير بالحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي تواجه مسألة توفير التمويل اللازم للنازحين واللاجئين صعوبات عدة، ما جعل مصر تركز عليها في خطابها أمام مؤتمر روما».
وقال مدبولي، في كلمته إن ارتفاع تدفقات الهجرة غير الشرعية «يمثل أحد أكبر التداعيات التي يتطلب التعامل معها عقد شراكات مستدامة تحقق المنفعة المشتركة». وأشار إلى مصر بوصفها «دولة مصدَر، ومعبَر، ومقصِد».
وشدد على أن الدولة المصرية «تتبنى نهجاً شاملاً في التعامل مع ظاهرة الهجرة بشكل عام، من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الطاردة، ورفع مستوى الوعي بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وتوفير العمالة المدربة لسوق العمل، وخلق مسارات للهجرة النظامية، بالتوازي مع إحكام السيطرة على الحدود، ومكافحة شبكات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر، وتطوير قانون وطني ولجنة وطنية تنسيقية لمكافحة ومنع هاتين الجريمتين ومحاسبة مرتكبيها وحماية ضحاياها، وهو ما أسفر عن عدم إبحار أي مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية منذ سبتمبر (أيلول) 2016».
ودعا مدبولي إلى «احترام مبدأ التقاسم المنصف للأعباء والمسؤوليات لتعزيز صمود المجتمعات المستضيفة، واستحداث أدوات تمويلية جديدة قادرة على التجاوب بشكل سريع وفعال، وتوفير التمويل للدول التي تعاني من تحديات اقتصادية لضمان استدامة تقديم الخدمات فيها».
ويعلق العميد عكاشة بالقول إن هذا الملف «يحتاج إلى استجابات أكثر جدية، وتحديداً، عبر توفير المخصصات المطلوبة، ووفق جداول زمنية محددة». ورأى أيضاً أنه بحاجة إلى «مقاربة سياسية من المجتمع الدولي لتوفير حلول جذرية للأزمات التي فجرت هذه الأوضاع من اللجوء والنزوح، عبر بلورة وفرض حلول سياسية لإرساء الاستقرار المنشود في الدول المتضررة».
وعلى هامش مشاركته في المؤتمر، التقى مدبولي، المديرة العامة المنتخبة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، التي ستتولى منصبها رسمياً في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك وفق بيان، (اليوم الاثنين)، من مجلس الوزراء المصري. وفي اللقاء، أكد رئيس الوزراء «أهمية الحاجة لتطوير آليات التعامل مع ملف الهجرة، واستحداث مناهج عمل تساعد في معالجة جذور ملف الهجرة غير الشرعية، وتسهم في تخفيف الأعباء عن الدول المستضيفة للاجئين».
ولا تحصل الحكومة المصرية «على أية مبالغ من المجتمع الدولي»، لصالح ملف المهاجرين واللاجئين على أراضيها، و«إنما تذهب هذه المبالغ إلى المنظمات الأهلية والدولية العاملة في رعايتهم»، وفق الدكتور أيمن زهري، خبير السكان ودراسات الهجرة. يقول زهري، لـ«الشرق الأوسط»: «تحتاج مصر إلى وجود نوع من تقاسم الأعباء في رعاية اللاجئين».
وبتفصيل أكثر، أوضح زهري: «يجري هذا من خلال التعاون الدولي؛ فتقاسم الأعباء مبدأ موجود في الميثاق العالمي للاجئين؛ بأن تشارك كل الدول في تحمل هذه الأعباء». وأشار إلى أن الدعم الذي يتلقاه اللاجئون في مصر، من الأمم المتحدة، «لا يمثل إلا نحو 10 إلى 15% فقط من الدعم المطلوب».
ورأى الباحث في دراسات الهجرة أن وصف اللاجئين في مصر بـ«الضيوف»، يؤدي إلى «ضياع حق مصر، وحقوق اللاجئين أنفسهم». واستطرد: «على المستوى السياسي، نرحب بوصف الضيوف، لكن على المستوى العملياتي، لا بد أن يشارك المجتمع الدولي في توفير الموارد الكافية واللازمة لهم»، مشدداً على «محدودية» الدعم الذي تتلقاه مفوضية اللاجئين للإنفاق عليهم في مصر.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان متفائلاً بمخرجات مؤتمر روما، في ضوء المطالب المصرية، قال زهري: «لست متفائلاً، ولا متشائماً، لكن لننتظر، ونضغط حتى يفي المجتمع الدولي بالتزاماته».