«أصبح رمادًا وركاما»... حريق كبير يدمر سوقًا في قلب دمشق

أعاد إلى الذاكرة حريقاً مماثلاً التهم سوق العصرونية عام 2016

حريق سوق ساروجة (مواقع)
حريق سوق ساروجة (مواقع)
TT

«أصبح رمادًا وركاما»... حريق كبير يدمر سوقًا في قلب دمشق

حريق سوق ساروجة (مواقع)
حريق سوق ساروجة (مواقع)

الحرّ الذي حرم سكان دمشق النوم ليل السبت/ الأحد، تكالب مع النيران التي شبت في حي ساروجة الأثري ليبدأ صباح العاصمة بصور مروعة لحريق كبير نشب في أحد المنازل في شارع الثورة خلف المصالح العقارية، وامتد ملتهماً جزءاً من السوق وعدة منازل أثرية.

وخلال ثلاث ساعات من الثالثة فجراً حتى السادسة صباحاً، تحولت المنطقة إلى ركام ورماد، معيداً إلى الذاكرة حريقاً مماثلاً التهم سوق العصرونية خلف الجامع الأموي في أبريل (نيسان) عام 2016 وحوَّل 80 محلاً إلى رماد، كما أصاب مائة محل آخر بأضرار. وقيل حينها، إن الحريق مفتعل من قبل أطراف لها أطماع بشراء المحلات التجارية المجاورة للجامع الأموي ومقام السيدة رقية.

حرائق وحرارة مرتفعة

ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى 42 درجة مئوية في دمشق، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ارتفع معدلات وقوع الحرائق في عموم البلاد، لا سيما مناطق الغابات. وشهدت دمشق وحدها يوم السبت، ثمانية حرائق في أماكن متفرقة أصابت أربعة منازل، في المنطقة الصناعية، وحي التجارة، وحي مزة جبل، وحي الميدان.

إخماد حريق حي سوق ساروجة بدمشق (سانا)

كل ذلك، وسط تحذيرات حكومية من ارتفاع الحرارة وضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثل عدم ملء خزنات وقود السيارات بالكامل وتلافي وضع أسطوانات الغاز تحت أشعة الشمس وعدم الخروج من المنازل وقت الظهيرة، وغيرها.

وبحسب شهود عيان نشب حريق فجر يوم الأحد في أحد المنازل العربية القديمة في حي «ساروجة - الشيخ مجاهد»، خلف المصالح العقارية بشارع الثورة، وامتد الحريق إلى الأبنية المجاورة، منها منزل عبد الرحمن باشا اليوسف الأثري ودار الوثائق التاريخية التي تحتوي على أرشيفات ووثائق هامة ونادرة لمدينة دمشق وغوطتها وعامة سوريا.

أضرار كبيرة

واستغرق إخماد الحريق أكثر من أربع ساعات، بمشاركة 20 آلية من فوج إطفاء دمشق والدفاع المدني والأهالي الذين تحدثوا عن أضرار مادية كبيرة في المنازل العربية القديمة، مع وقوع إصابات بشرية طفيفة.

وقام رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، في الساعة الخامسة صباح الأحد بتفقد أعمال إخماد الحريق. وكان في الموقع محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي وقائد شرطة دمشق والعديد من ضباط وعناصر الدفاع المدني والإطفاء والشرطة.

جامع الجرن الأسود سوق ساروجة (ويكيبيديا)

وكان مهتمون بمدينة دمشق الأثرية قد طالبوا أكثر من مرة بـ«ترميم عاجل» لبيت عبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج الشامي أيام الدولة العثمانية، وأكثر أهل الشام ثراءً في زمنه، لتميز المنزل الذي تم تزيينه في نهاية القرن التاسع عشر بأعمال رسم وحفر وتذهيب نادرة. ويعتبر من كنوز دمشق المعمارية.

وكتب الباحث والمؤرخ الدمشقي سامي مبيض، على حسابه في «فيسبوك»، أن مكتبه الواقع في سوق ساروجة «لم يطله الحريق الكبير... أمّا بيت جدّي المرحوم عبد الرحمن باشا اليوسف فقد تضرّر كثيراً».

حي عريق

ويحتل سوق ساروجة كحي قديم مكانة خاصة لدى السوريين، لا سيما الدمشقيين، لما فيه من خصوصية ثقافية واجتماعية وتاريخية، حيث تستقطب مقاهيه الشعبية المثقفين والشباب، كما تستقطب منازله العربية صناع الدراما السورية، لتصوير مسلسلات البيئة الشامية والدراما الاجتماعية التي تدور في الأحياء القديمة، التي تعد أول توسع لدمشق التاريخية خارج السور في القرن الثالث عشر الميلادي.

ويعود حي ساروجة إلى عهد الأمير المملوكي سيف الدين تنكز، ونسب اسم الحي إلى أحد قادته العسكريين صارم الدين ساروجة المتوفى سنة 743 هـ - 1342م. ويضم الحي مدارس وجوامع وحمامات مملوكية بعضها لا يزال قائماً، منها جامع الورد وحمام الورد والمدرسة المرادية ومسجد الوزير وغيرها، وذلك رغم تعرض الحي للتخريب خلال صراعات الأمراء في الفترة المملوكية، لا سيما بعد حرق تيمورلنك لدمشق عام 803 هـ.

سوق ساروجة معلم سياحي ودرامي في سوريا (وزارة السياحة)

مع بدء الحكم العثماني، عاد الألق لحي ساروجة الذي تميز بسوق كبيرة ومنازل واسعة وحمامات ومساجد فخمة، بحيث أطلق عليه اسم (إسطنبول الصغرى)، نسبة للأرستقراطية العثمانية التي سكنت الحي.

مصادر في دمشق متابعة لملف المواقع الأثرية قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في عام 1970 صدر قانون التنظيم رقم 44 تحت اسم (تنظيم البحصة) ومدخل ساروجة وغربي سوق الهال وشرقي المرجة».

وتم تحديد العقارات الأثرية مثل جامع الورد وحمام الجوزة والمدرسة الشامية. ثم توزعت أسهم المنطقة توزيعاً إجبارياً وفقاً لأحكام قانون تنظيم وعمران المدن رقم 9 لعام 1974، وتم تسجيل هذه المنطقة بالسجل العقاري بعد اكتساب التوزيع الإجباري الدرجة القطعية.

صورة لحي سوق ساروجة بعد إطفاء حرائقه

ثم منحت تراخيص بناء لعدد من المقاسم الناتجة عن المصور التنظيمي تجاوزت 50 في المائة من عدد المقاسم، وتم بناؤها وفقاً للمصور التنظيمي المصدق. لكن عام 1988 صدر القرار 15/م.ت الذي ارتأى وقف منح مصورات الوجائب ورخص الهدم أو أي من الأعمال التنفيذية الأخرى، التي تمس النسيج العمراني في منطقة ساروجة المشمولة بالمصور 44، وذلك لحين الانتهاء من دراسة المنطقة وحتى إشعار آخر. وقد تعرضت أجزاء من الحي للهدم مع حي البحصة، وأقيمت أبنية بيتونية حديثة وأبراج بجوار مناطق وضعت عليها إشارة أثرية وتركت للإهمال وعوامل الزمن كي تأكلها.



غالانت: سنواصل ضرب «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال

سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)
سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)
TT

غالانت: سنواصل ضرب «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال

سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)
سيدات يقفن إلى جانب أحد المنازل المدمرة في بلدة الخيام (أ.ف.ب)

جدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تأكيده على مواصلة المواجهات مع «حزب الله» حتى إعادة سكان الشمال إلى منازلهم، في وقت ساد فيه الهدوء الحذر على جبهة جنوب لبنان، الأحد، بعد توتّر شهده مساء السبت.

وقال غالانت، في تصريح له عند الحدود الشمالية: «الثمن الذي ندفعه لن يذهب سدى، وسنواصل ضرب (حزب الله) حتى نعيد سكان الشمال».

وسجّل قصف متقطع على بلدات جنوبية عدة؛ ما أدى إلى سقوط 4 جرحى، فيما نفذ «حزب الله» عملية مستهدفاً «التجهيزات التجسسية في موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا»، و«دورية للجيش الإسرائيلي قرب حاجز كفريوفال»، و«انتشاراً لجنود إسرائيليين في محيط موقع المرج بالأسلحة الصاروخية».

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن مسيّرة شنت غارة استهدفت بلدة عيتا الشعب؛ ما أدى إلى سقوط 4 جرحى، وفق ما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية. وأشارت «الوطنية» إلى أن درون إسرائيلية ألقت قنابل 4 مرات، الأحد، بالقرب من الجدار الحدودي في بلدة كفركلا.

وأضافت «الوطنية» أن مسيّرة إسرائيلية ألقت مواد حارقة بالقرب من بلدية العديسة، بالتزامن مع قصف مدفعي على البلدة وعلى أطراف بلدة الوزاني.

وكان مساء السبت شهد توتراً على الجبهة؛ حيث تعرضت أطراف يحمر الشقيف ومجرى النهر عند الأطراف الجنوبية فيها لقصف مدفعي، تسبب في اندلاع النيران التي امتدت إلى مشارف المنازل.

وأفادت «الوكالة» أيضاً بأن مسيّرة إسرائيلية ألقت قنبلة حارقة على أحراج العديسة وأخرى قرب البلدية؛ مما تسبب باندلاع النيران فيها، وللسبب نفسه، تحركت سيارات إطفاء لإخماد حريق كبير شبّ في أطراف بلدة الناقورة جراء إلقاء طائرة درون مواد حارقة في المنطقة، حسب «الوطنية».

ومع ارتباط جبهة الجنوب بالحرب على غزة ومسار مفاوضات الهدنة، يعدُّ رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي الوضع بجبهة الجنوب في هذه المرحلة كما كان عليه منذ أن فتح «حزب الله» جبهة الإسناد في 8 أكتوبر (تشرين الأول)، مع تراجع في مستوى تهديدات «حزب الله». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الاختلاف اليوم هو أن سقف تهديدات قادة (حزب الله) بات أكثر محدودية مع اقتناعهم بأن التصعيد لم يردع إسرائيل بل كان يوفر الذرائع لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لجر الحزب لحرب واسعة لا تريدها إيران».

وفي حين يلفت إلى أن «الرد على اغتيال القيادي فؤاد شكر لم يكن بمستوى التهديدات والتوقعات وسبقه ضربات استباقية عنيفة من جانب إسرائيل»، يشير إلى «الغارات الجوية اليومية للطيران الإسرائيلي وعمليات الاغتيال المستمرة مقابل ضربات للحزب محصورة بمنطقة جغرافية وعدد من المواقع الإسرائيلية قرب الحدود».

جانب من الدمار الذي لحق بمباني ميس الجبل في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

من هنا يرى أن هذا الواقع سيستمر على ما هو عليه بانتظار حل دبلوماسي، تسعى إليه قوى مثل أميركا وفرنسا، سيأتي بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكن السؤال يبقى، حسب قهوجي «ماذا سيفعل الحزب إن تمكنت إسرائيل من اغتيال شخصية قيادية جديدة للحزب أو إذا أصرت إسرائيل على تغيير الواقع العسكري في جنوب لبنان بشكل كبير؟».