شهد استحقاق الشغور المرتقب في رئاسة مصرف لبنان المركزي، تحولاً مفصلياً ومثيراً قبيل ثلاثة أسابيع من انتهاء الولاية القانونية للحاكم رياض سلامة بنهاية شهر يوليو (تموز) الحالي، وحمل في طياته تلويحاً بالانغماس في مرحلة فراغ مكتمل في مركز صناعة القرار النقدي وإدارة المهام المناطة بالحاكمية وبالمجلس المركزي.
فقد فوجئت الأوساط السياسية، قبل المصرفية والمالية، بصدور بيان مشترك ونادر من قِبل النواب الأربعة للحاكم يشي بتصعيد لاحق في حال عدم الاستجابة لطلبهم بتعيين الحاكم. وهو ما فسّره مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط» بمنزلة الإنذار بالاستقالة أو الامتناع عن ممارسة مهامهم. وهو ما يمكن استنباطه من تشديدهم الجماعي على ضرورة تعيين الحاكم من قِبل مجلس الوزراء، وتحت طائلة التلويح باتخاذ «الإجراء المناسب» من قِبلهم.
ومن شأن الوصول إلى أي من الاحتمالين، أي الاستقالة أو الاعتكاف، إحداث فراغ جسيم في مركز القرار النقدي، يشي بالانتقال إلى فوضى عارمة في القطاع المالي والتوقف الفوري لمنصة «صيرفة» وسخونة غير مسبوقة في أسواق صرف العملات. علماً أن النواب الأربعة، وإضافة إلى المهام اليومية الموكلة اليهم، يشكلون مع الحاكم، والى جانب مدير عام وزارة الاقتصاد، قوام المجلس المركزي لمصرف لبنان.
وبذلك، ستجد الحكومة نفسها أمام احتمالين أيضاً، ولكل منهما تعقيداته غير العادية. فإما أن تستجيب للمطلب وتعمد إلى تعيين حاكم جديد قبل نهاية الشهر الحالي. وهو خيار محفوف بعقبات جديّة؛ نظراً للربط غير المعلن بين موقعي رئاسة الجمهورية والحاكمية من جهة، ولضرورة قيام الحاكم الجديد بأداء القسم أمام رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء مجتمعاً بنصابه الكامل، بوصفه ينوب عن الرئيس.
أما الاحتمال الآخر، ودونه أيضاً عراقيل لا تقل تعقيداً عن الخيار الأول، فيقضي بالطلب إلى سلامة «الاستمرار بتسيير المرفق العام» رغم اللغط السياسي المرتقب والملابسات القضائية التي تلاحقه لدى محاكم محلية وخارجية.
ووفق معلومات «الشرق الأوسط»، فان نواب الحاكم وفق توالي ترتيبهم من الأول إلى الرابع، وهم: وسيم منصوري (شيعي)، وبشير يقظان (درزي) وسليم شاهين (سنّي) وألكسندر مراديان (أرمني)، سبق أن أبلغوا مرجعياتهم السياسية والطائفية بصعوبة إدارة التعامل مع الفراغ في موقع رأس الهرم في السلطة النقدية في ظل الظروف الحاضرة، والتي تتسم بتعقيدات بالغة في الميدان السياسي، ولا سيما ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ مما يضاعف من حجم الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتق البنك المركزي.
وبالفعل، أصدر نواب الحاكم بياناً مذيلاً بتواقيعهم الأربعة، وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، وأشاروا فيه إلى الحيثيات الدافعة لموقفهم الموحد، وفي مقدمها «التباينات السياسية التي تجلت في العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وملء الشواغر في إدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية، وانعكاسها على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية». إضافة إلى «عدم توافق القوى السياسية في مقارباتها لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية».
واستطراداً، لاحظوا «أن المصارف المركزية ترسم سياساتها النقدية بالتوافق مع سياسة الدولة العامة، والتي هي للأسف غير متجانسة في الوضع الراهن للدولة اللبنانية». وأيضاً في غياب خطة شاملة وواضحة لإعادة التوازن المالي والمصرفي، وتحقيق توازن في موازنة الدولة؛ مما يسمح للمصرف المركزي بوضع الأسس النقدية والمالية لإعادة الثقة».
وفي الاستنتاج، «لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال إلى السلطة النقدية الأعلى في الدولة. ولذلك؛ ومع اقتراب تاريخ انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي في 31 يوليو (تموز)، نرى من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، وإلا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة».
ومن دون التطرق إلى التفاصيل، تحاشى بيان نواب الحاكم التعليق على الانتقال الطارئ لموقع الحاكم ومهامه، والذي يرد صريحاً في قانون النقد والتسليف (المادة 25)، ويقضي بانتقال منصب «الحاكم» حصراً إلى نائبه الأول الدكتور وسيم منصوري. بينما لاحظ المسؤول المصرفي، أن طبيعة «خلافة مؤقتة» كهذه هي تحوطية وتقوم أساساً على حصول شغور «مفاجئ» أو غياب للحاكم الأصيل عن البلد، وبما يتيح المهلة الضرورية لتمكين الحكومة من إصدار مرسوم التعيين.
وبذلك؛ فان ما يتهيّب منه نواب الحاكم يرد في المادة 26 من القانون عينه، حيث «يتمتع الحاكم بأوسع الصلاحيات لإدارة المصرف العامة وتسيير أعماله. وهو ممثل المصرف الشرعي، يوقّع باسمه جميع الصكوك والعقود والاتفاقات ويجيز إقامة جميع الدعاوى القضائية ويتخذ جميع الإجراءات التنفيذية أو الاحتياطية التي يرتئيها، بما في ذلك التأمينات العقارية. وهو ينظم دوائر المصرف ويحدد مهامها، ويعين ويقيل موظفي المصرف من جميع الرتب».