حذر ناشطون في المجال الإنساني ومديري مخيمات نازحين في شمال غربي سوريا، من تبعات قرار «برنامج الغذاء العالمي»، الذي دخل حيز التنفيذ مع بدء شهر يوليو (تموز) الحالي، في خفض مساعداته الإغاثية للسوريين، وأن يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني وتعميق مأساة ملايين النازحين الذين يعتمدون في معيشتهم اليومية على المساعدات الإنسانية الأممية بشكل رئيسي.
وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن في 13 يونيو (حزيران) الماضي، أنه اضطر إلى خفض مساعداته للسوريين الذين يعتمدون عليها بشكل أساسي من 5.5 مليون إلى 2.5 مليون سوري، بسبب نقص التمويل، وسيؤدي ذلك إلى إجبار البرنامج على إلغاء المساعدة إلى نحو 2.5 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا، اعتباراً من يوليو الحالي.
«إذا استمر النقص الحاد في المساعدات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة، عن سكان المخيم الذي يقطنه ما يقارب 200 عائلة فقيرة، فسيضطر عدد كبير منهم إلى اللجوء للتسول على أبواب المساجد والأسواق»... بهذه الكلمات بدأ أبو عز الدين (50 عاماً)، حديثه عن حجم الكارثة والمعاناة التي تهدد قاطني مخيمه (الغرباء) في محيط مدينة الدانا، إضافة إلى مئات المخيمات التي يقطنها ملايين النازحين شمال إدلب، أمام تراجع حجم المساعدات الإغاثية وتوقفها هذا الشهر.
ويضيف: «نحو 129 عائلة ضمن مخيمه كانت مستفيدة من برنامج الأغذية العالمي، وكانت تحصل على سلة غذائية شهرية في حين أن 70 عائلة غير مستفيدة، وبالقرار الأخير بخفض المساعدات، لم تحصل هذا الشهر أي عائلة على أي مساعدات إنسانية أو سلة غذائية، وهذا يهدد حياة العائلات الأشد فقراً في المخيم وأطفالها، التي تعتمد بشكل رئيسي في غذائها على الكميات المحدودة من الرز والحمص والسكر والزيت النباتي».
في مخيم «الأمل» بالقرب من الحدود السورية التركية، تعيش نحو 230 عائلة، من بينها عائلة الحاجة مريم (55 عاماً) و3 من بناتها (اثنتان منهن تعانيان من مرض ضمور جسدي) وبحاجة إلى رعاية وغذاء دائم، بلا مساعدات مع حالة من القلق والخوف من توقف المساعدات بشكل نهائي عنهن. تقول الحاجة مريم: «اعتدنا على تسلم سلة إغاثية شهرية مع بداية كل شهر (3 ليترات زيت نباتي و4 كيلوغرامات سكر ومثلها أرز و2 كيلو حمص و2 كيلو فاصولياء، وكمية من البرغل والعدس مع ربطة خبز كل يومين)، أما هذا الشهر فلم نتسلم حصتنا الإغاثية (السلة) حتى الآن، وشارفت الكمية المحدودة من الطعام التي بقيت لدينا على النفاد، ونحن في حيرة من أمرنا، وكيف السبيل للحصول على طعام جديد، في الوقت الذي تعاني فيه اثنتان من بناتي من حالة صحية صعبة لا تسمح لي بتركهما في الخيمة وأذهب للعمل والحصول على نقود لشراء الغذاء، وأخشى أن أضطر للتسول».
ووفق تقرير حديث لمنظمة «منسقو استجابة سوريا» التي تهتم بالشأن الإنساني شمال غربي سوريا، فإن «نسبة العجز في خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 في سوريا، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وتجاوزت في نسبتها الجديدة 89 في المائة من التمويل اللازم، كما يضاف إلى العجز الحالي، عجز جديد في تمويل الاستجابة الخاصة للمتضررين والمنكوبين من تبعات وكارثة زلزال 6 فبراير (شباط)، بنسب عجز تجاوزت 70 في المائة، في حين أن عدد السكان بمناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا تجاوز ستة ملايين نسمة، بينهم 49.32 في المائة نازحون يعيشون في المخيمات وخارجها وسط ظروف إنسانية صعبة، من ضمنهم نحو 888 ألف طفل، وأكثر من 600 ألف امرأة، و84 ألفاً من ذوي الاحتياجات الخاصة». وقد زار وفد من الأمم المتحدة، في 4 يوليو، برئاسة نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، ديفيد كاردن، وبرفقة عدد من العاملين في المجال الإنساني، منطقة إدلب شمال غربي سوريا، وأجرى جولة على عدد من المخيمات القريبة من الحدود السورية التركية وتقييم الوضع الإنساني والطبي في المنطقة.
ويرى عمر حاج حمود، وهو ناشط في المجال الإنساني في إدلب، أن منطقة شمال غربي سوريا، مقدِمة على كارثة إنسانية قد تصل إلى حد المجاعة المرعبة في أوساط ملايين النازحين. وقال: «لا شك بأن كارثة رهيبة ستحل على المنطقة أمام هذا القرار غير الصائب من قبل جهة إنسانية أممية من أولى مهامها رعاية وإغاثة ضحايا الحروب، وخاصة الحرب السورية التي شردت ملايين السوريين ودفعتهم للإقامة ضمن مخيمات عشوائية وبلا فرص عمل قادرة على تأمين الحد الأدنى من متطلبات حياتهم اليومية والمعيشية».
ويضيف: «هناك ما يقارب 13 ألف طفل يتيم بلا أب وأم دون الخامسة عشرة من أعمارهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية دائمة، وكذلك نحو 40 في المائة من النازحين والمقيمين الأصليين في المنطقة غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية والمعيشية نظراً لظروفهم المزرية المختلفة، فمنهم المريض وغير قادر على العمل لجلب ثمن قوت أسرته، وكذلك أصحاب الإعاقات الجسدية، لا سيما أنه لا تزال المنطقة غير مهيأة لسوق العمل بعد، أو توافر فرص العمل الكافية فيها لأكثر من 6 ملايين نسمة يعيشون في المنطقة».
ولفت إلى أن بعض المنظمات الشريكة للأمم المتحدة «قد تعتمد خطة توزيع جديدة لتغطية النقص في المساعدات لمخيمات النازحين، وهي سلة كل 3 أشهر، وهذا بالطبع لن يساعد في تجاوز الأزمة بتاتاً».